المؤمن ووباء كورونا
الهدى 1233 يوليو 2021
عاموس معنى اسمه «حمل» وهو أحد الأنبياء في المملكة الجنوبيّة (يهوذا) وتنبأ في أيام عزيا ملك يهوذا، وفي أيام يربعام الثاني ملك اسرائيل (عاموس 1:1) ويعتقد أنه تفوه بنبوته عام 760 ق.م، أي قبل السبي الأشوري (722 ق.م) ب 38 سنة. كانت مملكة اسرائيل في ذلك الوقت في منتهى الشر والفساد، فقد كان ملكهم يربعام بن يوآش ملكًا شريرًا وفاسدًا، وقد عم الفساد والشر كل أرجاء المملكة كما هو واضح من الشواهد الكتابية في سفر عاموس راجع (عاموس 2: 6-8، 5: 10-12، 21-24، 8: 4-6)، لذلك أرسل الله النبي عاموس برسالة دينونة إلى شعب اسرائيل، ورسالة دينونة أخرى على شعب يهوذا (عاموس 2: 4-5) وذلك بسبب انحرافهم، يقول الرب على لسان النبي عاموس: «إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ». (عاموس 3 : 2)، وجدير بالذكر إن الله لا يريد الدينونة في حد ذاتها، لكنها إحدى وسائله في التأديب لعل الشعب يرجع ويتوب فيرفع عنهم العقاب.
الفيروسات كائنات دقيقة جدًا موجودة في الطبيعة، متى توفرت لها الظروف المناسبة تتكاثر وتنتشر بسرعة وتكون العدوى، منها ما يصيب الإنسان، ومنها ما يصيب الحيوان، ومنها ما يصيب الطيور، ومنها ما يصيب كل تلك الكائنات، فالإنسان يعيش في وسط وعالم ملئ بالفيروسات والميكروبات قد ينتج عنها أوبئة تدمر حياة الملايين من البشر، فالله هو الحافظ والقادر على كل شيء.
لكن ما هي أسباب الأوبئة التي قد تحلّ بمدينة أو بدولة أو بمنطقة معينة ويموت فيها الآلاف وأحيانًا الملايين، كنا قديمًا نسمع عن أوبئة تصيب مناطق معينة وتكون محدودة بحدود هذه المناطق، واليوم نرى وباء الكورونا يمتد وينتشر بسرعة إلى جميع بقاع العالم! بطريقة لم تحدث في تاريخ البشرية حتى إنه يخيل إلينا أن نهاية العالم قد اقتربت! حقًا هل يمكن القول: «هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ (وباء) فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟».
يمكننا التأمل في الأسباب كما يلي: –
أولًا: أسباب بشرية:-
صار النشاط البشري أحد أسباب الفساد في الأرض والبيئة، بسبب الخطية وفساد الضمير، وانعدام الأخلاق وعدم المسؤولية، وإشباع أنانية الإنسان ونهمه الشيطاني، حتى حق القول: «ملعونة الأرض بسببك»، لأن الإنسان في جميع أنشطته واختراعاته أساء جدًا إلى الأرض وأفسد في الطبيعة بكل أنواع التلوث في البيئة التي خلقها الله نظيفة جميلة رائعة، لكن الإنسان حولها إلى بيئة فاسدة لا تطاق ولا تعاش، فامتلأت الأرض بكل أنواع التلوث من تلوث الأنهار والبحار، وتلوث في الجو، وتلوث في الطعام، وتلوث سمعي مؤذ لراحة الإنسان الذي يصدر من مكبرات الصوت والأجهزة المختلفة بلا ضابط ولا رابط، ولا غرابة أن يوجد تلوث مباح باسم الدين!!!
هذا الشر وهذا الفساد الذي ملأ الأرض، ألا يحرك الله وبجلب غضبه على سكان الأرض؟!
ثانيًا: أسباب إلهية: –
1) الله خالق هذه الكائنات الدقيقة وغيرها من الحشرات ومن الزواحف ومن الحيوانات….. الخ، وقد خلق الله كل هذه المخلوقات الضار منها والنافع لحكمة عنده، وكذلك يحدث توازنًا عجيبًا في الطبيعة. تقول كلمة الله: «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ» (مزمور104: 24)، وقوله أيضًا: « مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ وَأَعْمَقَ جِدّاً أَفْكَارَكَ. الرَّجُلُ الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ وَالْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هَذَا « (مزمور 92: 5-6).
+ هل يحدث هذا الوباء في جميع أنحاء العالم والله لا يعلم عنه شيئًا؟ وهل الله إزاء هذا الوباء هو مجرد متفرج فقط على بلايا البشرية المعذبة في جميع أنحاء العالم؟ أين هو؟؟ وإجابة هذه الأسئلة تأتي كما يلي:
1) الله له السيادة والسلطان: على جميع الأوبئة والأمراض والزلازل والبراكين، وكل ما يحدث في الكون، تقول كلمة الله: «لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هَذِهِ.» (إشعياء 45: 6-7) ملحوظة هامة: لايقصد الوحي بكلمة الشر الخطية، بل كل ما يتعرض له الإنسان من آلام وتجارب وأمراض وكوارث….الخ (انظر أيوب 2: 10، 42: 11). يعلن النبي عاموس أن الله هو سيد التاريخ ومحرك الأحداث ليس في اسرائيل فقط، ولا في كنيسة المسيح فقط، بل هو له السلطان والسيطرة على تاريخ الجنس البشري كله، يقول د. القس عزت شاكر: «فالتاريخ ليس فوضى والأحداث ليست خبطًا عشوائيًا فأي بلية تحدث لم ولن تخرج عن دائرة سلطان الله العجيب»، وهذا ما تقوله كلمة الله: «هل تحدث بلية في مدينة (أو في العالم) والرب لم يصنعها» (عاموس 3: 6).
2) دينونة إلهية وعقاب: نشاهد في الكتاب المقدس من حين لآخر دينونات وعقوبات إلهية تقع على أفراد (أبرار أو خطاة)، وأحيانًا على منطقة معينة كما في سدوم وعمورة، وعلى شعب الله المختار، وأحيانًا على العالم كله كما حدث في الطوفان.
+ فنجد في سفر عاموس دينونة علي شعوب مجاورة لإسرائيل: (عاموس 1: 2- الخ ، عا2: 1-3 ).
+ ونجد أيضًا دينونة على يهوذا واسرائيل (عاموس 2: 4-8).
+ عقاب الرب لشعبه لعلهم يرجعون: يقول الوحي في سفر عاموس: «إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ لِذَلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ». (عاموس 3: 2)، وفي سفر إرميا يقول: «ولكنني أعاقبكم حسب ثمر أعمالكم يقول الرب، وأشعل نارًا في وعره فتأكل ما حواليها» (إرميا21: 14)، «وَلَكِنَّنِي أُعَاقِبُكُمْ حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ وَأُشْعِلُ نَاراً فِي وَعْرِهِ فَتَأْكُلُ مَا حَوَالَيْهَا].» (إرميا23: 2) «[وَهَذِهِ هِيَ الْعَلاَمَةُ لَكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ: إِنِّي أُعَاقِبُكُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَقُومَ كَلاَمِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ.» (إرميا44: 29).
ثالثًا: دروس مستفادة:-
1) الصلاة: الوباء يدفعنا أكثر للصلاة والركوع أمام عرش نعمته نلتمس منه رحمة وعونًا في ضيقاتنا، يقول الوحي: «وَادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي.» (مزمور 50: 15).
نقبل تأديب الرب: ونتوب عن ذنوبنا وعن خطايانا ونرجع إليه من كل القلب بتوبة صادقة، يقول الوحي: «[هُوَذَا طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ اللهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ. لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ.» (أيوب 5: 17-18) «يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ « (إشعياء 26: 16).
2) الاتضاع أمام عظمة الله: وجبروته وجلاله ومجده وأعماله العظيمة ليشعر الإنسان أنه صغير جدًا وضعيف ومحدود جدًا أمام عظمة الله وقدرته غيرالمحدودة، فكم سقط أمام الوباء آلاف من البشروملايين من المصابين حول العالم، من فقراء وأغنياء، أمراء ورؤساء، شباب جبابرة وأبطال أشداء، أطباء وعلماء، سقطوا جميعًا بفيروسات دقيقةجدًا لا ترى إلا بميكروسكوبات الكترونية خاصة. الوباء حير الحكومات والعلماء، ليعرف الإنسان حجمه وحدوده أمام القدرة الإلهية، حتى قال داود: «أما أنا فدودة لا إنسان» (مزمور22: 6) «فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!» (مزمور 8: 4) «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ].» (أيوب 25: 6).
3) الصبر والإمتلاء من الرجاء المبارك اننا محفوظون في يده: قال المسيح لتلاميذه: «وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ…. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ.» (متى 24: 6-13، انظر مرقس 13: 7-14، لوقا 21: 10-19)
على مدى التاريخ تعرضت البشريّة لأهوال الحروب الطاحنة والأوبئة الفتاكة وكان ضحاياها بالملايين. موضوع محير ومرعب للبعيدين عن الرجاء المسيحي المبارك، لكن بالنسبة للمؤمنين فهذا يزيدهم ايمانًا ورسوخًا في المسيح لأن لهم وطن مبارك في السماويات، يقول الرسول بطرس: «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ،لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (1بطرس 1: 3-8).
دعاء وصلاة:
قرأت على الفيس دعاء رائع لشخصية غير مسيحية، يمكن لكل مسيحي أن يرفعه صلاة لله في اسم المسيح وشفاعته وهي كالتالي: «اللهم ارفع عنا البلاء والوباء يا ربُّ العالمين، تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اللهم قنا واصرف عنا شر الداء والبلاء بلطفك ورحمتك، إنك على كل شيء قدير. اللهم إن هذا الفيرس هو جند من جنودك تصب به من تشاء، فاصرفه عنا وعن بيوتنا برحمتك، إنك على كل شيء قدير. آمين يا رب العالمين.
قد عرفنا حجمنا يا الله فارحم ضعفنا، فإنَّ الكريم إذا قدر عفا. اللهم اجعل هذا الوباء يمر ولا يضر، واجعله انحسارًا لا انتشارًا، لا فاقدين ولا مفقودين. اللهم آمين.»
ونحن نرفع هذا الدعاء إلى الله صلاة بالروح القدس قائلين: اللهم احفظنا في اسم المسيح، آمين.