تساؤلات حول الإصلاح الكنسي
الهدى 1213- 1214 سبتمبر وأكتوبر 2019
إن المُتابع لحال الكنيسة بشكلٍ عام في هذه الأيام، وما يكتُبه القسوس والخُدَّام على صفحات التواصل الاجتماعي، أو ما يتناولونه في أحاديثهم الخاصة، يشعر بأنَّ هناك حاجة ماسة للإصلاح، هذا الشعار يرفعه الكثير من قسوسنا وشعب كنيستنا، وعندما يتردد طرح شعار «الإصلاح»، فإنَّ الدلالة الواضحة لهذا المصطلح أنَّ هناك خطأ ما، يحتاج لإصلاح، وقد شخَّص البعض الكثير من الأزمات التي تعاني منها الكنيسة، مثل ما كتبه أحد الزملاء قائلًا: «هناك أزمة علاقات بين الخدام قسوس وشيوخ أو بين القسوس أنفسهم للصراع علي المواقع والكراسي وغيره؛ وهناك أزمة ثقة في قادتنا ورؤسائنا وخدامنا الكل يتهم الكل، إما بالفساد أو الكبرياء والأنانية أو الجبن والخوف أو التطبيل حفاظًا على أكل العيش أو للاستفادة بنوال مكافاة ما، وأيضًا هناك أزمة هوية بين ماضينا اللي بنسترجعه وحاضرنا اللي مش قابلينه وراضيين عنه؛ أزمة ضمير لم يعُد حساسًا أو مُبكتًا من يخطئ ليصحح مساره، لأنه أصبح ضمير أناني لا يفكر إلا في الأخذ دون العطاء وفي الامتياز دون المسئولية .. إلخ»، وقد كتب أخر بعضًا مما رصده فقال: «إنَّ هذه يمكن رصدها ببساطة شديدة، ويكفي أن نًدرك انحسار عضوية الكنيسة بالرغم من زيادة عدد السكان؛ وانحسار عدد الكنائس الجديدة قياساً بالامتدادات الجديدة حول كل محافظة، انحسار النخبة المثقفة والريادية في قطاعات الخدمة المختلفة والفاعلة باسم الكنيسة في المجتمع؛ هجرة بعضٌ من العلمانيين والشيوخ إلى كنائس وهيئات، ووضع إمكانياتهم الفكرية والمادية لخدمة هذه الكيانات خارج أسوار الكنيسة، هذه المجالات. أو اتجاه عدد كبير من الأجيال الجديدة إلى التركيز على الأنشطة المساعدة للخدمة مثل الدراما وغيرها دون التركيز على الخدمة مثل قيادة الاجتماعات والزيارات والكرازة، تأزم الأداء الإداري داخل الكنيسة المحليّة؛ ضعف الوضع الروحي العام للقيادات والقاعدة العامة من شعب الكنائس»؛ وهناك المزيد والمزيد من كتابات الزملاء والقادة وجميعها تُعبِر عن واقعٍ يحتاج لإصلاح حقيقي.
لكن سؤالًا يطرح نفسه، إي إصلاحٍ نقصد، هل نحن في حاجة لإصلاحٍ كنسي، أم إصلاحٍ ديني؛ أم كليهما معًا؟، وقد كتب د. مراد وهبه، موضحًا الفرق بين كلا المعنيين، فقال: «إنَّ الإصلاح الكنسي يقف عند حد تناول الفساد الخُلقي، أمَّا الإصلاح الديني فيتجاوز الفساد الخُلقي إلى الفساد العقائدي»؛ والنموذج الأقوى على هذا الإصلاح ما قام به المًصلحون الأوائل وعلى رأسهم مارن لوثر وجون كالفن وغيرهم، فقد رأوا ما انحدرت إليه الكنيسة -وقتئذ- من فساد أخلاقي وعقائدي؛ وعندما قاموا بحركتهم الإصلاحيّة وعادوا إلى كلمة الله، وحدها، والمسيح وحده، كانت نهضة الكنيسة التي غيرت ليس وجه أوروبا فقط بل العالم أجمع.
وربما نتغنى قائلين أنَّ الكنيسة المشيخية كنيسة مُصلحة، وهي قادرة على أن تُصلح نفسها في أي وقت ترى أنها في احتياج للإصلاح، وهي تسعى لإصلاح نفسها بما يتناسب مع فهمها للحق الكتابي، ورؤيتها وتحليلها للواقع الذي تعيشه، والمستقبل الذي ترجوه على المستوى الأرضي والأبدي، لكنَّ التحدي الذي يطرح نفسه بقوة أمامنا هو: ما مدى قدرتنا على تحديد صياغة محددة للواقع وما مدى قدرتنا على وضع آلية وأهداف محددة للمستقبل؟ ولن يتأتى تحقيق هذا الحُلم بكتابة بعض المقالات أو الكتب هنا وهناك، ولا بعقد المنتديات والندوات، أو حتى عقد المؤتمرات.
وربما اعتدنا أن نستمع إلى نبرة نرددها في غالبيّة الاجتماعات والمحافل تقول: «إنَّ الكنيسة الإنجيلية المشيخية رائدة في التعليم والصحة وخدمة الإنسان والمجتمع وتعليم الفتيات وغيرها من الأفكار، سواء المجتمعية أو المشروعات والخدم التي تتم داخل جدران الكنيسة»، لكننا نحتاج اليوم ألا نقف عند الماضي والتغني بإنجازاتنا فيه، بل أن نتخطى الماضي ونواجه التحديات المًعاصرة، ونستشرف المستقبل لا بآليات الماضي وأدواته، بل برؤى جديدة وآليات مُعاصرة، وبدلًا من أن نُحارب التكنولوجيا وما خلّفته لنا من مواقع وصفحات للتواصل الاجتماعي، نسعى للاستفادة منها وتسخيرها لخدمة الكنيسة وامتداد ملكوت الله، هل نحتاج أن نفكر بعمق فيما أوصلتنا وستصل بنا إليه تلك الأزمات الكنسية، أم نحتاج أن نفكر بشفافية في أسباب ما وصلنا إليه من احتقان وتذمر وشكوى، هل تداول السلطة بين قادة الكنيسة يُعبر عن ديمقراطية حقيقية أم أصبح نموذجًا من لعبة الكراسي الموسيقية، تُرى هل نحتاج إلى تغيير النظام الكنسي، هل نحتاج إلى إصلاح كنسي أم إصلاح ديني أم كليهما معًا؟ أم تُرانا نحتاج أن نعود لرفع وتحقيق شعارات الإصلاح، الكتاب المقدس وحده، المسيح وحده، مجد الله وحده، بطريقة معاصرة تخدم الكنيسة وتُسهِم في امتداد ملكوت الله.