آراء

الانهيار الرعوي قادم

الهدى 1222                                                                                                                   يوليو وأغسطس 2020

لا أريد أن أتنبأ بالتشاؤم والموت، لكن كوني راعي لكنيسة وعلى تواصل بالعديد من الخدمات، لذا اتوقع انهيار في العمل الرعوي قادمًًا لا محالة. ولا اعتقد أن أحد يستطيع ايقاف هذا الانهيار. تأثير فيروس كورونا على العالم سيمتد لسنوات كثيرة قادمة. سيؤثر في كافة مجالات العمل وتأثيره سيشمل كل أسرة.

لا يقلل هذا المقال من الجهد المبذول والترتيبات والقرارات التي اتخذتها دول كثيرة من تطبيق صارم للقانون، الاهتمام بالطواقم الطبية وتطوير المنظومة التعليمية. لكن من وجهة نظري، الخاصة بمن يعملون في مجال الرعاية والخدمة «الراعي»، في اعتقادي أنهم في خطر شديد لعدة أسباب.

يخدم الرعاة بطرق لم يتدربوا عليها من قبل أو حتى لم يختبروها، واقع جديد. هذا الواقع ينشط ويلمع تفكيرنا الابداعي. هذه الانفعالات والمشاعر النشيطة لا تستمر معنا كثيرا. ولم تعد شيقة لأكثر من شهر وخاصة مع شعب كنائسنا.

يبذل الرعاة أقصى طاقتهم ولكنهم يفتقدون إلى الاستمرارية. بصراحة، هذا استنزاف. يسقط الرعاة في فخ المقارنة، وخاصة إذا كان لبعض الرعاة خدمات أون لاين من قبل. ولكن الكثير منا لم يكن له خبرة الخدمة عبر الانترنت. حيث أننا ننظر إلى بعض ما تفعله الكنائس وتنتجه وهذا يجعلنا نشعر ببعض خيبة الامل والاحباط وعدم الاستحقاق والشعور بالدونية.

يقلق الرعاة عندما لا يستطيعون إدارة بعض الخدمات، في ظل الظروف الراهنة والتي ربما يستطيعون ادارتها لاحقًا بعد تجربة. هناك بعض الخدمات الهامة مثل مجموعات المساندة، أو درس الكتاب لفئات معينة مثل السيدات أو الرجال أو الشباب، ومجموعات التلمذة والتشكيل الروحي، كل هذه القطاعات لا تستطيع أن تجتمع كالمعتاد. كل الاشخاص الذين تعودوا على حضور مثل هذه الاجتماعات تحتاج الي المساندة، لأنها لم تعد قادرة على الاجتماع في قاعة الاجتماعات مرة أخرى. الشباب يفتقدوا إلى المتابعة وكلمات التشجيع التي تقويهم وتساعدهم على النمو الروحي. الصحة النفسية والعقلية لشعب كنائسنا في قلق كبير وتحدي حقيقي.

غلق الكنائس والاجتماعات لا يعني عمل قليل وخدمة مؤقتة.
حقًا الرعاة في إنهاك وتعب شديد. في حالة تأكد الراعي لدعوته وخدمته فهذا يتطلب منه العمل بجهد وبذل كل ما بوسعه. بعض اعضاء الكنائس يعتقدون أن غلق الكنائس وعدم وجود اجتماعات فهذا يتيح للراعي وقت أكبر ويظنون أن الرعاة لديهم وقت فراغ. على النقيض عندما اتحدث الي بعض الرعاة أجد العكس. أنهم يفعلون أمور لم يعتادوا على فعلها. أنهم في صراع مستمر لمعالجة مواطن الخلل والضعف التي تنتج عن الخدمة عبر الانترنت. والاكثر من ذلك، عقل الراعي في تفكير مستمر كيف يبارك شعبه في ظل جائحة كوفيد 19. كل هذا يجعل يزيد الموقف صعوبة لان نتغلب عليه ونجتازه.

اهمال الرعاة في تغذية ارواحهم.
من المحتمل أن تكثر برامج وخدمات في هذه الآونة مثل التشكيل الروحي. قد ينخرط الرعاة في مثل هذه البرامج الجديدة ولا يستطيعون التوقف والتأمل فيما يفعلون. لمجرد أنها ظاهرة جديدة وهي مطلب لمرحلة حالية. للدرجة التي فيها شاركني صديق أنه خلال فترة البقاء في المنزل قرر أن يقرأ الكتب ولكن الحقيقة أنه يقرأ فقط فهرس كل كتاب.

