تحقيقات

الكنيسة الإنجيلية بملوي وإعادة البناء

الهدى 1207                                                                                                                                 مارس 2019

بعد أن قام الإرهابيون بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بحرق وهدم عدد من الكنائس والمؤسسات الخدمية وكان من بينها الكنيسة الإنجيلية بملوي بمحافظة المنيا، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعادة بناء ما تهدم، وبناء عليه قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مشكورة بتشييد الكنيسة الإنجيلية بملوي بطراز معماري حضاري وشامخ.
وتم افتتاح الكنيسة الأربعاء 1 فبراير بحضور اللواء قاسم حسن محافظ المنيا والدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية، وجمهور من القيادات السياسية والتنفيذية والأمنية والشعبية بمحافظة المنيا، وفي كلمتي قلت: ماذا يعنى إعادة بناء الكنيسة بعد أن هدمها الارهابيون؟ يعنى إن إرادة البناء أقوى من إرادة الهدم، وأن قوة التعمير أقوى من قوة التدمير، وأن الظلام له نهاية، وأن النور لابد وأن يسود، وأن الحب أقوى من الكراهية، وأن الخير أقوى من الشر، وأن السلام حتماً سينتصر على الخصام.
إن الكنيسة على مدار العصور ظلت شامخة أمام قوى البغي والطغيان، فلقد قال السيد المسيح على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، فالشر قد ينجح نجاحًا وقتيًا، وقد ينتصر انتصاراً محدوداً، ولكن الغلبة النهائية هي للخير وللحب وللسلام.
تعاني مصُرنا الغالية من الإرهاب الدامي الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي ولا يفرق بين المدنيين ورجال الشرطة والجيش، فضحايا الإرهاب لادين واحد لهم، والإرهاب له أسبابه المتعددة، ولعل تفشى ظاهرة الأصولية الدينية هو أحد أهم أسباب الإرهاب.
والأصوليون الدينيون ماضويون، يخاصمون الحاضر والحضارة، ويعتمدون على أفكار قديمة عفا عليها الزمن منذ زمن، ويغلبون النقل على العقل، ويتوهمون أنهم يمتلكون الحقيقة الوحيدة المطلقة، ومن ثم يتعصبون لأفكارهم، ويرفضون كل آخر مغاير لهم، ويظنون أنهم الفرقة الوحيدة الناجية من النار، ولا علاج للأصولية الدينية سوى في الإصلاح الديني.
لقد احتفل العالم العام الماضي بمرور 500 سنة على مارتن لوثر الذي قام بالإصلاح الديني، فمنذ حوالي خمسمائة عام كانت المؤسسة الدينية تهيمن على كل شيء، وكانت تتدخل في حياة الناس الكبيرة والصغيرة، واختلط الدين بالسياسة، فسد رجال الدين، ساد الفساد، وانتشر الشر، تفشت محاكم التفتيش، زادت الفتاوى، وعارضت كنيسة القرون الوسطى التقدم العلمي.
لذا كان لابد من ثورة اصلاح فكرية، وظهر مارتن لوثر واتباعه وقالوا للمؤسسة الدينية we protest أي «نحن نحتج» نحتج على فسادكم وعلى ظلاميتكم وعلى طغيانكم، ومن وقتها أصبحت البروتستانتية رمزاً للريادة ولحرية التفكير والتعبير والتدبير، وانفصل الدين عن السياسة، فظهرت الديمقراطية، وبزغ التنوير، وتقدم العلم والتكنولوجيا، وحدث تقدم اقتصادي واجتماعي وسياسي في الدول التي انتشرت فيها البروتستانتية، ونحن اليوم إذا أردنا استبدال الظلام القائم بنور قادم، فلا بديل عن الإصلاح الديني وتجديد الفكر الديني، بل ان شئتم الدقة فقولوا اننا نحتاج لفكر ديني جديد، فكر يقدس الحياة لا الموت، ينشر الحب لا الكراهية، ويدعو للتقدم لا للماضوية، ويرسخ للتعددية لا للأحادية. ولهذا تظهر أهمية الدعوة التي كثيراً ما يدعوا إليها الرئيس السيسي بضرورة تجديد الفكر الديني، فبدون تجديد للفكر الديني لن نلحق بركب الحضارة ولن نغير الحاضر وكذلك لن نكون جادين في مكافحتنا للإرهاب، وإن الخروج من العصور الوسطى مرتبط بالإصلاح الديني، وبناء الكنائس هو احترام للدستور المصري الذي كفل حرية العبادة وحرية العقيدة فعندما نفتح كنيسة فنحن نغلق سجنًا، فالكنيسة تعلم الناس الفضيلة والتسامح والحب وعمل الخير، والكنيسة وإن كانت مبنى ولكن هذا المبنى لا قيمة له بدون البشر اتباع المسيح، والسيد المسيح صعد إلى السماء بجسده وترك شعبه «كنيسته» ليقوموا بنفس الأعمال التي كان يعملها فهو كان يجول يصنع خيرًا، وكان يشفى المرضى، ويهتم بالفقراء والمحتاجين والمنبوذين دون تفرقة، فيا كنيسة ملوي تمثلي بالمسيح وقدمي محبة وخدمة لجميع الناس دون تفرقة، اهتمي بالإنسان وكل انسان وكل الإنسان، فهذه هي غاية المسيحية بل وكل المسيحية.

القس رفعت فكري

قس إنجيلي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى