المبادئ الخمسة للإصلاح الإنجيلي
الهدى 1225 نوفمبر 2020
بقلم: ماثيو باريت ترجمة: شريف عاطف
المبادئ الخمسة الأساسية للإصلاح الإنجيلي هي: الكتاب المقدّس وحده، المسيح وحده، الإيمان وحده، النِّعمة وحدها، المجد لله وحده. وهذه المبادئ الخمسة هي التي ميَّزتْ تعاليم روّاد الإصلاح الإنجيلي عن تعاليم روما.
تُشَكَّل هذه المبادئ الخمسة نُواة الإيمان الإنجيلي، ولا تكتفي فقط بتصوير وشرح الكيفية التي يعمل بها الإنجيل في الإنسان الخاطئ، بل أيضًا، تُحدد طبيعة وموضِع هذا الإنجيل بالنسبة للفرد والعالم، وإلى أي مدى يجب أن يُعلَّن ويبشَّر به. وعلى الرغم من أن عبارة «المبادئ الخمسة» قد تكون حديثة في استخدامها، إلاّ أنّ المفاهيم مُتجذرة في حركة الإصلاح في القرن السادس عشر. هذه المبادئ ميّزت تعليم العديد من المُصلحين مثل مارتن لوثر Luther، وفيليب ملانكثون Melanchthon، وجون كالفن Calvin، والكثير غيرهم، وفَصلتْ بين تعليمهم وتعليم روما. وفي قلب هذا الانقسام لم يَكُن الأمر مُجرد نزاع لاهوتي وحسبْ، بل احتفالٌ حقيقيٌ بالإنجيل نفسه، وهذا هو سرّ استعداد المصلحين للتضحية بحياتهم لأجل هذه «المبادئ الخمسة»، لأنهم آمنُوا أن الإنجيل نفسه كان على المحكّ.
الكتاب المُقدَّس وحده! Sola Scriptura
يُشار إلى هذا المبدأ أحيانًا بأنّه المبدأ الرسمي للإصلاح، ومفادُهُ أنّ الكتاب المُقدَّس هو كلمة الله المُوحى بها، ولهذا السبب فالكتاب وحده هو السّلطة النهائة الكاملة والمعصومة للكنيسة» (كلمة الله وحدها، 23). والملاحَظ أنّ هذه المبدأ يقوم على أنّ الكتاب المقدّس وحيٌ إلهيّ. وفي هذا يقول بولس، «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ [مُتَنَفَّسٌ به] مِنَ اللهِ» (2تيموثاوس 16:3-17). لا ينطبق هذا الوصف على تقليد الكنيسة، أو المجامع الكنسيّة، أو قادة الكنيسة، بالرغم من أهمية كل هذا. وعلى الرّغم من أن الربًّ استخدم كثيرين في تدوين الكتاب المقدّس، إلاّ أنَّ المؤلِّف واحد وهو الرّوح القدس، وهذا مايخبرنا به الرسول بُطرس قائلاً: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بطرس 21:1)، أيْ أنَّ الرّوح القُدُس حّمَلَ وقاد كَتبَة الأسفار المُقدّسة في عمليّة كتابة الوحي، وبالتالي؛ فما قالوه هو عينُ ما قاله الله نفسُهُ، وصولاً إلى الكلمات ذاتها.
ولهذا السبب، فالكتاب المُقدَّس معصوم أيضًا من الخطأ، والعصمة هي نتيجة طبيعيّة لعمليّة الوحي الإلهي. تعني العصمة أنَّ الكتاب المُقدَّس صحيحٌ في كل ما أتى به. إنّ الرّوح القدس هو الذي قاد كَتبة الوحي، وهذا ما جعل كلِمَاتهم تعكس شخصيّته المُقدَّسة. فالكتاب المُقدَّس حقُّ لأن الله نفسه هو حقُّ، والكتاب المُقدَّس، وقبل كل شيء، هو كلمة الله المُقدَّسة. العصمة ضرورية، ليس لأنها فقط تُقدِّم ضمان خلاصنا، وتُعطينا كل الأسباب لنؤمن أن الكتاب المُقدَّس جدير بالثقة، ولكنّها أيضًا تُميِّز الكتاب المُقدَّس عن جميع السُلطات الأخرى غير المعصومة، فالكتاب المُقدَّس هو السُّلطة الوحيدة المعصومة من الخطأ.
أخيرًا، مبدأ «الكتاب المُقدَّس وحده» يعني أنَّ الكتابَ وحده هو سُلطتنا الكافيّة. لا يقول بولس فقط أنّ «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ»، ولكنه يبني على هذا الأساس قوله: «أنّه نَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبرّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ». وحسناً صاغها إقرار الإيمان البلجيكي: «نؤمن بأن هذه الأسفار المُقدَّسة تحوي بالكامل مشيئة الله، وبأنها تُعلِّم، على نحوٍ كافٍ، كل ما على الإنسان أن يؤمن به للخلاص».
في النهاية، يُعلّمُنا مبدأ «الكتاب المُقدَّس وحده»، أنّ جميع السُلطات الأخرى في الحياة المسيحية يجب أن تكون خاضعة لسُلطة الكتاب المُقدَّس، بمعنى أنَّ الكتاب هو الذي يحكم فيها جميعاً، لأنَّ الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله الكافية المعصومة.
المسيح وحده! Solus Christus
الكتاب المُقدَّس، باعتباره السُلطة النّهائيّة للمسيحي، هو هبة مجانيّة من الله. هو هبة لأنّه يقدّم لنا شخص ربنا يسوع المسيح نفسه. لو أنّ الله تركنا في خطايانا ودينونتنا لكان عادلاً وقدوساً تماماً، ولكن إلهنا العظيم ترأَّف، وتنازل إلينا، وتكلَّم «بكلمة» الخلاص لنا نحن الخطاة الهالكين. وبلغتْ كلمة الخلاص ذُروتها في الكلمة الحيّ، شخص ربنا يسوع المسيح نفسه (يوحنا 1:1).
من العبث الاعتقاد، بأي شكل من الأشكال، أن شيئاً ما في ذاتنا يمكنه أن يساهم في خلاصنا؛ سواء كانت طاعتنا للناموس، أو ربما الأعمال الصالحة التي تنبع من الإيمان نفسه. لكن الكتاب المُقدَّس يرفض ويناقض هذه الفكرة ويُعلن، «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية 10:3). خلاصُنا هو بيد الله وحده وليس سواه.
لقد أتمَّ الله خلاصنا بالحقيقة عندما أرسل ابنه، الذي «صار جسدًا» (يوحنا 14:1) مُمثلاً إيّانا وبديلاً عنّا. لقد فشلنا نحن في حفظ الناموس ولكنّ المسيح أطاع الناموس بالكامل من أجلنا. لقد استحقينا عقوبة كسر الناموس، فمات المسيح من أجلنا. لقد أتم المسيح الناموس الذي لم نستطع نحن أن نحفظه، وتحمّل غضب الله الذي نستحقَّه نحن (رومية 21:3-26). وقد أنجز ذلك بالكامل، كما تقول الترنيمة القديمة «سدّدَ يسوع الدّينَ كاملاً». إذًا هذا يعني أن عمل المسيح، والمسيح وحده، هو الأساس الوحيد الذي يتبرّر به الإنسان الفاجر أمام الله.
الإيمان وحده! Sola Fide
لكن كيف ينال المؤمن الفداء الذي أنجزه المسيح؟ بالإيمان، والإيمان وحده، فلا نضع ثقتنا في أنفسنا بل في آخر، وهذا الآخر ليس إلّا يسوع المسيح.
أحب المُصلحون الحديث عن «المُبادلة العظيمة الرائعة» حيث أخذ المسيح خطايانا وعقوبتنا على الصليب، وماذا أخذنا نحن في المقابل؟ البرّ الكامل الذي لا تشوبُه شائبة؛ برّ المسيح. ليس فقط أن خطايانا غُفرتْ، وديننا دُفِع بالكامل، بل أنّ البرّ الكامل الذي حازَه المسيح قد احتُسبَ لَنا (بلغة المعاملات البنكية: تمَّ تحويله إلى رصيدنا).
هذا معناه أنّنا أبرار أمام الله، ليس على أساس شيءٍ ما فينا، لكن فقط على أساس برّ مغايرٍ، وغريب، ومن خارجنا. وليس هذا بالطّبع إلاّ برّ المسيح (2كورنثوس 21:5؛ فيلبي 9:3). إذًا، الإيمان هو الطريقة التي من خلالها نحصُل على هذا البرّ الخارجي. من خلال الإيمان بالمسيح الذي يُعطيه الله فقط، نُحسَب في مقام المسيح المُبارك. لذلك يُحذِّر بولس المسيحيّين بأنه لن يتبرّر أحد بأعمال الناموس ولكن فقط من خلال الإيمان بالمسيح (غلاطية 5:2-14:3).
النّعمة وحدَها! Sola Gratia
إذا كان عمل المسيح هو أساس مكانتنا الكاملة أمام الله، وإذا كان الله يُبرّرنا ليس على أساس أعمالنا، ولكن فقط من خلال الإيمان بأعمال ابنه، فهذا يعني أن خلاصنا يتم بالنعمة ؛وبالنعمة وحدها. ومع ذلك «النعمة وحدها» لا تقتصر على تبرّيرنا، ولكنها تمتد إلى كلّ عملية الخلاص من البداية إلى النهاية. في الحقيقة، هذه هي النعمة التي تُخلِّصنا، كما وصفها جون نيوتن بأنها «عجيبة»، وغنَّاها في ترنيمته الشهيرة «ما أعجب النعمة لي!»، لأنها لا تُولد معنا أو فينا على الإطلاق، ولكنها تنبُع من رحمة الله الأبدية. كما يقول بولس «كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ -أي في المسيح- قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (أفسس 4:1).
«لكن، انتظر لحظة»، قد تقول: «بالتأكيد يجب أن تكون إرادتي واختياري هما القرار الفاصل النهائي». ولكن يقول بولس إن اختيار الله «لا يعتمد على إرادة الإنسان أو جهده، لكن على الله صاحب الرحمة» (رومية 16:9). باختصار، لابدّ أن يختارنا هو؛ وإلّا صار لنا سبب للافتخار والواقع أنّه أختارنا على أساس نعمته دون شروط.
وحيث أنّ نعمة الله في الأبديّة مجانيّة تماماً، فهي أيضًا غير مشروطة عندما تُفعَّل بالروح القدس. الله الذي اختارنا بالنعمة وحدها، هو الوحيد الذي يستطيع أن يدعونا من الظلمة إلى نور ابنهِ (الدعوة الفعّالة؛ يوحنا 6). وهو القادر على إقامتنا من الموت الروحي إلى الحياة الروحيّة (التجديد؛ يوحنا 3). إنّ نعمته ليست تعاونيّة، وكأنها تعتمد على إرادتنا في نجاحها. لا، إنها من طرف واحد، لأنه وحده يعمل على جلبنا، نحن الأموات والخطاة الذين لا حياة لهم، إلى حياة جديدة في ابنه. علاوة على ذلك، هو وحده القادر أن يمنحنا الإيمان الذي به نخلص، ويستطيع أن يُفعِّل هذا الإيمان بداخلنا حتى نقبل بكل سرور المسيح رباً ومخلصاً (أعمال 48:13-50؛ أفسس 8:2-10؛ فيلبي 29:1-30؛ 2بطرس 1:1).
المجد لله وحده! Soli Deo Gloria
إذاً، إن كان خلاصنا بالنعمة وحدها، فالله وحده هو الذي يستحق كل المجد. وإنْ اعتقدنا أنّنا لدينا ما يمكن ادّعاؤه في أمر خلاصنا؛ فهذا معناه أن فخرنا ليس في المسيح وحده، ولكن إن كان هو رئيس خلاصنا ومكمّله، فوحده المستحق التَّمجيد لأجل نعمته المُهيمنة.
يجب أن تغرس فينا هذه المبادئ تواضعاً كاملاً كمؤمنين، وسواءً في وظائفنا المدنيّة، أو في تسبحاتنا صباح الأحد، ليكن المجد لله وحده.