الإنجيليون وثورة 30 يونيو 2013
الهدى 1211 يوليو 2019
كان عام 2013 عاماً مليئاً بالمفاجآت وزاخراً بالأحداث وحافلاً بالمتناقضات، ففي النصف الأول من العام كانت جماعة الاخوان المسلمين لاتزال في السلطة، وفي 30 يونيو قام المصريون بثورتهم ضد الفاشية الدينية وأطاحوا بحكم جماعة الأهل والعشيرة.
إن المصريين المسيحيين الإنجيليين جزء لا يتجزأ من شعب مصر ولذا فهم مثل غيرهم من المصريين ناضلوا وثاروا وخرجوا في كافة ميادين التحرير مطالبين بالحرية والكرامة الانسانية، وفي بعض أماكن المظاهرات فتحت الكنائس الإنجيلية أبوابها لاستقبال الجرحى وعلاجهم وتضميد جراحهم وعلى سبيل المثال، حدث هذا في الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة الواقعة بميدان التحرير، وأيضاً بالكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، وساهمت الكنيسة الإنجيلية في صياغة دستور مصر من خلال وجود ممثل لها في لجنة الخمسين وهو الدكتور القس صفوت نجيب البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر آنذاك، كما ساهمت الكنيسة الإنجيلية بقوة في المجالس النيابية ولا سيما في مجلس الشورى فنجح عن طريق الانتخاب الشيخ الدكتور إيهاب الخراط على قوائم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، كما تم تعيين شخصيتين إنجيليتين هما الأستاذة نادية هنري والدكتور فريدي صفوت البياضي، وقامت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بدور كبير في التوعية بمبادئ الثورة والدعوة لدستور مدني ورفض الحكم الديني بشتى أشكاله وأنواعه من خلال العديد من الندوات وورش العمل التي أقامها منتدى حوار الثقافات التابع للهيئة.
وبعد فض اعتصامي جماعة الإخوان المسلمين بمنطقتي رابعة العدوية والنهضة، تم الاعتداء من المتطرفين على الكنائس وممتلكات المسيحيين المصريين فدفعت الكنيسة الإنجيلية ثمناً فادحا مثل بقية الكنائس الأخرى حيث تم إحراق عدد من الكنائس الإنجيلية والمنشآت المسيحية.
وتأييداً لثورة 3 يونيو 2013 ورداً على المزاعم التي رددتها بعض الدول الغربية بأن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، سافر بعض القسوس الإنجيليين للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية والتقوا ببعض المسؤولين في هذه الدول وأكدوا لهم أن ما حدث في مصر هو ثورة شعبية خرجت لها الملايين وليست انقلاباً عسكرياً كما تزعم جماعة الإخوان المسلمين، كما قام كاتب هذه السطور بإرسال رسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك باراك حسين أوباما والذي كان مدعمًا لجماعة الخوان المسلمين هذا نصها «سيادة الرئيس باراك حسين أوباما، تحية طيبة وبعد، أعتقد أنني لست في حاجة لأن أذكر سيادتكم بأنكم أول رئيس زنجي من خلفية إسلامية يدخل البيت الأبيض، فأنت الرئيس الرابع والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الخطوة التاريخية في تاريخ أمريكا تؤكد مدى احترام بلدكم لقيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان أياً كان لونه أو دينه، فكلما ارتقت الشعوب في مدارج العظمة والتقدم كلما تجاوزت الانتماءات العنصرية الضيقة مثل الانتماء للدين أو الجنس أو اللون أو العقيدة أو اللغة، وكلما هوت الشعوب في مدارك الهوان والانحطاط كلما انحازت لهذه الانتماءات الضيقة، والشعب الأمريكي العظيم الذي انتخبك كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أثبت للعالم أجمع أنه من الشعوب الناضجة الراقية التي تجاوزت مدارك التخلف والانحطاط وارتقت فوق مدارج الرقي والتحضر، لقد كان فوزكم حدثاً تاريخياً كونياً بكل المقاييس، وهو يعد بمثابة نقطة تحول في تاريخ البشرية، لقد انتصر الشعب الأمريكي على عنصريته البغيضة، فلقد ضرب الأمريكيون النموذج الأروع في الشجاعة والديمقراطية والتسامح واحترام حقوق الإنسان وقبول الآخر حيث نزعوا الثوب العنصري عنهم وانتخبوا أفرو-أمريكياً رئيساً لبلادهم، له جذور إسلامية حيث أنك ابن رجل كيني مسلم وقد انتُخبت رئيساً لبلد غالبيته – 87 %- من اللون الأبيض، كما أن معظم أفراده يدينون بالمسيحية، ومما لاشك فيه يا سيادة الرئيس أنك تجرعت مرارة التمييز في طفولتك من البيض بسبب لون بشرتك، ولذلك فإن ما يثير عجبي وعجب شعب مصر العظيم أنك تساند جماعة الأخوان المسلمين تلك الجماعة التي مارست العنف والإرهاب، كما مارست التمييز بامتياز ضد شركاء الوطن وضد المرأة والمسيحيين، وربما لأنك لا تعرف المعرفة الكافية عن هذه الجماعة التي تساندها أنت وإدارتك، دعني أنقل لك ما كتبه حسن البنا مؤسس الجماعة عن المرأة، يعتبر البنا منح المرأة حق الإنتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها فى الوجود، فإنتخاب المرأة سٌبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة «مجلة الإخوان المسلمون» 5 يوليو 1947، وكذلك فإن المرأة لايجب أن تكون وزيرة ولاعضواً فى البرلمان بحال، فإن من مقتضى إسناد هذه الأعمال إليها الخلوة مع غير ذى المحرم، بل ربما إقتضى ذلك الخلوة مع غير المسلم» حسن البنا فى العدد 19 من مجلة النذير» ، ويرد البنا على المنادين بشغل المرأة بالمحاماة فيقول: «الإشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين» حسن البنا فى حديث الثلاثاء ص 370» و حين طلب عميد كلية التجارة حمدى بك تعيين أربع طالبات فى وظائف الدولة، إستنكرت مجلة النذير – مجلة الإخوان المسلمين – وإستعملت الإيحاءات الجنسية فى ردها فقالت فى العدد 20 بتاريخ 15 جمادى الأولى ص 23 « إن كل واحدة من هؤلاء المتخرجات إذا لم تعثر على الجليل فهى فى وظيفتها لن تعدم الخليل!!» ويعقب حسن البنا على طلب الآنسة نعيمة الأيوبى للعمل كمحامية فاطمه فهمى للتقدم لمدرسة الهندسة بقوله «للمرأة وظيفة فى الحياة وهى المنزل، وليس من النافع أن تشارك الرجال فيما يقومون به من الأعمال» مجلة الاخوان المسلمون العدد 8 ص 19» ويقول أيضاً ليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى اللغات المختلفة، وليست فى حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، إن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى دراسة الحقوق والقوانين» حسن البنا كتاب المرأة المسلمة – دار الكتب السلفية»، ويعقب حسن البنا على مشروع دخول البنات جامعة الأزهر بقوله «لايجيز الدين للمرأة أن تكون بين طلبة الأزهر، بل لابد من الفصل بين المتعلمات والمتعلمين فصلاً لايمكن كلا الصنفين من الإتصال بالآخر، حتى ولا فى حدائق المعاهد وأفنيتها. كما يشجع حسن البنا تعدد الزوجات وفى مجلة الإخوان المسلمون العدد 13 لسنة 1944 يقدم مبرراً مدهشاً وعجيباً فيقول «إن خيراً للمرأة وأقرب إلى العدالة الإجتماعية والإنصاف فى المجتمع أن تستمتع كل زوجة بربع رجل أوثلثه أونصفه من أن تستمتع زوجة واحدة برجل كامل وإلى جانبها واحدة أو إثنتان أو ثلاث لايجدن شيئاً، سيادة الرئيس أوباما هذه بعض أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تساندها أنت وإدارتك، فهل من المعقول أن تساند جماعة تمارس التمييز على أساس الجنس وأنت ذاتك قد عانيت من التمييز على أساس اللون ؟!!
وكذلك يا سيادة الرئيس فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بالمواطنة ففي نهاية التسعينيات من القرن الماضي، طالب المرشد العام (الخامس) للجماعة مصطفى مشهور، بعدم دخول المواطنين المسيحيين الجيش، على أن يدفعوا الجزية، وكانت حجته في ذلك أن المسيحيين في حالة قيام حرب بين مصر ودولة أخرى يدين سكانها بالمسيحية فإنهم سيتعاونون مع الدولة الأخرى بسبب اتفاق الدين!! ولجماعة الإخوان موقف سلبي من الكنائس، ولهم فتوى شهيرة دعني أسردها لك يا سيادة الرئيس لعلك تفهم حقيقة هذه الجماعة التي تدعمها، فقد نشرت مجلة الدعوة في إصدارها الثاني في العدد رقم 56 والصادر في شهر ديسمبر عام 1980 إجابة أحد كبار مشايخ الإخوان عن سؤال حول حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام فقال سيادته ما نصه: (إن حكم بناء تلك الأشياء – على حد تعبيره – في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام: الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة والثاني ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية وهذه أيضا لا يجوز بناء هذه (الأشياء) فيها – بل إن الشيخ يؤكد أن بعض العلماء طالب بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين – والقسم الثالث ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانه والمختار هو إبقاء ما وجد فيها من كنائس وبيع على ماهي عليه في وقت الفتح على أن يمنع بناء أو إعادة ما تهدم منها). والمحصلة النهائية المستخلصة من فتوى الإخوان هي حتمية غياب الكنائس في ديار الإسلام ويترتب على ذلك منطقياً إنه لا مكان لغير المسلمين في مصر، فالشيخ ينهي فتواه مشدداً بوضوح على أنه لا يجوز إحداث كنيسة في ديار الإسلام.
يا سيادة الرئيس لقد أتيت إلى مصر وألقيت خطاباً تاريخياً في جامعة القاهرة ظهر الخميس 4/6/2009 وتحدثت عن حقوق المرأة فقلت: إن البلدان التي تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هي غالباً بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية، وقلت أيضاً: أنا أحترم كل امرأة تختار ممارسة دوراً تقليدياً في حياتها ولكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها، لذلك يا سيادة الرئيس ليس من الاتساق مع الذات أن تساند جماعة تمارس التمييز ضد المرأة بهذا الشكل، وبشأن الحرية الدينية ذكرت في خطابك: إن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش لذا يجب علينا دائماً أن نفحص الأساليب التي نتبعها لحماية هذه الحرية، وقلت أيضاً: يجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك المسيحيين في مصر وكذلك يجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنة والشيعة قد أدى إلى أمر مأساوي، هذا ما ذكرته في خطابك يا سيادة الرئيس، فقل لي كيف تساند جماعة إرهابية قتلت الشيعة واعتدت على الكنائس؟ يا سيادة الرئيس أنت أخطأت مع إدارتك الأمريكية خطأ فادحاً عندما ساندتم هؤلاء المتطرفين، ولأنك عانيت من التمييز كان من دواعي الاتساق مع الذات أن تقاوم من يمارسون التمييز، وختاما تقبل تحياتي».