آراءرأي أخر

اترك موقع راحتك

الهدى 1218                                                                                                                                   فبراير 2020

يتحدث الرب يسوع في إنجيل متى والإصحاح العاشر عن تكلفه التبعية وفي آخر الإصحاح يوضح ارتباط تبعيته بإظهار المحبة والإكرام الكامل له فقال: « مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا» (متى 10 : 37 – 39).
وهنا سنركز على ما قاله السيد المسيح في الآية الأخيرة، وذلك من خلال نقطتين:
أولًا: تعرف على موقع راحتك
ثانيًا: هب حياتك له
أولًا: تعرف على موقع راحتك
تبدأ حياتك الحقيقية بعد خروجك من منطقة الراحة، يقول: مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا (39)، يقول المثل الشعبي: «عُصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، يُرسخ هذا المثل لعقلية تُفضِل المضمون والمتاح بدلًا من الخوض في طريق محفوف بالمخاطر. ان العصفور المضمون في المثال السابق يسميه علماء النفس وخبراء تطوير الذات بـ «منطقة الراحة COMFORT ZONE»، ونحن نسمع كثيرًا عن منطقة الراحة، فماذا تعني؟؟
يأتي أصل كلمة Comfort من الكلمة اللاتينيَّةCumfortare والتي تعني الأساليب والوسائل المُتَّبَعَة لتخفيف الألم أو الإجهاد.
“وهي حالة من الانسجام الفسيولوجي، والبَدَنِي، والنَّفْسِي، ومن الأشياء التي تجعلنا نُفَضِّل البقاء في منطقة الراحة: الكسل، وهو نوع من اللَّامُبالاة وعدم وجود حافز. والكبرياء، يعبر عنه بعدم الحاجة لتعلم أي شيء. وقصر النظر (الرؤية)، وهو عدم رؤية عواقب السلوكيات الخاطئة في حياتنا. والخوف، الخوف من المجهول أو من المخاطر.
إن منطقة الراحة في حياتنا ربما هي منطقة معتقداتنا وعاداتنا المألوفة لنا (نشعر بالأمان فيها) حيث لا مشاكل ظاهرية فيها ولا تحديات. بالرغم من لا يخوض التجربة لن يتعلم .. فالسفينة لم تصنع لتظل على المرسى. وهكذا الله لم يعدنا بحياة سهلة بل وعد أن يكون معنا في كل خطوه في الطريق، قد تبدو منطقة الراحة مُغْرِيَة، ولا تُقاوَم، وحقيقية.
اسال نفسك، لماذا أُفضِّل منطقة الراحة، ولا أريد التحرك من مكاني؟، ربما يكون الخوف سببًا، وهنا أقدَّم لك تحديًا، فإنَّ كان عدم تحركك من موقعك سببه الخوف من التغيير، فإننا نقرأ في (مرقس 4: 35-41) هذه القصة الشهيرة التي حدثت بين المسيح وتلاميذه، إذ قال لهم: «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ». فَصَرَفُوا الْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضاً سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟». فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ. ابْكَمْ». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هَكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟».
إنَّ الخوف جعل إيمان التلاميذ جامد لا يتحرك فاستغاثوا بالمسيح لعله هو يتحرك. وهنا اسال نفسك: ما هي الأمور التي تغلبت فيها على خوفك وتشجعت وأثبت لنفسك أنك تستطيع؟؟ من العجيب إنَّ الخوف مع كل ما فيه من اضطراب قد يكون مفضل لدي كثيرين بدلًا من أخذ خطوة مكلفة في التحرك ومواجهه الظروف والتحديات.
لكن التحدي الذي أضعه أمامك، هو تحدي منطقة الراحة الخاصة بك، فقد يكون لديك الكثير من المهارات، والإمكانات، وعلى الرَّغم من ذلك لا تستطيع استخدامها، أو تحويلها إلى أداء وإنجازات حقيقية كأنَّك منجم ذهب مُغلق؛ لكنه غير مستكشف وغير مُثْمِر هنا أقول لك تشجع، واقهر خوفك، واخرج خارج منطقة راحتك، هناك كلمات هامه عن الشجاعة قالها الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا وهي: «تعلمت أنَّ الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه»، الإنسان دون أمل كنباتٍ دون ماء، وهكذا الإنسان دون ابتسامة كوردةٍ دون رائحة، كما أنَّ الإنسان دون حب كغابةٍ احترق شجرها، وبالقطع الإنسان دون إيمان وحش في قطيع لا يرحم.
لنتعلم كيف نقهر خوفنا، وكيف نخرج خارج منطقة راحتنا، ولنعرف كيف يكون لنا الإيمان الذي يقود حياتنا ويدخل بنا إلى مناطق جديدة، لم تكن ترى بدون الإيمان، ولنحول هذه الروئ إلى واقعٍ نعيشه ونحيا به، فيجدد حياتنا، ويؤثر فيمن حولنا.
ثانيًا: هب حياتك له
سنركز في هذه النقطة على الجزء الثاني من الأية السابقة: «وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا»
Life Begins at the End of Your Comfort Zone
أوْجِد حياتك من خلال اضاعتها، كيف؟ يقول في (متى 10: 39) «مَنْ يَتَمَسَّكْ بِحَيَاتِهِ، يَخْسَرْهَا؛ وَمَنْ يَخْسَرْ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي، فَإِنَّهُ يَرْبَحُهَا» (ترجمة « كتاب الحياة»). ما أقسى أن يتغير كل من حولك وأنت ما زلت في منطقة السكون والجمود! لماذا هو صعب ان تترك منطقه راحتك؟
Step Outside of Your Comfort Zone
1) كن أنت التغيير:
يقول غاندي: «كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم»، إن المضحك المحزن أن يكون الإنسان بعد عدة سنوات كما هو لم يتطور، فلماذا التغيير؟ وهاك بعض الأسباب:
الحتمية: أمر ضروري في حياه الانسان التغيير نحو الافضل؛ التطور: التغيير هو وسيلة للارتقاء نحو الأفضل؛ الاستمرارية: أي إن التغيير عملية مستمرة؛ لقد أثبتت شركة من شركات الأبحاث في دراسة لها أن 80 في المائة من المخاوف التي نخافها هي أوهام لا حقيقة لها.
2) تحرك من مكانك:
لنطمئن فالمسيح له قدرة على كل ما هو فوق قدرة الإنسان كالرياح والبحر. يشير مرقس ولوقا أن التلاميذ خافوا إذ رأوا المعجزة، لقد خافوا إذ شعروا بالسلطان الإلهي على الرياح والبحر. فخوف عدم الإيمان هو الجحيم بعينه. فَخَافُوا «أي التلاميذ» خَوْفاً عَظِيماً وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضاً وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مرقس 41:4)
إن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، غيّر طريقة تفكيرك تحصل على ما هو أجمل مما أنت عليه الآن، لا تبقى ثابتاً فكل شيء من حولك يتغير، ففي رحلتك إلى التغيير ستعثر ولكن احذر من أن تظل على الأرض، انهض من جديد. المهم ألا تتوقف.
لا يمكن أن تظل أفكارك السلبية بلا تغيير .. ولا يمكن أن تحقق أهدافك بلا تغيير .. ولا يمكن أن تتخلص من مخاوفك بلا تغيير.
أخيرًا:
«مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا»
ليتنا نتعلم أن نترك منطقة الراحة التي منعت استخدام الرب لنا فأضاعت منا الفرص العظيمة للاستخدام الإلهي وحجبت عنا الاستمتاع بحياة مكرسة لسيدنا وفادينا.

القس رأفت رؤوف الجاولي

* تخرج في كليّة التجارة جامعة أسيوط 1988م،
* ثم تخرج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 1995م،
* خدم في الكنيسة الإنجيليّة في بنها،
* سِيمَ راعيًا للكنيسة الإنجيليّة الثانيّة بالطيبة، سمالوط، المنيا عام 1997م،
* نُصِّبَ راعيًّا للكنيسة الإنجيلية في سيدي بشر قبلي-الإسكندريّة عام 2000م،
* أصبح قسًا مرسليًّا (Missionary Pastor) وسط اللاجئين العرب في لوس أنجلوس 2011،
* يخدم مع عدد من الكنائس المشيخيّة الأمريكيّة في مجال الكرازة والتدريب، له عدد من الكتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى