رأي أخر

البطل المرفوض

الهدى 1077                                                                                                                                مايو 2007

في العدد 1069 من مجلة الهدي الصادر في  سبتمبر2006 م قرأت مقال للقس جورج مراد راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية الوطنية في الرابية – لبنان تحت عنوان ” قصة من حرب لبنان” كان مضمونها (أنه في أثناء مجزرة قانا ترك شاب يدعي “طانيوس” جامعته قبل تخرجه بقليل والتحق بالمقاومة لتحرير الجنوب وطالت المدة وانقطع كل اتصال بأهله وبعد عدة سنوات اتصل “طانيوس” بأهله وأخبرهم أنه حي وسوف يعود للمنزل ولكنه طلب من والديه طلبًا وهو استضافة صديق له وقبلت الأسرة بكل سرور.

 لكن الابن قال لأبيه أن صديقه المذكور مبتور الساق واليد نتيجة انفجار لغم أرضي أثناء قيامه بإحدى المهمات وجاء جواب الأب لطلب ابنه: متأسفون يا ابني فأنت لا تعرف صعوبة ما تسأل فشخص بهذه الإعاقة سيكون حملاً ثقيلاً علي من يساكنه ونحن لا نسمح لأحد أن ينغص علينا معيشتنا أو يزعج حياتنا  نحن في انتظارك وأنسَ قصة صديقك. وبعد أسبوع تلقي الأهل مخابرة من الشرطة تبلغهم أن ابنهم وُجد جثة هامدة بعد أن القي بنفسه من الطابق العاشر من أحدي البنايات وعليهم القدوم إلي المشرحة للتعرف علي الجثة. بالحزن والنحيب والدموع هرع الوالدان للمستشفي وبدهشة عظيمة وبمفاجأة غير متوقعة وجدا ابنهما العزيز الغالي مبتور الساق واليد. وهنا اكتشفت الأسرة وفهمت أن الابن كان يتكلم عن نفسه لا عن صديق) 

الأسرة التي كانت رافضة للمعوق أصبح أحد أبنائها من المعوقين ولعل هذا يكون تساؤلاً للأسر الرافضة للمعوق ماذا لو أصبح أحد أبنائها من المعوقين لسبب أو لآخر؟؟.

 إن الشعور بالرفض شعور قاسٍ وغير مرغوب فيه , فكلنا يرغب أن يكون مقبولاً من الآخرين مهما كان شكله أو وضعه, فكل إنسان يرغب أن يكون محبوباً ومقبولاً من الآخرين.

قارئي العزيز :

 من الواضح أن للأسرة موقفًا سلبيًا تجاه المعوقين ليس فقط موقف هذه الأسرة، ولكن للأسف هو موقف العديد من الأسر في  معظم مجتمعاتنا العربية وبصفة خاصة مجتمعنا المصري – لقد رفضت الأسرة استقبال بطل لكونه مبتور اليد والساق, أي أنه معوق” وبتعبير أقل تحضراً “عاجز” وبتعبير فيه شئ من التحضر ” من ذوي الاحتياجات الخاصة “، ولعل هذه القصة تفجر قضية من أهم واخطر القضايا التي حان الوقت لمناقشتها ولفتح ملف ساخن جداً أقصد ملف ”  الشخص المعوق ”

وللمجتمع مقاييس غريبة وعجيبة التقيم الإنسان، فقيمة الإنسان ترتبط تارة بالمال ولسان حالهم معاك  قرش تساوي قرشًا، وتارة ترتبط بالمكانة الاجتماعية، وتارة ثالثة ترتبط بالشهادة وكلما علت الشهادة كلما علت معها قيمة الإنسان.

فالمعاق في نظرنا نصف إنسان، بقايا إنسان، حطام إنسان، هذا بكل أسف هو حال مجتمعنا، لقد رأت الأسرة  أن وجود شخص معوق معهم سيكون باعثًا للنكد والقلق والهم والإزعاج، بدلاً من أن يكون هذا المعوق موضع فخر وافتخار لهم فهو البطل الذي رفض أن يعيش راكعاً وفضل أن يموت واقفاً رافعاً الرأس.

والمعوق في نظر بعض الأسر “عار” مرفوض  وغير مرغوب فيه.

هذا هو حال المجتمع ولا استثني من ذلك المجتمع الكنسي (والتفاصيل والأمثلة جاهزة عند الطلب وسوف تقدم في مقالات لاحقة) مع إنه كان يجب أن تكون لدى المجتمع الكنسي نظرة مختلفة. لأن قيمة الإنسان قيمة عظيمة لأن الله هو الذي خلقه وإن كنا نقدر قيمة لوحة فنية لرسام كبير فكيف لا نقدر قيمة الإنسان –أي إنسان من أي دين ومن أي جنس– الذي أبدعته يد فنان ليس له مثيل؟؟ وأي شئ أعظم من أن يخلق الإنسان على صورة الله كشبهه!!! وترتفع قيمة الإنسان وتسمو عندما نفخ الله فيه نسمة حياة فصار نفساً حية. أعطوا للإنسان قيمته الحقيقية..  انظروا له بعيون الله، لا تحتقروا أحدًا، لا تسخروا من أحد.

سأل أجنبي شابًا مصابًا بمرض شلل الأطفال “معوق” هل انتهيت من الجيش؟ فأجاب المعوق: لا  لأنني معوق, والمعوق في بلادنا لا يلتحق بالجيش.. فاندهش الأجنبي وقال: “إن المعوق في بلادنا مثله مثل أي إنسان وإن كان لا يستطيع أن يحمل سلاحًا ليحارب لكنه يستطيع أن يستخدم عقله فيجلس إلى الكمبيوتر أو أي جهاز يعتمد فيه على العقل لا الجسم”، وهنا فهم المعوق الفرق بين نظرة العرب للمعوق ونظرة الغرب للمعوق.. فقيمة الإنسان لدي الغرب ترتبط بالعقل وعند العرب بالجسم.

ولأن البحر أصله نقطة ماء، والزمن الطويل أصله ثانية، والفكر العميق أصله كلمة، والضوء المبهر أصله شمعة، والتغير القوي أصله حركة لذلك أرغب في أن القي الضوء علي هذه القضية الهامة وأدعو الكنيسة للمشاركة في صنع التغير المنشود لأن الكنيسة هي المجتمع المسئول والأداة التي أوجدها الله في هذا العالم ليستخدمها في خلق عالم أفضل  ولعل استجابة مجلة الهدي تكون القطرة الأولي التي تسبق الغيث.

فالمعوق إنسان له كيان وطموح… وأحلام وآمال… ولنتصفح ذاكرة التاريخ لنجد أبطالاً وعظماء رفضوا الاستسلام لإعاقتهم فأبدعوا وانطلقوا يحققون المعجزات، فالأبطال ليسوا هم الذين لا يفشلون، والعظماء ليسوا فقط من ذوي الأجساد السليمة (مع تحفظي علي هذا اللقب) بل الأبطال هم الذين رفضوا الاستسلام لليأس والإحباط. 

أنا لا أدافع عن فئة معينه وليست لي أية دوافع ذاتية فقط اطرح موضوعًا للمناقشة والبحث للاختلاف للإضافة لعرض كل وجهات النظر، لنري ما هو موقف ونظرة المجتمع والكنيسة للمعوق ونظرة المعوق لذاته، لنري المعوق وواجباته، حقوقه، نماذج وأمثلة، المعوق والزواج، لعل ذلك يدفعنا لإعادة ترتيب أوراقنا وحياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى