مقالات

القس باقي صدقه .. راع بحسب قلب الله

الهدى 1228                                                                                                                  فبراير 2021

عدد خاص عن وداع القس باقي صدقه راعي الكنيسة الإنجيلية الأولى في أسيوط

«الدعوة الأولى والأساسيّة والأصيلة للقسيس هو أن يكون راعيًا». هكذا كان يردد والدي الراحل القس باقي صدقة. وبالفعل التزم هو نفسُه من البداية إلى النهاية بهذه الدعوة ولم يتنكر يومًا لها بل وبعد رحلة عطاء طويلة قدم نموذجًا رعويًا خاصًا ومميزًا، صار فيها كسيده راعيًا صالحًا وجد فيه كلُّ شعب كنيسته بل وكل الشعب الإنجيلي عامة وكل من تعامل معه قلب الراعي وقد قاد شعبه بكمال قلبه ومهارة يديه هداهم ورعاهم بالمعرفة والفهم والحب والأمانة.
إليكم بعض ملامح هذا النموذج الرائع من خلال معايشة قريبة له اقتربتُ فيها من قلبه ومن فكره.
أولًا: الحس الرعوي: تبدأ خدمة الرعاية الناجحة بقلب له حس رعوي شديد وبالفعل كان للقس باقي هذا القلب. ارتبط قلبُه وتوجهه طول الوقت وعبر تاريخ الخدمة الممتد وفي كل مراحل الحياة حتي قبل الخدمة الرعوية الرسمية بمحبة الناس والقرب منهم والإحساس بهم وهو ماجعل الناس يُجمعون على محبته. أحبهم فأحبوه وارتبط بهم وظلوا هم مرتبطين به، وظل ينبر علي أهمية وجود هذا الحس الرعوي لكي تنجح خدمة الرعاية.
ثانيًا، التواجد والإتاحية: لأن المخدومين في بؤرة اهتمامه وموضوع مشغوليته ظل القس باقي متاحًا متواجدًا طوال الوقت للناس، فظل تليفونه متاحًا للرد في أي وقت ومكانه في كنيسته مفتوحًا لأي إنسان وبيته مليئًا بدفء الترحاب والكرم. حتى في أصعب أوقات أزمة كورونا ظل يستقبل الناس ويطمئن عليهم ويسعد بوجودهم ويصر على التواجد معهم وأن يكون متاحًا للجميع؛ لشعب كنيسته والخدام ولكل من يرغب. وكان حريصًا على التواجد الفعال في كل ظروف شعب الكنيسة كل هذه السنين ولكل من عرفه له معه موقف ووقفة وحكاية رعوية جميلة لاتنسي.
ثالثًا، الاهتمام بالشأن العام: امتدت خدمته الرعوية لتشمل دوائر أكبر بكثير من دائرة الكنيسة المحلية الضيقة. بل امتدت لكثير من الكنائس والخدام لتشمل حتى جماعات وأفراد إخوتنا المسلمين. وأصبح بالفعل راعيًا عامًا وشاملًا. امتد تأثير خدمته لتشمل جماعات وأفراد مختلفة وعلي نطاق واسع، فكان كثير السؤال والاتصال والاهتمام بهم. وظللنا في أيام وداعه نسمع الكثير من القصص والحكايات من أفراد لا نعرفهم. بالإضافة إلي ما أشار اليه بولس يومًا عن خدمته «الاهتمام بجميع الكنائس» بشعبها ورعاتها، وكان دائم المشاركة في كل الأحداث العامة وكانت مشاركته من منطلق الراعي المكترث والمهتم والمتواجد باستمرار، وامتلك نزعة إنسانية خاصة وعميقة وصادقة مع الجميع.
رابعًا، الشهامة و»الجدعنة» والسخاء: دائمًا ما تكشف المواقف والظروف الصعبة في حياة الناس عن معدن الأصدقاء والأحباء. كثيرًا ما كانت ظروف ومواقف الناس الصعبة فرصة للراعي أن يقف معهم وقفة الرجال ويعبر لهم بشهامة و»جدعنة» الأصلاء. وكانت وقفات عميقة وأصيلة ومليئة بالكرم والسخاء وكم من قصص وحكايات عن هذه المواقف التي ظهرت فيها شهامة وجدعنة هذا الرجل العظيم ولي معه ما لا ينسى وسيظل محفورًا في القلب إلى نهاية الحياة، كما له مع كثير من الأحباء. وكما عُرف عنه الكرم والسخاء الشديد.
خامسًا، القيادة والتأثير: النموذج الرعوي الناجح هو من يمتلك قدرة التأثير وترك البصمات في تلاميذه فلقد أثرَّ وتلَّمذ وعلَّم ودرَّب الكثيرين. وفي حقل الخدمة اليوم بل وفي مواقع القيادة الأولى والرئيسة تلاميذ تأثروا به ويدينون له بكثير من الفضل في دفعهم للأمام وتمكينهم وتشكيل حياتهم وإتاحة الفرص لهم. كانت قيادة رعوية مؤثرة وفارقة مع كثيرين.
سادسًا، الشجاعة والمواجهة: الراعي الأمين هو الراعي الشجاع الذي يحمي مصالح شعبه ويحامي عنهم ويقف في الثغر من أجلهم هكذا كان القس باقي شجاعًا في مواجهة أي موقف الهدف منه النيل من مصلحة الكيان أو تهديده وكم من مواقف يعرفها الجميع وقف فيها وقفة الشجعان أمام قوى الظلم والطغيان وحمي الكثير من املاك الكنيسة والكيان الإنجيلي. كنا نشعر في وجوده بنوع من الأمان والسند لنا جميعًا، وكانت السلطة تعمل له ولتاريخه حسابًا وتحمل له التقدير. كانت مدرسته ومنهجه «متخفش، متغلطش، علّي صوتك»
سابعًا، نجاح نموذج الأسرة: ينطلق نجاح الراعي من قاعدة الأسرة، لقد قدَّم مع زوجته الراحلة طنط إيفون نموذجًا رعويًا متميزًا، وقدم لنا وللكنيسة المحلية والعامة أبناء مباركين في الخدمة جناب الشيخ صموئيل باقي شيخ الكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط ونائب رئيس السنودس الحالي وعضو المجلس الملي الإنجيلي العام، شخصية خدومة محبة وفعّالة ومؤثرة، أخذ الكثير من صفات والده في العطاء والمحبة والخدمة مع زوجته الفاضلة الشيخة سها نموذج الخادم المضحي الفعّال والمؤثر والأبناء المباركين سامح وبسام ولهم أدوار كبيرة في الخدمة، وابنته العزيزة إيمان التي تخدم الرب بكل حبٍ وإخلاص في كنيستنا بأبوظبي مع زوجها الأستاذ ماجد وبنتيهما المتميزتين جوي وآن. إننا نرى في أسرة الراعي نموذجًا ناجحًا تأثر بخدمة الأب.
ثامنًا، الإرث الروحي: لقد ترك لنا الراعي ما نفتخر به، ولقد سمعتها منه يومًا «أعطِ للناس ما يفتخرون به إذا أردت أن تكون مؤثرًا»، وهكذا فعل، لقد ترك لنا إرثًا روحيًا عظيمًا وتاريخًا مجيدًا ونموذجًا ملهمًا نهتدي به، وترك لنا كنيسة عامرة رايتها مرفوعة ولها أحلام كبيرة وجميلة للمستقبل. وترك لنا، نحن الرعاة، نموذجًا للرعاية الناجحة التي تتحدانا في رحلة الخدمة الرعوية، ولم يترك مكانه إلا عندما كملت رسالته بالتمام والكمال، ورحل في شيبة صالحة وفي حفل وداع مهيب يليق بتاريخ خدمته قدم فيها الكل ملحمة حب صادق وحقيقي وفاءً وعرفانًا لكل ماقدمه راعيهم من حب وعطاء لهم. فالجميع، كبارًا وصغارًا، وجدوا لهم في قلبه مكانًا ومكانة. سيظل باقي باقيًا في القلب دائمًا.
كاتب المقال: القس صموئيل عادل
القس المساعد بالكنيسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى