الأغصان

كهنوت جميع المؤمنين قراءة سيسولوجية

تحتل عقيدة كهنوت جميع المؤمنين ركنًا أساسيًا من أركان اللاهوت والفكر الإنجيليّ المصلح، وكما يقول عنها د. ق. مكرم نجيب: “إنَّها أحد الأسس المحوريَّة في الفكر الإنجيليّ المصلح، والذي تنبع منه وتدور حوله العديد من المبادئ الأخرى.”[1] ويتحدث ق. بخيت متى عن هذه العقيدة بالقول: “كان هذا هو الإعلان الأكيد في عصر الإصلاح. تحريرًا من العبودية الرهيبة التي سادت على حياة وتفكير الملوك والعامة على السواء. إذ اُعتبر رجال الدين أنَّهم كهنة، ولهم وحدهم حق التقرب على الله. ولأنَّهم هم وحدهم خلفاء الرسل فهم يمارسون الأسرار التي من شأنها تقديم الخلاص، ولهم وحدهم حق الحرمان والحل. وهذا ما أصاب الفكر بالشلل”[2]. هذه العقيدة-إذن- “أصبحت مقياسًا للهويّة الإنجيليَّة”[3].

 إن عقيدة كهنوت جميع المؤمنين- ليست مجرد عقيدة نظريَّة لكنها مرتبطة بالواقع العمليّ والإداريّ والخدمة داخل الكنيسة. ويمكن أن تُهَمش هذه العقيدة نتيجة لطغيان بعض الأنظمة السلطويَّة أو الديكتاتوريَّة، أو تندثر نتيجة فوضى النظام وضياع دور الفرد داخل الجماعة، وفقدان المعنى والمعايير الضابطة. ولعل المصطلح الأكثر قربًا الآن في مصر ويوازي كهنوت جميع المؤمنين هو مصطلح “المواطنة” الذي ينادي بالمساواة بين أفراد الوطن الواحد دون تفرقة أو تمييز في الدين أو الجنس أو اللون.

وسنحاول في هذه الدارسة الإجابة على كيفيَّة تفعيل عقيدة كهنوت جميع المؤمنين في وسط المجتمع المصريّ الكنسيّ الإنجيليّ الذي رَكَنَ إلى السلبيَّة، والقدريَّة، واللامبالاة، والاعتماد على الغير. وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال ثلاث زوايا:

  • المفهوم الكتابيّ واللاهوتيّ
  • العقبات والمعوقات
  • التطبيق والممارسة

 أولاً: المفهوم الكتابيّ واللاهوتيّ

        كان الكهنوت في العهد القديم قاصرًا على جماعة معينة، هي سبط لاوي ونسل هارون. هذا في الوقت الذي كان فيه الشعب ينتمي بجملته إلى الله في علاقة عهد. والكاهن في العهد القديم “هو الشخص الذي يحق له المثول أمام الله والدخول إليه بدون وسيط، وهو الشخص الذي يستطيع أن يقف أمام الله ليتحدث عن الشعب، وهو الشخص الذي يقف أمام الشعب ليتحدث نيابة عن الله”[4]. وفي العهد الجديد، أصبح الكهنوت مرتبطًا بالإيمان بالمسيح. لقد أصبح كل المؤمنين شعبًا لله، ومملكة كهنة، وصار كل أفرادها ممسوحين بالروح القدس.

وعلى هذا الأساس تذوب الفوارق بين أعضاء الجسّد الواحد؛ فالكنيسة هي جسّد المسيح. ولقد أشار العهد الجديد صراحة إلى التحول الجوهريّ في مفهوم الكهنوت؛ من العهد القديم إلى العهد الجديد. “لقد أشار العهد الجديد إلى الوجود المشترك، والمسؤولية المشتركة لكل المسيحيين المؤمنين، ولقد وضع مارتن لوثر عقيدة كهنوت جميع المؤمنين كعلامة للكنيسة الحقيقية.”[5]

وعبر التاريخ الكنسيّ انقسمت الكنيسة إلى فئتين؛ فئة “الإكليروس” التي وضعت نفسها في مكانة خاصة، وفئة العلمانيين التي ظُلمت كثيرًا في التاريخ الكنسيّ. وعندما جاء الإصلاح أعاد قراءة الكتاب المقدس من جديد، في ضوء العمل الكفاريّ للمسيح والذي بمقتضاه “َجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.”( رؤيا 1: 6)

“لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.”  (غلاطية 3: 28)

“وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ.” (1 بطرس 2: 9- 10)

“كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (1 بطرس 2: 5)

“فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ.” (عبرانيين 13: 15- 16)

“حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ.”

“(كولوسّي 3: 11)

أعاد الإصلاح الدينيّ قراءة هذه النصّوص وغيرها، ونادى بكهنوت جميع المؤمنين، فلا فرق بين الكهنوت/الإكليروس (kleros) وبين الشعب/العلمانيين (Laos). ومن خلال هذا الفكر الثوري الذي أتى به الإصلاح-إذ سار عكس ما هو شائع- نجد أنَّ هذه العقيدة التي أحدثت انقلابًا فكريًّا يختلف عن فكر القرون الوسطى.

ولقد ركَّز فكر الإصلاح في هذه العقيدة –كهنوت جميع المؤمنين-على عدة مبادئ أهمها:

1- لا وساطة في العلاقة الشخصيَّة بالله

إنَّ الفكرة الأساسية في الإصلاح الإنجيليّ والذي تدور حوله جميع المباديء الأخرى، هي كهنوت جميع المؤمنين. فكل مؤمن هو كاهن لله، وبإمكانه أن يتصل بالله رأسًا، وبدون وسيط. وقد كان للكنيسة في القرون الوسطى وسطاء عديدين، منهم القديسون ورجال الدين. واعتقد الناس أنَّّه من خلال هذه الوساطة يمكن الحصول على نعمة الله وغفرانه. أما الفكر الإنجيليّ فقد ميَّز تعليمه أنَّ هناك إمكانية لكل إنسان أن يقترب إلى الله، في أي وقت شاء، بدون أي وساطة بشريَّة. علم المصلحون أن الإنسان يستطيع أن ينال الرحمة من الله من خلال الوسيط الوحيد؛ يسوع المسيح البار. “لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ ..” (1 تيموثاوس 2: 5- 6).

“وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ». (أعمال الرسل 4: 12).

” يعلّم المذهب الإنجيلي أنَّه بإمكان كل إنسان أن يقترب إلى الله في أي وقت شاء، وبدون أي واسطة بشرية، وقد نادى الإصلاح بأن الإنسان ينال الرحمة من الله بواسطة الوسيط الوحيد يسوع المسيح، وإنَّ أحسن طريق للاتصال بالله هو طريق الصلاة والاتحاد الشخصيّ.”[6]

وقد علَّم لوثر وجميع المصلحين من بعده “إنَّ العلمانيّ والكاهن على صعيد واحد في الأمور الروحيَّة، وكلاهما لهما حق الاتصال المباشر بالله، وكلاهما مسؤولان عن نشر ملكوت الله بين البشر. فجميع العلمانيين المؤمنين-وحسب تعاليم لوثر- مستحقون أن يمتثلوا أمام الله، وأن يصلوا لأجل الآخرين، وأن يعلموا بعضهم بعضًا الأمور التي هي من الله.”[7]

2- تزكية المسؤولية الشخصيَّة، المبنية على حرية الضمير

لقد حرَّمت الكنيسة في القرون الوسطى على الناس التفكير الحرّ، حتى إنها خلال الأربعين سنة التي سبقت الإصلاح حرقت 1300 شخصًا بسب الهرطقات!

أما هذه العقيدة التي نادت بكهنوت جميع المؤمنين فقد جعلت كل إنسان يشعر بمسؤوليته الخاصة تجاه الله، وأنَّ السلام والغفران لا يُحصل عليهما إلا عن طريق الرب يسوع المسيح. “وقد بدأ الناس يسيرون في الطريق الجديد (رجالاً ونساءً) أقوياء بالروح والأخلاق، بعد أن تحرروا من السلطة الكهنوتيَّة، وتخلصوا من الخوف الإكليريكيّ، وانعتقوا من السلطان الكنسيّ، ولم يعد لسيف الحرم المسلَّط فوق رقابهم ثمة قوة عليهم.”[8]

شدَّدَ لوثر أيضاً على أهمية وقيمة الفرد حين قال: “وحدي ولدت في هذا العالم، ووحدي يجب أن أجابه واجبات الحياة ومسؤولياتها، ووحدي سأقف أمام الديان العظيم. إذًا لا ينبغي لأحد أن يقف في نوري، أو بيني وبين الله – لا أسقف، ولا كاهن، ولا مجمع كنسيّ، ولا قانون كنسيّ، ولا تقليد كنسيّ- بل سأقف أمام الله عاريًا، وعليَّ تقع المسؤولية تجاه الديان خالقي”[9]. وهكذا، ففي الوقت الذي أكدَّ فيه لوثر على دور وقيمة الفرد، نادى أيضاً بكهنوت جميع المؤمنين.

3-توطيد أركان الديمقراطيَّة الحديثة

جعلت عقيدة كهنوت جميع المؤمنين للفرد قيمة كبيرة، لأنَّها أوضحت أنَّ جميع الشعب هم متساوون أمام الله، وكذلك مهّدت السبيل إلى الديمقراطيَّة الحديثة التي منحت الأفراد حق التفكير الشخصيّ، وحرية الضمير المسيحي. وعلى هذا الأساس يقول د. ق. مكرم نجيب: “على هذا التعليم تأسست فكرة الديمقراطيَّة المنظمة في الكنيسة الإنجيليَّة، في إطار النظام الذي وضعه الرسل في الكنيسة الأولى، وكنظام إداري وضعه الإصلاح (كالفن). ويميّز هذا النظام أنه بطبيعته قابل ل”إمكانية التغيير والتطوير بما يتلاءم مع المكان والزمان والبيئة والعصر، مع الإبقاء والمحافظة على فكرة النظام، أيًا كان التطوير الذي يحدث بشرط أن يكون النظام وسيلة لامتداد الرسالة وانطلاق الكنيسة من ناحية، وأن يمنع التداخل والفوضى، والتشويش، وضياع الرؤية والأهداف من ناحية أخرى.”[10]

    تحت عنوان “بماذا يؤمن البروتستانت” كتب اللاهوتي هويغ كير، قائلاً: “إنَّهم يؤمنون بالديمقراطيَّة-ومعظم البلاد الإنجيليَّة هي ديمقراطية في نزعاتها. ويحبِّذ الإنجيليون الكنيسة الحرة التي لا تخضع لسلطان الدولة. واعتقادهم بالديمقراطيَّة نابع من اعتقادهم بالله الذي هو أب لجميع الخلائق البشريَّة، وهو قد وهب جميع مخلوقاته العاقلة حرية الإرادة والاختيار. وهكذا فالإنجيليّ بدوره يرغب أن يهب الحرية للآخرين، فلا يحرم غيره من حرية الرأي، والقول، والعقيدة.”[11]

4- ألغى الإصلاح الإنجيليّ فكرة الكهنوت الخاص:

        وكان بموجبها يُقام نظام خاص أو طبقة خاصة من الناس يتوسطون في العبادة بين الله والناس، كما كان الحال-قديماً- في النظام اليهوديّ. وأعلن المصلحون أن جميع المؤمنين بإمكانهم أن يتصلوا بالله رأسًا دون وسيط. ولقد أثَّر(وأثرى) هذا الفكر على العبادة والإبداع الفنيّ والأدبيّ، فنجد المرنِّم يشدو بفرحة ويقين:

لنا وسيطٌ واحدٌ       ليس لنا سواه

يسوع فادٍ ماجدٌ      حياتُنا رضاه

ولقد أنتج هذا التفكير ولادة فكرة المساواة من جديد، وإحياء الشركة في الجسّد الواحد، وتمكين الجميع من المشاركة في اتخاذ القرارات. إنَّ عقيدة كهنوت جميع المؤمنين أعطت للإنسان كرامة كبيرة فأكدت على حضوره وفاعليته.

أما عن قضية الزي الخاص الذي يلبسه البعض مميزًا لهم على علامة الكهنوت، فليس لهذا الأمر أي مكان في عقيدة جميع المؤمنين التي تساوي بين أعضاء الجسّد الواحد. وقضية زي رجال الدين في مصر لها جذور تاريخيّة عميقة؛ فقد فُرضت هذه الملابس فرضاً على المسيحيين في عصور العنف والقسوة!

 ولقد كتب القس كيرلس كيرلس (وهو أرثوذكسيّ الطائفة)، يقول: “وقد استمر هذا الزي الأبيض الجميل حتى القرن السابع وبعد الفتح العربي لمصر، وفي ظل الحكم الإسلامي الذي وصل إلى مشارف أوربا يذكر المؤرخون- العرب والأجانب- أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر بأن لا يتشبَّه أهل الذمة في الدولة الإسلاميَّة بالمسلمين في مظهرهم وملابسهم- يقصد الملابس البيضاء والمدونة….وفي حكم محمد على  الذي نهض بمصر علميَّا وثقافيَّا(1805-1849م) تم إلزام كل الأقباط والأروام بارتداء الزي الأزرق والأسود ومنعهم من ارتداء العمائم البيضاء… ولهذا فالزي الأسود لا يحمل أية دلالة كتابيَّة أو إنجيليَّة أو كنسيَّة، إنَّما هو ناتج عن أسباب تاريخيّة مرة لا صلة لها بالكنيسة روحيًّا أو طقسيَّا.”[12]

كذلك نادى المصلحون بأنه لا يوجد أي تمييز بين أعضاء الجسد الواحد في الكنيسة، ولا يمكن وضع أي تقسيم لأعضاء الكنيسة بناء على مواهبهم (مواهب روحيَّة)، أو مكانتهم (الوظيفيَّة أو السياسيَّة أو الاجتماعيَّة)، أو زيَّهم؛ فالجميع أمام الله واحد.