ضبابية المستقبل.
يحب الكثير من الرعاة أن يخططوا للمستقبل، أن يتوقوا لرؤية خططهم تتحقق بشكل عملي، ويتقدموا بآمال مليئة بالأشواق تجاه الخدمة. لكن مثل أي شخص اخر، لا يعرف الرعاة ماذا يحدث غدًا. يمكن للبعض ان يضع خطة طوارئ، لكن لا يستطيع أحد ما هي الخطوات القادمة في ظل الوضع الراهن. من واقع ما قرأت سابقًا، نتوقع أن يعود الفيروس بشراسة في الخريف القادم، وبعض الحكومات تتوقع شتاء طويلًا مظلمًا قادمًا.

فقدان لبعض الوظائف قد يشكل خطر حقيقي على الدعم المالي للكنائس.
لا شك أن الكنائس ستُغلق، وذلك بسبب إنفاق كل الاموال المدخرة وتوقف فجائي للدخل ومصروفات الخدمة. معظم الكنائس في أمريكا أقل من 100 عضو، ومعرضة للأغلاق. فقدان الكثير من الوظائف قد يسبب ضغط كبير جدًا على رعاة الكنائس.

للرعاة بنيان جسدي ولكنه غير صحي.
لا أريد أن أُشير إلى هذه الفكرة، ولكن أُشير اليها في معظم الأوقات بأنّ بعض الرعاة يعانون من السمنة المفرطة والضغط، وذلك بسبب أنهم لم يراعوا ولم ينتبهوا الي الاكل الصحي والسليم. وبالإضافة الي الضغط الناتج عن بعض الخدمات مما يؤثر على صحة الراعي. بالرغم من بعض التحذيرات الساخرة بضرورة تناول الطعام الصحي اثناء الجائحة، حتما ستكون هذه التعليمات حقيقية عند الدخول إلى غرفة العناية المركزة.

يعمل بعض الرعاة لأسبوع متواصل ببرنامج مزدحم.
للرعاة عادة يومين راحة بالأسبوع مثل جميع الناس –بحسب قرينة كاتب المقال يحصل الرعاة على يومين راحة بالأسبوع- وأيضًا معظم الرعاة يقيمون انفسهم أول بأول. في ظل الوضع الراهن لا يستطيع أحد أن يعلم كيف ومتي يخدم الراعي ولا يعلم أحد هل يأخذ الراعي راحة أم لا. لذلك على قادة الكنائس أن يحثوا رعاتهم على الانتظام بتحديد يوم للراحة. الأن تتضح قيمة الوعي على تطبيق راحة أسبوعية، لأن الكثير من الرعاة يعمل طوال أيام الأسبوع بدون راحة كما كان يحدث من قبل. في حالة الاستمرار بدون راحة سيُحبط الكثيرون ويصابون بالإرهاق مع مرور الوقت، ويفقدون الشغف للخدمة.

عدم الرغبة في استقطاع وقت للراحة.
كيف للراعي أن يستقطع أسبوع للراحة أثناء وباء كورونا فيروس؟ فكرة السفر الأن أصبحت ممكنة ولكن تحمل الكثير من المخاطر. وإذا قرر الراعي السفر من سيقوم بمتابعة كل الخدمات عبر الانترنت؟ من سيتحمل المسؤولية كما يتحملها الراعي؟ في هذه الحالة سيحترق الرعاة. كيف يحفز الرعاة الشعب إن لم يجدوا من يحفزهم؟

لم ينتبهوا الرعاة لصحتهم النفسية.
منذ سنوات كثيرة ماضية اقترح راعي مشهور ومعروف اقتراح وهو يجب على كل الرعاة أن يذهبوا إلى طبيب نفسي على الأقل مرة شهريًا. نقضي وقت ليس بقليل في مساعدة شعب الكنيسة على حل مشاكلهم. هذه النصيحة الحكيمة نابعة من خوفنا على بعضنا البعض، علينا أن ننتبه إلى صحتنا النفسية في ظل هذه الاوقات. ولكن للأسف آخر ما نفكر فيه هو صحتنا النفسية. يرى بعض الرعاة أنهم محترفين ولا يفكرون في هذا البتة. أرى أن الضغوط الناتجة عن فيروس كورونا تجعلنا نفكر أكثر في قضية الصحة النفسية للراعي.

الرعاة الأن في خطر روحي حقيقي.
الضعف والانهاك والوسوسة تتضح الأن بطريقة لا يستطيع أحد مقاومتها. التكيف مع الوضع الراهن بتخدير الآلام من خلال إدمان المخدرات، شرب الكحول، إدمان المواقع الإباحيّة، الشراهة، الافراط في مشاهدة التليفزيون… وأية أشياء آخرى في متناول اليدين. مقاومة الاغراءات الأن ضعيفة نظرًا لاجتياح كل الأمور السابقة لخصوصية الراعي. فلم يعد هناك خصوصية أو تحكم أو إرادة كما كانت سابقًا قبل فيروس كورونا.
أؤمن باننا سنري تأثيرات هذه الجائحة في كل الرعاة بمختلف طوائفهم.
نستطيع أن نلخص كل ما سبق بأن هناك انهيار رعوي قادم، واعتقد أننا لا نستطيع إيقافه. بينما يعتقد شعب الكنائس بأنّ رعاتهم الأن في راحة تامة من كل مسؤوليات الرعاية، لكن الحقيقة غير ذلك. ونحن مقبلين على الشهور القادمة، أعتقد أننا سنرى تأثير هذه الجائحة الخطيرة على كل الرعاة بمختلف الطوائف.
أنا الأن مدفوع لكتابة بعض الامور لتجنب الانهيار القادم. هناك بعض المقالات التي سأُشير إليها لاحقًا خاصة بالصحة النفسية والعقلية. أنه من الصعوبة الأن أن أقنع الرعاة للتوقف قليلًا وأطالبهم بالهدوء والنظر إلى المرآة. على نفس القياس أجد أنه من الصعب جدًا أن أطالب شعب الكنائس بإنقاذ رعاتهم ومساعدتهم. الرعاة يحترقون الأن، وفي السنوات القادمة انتحار البعض هو الظاهرة الاكثر وضوحًا.
يجب أن يهتم الرعاة بقداستهم الشخصية. ويشتركون في برامج تلمذة وتشكيل روحي، ويرممون ما تهدم من العلاقات الأسرية. يبدوأن في تدريبات جسدية وراحة حقيقية. ويهتمون بقراءة كتب غير متعلقة بمجال الخدمة. ما يغذي حياتك الروحية والشخصية يجب أن تفعله الأن. أذا كنت تعتقد أن جائحة فيروس كورونا ستنتهي قريبًا، هذا الاعتقاد خاطئ وسوف لا تنجو.

على الرعاة أن يسألوا عن بعضهم البعض.
ضرورة التواصل مع الرعاة الأخرين. طبيعة عملنا كرعاة تتطلب منا أن نسعى لإنقاذ الضعفاء والعمل على مساعدتهم. نحن ندرك جيدًا أن قادة الكنيسة وخدامها لا يدركون طبيعة حياة الراعي والتحديات التي تواجهه كراعي للكنيسة. بالرغم من أن شعب الكنيسة يحب الراعي لكنهم لا يعيشون في عالمه الخاص. وهذا ينطبق على الراعي أيضًا يعلم الكثير عن يعض الوظائف لكنه لا يعلم طبيعة تحديات كل الوظائف الأخرى. ولذا بات من الضروري التواصل مع رعاة آخرين والاتصال ببعضنا البعض وذلك من خلال أنشاء مجموعات على الفيس بوك، المكالمات التليفونية، الايميلات، ومن الممكن أن نتقابل مع بعضنا البعض مع مراعاة التباعد الاجتماعي والاجراءات الاحترازية. تواصل مع الرعاة الآخرين، أصدقائك، صلي معهم ولأجلهم.
أأمل أن يكون تصوري وقراءتي للواقع الحالي مبالغ فيه وقلقت كثيرًا. وأن لا يستمر معنا هذا التصور والاعتقاد. واتمني بعد عام قادم نتقابل وتلقبوني بـ «الدجاجة الضعيفة» التي تصورت أن السماء ستسقط عليها. ولكني أشك في ذلك.
هذا المقال ترجمة لمقال:

The Coming Pastoral Crash

https://johndobbs.com/the-coming-pastoral-crash/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى