الفصح والعهد الجديد
الهدى 1231 مايو 2021
يربط بولس الرسول بأسلوبه المعروف والمتميّز، وهو مسوقًا بالروح القدس بين الفصح في العهد القديم، والفصح الحقيقي بحسب مفهوم العهد الجديد، وبطريقة عجيبة يحول النظر إلى المسيح باعتباره الفصح الحقيقي، ويشرح الكيفية التي يجب أن نُعيّد بها في ظل العهد الجديد بالمقارنة بالأعياد والاحتفالات في العهد القديم، إذ يجب أن نُعيّد بفطير الإخلاص والحق (1كورنثوس 5: 7 – 8)، أي أن نعيش حياة القداسة والنقاء.
ومعنى كلمة «فصح» في أصلها العبري «פֶּסַח» أي «عبور»، « فَأرَى الدَّمَ وَأعْبُرُ عَنْكُمْ» (خروج 12 : 13)، ولقد كان يتم الاحتفال به في العهد القديم في الرابع عشر من شهر نيسان، الذي هو الشهر الأول بحسب التقويم اليهودي، ويتم الاحتفال به لتذكير بني اسرائيل بخلاصهم وتحريرهم من العبودية على يد فرعون، وإخراجهم من أرض مصر بذراع رفيعة ، وبيد ممدودة، ويتم الاحتفال به عن طريق تقديم الذبائح بحسب التعليمات المفصلة لصنع الفصح الواردة في (خروج 12 : 1 – 20)، حيث يُقدم كل بيت شاة صحيحة (بلا عيب) ذكرًا ابن سنة، وكان يمكن أن يشترك بيتان معًا في تقديم الشاة كذبيحة كاملة إذا لم يستطع البيت الواحد تقديم الشاة كاملة، وتقدم في عشية ذلك اليوم، وبحسب المؤرخ «يوسيفوس» كانت قد جرت العادة في أيامه أن تُذبح الشاة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، وهذا كان الوقت الذي فيه ذبح المسيح فصحنا الحقيقي عندما قدم نفسه لأجلنا كذبيحة كاملة مرة واحدة على الصليب. (1كورنثوس 5: 7 / لوقا 23: 44 – 46).
كما كانت هناك تعليمات معينة بشأن خروف الفصح، حيث كان يجب أن يتم أكل خروف الفصح كله مشويًا بالنار، رأسه مع جوفه وأكارعه، ويجب ألا يبقوا منه شيئًا إلى الصباح، بل يُحرقوا ما يتبقى بالنار، كما أنه كان هناك تحذير من أكله نيئًا أو مطبوخًا بالماء حتى لا يتشبهوا بالشعوب الوثنية في احتفالاتهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لما يحمله هذا التحذير من مضامين صحية، وأيضًا يرى بعض المفسرين في أمر شيّه بالنار أن فيه إشارة إلى المسيح الفصح الحقيقي الذي ذبح لأجلنا واكتوى بنيران العدل الإلهي في سبيل تكفيره عن خطايانا.
وكان اليهود يحتفلون أيضًا بعيد الفطير بعد الفصح مباشرة لمدة سبعة أيام، حيث كان يُفتتح العيد باحتفال عشاء الفصح في عشية يوم 14 نيسان حتى اليوم السابع، ونظرًا لقربهما من بعض فإنه تم اعتبارهما فيما بعد عيدًا واحدًا حيث كان يُقال على الفصح الفطير (لوقا 22 : 1)، وكان يتضمن الاحتفال ذبيحة محرقة في البداية والنهاية، وقد سمي بعيد الفطر، حيث كان يؤكل الفطير الذي يُصنع من الحبوب التي تم حصادها حديثًا دون إضافة خمير مطلقًا، والفطير يشير إلى حياة النقاء والقداسة، لذلك ما نتعلمه كمسيحيين من عيد الفطير هو أن نجتهد ونسعى دائمًا لتكون حياتنا مقدسة مكرسة للسيد المسيح، أي أن تكون حياتنا فطيرًا دائمًا خالية من خمير الشر والخطية، لذلك يقول المرنم: «اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً.» (مزمور 139: 23).
لذلك فإذا كان الفصح يكلمنا عن موت المسيح الكفاري على الصليب، حيث أن «أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23)، وفداء المسيح لنا من الموت إذ مات لأجلنا «الْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ..» (رومية 3: 22 – 25)، فإننا نؤمن أيضًا أنّه هذا الموت «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1كورنثوس 15: 54 – 55) حيث أن المسيح أيضًا قام ناقضًا أوجاع الموت، فيقول بولس: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (1كورنثوس 15: 3 – 4).
لذا فما أحوجنا ليس فقط في الأعياد والمناسبات، بل في كل حين أن ننظر إلى المسيح المصلوب، فنتعلق به، ونحبه كما أحبنا، ونزداد في تكريسنا له، وأيضًا أن ننظر إلى المسيح المُقام من الأموات فنحيا حياة القيامة، والقوة، والغلبة، وكم تذكرنا فريضة العشاء الرباني بالمسيح المصلوب والمقام أيضًا، حيث أننا في كل مرة نتقدم فيها بخشوعٍ وإخلاصٍ للتناول من مائدة العشاء الرباني، فإننا نُخبر بموت الرب، «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ.» (1كورنثوس 11: 26).