الإصلاح الإنجيليقضايا وملفات

من نحن؟ ولماذا نحن هنا؟

الهدى 1236                                                                                                                                    أكتوبر 2021

الإصلاح في ذاته احتياج دائم، لكن يبدو أن السنودس أدرك الحاجة الملحة لا للإنعقاد، بل للإصلاح. وإذ أتابع عن قرب- إلى حد ما – من خلال التواصل مع البعض، أو ما يكتبه الزملاء على صفحة «حوارات الرعاة»، وما يكتبونه يحمل أحياناً نقداً ذاتياً صريحاً، أو أحلاماً وأشواقاً لكنيسة أفضل، ولا يخلو الأمر من تصورات وإقتراحات لأجل المستقبل. وكون السنودس يقرر «إنعقاداً خاصاً» لهذا الغرض، فهذا يعني أن الأمر لم يعد في حاجة إلى مجرد أشواق وإقتراحات مكتوبة، أو حتى عظات حماسية للدفع نحو الإصلاح، ولا حتى إتخاذ قرارات محكمة الصياغة، خاصة بالإصلاح، خالية من أية أخطاء إجرائية. يبدو أن الحاجة صارت ملحة إلى خطوات جادة عملية وفعالة، تتم على أرض الواقع، وتكون قابلة للقياس..
وحتى لا تضاف هذه السطور إلى أوراق كثيرة سابقة أو لاحقة، وتقف عند حد كتابتها أو على الأكثر قراءتها، أركز الآن على الإجابة عن سؤالين: من نحن؟ ولماذا نحن هنا؟
السؤال الأول: من نحن؟
لن أقف أمامه كثيراً، فأنتم أكثر دراية وخبرة، ولأنكم في الحقل الآن، فأنتم أولى بالإجابة، لكنني أقول في عجالة: من نحن؟
نحن كنيسة…مصرية … إنجيلية … مشيخية.
إننا كيان خاص إسمه كنيسة بكل ما تحمل هذه التسمية من مدلولات لاهوتية وعملية.
إننا كنيسة مصرية: والكنيسة تدين بالفضل للمرسلين الأمريكان والإسكتلنديين الذين وضعوا البذار في القرن 19، لكننا الآن كنيسة مصرية 100%، ولم تعد تخضع لأية توجيهات لاهوتية أو إدارية من أى جهة كانت، ونحن في المجتمع المصري الذي يدين غالبيته بالدين الإسلامي.
إننا كنيسة مصرية إنجيلية: فنحن لسنا تقليديين، ولكن رسالة الإنجيل هى أساس دعوتنا ورسالتنا، وفيها نؤمن ونعلن أن يسوع المسيح – وكما هو معلن في الكتب المقدسة – هو الطريق الوحيد والكافي للخلاص لجميع البشر.
إننا كنيسة مصرية إنجيلية مشيخية: فنحن لسنا خمسينيون أو تدبيريون…ألخ. فلنا في تراثنا الكتابي المصلح ما يميزنا عن غيرنا، وما يوحدنا معاً.
هذ الهوية المحددة لا بد أن تكون واضحة للجميع، وهى ليست هوية إجتماعاتنا في السنودس والمجمع والكنيسة فقط، بل في مؤسسات الكنيسة التعليمية والطبية..ألخ، الكل يدرك ويعبر عن هويتنا.
السؤال الثاني: لماذا نحن هنا؟
ينبغي أن يشغلنا هذا السؤال على جميع الأصعدة، على المستوى الفردي والجمعي كذلك. لماذا «نحن» (كما أوضحنا في السؤال الأول)، «هنا» في الزمان والمكان، أى في القرن الحادي والعشرين في مصر. على المستوى الفردي، يقول الخدام المدعوون للخدمة: «أنا هنا بناء على دعوة الله لى، لكى أتمم مشيئته من وجودي». وهكذا على المستوى العام، «نحن هنا لأننا نملك دعوة من الله لتحقيق مشيئته».
فما هى دعوتنا؟ وهل يمكن تلخيص هذه الدعوة في كلمات محددة؟ والإتفاق عليها من الجميع؟
كاتب إنجيل يوحنا قدم لنا دعوة يوحنا المعمدان بتركيز شديد هكذا: «هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ» (يو 1: 7)، وقدم لنا دعوة يسوع بفمه: «أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَل» (يو 10: 10)، وحدد الرب أيضاً دعوة الرسل: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يو 20: 21). إن بداية الإصلاح الحقيقي هى الإتفاق معاً على هدف الدعوة، والتحرك الجاد لتحقيقها. بلغة أخرى أن يكون لنا رؤية واضحة محددة قابلة للقياس، ولا بد من متابعتها.
دعوني أفترض أن رؤيتنا –بكيفية مختصرة جداً هكذا– هى «كنيسة حية، تنمو داخلياً، وتشهد خارجياً، اليوم وغداً، لمجد الله». إذن هناك حقلان لتحقيق الرؤية داخل الكنيسة، سواء جدرانها، أو إجتماعاتها في الكنيسة المحلية والمجمع والسنودس والمجالس واللجان، وفي خارجها علي مستوى القرية والمدينة والمجتمع ككل.
كنيسة حية تنمو داخلياً: ولا شك على الراعي والمجلس الدور الأكبر في هذا النمو. وإذ نشير إلى الراعي، فلا بد أن نبدأ بكلية اللاهوت، والتي بعملها الدؤوب لمدة أربع سنوات، تُقدم للكنيسة خادما. وأنا هنا أتساءل مستفهماً: هل تعمل الكلية على إعداد خادم تقي، يحب الرب وكلمته وكنيسته؟. هل تُعد خادماً متعلماً يجيد البحث الكتابي، ليُخرج لشعبه على الدوام جُدداً وعتقاء؟. هل تجهز الكلية قائداً لمجلس الكنيسة، يجيد التعامل مع نوعيات مختلفة من البشر بحب وإتضاع وكفاءة؟. ثم هل تُعد الكلية مجموعة من الخريجين متفقين فيما بينهم – على الأقل – على الثوابت اللاهوتية للفكر المصلح؟. (وهكذا يسري هذا التوافق بين كل الخدام) وهذه الأخيرة لن تحدث ما لم تتبنى الكلية هذا الفكر وتقدمه، بإعتباره فكرها وعقيدتها، فهى كلية الكنيسة، ومرجعيتها في شتى القضايا اللاهوتية. بالطبع يمكن أن تقدم الكلية المدارس الفكرية المختلفة، ولكن هويتها الإنجيلية المشيخية لا بد أن تكون واضحة.
والنمو الداخلي يحتاج من الراعي والمجلس العمل على قيادة الكنيسة إلى عبادة حية، تجمع بين الفرح والمهابة، التجديد والأصالة، العاطفة والعقل. وما يُقدم في هذه العبادة الحية من تسبيح ووعظ بالكلمة، لا ينبغي أن يتعارض بأى حال مع ثوابتنا الإيمانبة وعقيدتنا. وعلى الراعي بالطبع المسئولية في الوعظ والتعليم، بإعتبار هذه أولوية مطلقة في خدمته، فهو المكلف: «ارْعَ غَنَمِي»، أى إطعمهم بكلمة الله. وعلى الكنيسة المحلية أن تهتم بالشركة بين أعضائها، شركة التعليم والعلاقات السوية والإحتياجات. ولكي تنمو الكنيسة لا بد أن تضع لنفسها برنامجاً كرازياً، يسبقه إعداد خدام للقيام بهذه المسئولية، حيث يُقدم إنجيل المسيح لأناس لم يقبلوا المسيح بعد مخلصاً ورباً (رو 15: 20). وفي هذا يمكن عمل حملات كرازية، ولفئات العمر المختلفة لأجل النمو الروحي والعددي للكنيسة.
وتشهد خارجيًا: هذه الدائرة متسعة جداً كما أشرنا، إذ تشمل القرية والمدينة والمجتمع ككل. والشهادة تعني الحياة الشاهدة، ورسالة الكرازة، وأعمال المحبة والرحمة. أما الحياة الشاهدة، فينبغي أن يكون هذا هدف كل شعب الكنيسة، فيكونوا ملحاً للأرض ونوراً للعالم، ويروا الناس أعمالهم، فيسألون عن سبب الرجاء الذي فيهم (1بط 3: 15). ورسالة الكرازة التي ينبغي أن تعلنها للجميع، وبكل الوسائل المتاحة. أما عن أعمال المحبة والرحمة، أعتقد أن مدارس السنودس هى ذراع الكنيسة لأعمال المحبة في تقديم خدمة متميزة في هذا المجال لكل أبناء بلدنا، والمدارس تفعل هذا، ينبغي أن تُظهر هوية الكنيسة التي تمثلها، وهذا يعني التدقيق في إختيار المسئولين، ومن هم أكفاء ليس فقط من الناحية التعليمية والإدارية، بل أيضاً في الإنتماء للكنيسة ورؤيتها. وأظن أن مستشفيات الكنيسة هى أفضل من يقدم أعمال الرحمة للمحتمع، وما أشرت به من جهة المدارس وقياداتها والتعبير عن هوية الكنيسة، يقال كذلك في أعمال وخدمة المستشفيات. هذه المؤسسات شريكة تمامًا في رؤية الكنيسة ورسالتها.
اليوم وغداً: فمن خلال الواقع الذي تعيشه الكنيسة، والتحديات التي تواجهها، وكذلك الأهداف التي تسعى لتحقيقها، تضع رؤيتها للحاضر والمستقبل. لا تُصبح حبيسة الماضي، ولا تتوقف عند الحاضر القريب، بل تجتهد لتحقيق أهدافها اليوم، وتضع الخطط المستقبلية لجيل قادم.
لمجد الله: كلنا يعلم أن هذا الأمر هو واحد من مبادئ الإصلاح الخمسة: «الكتاب المقدس وحده … المسيح … النعمة … الإيمان … لمجد الله وحده».

لكني أرجو أن يكون هذا المبدأ هو المحرك والدافع الحقيقي لكل خدمة ولكل مشاركة في تحقيق رؤية الكنيسة. وقتها سيختفي روح الغيرة والحسد، وسنقدم بعضنا بعضاً في الكرامة، ولا تنافس على كراسي القيادة، فالكل يعمل لمجد الله.
وأكتفي الآن بالإشارة إلى بعض الأمور الملحة – من وجهة نظري – والتي تحتاج إلى تحرك سريع:
* أن يمارس مجلس الكنيسة مسئوليته في قيادة الكنيسة المحلية لأجل تحقيق رؤيتها، وينشغل المجلس بالجانب الروحي في هذه الرؤية: الكرازة، التعليم، التلمذة، العبادة، الشركة…ألخ.
* تُعطى الصلاحية الكاملة لمجلس الشمامسة، أو لجنة إدارة لقيادة الكنيسة المحلية في سائر الأمور الإدارية والمالية والتدبيرية.
* يمارس المجمع سلطاته الكاملة على الكنائس، بما فيها الدور الرقابي والمتابعة، بصفة خاصة لحركة نمو الكنائس في دائرته، وقيادة العمل المشترك بين كنائس المجمع.
* لا توجد ضرورة للمجالس التي تقوم بخدمة مماثلة من إختصاص المجمع، ويُكتفى بالمجالس المختصة بخدمات عامة، كالمدارس والمستشفيات…ألخ.
* لا توجد ضرورة للجنة التنفيذية، لقد أصبحت اللجنة التنفيذية سنودساً مصغراً، وإذا إستطاع السنودس أن ينتهي من أعماله في إنعقاده، وينبغي أن يفعل، فلا مجال لوجود اللجنة التنفيذية.
* هناك حاجة شديدة لعمل «بروتكول لجلسات السنودس». للتوعية بكل الاجراءات. حدث هذا في سيدني من سنين، إستلمنا من ضمن أوراق المحفل العام، كتيب صغير من ثماني صفحات، تشرح فيه لجنة الأوقات والخدم، كل كبيرة وصغيرة في الجلسة، بداية من دخول رئيس المحفل وكيفية إستقباله، إلى خروج أى شخص من الجلسة قبل ختامها، ونظام الكلام في الجلسة… الخ.
* لا بد أن يتخلل جلسات السنودس يومياً، فرصة عبادة وتعليم كافيين، لتجديد الرؤية وتجديد العلاقة مع الله، والشركة معاً.
* مواجهة كليات اللاهوت التي كثرت، وتمنح درجات اكاديمية للقسوس. لا بد أن كليتنا أو لجنة تعليم لاهوتي تعلن رأيها في هذا كتابياً وأكاديمياً، إلى جانب أن الأمر يمس أمانة قسوسنا الذين يقبلون هذه الدرجات بطريقة غير صحيحة.
* التفكير الجاد والسعى لعمل المرتبات الموحدة للقسوس، بغض النظر عن مكان الخدمة. بالطبع يمكن لبعض الكنائس التي ترغب في زيادة مرتب راعيها بنسبة معينة.
* أن يتخذ السنودس في إنعقاده الخاص هذا، قرارات محددة لأجل الإصلاح ويرسلها إلى جهات الإختصاص، ويخلق آلية خاصة لمتابعة هذه القرارات.
* وصلاتي وأشواقي لنجاح هذا الإنعقاد، حتى يرى الرب كنيسته من خلالكم ومن خلال خدمتكم، فيقول: «مَنْ هِيَ الْمُشْرِفَةُ مِثْلَ الصَّبَاحِ، جَمِيلَةٌ كَالْقَمَرِ، طَاهِرَةٌ كَالشَّمْسِ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ؟» (نشيد 6: 10).

القس حمدي سعد

* تخرج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 1982م، ثم حصل على ليسانس الآداب من جامعة الإسكندريّة 1986م،
* حصل على ماجستير اللاهوت من كليّة اللاهوت المشيخيّة في سيدني 2007م،
* خدم في الكنيسة الإنجيليّة في الإبراهيميّة من 1982 إلى 1989م، خدم راعيًا للكنيسة الإنجيليّة في سيدي بشر من 1989 إلى 1994م،
* ثم الكنيسة الإنجيليّة في سيدني من عام 1994إلى 2019م،
* ألَّف وترجم نحو عشرين كتابًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى