الإدارة والقيادة المسيحيّة
الهدى 1211 يوليو 2019
هل كل رئيس أو مدير جيد يمكن أن نسميه قائداً؟ وهل هناك فرقًا حقيقيًا بين المدير أو الرئيس والقائد؟ وما هو؟ وما معنى أن تكون قائدًا مسيحيًا أو كنسيًّا؟
يخلط الكثير بين مفهومي الإدارة والقيادة، ويعتبر أنهما نفس المعنى، إلا أنّه في الواقع هناك اختلافًا كبيرًا بين المفهومين من أكثر من ناحية، ونقطة الاختلاف الأهم بين الإدارة والقيادة هي ما تركز عليه كل منهما، إذ تضع الإدارة كل تركيزها على المخرجات أي نتائج الأداء والمكونات المادية في المنظمة مع إهمال العنصر البشري، وعكس ذلك تماماً في القيادة إذ تركز بشكل كبير على العنصر البشري وتهتم به وبتنمية مهاراته وقدراته وتدريبه؛ لتحفيزه على أداء العمل وإنجاز الأهداف.
إنّ الرئيس أو الُمدير يحرص على أن يلتزم الموظفون بقواعد وسياسات. إنّهم يعملون لتحقيق الأهداف التي وضعها قادتهم من خلال مهامّ محدّدة كالتخطيط ووضع الميزانيات، والتنسيق ومهارات حلّ المشكلات. وعلى الرغم من أنّهم في الغالب ذوو كفاءة عالية ويتمتّعون بروح المسؤولية إلاّ أن دورهم يقتصر على تنفيذ التعليمات. أمَّا القائد أو الخادم، يستخدم تأثيره لتحدّي القواعد المختلفة وتوجيه الفريق إلى الابداع والابتكار. إنَّه يغيّر القواعد لإحداث التغيير؛ وعندما نتطرق لمفهوم القيادة الكنسيّة، فإننا نجد بُعدًا أشمل وأعمق، وهو ما يُطلق عليه القيادة الخادمة، وفي الكتاب المقدس الكثير من الأمثلة التي تشرح معنى القيادة الخادمة، وأفضل نموذج هو شخص المسيح، الذي شبَّه نفسه بالراعي، والراعي يقوم بعدة أدوار بالنسبة للقطيع. فهو يقود ويُطعِم ويُغذي ويُعزي ويُقوِّم ويحمي القطيع.
إنَّ المدير يرى أنَّ نجاحه ينحصر في تعيين مهامّ الموظفين وإخبارهم بما يجب أن يفعلوه كالطريقة الوحيدة التي تضمن نجاحه وتحقيق أهداف المؤسسة، وفي سبيل ذلك لا يُشجع التفكير الحر والمُبدع، لأنه بحسب تفكيره أنَّ هذه الطريقة لا تحقق أهدافه أو أهداف المؤسسة، وهذا بعكس القائد يزدهر وينمو من خلال إجراء التحسينات وتجربة أمور جديدة. ولذلك نجده يتبنى الأفكار الجديدة ويحترم حريّة التفكير لأنها تدعم أهدافهم، إنه يعلم تمامًا أنه إذا شجّع المزيد من الأشخاص على التفكير خارج الصندوق، فإن قوّة التفكير الجماعية سترتفع وتقود إلى مزيد من التطوّر والإبداع.
وربّما يتبادر إلى ذهنك الآن -عزيزي القارئ- أنّ القائد أفضل من المدير، فهل هذا صحيح؟
في الواقع يعتبر الاثنان مكمّلان لبعضهما البعض. صحيح أنّ القائد يتميّز بالجرأة ومواجهة المخاطر وروح الإبداع، في حين أنّ المدير يسعى للحفاظ على النظام وفرض السيطرة، لكن هذا لا يعني أنّ أحدهما أفضل من الآخر. تحتاج المؤسسات الناجحة إلى قادة ومدراء حتى تسير بسلاسة. فقدان الإدارة يعرّض المؤسسة لفقدان الالتزام والفشل في تحقيق الأهداف. في حين أنّ افتقادها لعنصر القيادة يعرّضها للركود وفقدان الحافز والإلهام.
قد يبدو أنّ القائد والمدير يتواجدان على كفّتين مختلفتين من الميزان، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالسلطة، لكنّهما مع ذلك يشكّلان جزءًا من فريق واحد. قد يمتلك القائد رؤية عظيمة، ولكن من دون وجود مدير يعمل على تحقيقها سيفشل بكلّ تأكيد.
وعندما تُدار الكنيسة أو مؤسساتها بإحدى وجهتي النظر السابقتين، فإنَّها تكون سببًا كافيًا للفشل، فالإدارة الكنسيّة، تحتاج لفهم أعمق لمفهومي القيادة والإدارة معًا، وأن يكون غلافهما هو الخدمة في مفهومها الذي قدمه المسيح بشخصه وتعاليمه وأعماله، فإنّ كان مفهوم القيادة أو الإدارة من وجهة نظر العالم يعني: كم من النّاس يعملون لأجلك ويخدمونك؟ فإنَّ مفهوم الله وما قدمه المسيح في المسيحية: كم من النّاس أنت تعمل لأجلهم وتخدمهم؟
إنّ قيادة الكنيسة هي خدمة وليست إدارة. إنّ من يعينهم الله كقادة مدعوين ليس كملوك حاكمين، بل كعبيد متواضعين؛ وليس كمشاهير لامعين، بل كخدام عاملين. إن من يقودون شعب الله يجب أن يكونوا قدوة فوق كل شيء في التضحية والالتزام والخضوع والتواضع. لقد قدم المسيح نفسه نموذجًا عندما انحنى ليغسل أرجل التلاميذ، وهي مهمة كان من المعتاد أن يقوم بها أقل العبيد شأنًا (يوحنا 13). إذا كان رب الكون يرتضي أن يفعل ذلك، فلا يملك أي قائد كنسي الحق في أن يتعالى على الآخرين».
إنّ كنت مسؤولًا عن خدمة في موقع ما، فما هو الأسلوب الذي تتبع، الإدارة أم القيادة، النظام أم الإبداع، هل تأمر النّاس ليخدموك؟ أم أنت مَن تخدمهم؟