المرأة وقيامة المسيح
الهدى 1231 مايو 2021
تتفق الأناجيل الأربعة في تسجيل قصة قيامة الرب يسوع منتصرًا ظافرًا على الموت، مُحققًا ما تكلَّم به قبلًا قائلًا: «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يوحنا 10: 18)؛ فبعد أن جاءت اللحظة التي كانت في خطة الآب، أسلم يسوع نفسه، فداء للإنسان، حيث حوكِم وصلب ومات لكنه قام، مُعلنًا قبول ذبيحته لأجلنا، فقد مات من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رومية 4: 25).
تُخبرنا الأناجيل كيف تم القبض على يسوع، وكيف سارت مُحاكمته أمام القيادات الدينية اليهودية، وأمام القيادات الرومانيّة المدنيّة، لكنَّه وصل أخيرًا لمبتغاه، حيث الصليب، وفوق الصليب صرخ يسوع صرخته الشهيرة: «يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ» (لوقا 23: 46)؛ ومن ثم أُتخذت إجراءات دفنه على عجلٍ بسبب حلول السبت اليهودي، وقد دُفن يسوع بإجراءات احترازية مُشددة من قِبل السلطات الحاكمة، تأكيدًا وتحسبًا لأي محاولة لتهريب جثة يسوع بواسطة تلاميذه حسبما أشاع القادة اليهود، فتم تعيين حراسة مُشددة، على القبر، مع وضع حجرٍ ضخم، مختوم من السلطات على بابه، حتى يتأكد الجميع من سلامة الإجراءات، لكنَّ بعد انقضاء يوم السبت اليهودي، ومع بزوغ فجر الأحد، ذهبت بعض النسوة، كما هي عادة اليهود، لاستكمال حنوط جسد يسوع المسجى في القبر، وقد كان جلَّ تفكيرهن، تُرى، مَن الذي سيزيح من أمامهن الحجر الضخم؟ كيف يتعاملن مع الحُراَّس؟ ولم يأتِ على بالهنّ أنَّ يسوع قد قام، وعندما وصلن إلى قبر يسوع، وجدنَّ الحجر وقد تدحرج، وجسد المسيح غير موجودٍ في القبر، وسط دهشتهن ظهر لهن ملاكًا وأكدَّ لهن أنَّ يسوع قام من الموت، يذكر متى أنَّ ملاكًا قال للمرأتين اللتين ذهبتا إلى القبر (مريم المجدلية، ومريم الأخرى)، «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ ْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعاً قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا» (متى 28: 5-7)؛ وهكذا سجَّل مرقس مؤكدًا على رواية متى، موضحًا أنَّ مريم الأخرى كانت مريم أم يعقوب، بل وأضاف إمراة ثالثة هي سالومة (مرقس 16: 1-7)، وهو ما أكَّد عليه أيضًا البشير لوقا، مُضيفًا أنَّ أكثر من امرأة كنَّ عند قبر يسوع (24: 1-10)؛ بينما اكتفى البشير يوحنا بذكر امرأة واحدة هي «مريم المجدليّة» (يوحنا 20: 1، 10)، وقد أجمعت كل البشائر على أنَّ المجدليّة، كانت واحدة أو ربما قائدة للنساء اللواتي ذهبن إلى قبر يسوع، لهؤلاء النسوة، جاءت البشرى الأولى، إنَّ يسوع «لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ»، بل مُنحن شرف إبلاغ الرسل، ومن ثم العالم أجمع، أنَّ يسوع قد قام.
لقد كانت المرأة هي أول مَن عَرِفَ أنَّ يسوع قام من الموت، بل وكانت المرأة أول رسول يحمل هذه البشرى السارة، والأخبار المُفرحة، نحن نعلم أنَّ المسيح كلَّف التلاميذ والرسل بحمل رسالة الإنجيل إلى العالم أجمع، لكنَّه خصَّ النساء، بأن يكُنّ هنّ أول مَن يحمل خبر قيامته، للتلاميذ والرسل الذين سيحملون رسالته، وهذه الأخبار إلى العالم.
أيُ تكريم نالته المرأة أفضل من نوالها هذا التكريم! أي ثقةٍ تحتاجها المرأة أكثر من هذه الثقة! أي شرف أعظم من الذي منحه لها ربّ المجد، لقد كانت المرأة أول مَن احتضن الكلمة المتجسد في أحشاءها، كما أنها كانت شريكة خدمة طوال رحلة وجوده وخدمته على أرضنا، ولقد كانت عند الصليب، وها هي عند القبر، لهذا شرَّفها المسيح بأنَّها كانت أول مَن عرف خبر قيامته من الموت، وقد كلَّفها بإعلان هذه الأخبار للجميع، كما أنَّه خصَّ المجدليّة برسالة ما أجلها، أن تكون «رسولة الرسل»، إنَّ قيامة المسيح كما رسالته، لم تُفرِق أبدًا بين رجلٍ وإمرأة، وقد عبَّر الرسول بولس، عن هذه الحقيقة، بالقول: «لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 28).