سنودس الإصلاح لماذا وكيف؟
الهدى 1236 أكتوبر 2021
الإصلاح أمل ورغبة، وقبل ذلك إرادة. أقدم في هذا الطرح الأسئلة العشرة حول الإصلاح، وهي أسئلة مفتاحية من وجهة نظري. وفي نفس الوقت أقدم كيفيّة الإصلاح بنقاط واضحة محدّدة.
أولاً: الأسئلة العشرة حول الإصلاح
(1)
لماذا الإصلاح؟
هو السؤال المهم الذي يجب أن يُطرح. يجب رصد مواطن الخلل التي من خلالها يتم عرقلة مسيرة التقدم. لو دخلنا سنودس الإصلاح دون معرفة لماذا؟ سوف ندور في دائرة مفرغة لا فائدة منها. لا يقوم الإصلاح على رغبات أو أمنيات أشخاص لكن يقوم على دراسة وتحليل الواقع وهو الذي لم يتم حتى الآن. في ذهني مشروع الهيكلة الذي تبناه السنودس في بداية الألفية الثالثة، الذي كان الحوار حوله من 21 سنة، والذي صرف مبالغ كبيرة، وذهبت مساعيه أدراج الرياح، لم نصل من خلاله شيئًا، حتى رؤاه لا نجدها.
(2)
ماذا سيضيف الإصلاح المرجو للكنيسة؟
سؤال أخر يجب أن يكون في الحسبان هذا الإصلاح المرجو ماذا سيضيف؟ إعمال اطلاق العنان للفكر الخلَّاق مهم للإجابة على هذا السؤال، فقر الخيال كفقر الدم كارثة كبرى. الخيال مهم في الإصلاح المرجو، وقياس الأثر أكثر أهمية في نتائج الإصلاح المتوقعة. الفكر الخلاق ثم الفكر الخلاق مهم جدًا في توقع الأمور. والسؤال الذي يشغلنا مع أي تغيير وأي طلب للإصلاح هو ماذا سيضيف الإصلاح المرجو للكنيسة؟
(3)
كيف يكون الإصلاح؟
السؤال هنا عن الوسيلة والكيفية لتي يتم بها الإصلاح، الإصلاح تدريجي بطيء بعض الشيء غير الفكر الثوري السريع الذي يقلب الأمور رأسًا على عقب. في بعض الأمور نفكر في الإصلاح بمنطق ثوري فنخسر الكثير، أو نفكر في الثورة بمنطق إصلاحي فنخسر أيضًا الكثير. الإصلاح التدريجي وفق منظومة إصلاحية طويلة المدى ستحقق الكثير من الآمال والطموحات. التفكير في الكيفية الإصلاحية شيء مهم.
(4)
متى يكون الإصلاح؟
السؤال هنا عن الوقت، لماذا؟ لأن الإصلاح حركة متجددة لا تتوقف، ولكن عامل الوقت مهم فلا نجني الثمرة قبل أوانها. هل الوقت مهيأ للإصلاح؟ هل التربة مجهزة؟ الشرق أبيِّ على الإصلاح فهو يرفضه ويغتال المصلحين لأنه مجتمع عتيق. فلا توجد حركات إصلاحية في الشرق كما تمت في الغرب. دراسة آنية الإصلاح مهم جدًا.
(5)
ما هو نوع الإصلاح الذي نريد؟
هل هو إصلاح أخلاقيّ أم إصلاح تشريعيّ؟ عندما يأتي الكلام عن الإصلاح يتبادر للذهن الاصلاح بمعناه الأخلاقيّ، فنقول بلغة وعظية نصلح حالنا أولاً، وكلَّه يبقى تمام، والمناداة بالتوبة الفرديّة ثم الجماعية هذا الخطاب الأخلاقيّ يخص الفرد أما الجماعة فتحتاج إلى إصلاح تشريعيّ يمكن قياسه والعمل به. الإغراق في الإصلاح الأخلاقيّ الذي لا يمكن قياسه على حساب الإصلاح التشريعيّ الذي يمكن قياسه يقودنا لإصلاح مبتور.
(6)
من أين نبدأ في الإصلاح؟
نقطة البداية في الإصلاح من الكنيسة المحلية لتمكينها لممارسة دورها المنوطة به كجسد المسيح على الأرض، وذلك من خلال العضوية، ومجلس الكنيسة، والجلسة الإداريّة (الجمعية العموميّة)، اللجان والخدمات النوعية والاجتماعات الفرعية كلها تحتاج إلى إصلاح تشريعيّ يسهم في دفع عجلة الخدمة. ويوجد مساران للإصلاح من القاعدة للقاع ومن القاع للقاعدة وكلاهما مطلوبان.
(7)
ما هي دوائر الإصلاح؟
يشمل دستور الكنيسة المحلية على ثلاثة أقسام مهمة تعبر عن الفكر المشيخي، وهي: العقيدة والعبادة والنظام. هذه الدوائر الثلاث متشابكة ومتداخلة ومتوازية، إذا ركز الإصلاح على النواحي الإدارية فقط يكون إصلاحًا أعوجًا، فالإصلاح يجب أن يشمل كل الدوائر معًا.
(8)
أي إقرار إيمان نقبل؟
لدينا إقراران للإيمان الأول ال 44 مادة الموجودة في صدر الدستور وإقرار الإيمان الإنجيلي الذي قام بعمله د. ق. عبد المسيح استفانوس وقبله السنودس عام 2006م وهو أشمل وأوفى من الأربعة وأربعين مادة التي كان يجب أن تتوارى في ظل ما صدر في 2006م. إقرار الإيمان الحديث يلغي القديم، ويصبح إقرار الإيمان القديم بمثابة شهادة تاريخية يمكن الرجوع لها والتعلم منها إن أمكن ذلك.
يقول جورج صبرا: إنَّ الكنائس الإنجيلية في الشرق العربي بحاجة إلى تعبير معاصر للإيمان، أي إلى «اعتراف إيمان» ولكن هذا غير ممكن دون معرفة التعابير التاريخية لإيمانها. فلعل هذا الكتاب يقدر أن يؤدي وظيفتين في الوقت نفسه فيعرّف الإنجيليين المصلحين على تراثهم اللاهوتيّ والعقيديّ ويحثهم على اعتراف إيمان معاصر لأن الكنيسة بحاجة إلى التعبير عن إيمانها في كل جيل وكل عصر فإنها بذلك تستجيب لما فعله إلهها من أجل البشرية في يسوع المسيح فتؤدي الشهادة له بالتسبيح والحمد والاعتراف. چورچ صبرا. نؤمن ونعترف: كتاب العقائد الإنجيلية المصلحة. (لبنان: بيروت، كلية اللاهوت للشرق الأدنى، 1990)، 10.
(9)
هل من أهمية للإصلاح؟
بكل تأكيد الإصلاح مهم، وتعود أهمية على أنه واجب لتصحيح المسيرة، ولكن يجب أن يكون النظام والنظرة مختلفة. الإصلاح هو إعادة الأمور إلى وضعها الصحيح. على مر التاريخ الإصلاح مهم ومطلوب وضروري ويحتاج إلى إرادة فولاذية، وفي نفس الوقت مكلف ويحتاج لنفس طويل مع صبر.
(10)
من يقوم بالإصلاح؟
لا يوجد شخص لديه عصا سحرية من خلالها يقوم بالإصلاح. كل شخص في كل موقع هو شريك في الإصلاح. الجماعة (المجمع أو السنودس) هي طرف أصيل في الإصلاح، لا يوجد طرف ملائكي أو شخص يمتلك كل القوى الخارقة ولكن المسؤولية هي التي تقود وتهذب، الإصلاح يتطلب مشاركة الجميع. وهو جهد تراكمي فيه نستفيد من خبرات الماضي، واحتياج الحاضر، ورؤى المستقبل.
ثانيًا: عشرة أفكار متناثرة حول سنودس الإصلاح
(1)
سنودس الإصلاح لكي يأتي بثمار مرجوة يجب أن تسبقه لجان عمل متخصصة ترصد حال الكنيسة والواقع وتقدم رؤى للإصلاح دون ذلك ضياع للوقت والجهد. يجب أن يقدم تصور متكامل يقود الكنيسة لنقلة حقيقية، ترقيع الثوب غير مفيد.
(2)
سنودس الإصلاح يجب أن يدرس قضية العضوية في الكنيسة، من ناحية النمو العدديّ ومن ناحية الكيفية، لأن الكنيسة الإنجيلية في الأساس هي كنيسة العضو، والعضو هو من يكون شيخًا أو قسًا أو شماسًا أو خادمًا بالكنيسة، ومقياس نمو الكنيسة يقاس بحجم العضوية. الأعضاء يكونون الجلسة الإدارية (الجمعية العمومية) ولذلك يجب التفريق هنا بين العضو المنتمي المواظب على العبادة والخدمة ودفع التعهدات الشهرية والمنتمي للكنيسة في كل الممارسات الكنسية، وبين الأعضاء الذين لا نراهم فقط إلا وقت الانتخابات يجب أن تكون هناك آلية تمنع هؤلاء من المشاركة في الجلسة الإدارية والتي تكون فقط قاصرة على الأعضاء الملتزمين. لي دراسة كاملة عن: «نحو تعميق ثقافة العضوية في الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر»، رصدت فيها كل ما يختص بقضية العضوية في الكنيسة الإنجيلية بمصر.
(3)
يجب وجود آلية لتعليم الشيوخ كتابيًا وإداريًا تعليمًا جيدًا بحده الأدنى، ليكون مساعدًا جيدًا للراعي في الكنيسة. الحقيقة أنَّ الشيوخ على مدار الخدمة ظلموا كثيرًا من الناحية التعليميّة، وحان الوقت لكي يكون هناك جهة ما تهتم بتعليم الشيوخ بحيث لا يرسم شيخًا مَنْ لم يجتاز دراسة أكاديمية وتطبيقية بنجاح. الشيوخ ليسوا في منافسة مع الرعاة، فالراعي متفرغ للخدمة والشيوخ متطوعون للخدمة. فالصراع الحالي صراع مفتعل لأن التعليم الصحيح غائب عن الساحة الكنسية. فدخلنا في دوامة التمييز واختلاط الأدوار، وفكر الازاحة والإطاحة. التعليم الصحيح، مع توصيف الأدوار والاختصاصات، والتزام الشيوخ به.
(4)
الاهتمام بالراعي مهم ليستقر بمكان الخدمة، ويستمر فترة من الزمن يقدر أن يعطي وينجز فيها. ويجب أن تكون هناك آلية المتابعة الأمينة والأشراف عليه والاهتمام به، والتنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها. وبالأولى الاهتمام بإعداده أثناء الدراسة في الكلية ليخرج راعيًا مؤهلاً لرعاية الكنيسة. بالطبع هذه فكرة من أفكار كثيرة يمكن وضعها لكي يتمكن الراعي من العطاء والتأثير في مكان خدمته.
(5)
مجلس الكنيسة يكون قاصرًا فقط على الرعاة والشيوخ الذين أتوا عن طريق الانتخاب وحازوا على ثقة أعضاء الكنيسة. يمكن حضور القسيس المساعد أو المخصَّص لأي خدمة في الكنيسة حضور جلسات المجلس، وإبداء الرأي والمشاركة، ولكن يظل تشكيل المجلس كما ورد في الدستور من الراعي أو الرعاة مع الشيوخ المنتخبين للخدمة. أي اقتراب من المجلس أو ضعف هيبته، أو تقليص صلاحياته، أو توسيعه لعدد كبير هو ضياع للكنيسة المحلية. يجب أن أي تعديل يخص مجلس الكنيسة يكون معضدًا ومساعدًا ليتمكن من أداء الدور بمسؤولية وأمانة. التوسيع في التشكيل، بضم غير المنتخبين فيه، هو أمر ليس من صالح المجلس في شيء.
يمكن أن يُثَبَّت عدد أعضاء مجلس الكنيسة من عدد معين 3، أو 5، أو 6، أو 9، أو 11، أو 15 عضوًا نسبة إلى عدد عضوية الكنيسة بحيث إذا خلى عضو من أعضائه لمرض أو موت أو هجرة ينتخب بديلاً له، ويجب أن يعطى لراعي الكنيسة إمكانية تعيين بعض المتخصصين في المجلس بحيث أن لا يكونوا من الأقرباء له. هذا الأمر يحتاج إلى تشريع واضح المعالم ومدروس.
(6)
المجمع هو الكيان الأهم لأنه حلقة الوصل بين الكنيسة المحلية والسنودس. في الأونة الأخيرة تم إضعاف المجمع لحساب المجالس السنودسيّة، وبالتالي المجامع لا تملك، ومن يملك المال يملك السياسة، فأصبحت المجالس هي الصوت الأعلى والأهم في السنودس. الحل هو حل المجالس التي يمكن أن يقوم بعملها المجامع عبر لجانها المختلفة والابقاء فقط على المجالس التي لها توصيف خدمي خاص ولها صفة العمومية بحيث لا يكون تشكيلها خاضعًا لتمثيل مجمعي لكن تكون مجالس تكنوقراط.
(7)
ينقسم الكيان المشيخيّ في مصر إلى سنودسين، ومحفل عام يضم السنودسين معًا، يقسّم كل سنودس إلى مجامع صغيرة لكي تتمكن من متابعة قسوسها وكنائسها. ويكون لكل سنودس كلية لاهوت خاصة به، وبطبيعة خدمته. بحيث يكون الدستور واحد وإقرار إيمان واحد للكل.
(8)
الإصلاح في السنودس في الأساس إصلاح تشريعي كان للسنودس تجارب سابقة فاشلة، فلائحة 1990 وضعت في مناخ عاطفي بعد خطاب القس فايز فارس 1989م الذي وضعه تحت عنوان «دعوة للتغير»، ولم يطبق منها إلا المجالس السنودسية فقط، وهذه المجالس أضعفت السنودس وقلصت عمل المجامع. حيث لم تُطبق المنظومة كاملة وخبرة عمل الدستور الجديد سقطت لأسباب كثيرة أهمها هو الصياغات اللاهوتية التي لم تنل ثقة المجامع. الإصلاحات التشريعية تتطلب متخصص ومهاريين (صنايعيّة) للصياغة والإعداد لمشروع متكامل محكم، وليس ترقيعًا للثوب الدستوري الحالي.
(9)
يقتصر تمثيل السنودس على عدد محدد من ترشيحات المجامع، أما حضور المجامع فيكون من قسيس الكنيسة وشيخ ينوب عنها. نحن فقط وباكستان من نأخذ بتمثيل السنودس كما هو الحالي من شيخ وقسيس عن كل كنيسة. وهو أمر يجعل من مناقشة الأمور في منتهى الصعوبة.
(10)
اللجنة التنفيذيّة يتم تغييرها إلى لجنة عامة لها صلاحيات محددة في الرقابة والإشراف على المجالس السنودسيّة تتكون من مكتب السنودس الذي يجب يكون أعضاءه ليسوا أعضاءً بأي لجنة أو مجلس سنودسي، بالإضافة إلى عدد محدد من الخبراء والفنيين والمهاريين بحيث لا يكون رؤساء المجالس السنودسيّة أعضاء فيها.
ثالثًا: رؤيتي لإعادة هيكلة السنودس (إعادة النظر في النظام الإداريّ للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة بمصر).
مُقَدِمَةٌ وَاجِبَةٌ:
الرغبة في الإصلاح الإداري هي رغبة عامة لدى الكثيرين من شعبنا الإنجيليّ في مصر، ولا سيما أعضاء سنودس النيل الإنجيليّ الموقر. ولقد ظهر هذا في فترات كثيرة قام بها سنودس النيل الإنجيليّ بهذه الخطوات وقد ظهر هذا جليًا في الدعوة التي قدّمها طيب الذكر الدكتور القسّ فايز فارس في خطابه عام 1989 تحت عنوان: إعادة البناء والمكاشفة، والتي ظهرت في كتاب بعد ذلك، تحت عنوان دعوة للتغيير، صدر عن الكنيسة الإنجيليّة الثانية بالمنيا 1990م، به تأصيل لاهوتيّ للتغيير المرجو والمنتظر. وقد استجاب سنودس النيل الإنجيليّ لهذه الدعوة وقام بحركة إصلاحيّة ظهرت في قرارات 1990 وهي الأساس للهيكل الإداريّ الذي نحن عليه الآن. وسوف أتحدث في نقطتين هامتين: الأولى: ملامح الفترة من 1990- 2021م رؤية نقدية، الثانية: تصوري للحل الإداريّ الأمثل، وأقدم هنا خطوطًا عريضة دون الدخول في التفاصيل.
أولًا: ملامح الفترة من 1990-2021م رؤية نقديّة
السؤال ماذا حدث؟ هل يمكن أن نقيّم هذه الفترة في ضوء الهيكل الإداريّ الحالي؟ سأضع مجموعة من النقاط الهامة من وجهة نظري وأنا ابن هذه المرحلة ومتابع جيد لسنودس النيل الإنجيليّ وقد كنت مشاركًا ثمانية سنوات في صناعة القرار في اللجنة التنفيذيّة السنودسيّة كرئيس للمجلس القضائيّ والدستوريّ (2008-2016) الذي أعتمد في هذه المرحلة أكبر عدد من لوائح المجالس السنودسيّة إنشاءً وتعديلًا، وفي نفس الوقت عضو فاعل في مجمع المنيا الإنجيليّ الذي شرفت بالخدمة به لمدة 22 عامًا.
هذه المرحلة بقدر ما بها من نجاحات على مستويات كثيرة في نواحي مختلفة لا يمكن إنكارها مثل: الامتداد الكرازيّ، وبناء كنائس جديدة في المدن الجديدة، وأيضًا بناء مدارس جديدة في القطامية والغردقة، وتحسين أحوال الصحة والتعليم للقسّوس وأسرهم، ورفع المعاشات للقسّوس المتقاعدين، لا أحد ينكر حجم الإنجاز الذي تمّ في هذه الفترة، وهي تحتاج إلى توثيق أمين لما تمّ في هذه المرحلة، ولا سيما ما تم حول إيجاد دخل ثابت بالملايين من خلال تطوير المؤسَّسات التعليميّة والطبيّة التابعة لسنودس النيل الإنجيليّ، ومن خلال فتح أبواب لتمويل المشروعات الكنسيّة وللمجالس السنودسيّة، خبرات كثيرة في هذا الشأن. ولكن حالة عدم الرضى على النظام الإداريّ نسمع عنها كثيرًا للأسباب الآتية: تضخم الجهاز الإداري للسنودس وترهله، توغل سلطة المجالس السنودسيّة على سلطة المجامع، ضعف دور المجمع بين استقلاليّة الكنائس المحليّة ومركزيّة المجالس السنودسيّة، التقارير المقدّمة لا تبين حجم العمل الحقيقيّ للكنيسة، الانشغال بالأعمال الإداريّة على حساب القضايا التعليميّة والروحيّة والفكريّة للسنودس. وسوف أشير إلى هذه الأسباب الخمسة سريعًا.
أولاً: تضخم الجهاز الإداريّ وترهله
هو أحد العلامات الهامة للوضع الحالي، ازداد عدد المجالس، كثرت التقارير، لم ينجز السنودس أعماله في انعقاد واحد. ازداد عدد أعضاء اللجنة التنفيذيّة ليصل إلى عشرين شخصًا، هذا التضخم يضعف الإداء الإداريّ.
ثانيًا: تغول المجالس السنودسيّة على سلطة المجامع
من العلامات المميزة أيضًا أنَّ المجالس السنودسيّة وهي تمتلك المال والسلطة توغلت على أعمال المجامع، فالمجالس تمتلك الأموال وتنفذ رؤاها، في نفس الوقت الذي لا تمتلك في المجامع شيئًا وأصبح ليس لديها القدرة على تنفيذ أي رؤية على أرض الواقع، فالمجالس السنودسيّة في الوضع الحالي سلبت المجامع عملها. فلا سلطة للمجامع إلا فيما ندر. والجدير بالذكر أنَّ النظام المشيخيّ يقوم في الأساس على عمل المجمع.
ثالثًا: ضعف دور المجمع بين استقلاليّة الكنائس المحليّة ومركزيّة المجالس السنودسيّة
ومن خلال ما سبق يتضح مما لا يدع مجالًا للشك أن المجامع قد ضعفت وأصبح المجمع بين حجري رحى: بين استقلالية الكنائس المحليّة، فهي مستقلة عن المجمع فعليًا، وبين مركزيّة المجالس السنودسيّة التي تمتلك السياسة والمال.
رابعًا: التقارير المقدمة لا تبين حجم العمل الحقيقي للكنيسة
من المشكلات أيضًا أنَّ التقارير لا تقيس حجم نمو الكنيسة المحليّة، راجعوا تقارير المجامع في كتاب السنودس خلال عقد مضى من الزمان هل يمكن قياس أداء المجامع؟ بالطبع لا يمكن. لماذا؟ لأن كتابة التقارير بها خلل بيّن، ولا تخضع لنظام، هذا بالإضافة إلى أنَّ المجالس تقدم تقارير وافية بها كثير من الإشكاليات التي تأخذ وقت كبير مما لا يساعد السنودس على انجاز مهامه في انعقاد واحد، فيضطر لعقد انعقاد مكمل، أو إحالة التقارير إلى اللجنة التنفيذيّة مفوضة، وكلاهما غير مرضي عنه لدى الكثيرين. فيجب أن تأتي التقارير بمعلومات تقيس حجم النمو من عدمه.
خامسًا: الانشغال بالأعمال الإداريّة على حساب القضايا التعليميّة والروحيّة والفكريّة للسنودس
على مدار أكثر من ربع قرن من الزمان لم يعير السنودس اهتماما واضحا بالتحولات الفكرية واللاهوتية التي طرأت على الساحة العامة إلا في حالات قليلة جدًا كالبيان الذي صدر حول موقف السنودس من موقف الكنيسة المشيخية بأمريكا للتصريح بزواج المثليين. خلاف هذه القضية لم يهتم السنودس بأي بيانات أخرى، في الوقت الذي تكون فيها الكنيسة العامة في حالة شغف لبيانات أو كتابات أو دراسات تصدر عن السنودس في قضايا هامة. هذا جعل الساحة الفكرية ملعبًا كبيرًا كل يفتي بطريقته، ولعل الموقف الراهن يلخص ما قصدته في هذا الشأن. هل آن الأوان لكي يكون هناك انعقادات سنوية خاصة لمناقشة القضايا الفكريّة واللاهوتيّة والعقائديّة المطروحة على الساحة الكنسيّة والمصريّة من خلال فهمنا للكتاب المقدّس والفكر اللاهوتيّ المصلح؟
ثانيًا: تصوري للحل
بناء على تشخيص ما سبق أضع تصورًا متواضعًا للحل في ستة محاور هامة، وهي: إنشاء مجالس تنفيذيّة مركزيّة (تكنوقراط)، التأكيد على سلطة ومركزيّة المجمع، إنشاء مكاتب متخصصة، إعادة تشكيل اللجنة التنفيذيّة السنودسيّة، كتابة التقارير، التعليم والقضايا اللاهوتيّة.
المحور الأول: مجالس تنفيذية مركزيّة (تكنوقراط)
هذه المجالس لا تخضع لتمثيل مجمعيّ، وتشكل من كفاءات خاصة، من أبناء الكنيسة المتخصصين وليس من القسوس وهي، على سبيل الحصر:
1. مجلس إدارة كلية اللاهوت الإنجيليّة بالقاهرة: يختص بإدارة كلية اللاهوت الإنجيليّة بالقاهرة. وتحكمه لائحة داخلية منظمة.
2. مجلس إدارة المؤسَّسات التعليميّة: يختص بإدارة المؤسَّسات التعليمية التابعة لسنودس النيل الإنجيليّ، وتحكمه لائحة داخلية منظمة.
3. مجلس إدارة المؤسَّسات الطبيّة: ويختص بالمؤسَّسات الطبية التابعة لسنودس النيل الإنجيليّ، وتحكمه لائحة داخلية منظمة.
4. مجلس الإدارة الماليّة: ويختص بالإدارة الماليّة وإعداد الميزانيّات والموازنات العامة للمجالس والمجامع، والمكاتب المتخصصة، والإشراف الماليّ، وتحكمه لائحة داخليّة منظمة.
5. مجلس الشؤون القضائيّة والدستوريّة والقانونيّة: وهو مفوّض في الأحكام واستئنافي درجة ثانية، ويبدي الرأي في القضايا القانونيّة والدستوريّة، ويعتمد اللوائح المنظمة التي تصدر عن كافة إدارات السنودس المختلفة. ويكون مستقلًا، بحيث لا يمثل في اللجنة التنفيذية، وأعضائه غير مشاركين في أية مجالس أخرى.
6. هيئة الأوقاف والممتلكات وبيوت المؤتمرات: وهي تختص بثلاثة أمور: الأول: إدارة الأوقاف، الثاني: إدارة الممتلكات، الثالث: إدارة بيوت المؤتمرات. ويكون لها لائحة خاصة بذلك.
هذه المجالس تكون مركزيّة لا تخضع لتمثيل المجامع، وتكوّن من أبناء الكنيسة قسوس وشيوخ من لهم خبرات، وتشكل بالانتخاب من السنودس، لمدة أربعة سنوات، بحيث يتم التجديد الثلثي لأعضاء المجلس لنقل الخبرة، لا يزيد عدد المجلس من 7-9 أشخاص، يعملون وفق رؤى وخطط معتمدة ومدروسة ولوائح منظمة. وتقدم هذه المجالس تقريرها للسنودس، أو لجنته التنفيذية في الأمور المستعجلة.
المحور الثاني: إطلاق سلطة ومركزيّة المجمع
باقي المجالس الحاليّة: الرعوي والكرازي، التربية، الشيوخ، المرأة، القسّوس، الحوار، …إلخ تذهب إلى عمل المجامع فتكون من مسؤولية المجمع وفق توزيع ميزانيات يراعي عدد الكنائس والقسّوس في دائرة المجمع فالمجمع يقوم بدوره في الكرازة والاهتمام بالقيادات قسّوس وشيوخ وشمامسة ويقوم بزرع الكنائس. فيعود المجمع إلى سلطته المركزيّة على قسّوسه وشيوخه وكنائسه، الميزانيّات المخصصة للمجالس النوعيّة تعود للمجمع وفق خطط مدروسة ومعدة.
المحور الثالث: مكاتب متخصصة
ينشئ السنودس خمسة مكاتب متخصصة من متفرغين للعمل الآتي:
1- مكتب الدعم الماليّ والتنمية: ويهتم بالدعم الماليّ وتسويق مشروعات المجالس والكنائس، كما يهتم بالمشروعات التنمويّة للكنيسة العامة والمحليّة، وإيجاد تمويل لها. ويعمل وفق لائحة تنفيذيّة.
2- مكتب الإعلام والنشر: يختص هذا المكتب بالإعلام عن الكنيسة في وسائل الميديا المختلفة كما يقوم بالإشراف على مجلة الهدى ودار الفكر. ويعمل وفق لائحة تنفيذيّة.
3- مكتب العلاقات العامة: يختص هذا المكتب بتنمية العلاقات العامة مع مؤسّسات الدولة والكنائس المختلفة داخليًا وخارجيًا. ويعمل وفق لائحة تنفيذية.
4- مكتب الشؤون القانونيّة: ويختص بالقضايا التي يرفعها السنودس، وتوثيق العقود الخاصة بكل قطاعات السنودس وإبداء الرأي القانونيّ فيما يخص الأمور الخاصة بالقضايا المدنيّة. ويعمل وفق لائحة تنفيذيّة.
5- مكتب الخطة والتنسيق: يضع تصور عام وخطة سنوية وتنسيق بين الأحداث العامة لكي لا يكون هناك تضارب في اللقاءات والأحداث. ويعمل وفق لائحة تنفيذيّة.
المحور الرابع: اللجنة التنفيذيّة السنودسيّة
تتكون من رئيس السنودس ونائبة والسكرتير العام والسكرتير الثاني مع رؤساء أو ممثلي المجامع الثمانية ويصبح عدد اللجنة التنفيذيّة 11 عضوًا فقط لا غير. يكون لها مهام محددة. أما بخصوص اللجنة التنفيذيّة المجمعيّة فيكون تشكيلها مختلف عن تشكيل اللجنة التنفيذية للسنودس فتتكون من الرئيس والسكرتير ورؤساء اللجان التي تعمل داخل دائرة المجمع.
المحور الخامس: التقارير
1- تقدم المجامع تقارير سنوية مفصلة للسنودس عن عملها، وفق قاعدة بيانات علمية.
2- تقدم اللجنة التنفيذيّة تقريرها للسنودس.
3- تقدم المجالس المركزيّة (التكنوقراطية) تقاريرها للسنودس.
4- في كافة التقارير المقدمة تناقش فقط الأمور المحالة بمقترحات لطلب صياغة قرار.
المحور السادس: التعليم والقضايا اللاهوتيّة
يجتمع السنودس مرة في العام للتعليم ليناقش الأمور والقضايا الخاصة التي تطرأ على الساحة العامة لاهوتيًّا وكتابيًّا. وذلك بأوراق مدروسة من متخصصين كل واحد في مجاله.
خاتمة:
هذا تصور متواضع لواحد من ابناء هذه الكنيسة، الذي يتمنى لها-ككثرين-نموها وتقدمها، هذا التصور، لا أدعي أنه نموذجيًا، وليس بالطبع مكتملًا أو متكاملًا، ولكنه يقدّم من وجهة نظري رؤىً وحلولًا يتحقق من خلالها:
1) عودة المجمع إلى دوره،
2) تقليص عمل المجالس،
3) تجويد أداء المجالس المطروحة من متخصصين،
4) إيجاد مكاتب متخصصة لمتفرغين للقيام بالعمل،
5) خلق دور رياديّ ورقابيّ للجان التنفيذيّة للمجمع وللسنودس، ثم إعادة الدور الرياديّ للسنودس،
6) التركيز ليس فقط على الدور الإداريّ ولكن معه الروحيّ والتعليميّ والفكريّ كتابيًا ولاهوتيًا.
7) أطرح هذا التصور أمامكم على بساط البحث لمناقشته وإبداء الرأي فيه، فهو يعيد هيكلة السنودس-المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة بمصر-بطريقة تتفق مع الدور والرسالة المنوط به لدفع عجلته للأمام تجاه مستقبل أفضل؛ ليحقق ضرورة وجوده وحضوره وشهادته كأكبر كيان إنجيليّ في منطقة الشرق الأوسط. دمتم سالمين مصلحين