5- أزال الإصلاح كلَّ فصل بين (الإكليروس والعلمانيين):

“لقد كان يومًا حزينًا في تاريخ الكنيسة ذلك اليوم الذي قُسِّمت فيه الكنيسة إلى كهنة وعلمانيين.”[13] هذه أصدق كلمة يمكن أن تقال على حال الكنيسة التي فصلت بين الكهنوت والشعب، أو بين الإكليروس والعلمانيين. ومن خلال عقيدة كهنوت جميع المؤمنين، نجد التأكيد على أنَّ الكنيسة هي جسّد المسيح الواحد المتعدد والمتنوع في الأعضاء والمواهب.”، ومن منطلق كهنوت جميع المؤمنين تمارس الكنيسة الشركة، والمشاركة، والخدمة، والتنظيم، فالكنيسة –ككل- هي “الكاهن”، إذ تمارس وحدتها، وتعمق سلامتها واستقرارها، وتؤدي خدمتها ودورها في تنوع وتكامل رائع.”[14]

ومن خلال نصّوص وشواهد العهد الجديد الواردة في: (1 كورنثوس 12: 28)” فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ ثُمَّ قُوَّاتٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ أَعْوَاناً تَدَابِيرَ وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ.” وكذلك (أفسس 4: 11) “وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ.” “من النصّوص السابقة لا نجد أية إشارة إلى الكهنوت الخاص بمقياس العهد القديم، بل نرى أن الكهنوت قد أصبح عمل الكنيسة بأكملها.”[15]

        وبناء على هذا التفكير تصبح الإدارة في الكنيسة جماعيَّة، والمسؤولية جماعيَّة، والعمل والتخطيط أيضًا جماعيّ. فنحن معًا “مُلُوكاً وَكَهَنَةً” (رؤيا 1: 6) ونحن أيضًا “جِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ.”(1 بطرس 2: 9) وكوننا (معًا) ملوكاً وكهنة امتياز عظيم يلازمه أيضاً مسؤوليَّة عظيمة.

ثانيًا: المعوقات والعقبات

        عند محاولة تطبيق وممارسة هذا الاتجاه من التفكير والإيمان لتحويله إلى واقع معاش، نصطدم بمجموعة من المعوقات والعقبات التي قد تمنع هذا الفكر، نذكر منها:

. طبيعة المجتمع بنظامه الإداريّ والثقافيّ الذي يفتقر إلى الديمقراطيَّة، وثقافة الحوار، وقبول الآخر، والذي تعّود الاعتماد على الغير، والافتقار إلى الموضوعيَّة والإغراق في السلبيَّة واللامبالاة والذاتيَّة، وتقديس النجاحات الفرديَّة، والبعد عن العمل الجماعيّ وروح الفريق الواحد.

  • الدور الطاغي لرجال الدين في مصر، ومحاولة تأكيد وجودهم بشتى الطرق، وقابلية المجتمع المصريّ لذلك، حيث نجد المرجعيَّة الدينيَّة في الصغائر والكبائر عن طريق الإفتاء، أوالوصول إلى الله عن طريق أب الاعتراف.

     في دراسة ميدانية قام بها د. أحمد زايد، يقول: “وإذا كنا نحاول أن نستخلص نتيجة البيانات السابقة (بيانات قام بها في دراسته الميدانيّة)، فإننا نؤكد على أهمية التدين- كما يتجسّد في السلوك الدينيّ السابق وصفه- في حياة المصريّ، وكذلك نؤكد أهمية الدور الذي تلعبه الصفوة الدينية في الحياة اليوميَّة. ولعلنا نجد تفسيرًا لانتشار أشكال الخطاب السياسيّ الدينيّ أسرع من أي شكل آخر من أشكال الخطاب الأيديولوجيّ. فالدين أكثر العناصر الثقافية رسوخًا، والصفوة الدينيَّة أقرب جماعات الصفوة إلى مخاطبة الناس وإلى حياتهم اليوميَّة.”[16]

  • صراع السلطة داخل الكنيسة ومحاولة تغليب تجاه على الآخر أو فئة على الأخرى (إكليروس/علماني، قسيس/شيخ، رجل/ امرأة، قائد/عضو، مجلس/لجنة). وتطفو على السطح دائمًا مشكلة الإجابة عن سؤال من الذي يضطلع بمهمة صناعة القرار داخل الجماعة.
  • وجود النظام القبليّ والعائليّ الذي يزكي التحيز، ويلعب دور السيادة والزعامة والتأثير على الرأي العام.” وحسب سوسيولوجيا ذهنية القبيلة فإنَّ الآخر إما أن يكون عدوًا أو على الأقل عدوًا يلزم الحياد.”[17] وفي ظل النظام القبليّ الأبويّ، الذي يُطلق عليه البطريركيّ والذي يخضع للنظام التراتبيّ الهرميّ، تنتج ثقافة خاصة تميّز بها العالم العربيّ. أسماها المفكر المصريّ د. جابر عصفور “ثقافة التخلف” فثقافة التخلف هي التي تؤكد وجود بنية التراتب.”[18]
  • طغيان ثقافة الأشخاص على ثقافة النظم. بينما مفهوم عقيدة كهنوت جميع المؤمنين يزكيّ ثقافة النظم لا ثقافة الأشخاص. ومشكلتنا دائمًا أنَّنا ارتبطنا بثقافة الأشخاص وليس بنظام؛ ولذلك تتغير الأنظمة لدينا بتغير الأشخاص.
  • التركيز في الخطاب الدينيّ المسيحيّ وأيضاً في الترانيم على لاهوت الفرد، مما أدى-خطاً-إلى اعتبار الفرد أو العضو أهم من الجماعة، وبالتالي بهت مفهوم ودور ولاهوت الجماعة.
  • الإقلال من شرح وتعليم هذه العقيدة الهامة والأساسيّة، مما جعل عليها أتربة كثيرة! فضعفت في مجتمع يجنح نحو التقليد والجمود، ويمتلئ بأنظمة تحتاج إلى مساحة أوسع لممارسة الديمقراطيَّة؛ فالديمقراطيَّة نظام وأسلوب حياة، وليست تفصيلاً لمواقف معينة دون غيرها.
  • من ناحية أخرى فإن التطرف في تطبيق نظام كهنوت جميع المؤمنين سبّب نوعًا من الفوضى وفقدان معايير الاحترام؛ فالتطرف في هذا الفكر ألغى توصيف الوظائف (التوصيف الوظيفيّ)، وهو ركن هام في فهم عقيدة كهنوت كل المؤمنين، فالجميع متساوون نعم، ولكن لكل واحد له مسؤولية وعمل يختلف عن عمل الآخر. يستطيع كل مؤمن أن يخدم حسب موهبته(أو مواهبه) الخاصة، فيصبح المجتمع (مجتمع خبرة) يفيد بعضه البعض في روح التقدير والاحترام، وفي جو من الشركة والحب.
  • ضعف دور المرأة وتهميش دورها داخل الكنيسة والتركيز على عمل الرجل، في حين أنَّ العقيدة هي كهنوت جميع المؤمنين(بما فيهم السيدات). لقد ظهرت اتجاهات وأفكار تضعف من قيمة عمل المرأة ودورها وتهمَّشها تأثرًا ببعض الأفكار الشاذة والغريبة على الفكر الإنجيليّ المستنير.
  • يوتوبيا[19] العمل الجماعيّ وطوباويّة العمل الفرديّ. هذه الظاهرة ليست داخل الكنيسة فقط ولكنها تعم المجتمع المصريّ بأكمله. على سبيل المثال نرى الفرق الجماعيّة (المنتخبات) تخسر، في حين أن الألعاب الفرديّة تحصد جوائز. هذه الذهنيّة تربينا عليها منذ التنشئة. نحن لا نعرف أن نعمل معًا، في حين أن البشر في الغرب لا يعرفون أن يشتغلوا كلٌ بمفرده.
  • التمييز بين أبناء الأسرة الواحدة(المولود ذكر أم أنثى)، وفي الحياة العامة بين النوع (رجل وامرأة). رصد الكاتب المصريّ نبيل عمر بعض من مظاهر التمييز داخل المجتمع المصريّ. وقال: “بل إنَّ أغلب المصريين ضحايا لتمييز ما. قد يحدث ويلعب الدين دورًا، لكن كما تلعب المحسوبيَّة دورًا والسلطة دورًا والنفوذ دورًا ومراكز القوى دورًا. وإذا دققنا في الأحوال بالعقل دون عواطف مشتعلة فلن يصعب أن ندرك أنَّ التمييز جزءٌ من ثقافة المجتمع المصري، سمة أساسية في علاقاته على أي مستوى؛ الطفل الذكر على حساب الطفل الأنثى، والرجل على حساب المرأة، والمرأة التي تنجب الذكور على حساب المرأة التي تنجب الإناث، أهل الثقة على أهل الخبرة، الأغنياء على حساب الفقراء، البهوات على حساب المهمَّشين، أصحاب الواسطة على من لا ظهر لهم، المحاسيب على حساب البسطاء، وأندية القاهرة على أندية الأقاليم. هي-إذن- حالة عامة وعلينا جميعًا أن نعالجها من منظور ثقافة وطنيَّة، وليس منظور ثقافة طائفيَّة”[20]
  • التناقض القيميّ والذي تعبر عنه الثقافة الشعبيَّة بصور كثيرة. يقول د. سيد عويس “ومن المعوقات الثقافيّة التي تقف في سبيل النهوض في مجتمعنا المصريّ المعاصر على الوجه الأكمل، ما نجده في القيم المتناقضة. تلك القيم التي يقف أمامها الإنسان المصريّ حائرًا لا يعرف كيف يسلك السلوك المتوقع. ولعل وجود القيم المتناقضة يرجع إلى قدم المجتمع المصريّ، كما يرجع إلى استمرار هذا المجتمع، ومهما يكن من الأمر فهي قيم تستحق الدراسة كي تُفهم فهمًا يمكن في ضوئه أن توَّجه أو تواجه. ومن الأمثلة على ذلك ما تضمنته الأمثلة الشعبيَّة التالية: * “اللقمة الهنيّة تكفي مية” بينما “اللي لك محرم على غيرك” * “القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود” بينما “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” * “القفة اللي ليها ودنين يشيلوها اتنين” وعلى العكس “قط ملك ولا جمل شرك” * “كلنا أولاد تسعة” والعكس “الناس مقامات” * “الرزق يحب الخفية والمبدر رزقه أكتر” ثم “الأرزاق على الخلاق” * “اللي أوله شرط آخره نور” ونقيضها “اللي من نصيبك راح يصيبك”[21]

ثالثًا: التطبيق والممارسة

        من خلال ما عرضناه من مفاهيم حول كهنوت جميع المؤمنين، والعقبات الموجودة في المجتمع المصريّ، ومن خلال مطابقة المفاهيم مع العقبات يمكننا أن نخرج بمجموعة من التطبيقات العمليّة لكي نكون قادرين على تفعيل مثل هذه العقيدة بصورة إيجابية في الحياة:

  • إن تأصيل هذا الاتجاه التعليميّ وتطبيقه يبدأ أولاً بالجانب التعليميّ والفكريّ واللاهوتيّ، ولاسيما التركيز على الفكر الإنجيليّ المصلح لما أحدثه هذا التفكير من ثورة في تاريخ الفكر البشريّ. فهذه العقيدة أحدثت انقلابًا في تفكير البشر في القرون الوسطى التي كانت قد أفرزت (النظام الباباويّ) نتيجة لديكتاتوريَّة السلطة (لاهوتيًّا وسياسيًّا وإداريًّا) بأشكال لا تخدم إلا النظام. في ذلك الوقت، نجد أنَّ الفكر المصلح قد نادى بفكرة المساواة أمام الله، بالعودة إلى الكتاب المقدس الذي يعلمنا بأن البشر متساوون أمام الله في الخلق والخطية والخلاص والتقديس ووراثة الحياة الأبدية. لقد أفرز لنا اللاهوت المصلح فكرًا لاهوتيًّا يرتكز على الجماعة.
  • محاولة تغيير قيم المجتمع السائدة التي تدعو إلى الانسحاب، والانعزال، والهروب من المسؤولية. إن هذا يحتاج إلى بناء قيميّ بنَفَس هادئ وطويل المدى، لكي لا تحدث ازدواجية في الفكر والسلوك، فننادي بكهنوت جميع المؤمنين بينما كل فرد له لاهوته الخاص حسب هواه ومزاجه الشخصيّ.
  • عدم التركيز على فرد واحد مهما سمت قدراته، بل إشراك الجماعة كلها. ففي المجال الكنسيّ تعودت الكنيسة في العبادة والإدارة على أنَّ الراعي يقوم بكل شيء وفي غيابه يتعطل كل شيء، ودور الشعب هو أن يراقب ويشاهد أو بمعنى آخر (يتفرج) في صمت وعدم اكتراث. أو يتذمر البعض وينسحبون (ظاهرة الغبن) في سلبية مميتة. ولكن بحسب كهنوت جميع المؤمنين يجب أن يكون هناك إشراك فعَّال للأعضاء في العبادة والإدارة؛ فلقد أعطى الله (الروح القدس) مواهب لجميع أعضاء الجسّد، فلا يوجد راعٍ يمتلك جميع المواهب، كما أنَّه لا يوجد مؤمن داخل الكنيسة يخلو من المواهب.”[22] فكيف تمارس الكنيسة كهنوت جميع المؤمنين في العبادة؟ يقول د. ق. مكرم نجيب: “على أن التحدي الذي مازال موجوداً أن العبادة قبل الإصلاح كانت تعتمد على (المشاهدة) بمعنى الرؤيا بالعين لطقوس العبادة، وبعد الإصلاح اعتمدت أكثر على السمع بمعنى سماع الأذن فقط لكلمة الله. لكن المشكلة الأساسيّة أنَّ العبادة أكثر وأكبر من مجرد المشاهدة والسمع، بل هي التفاعل الصادق والحي والتجاوب القلبيّ والجماعيّ بين الشعب والله وبين الشعب وبعضهم البعض. ومن هنا تأتي حتميّة التنوع في طرق وأساليب العبادة لتحقيق التفاعل الحقيقي.”[23] والعبادة من خلال كهنوت جميع المؤمنين هي عمل الشعب كله، واحتفال الشعب كله. وهذا يتطلب المشاركة الفعالة من الجميع في فترات العبادة المختلفة.
  • العمل في إطار نظام/جماعة/فريق عمل، وليس في إطار أشخاص كما ذكرنا من قبل. وضرورة التركيز على ثقافة النظم، مع الأخذ في الاعتبار قابلية النظم للتطوير والتعديل والتغيير بما يتناسب مع الخدمة ونموها. وهذا يحتاج إلى تدريب طويل.
  • إتاحة الفرصة لكافة الطاقات والإمكانيات الموجودة داخل الكنيسة للمشاركة؛ كل واحد في إطار خدمته ومواهبه، مع التشجيع والتطوير باستمرار.
  • كسر حاجز العزلة والدعوة للاندماج لمملكة الكهنة لتأدية الدور المطلوب داخل المجتمع. وهذا لا يمكن أن يفعله شخص واحد أو اثنان، بل كل المؤمنين داخل إطار المجتمع المحليّ.
  • إعادة النظر في موضوع الديمقراطيَّة نتيجة لمفهوم كهنوت جميع المؤمنين، ومحاولة إرساء وتعليم الديمقراطيَّة الصحيحة التي لا تقف عند مظاهر الاقتراع والانتخابات، بل تصبح أسلوب حياة. “لقد أعطانا الله بركة عظيمة في نظامنا الإداريّ الإنجيليّ المشيخيّ هي بركة الحرية التي لا يتمتع بها غيرنا، ولكننا في الحقيقة أسأنا استخدامها وتطبيقها وحوَّلنا الحريّة إلى فوضى وتسيب، وفهمنا الديمقراطيَّة بمفهوم خاطئ. لذا جاء الوقت الذي يجب فيه أن ندرك المفهوم الصحيح للحرية والديمقراطيَّة. إنَّها ليست الغوغائيَّة والفوضويَّة.. إن التطبيق الخاطئ للديمقراطية ينتج عنه فقدان السلطة الضروريّة للكنيسة وضعف روح الانضباط، وقد أثِّر هذا تأثيرًا كبيرًا على سير الخدمة فيها. إنَّ الديمقراطيَّة لا تلغي أبدًا احترام الصغير للكبير، والناشئ لصاحب الخبرة، والابن للأب، والتلميذ للمعلم، والعضو للراعي. إننا في حاجة عاجلة للتوجيه والتقويم بروح الأبوة المسؤولة ليعرف كل فرد في الكنيسة أين موقعه، وما هو دوره بالتحديد حتى لا تختلط الأمور”[24] ولقد سبق وقلت من قبل إنَّ الديمقراطيَّة بدون شعب مستعد لممارستها تساوي نكسة، ولعل التنبير على عقيدة كهنوت جميع المؤمنين يساعد على فهم أفضل للديمقراطيَّة-التي أصبحت مطلبًا وطنيًا- فهمًا وممارسةً، والذي تميزت به الكنيسة الإنجيليَّة المشيخيَّة بمصر عبر أكثر من قرن ونصف من الزمان، قدمت الكنيسة -خلال تلك الفترة- لمصر خبرة ديمقراطيَّة رفيعة المستوى، غذت كل قياداتها في جميع المستويات من خلال ممارسة الانتخاب الحر المباشر الذي يزكيّ ثقافة الاختيار.
  • ممارسة منهجيّة العقل النقديّ، وترسيخ وممارسة النقد الذاتيّ الجمعيّ، الذي يساعد على نقاء وقداسة كهنوت جميع المؤمنين، بدون البكاء على الأطلال أو جلد الذات بل بتفكير هادئ، وبموضوعيَّة، في ضوء المفاهيم والمبادئ والتطبيق الفعليّ. وهذا سيفتح أمامنا كمملكة كهنة أبوابًا كثيرةً للتطوير والتقدم والمعايشة داخل إطار (كهنوت جميع المؤمنين) الذي يقبل التعدد والتنوع في الوحدة، ويؤمن بالوحدة في تنوع، وينادي بقبول الآخر وخدمته، في إدراك واعٍ للدور المطلوب من كل ملك وكاهن داخل الجماعة/الكنيسة. وهكذا يتحول المثل الشعبيّ القائل: “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب (العصبيَّة والقبليَّة) إلى “أنا وأخي في خدمة ابن عمي، وأنا وابن عمي في خدمة الغريب.”
  • إن فهم عقيدة كهنوت جميع المؤمنين يساعد على إحياء الضمير الجمعيّ العام الذي امتلأ بالثقوب الكثيرة، كما يساعد أيضًا على التوجه الصحيح مع الصمود الفكريّ لترسيخ القيم الإيجابيَّة والعمل على سد الفجوات والثغرات التي تظهر من حين لآخر في الضمير الجمعيّ العام.
  • محاولة الانتقال من فكرة أن تعيش أو توجد Existence لنفسك، وهي مرحلة يعمل فيها كل واحد لنفسه فقط، إلى التعايش المشترك في سلام Coexistence ، إلى التعاون Cooperation إلى التشارك والمشاركة Partnership، وفي المرحلتين السابقتين يعمل الشخص بطريقة التعاون المشترك. وهذا مطلوب، ولكن ليس ذلك منتهى الأمنيات. لأن الغاية العظمى للوجود معًا هي الرخاء المشترك prosperity Co وفي هذه المرحلة يحاول كل فرد أن يقوم بالجزئية المطلوبة منه بإتقان، وهو يعلم أن إتقانه لهذه الجزئية إنما يعمل على رخاء المجتمع. والممارسة التطبيقيّة لكهنوت جميع المؤمنين تنقلنا كذلك من فكرة “إنني أحيا لذاتي فقط في سلام مع الآخرين”، إلى الرخاء المشترك فيصبح نجاح الآخر هو نجاحي الشخصي، وفشل الآخر هو فشلي. ووفق هذا المفهوم الحديث الذي ينادي به البعض الآن في مصر، فإننا نطبِّق هذا على جماعة الكهنوت الملوكيّ (كل الكنيسة معًا)، إذ يعمل كل واحد في نطاق المهمة والدور الذي يقوم به، وهو في يؤمن أنَّه يعمل في منظومة متكاملة. يكمِّل الآخرين من خلال إتقانه في العمل.
  • التركيز المستمر على مسؤوليتنا وامتيازاتنا التي حصلنا عليها في ضوء العهد الجديد. “إنَّ جميع الصفات التي وصف بها بطرس كنيسة المسيح قد سبق أن وُصف بها شعب الله في العهد القديم. لكن هذا الشعب فشل فأُسقطت عنه هذه الصفات إذ ظن أنَّه اختير لأنَّه أفضل من غيره، ونسي أن الله قد اختاره ليقدِّم الخلاص للآخرين. لنحذر من أن نقع في هذا الخطأ. لقد اختارنا الله وأحبنا، وقد جعلنا جنسًا مختارًا، كهنوتًا ملوكيًّا، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لا لأنَّنا أفضل من غيرنا ولا لنتمتع به فحسب، لكن لنخبر بفضائل الإله المحب الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب. تمتعوا إذًا بهذا الامتياز وتحمِّلوا هذه المسؤولية.”[25]
  • تأصيل فكر وثقافة الديمقراطيَّة، والشفافيَّة، والمحاسبة، واحترام الآخر، والالتزام برؤية معروفة للجميع.
  • إن التوصيف الوظيفي هام، وكذلك خلق الأدوار أيضًا داخل مملكة الكهنة. إننا –من خلال توزيع الأدوار- نحاول أن نعطي قيمة ومكانة للجميع، وأن نستغل كافة الإمكانيَّات المتاحة عند الأعضاء.
  • هكذا تصبح مهمة الخادم أو الراعي أو المسؤول ليست القيام بكافة الأعمال، ولكن تغدو – كما شبَّهها البعض بدور- الملقن “إنَّ وظيفة القسيس أن يدرِّب الشعب على العمل، ويعطيهم فرصة ليقوموا بدورهم في خدمة الله والكنيسة والمجتمع، وذلك أشبه بدور الملقن، الذي يتعين أن يختفي من فوق خشبة المسرح، ليساعد الممثلين الآخرين على أداء أدوارهم أمام الجمهور، ولكن المأساة تحدث عندما يظهر الملقِّن على المسرح ويزيح كل الممثلين جانبًا ويقوم هو بجميع الأدوار.”[26]

[1] مكرم نجيب، الروحانية الإنجيليَّة الجذور والثمار: دار الثقافة، القاهرة، 1997م، ط1، ص 25.

[2] بخيت متى، إيماننا الإنجيليّ مرجع للعقائد الإنجيليَّة: القاهرة، سنودس النيل الإنجيليّ، مجلس شئون القسوس، 2005م، ط1، ص73.

[3] جورج صبرا، في سبيل الحوار المسكوني مقالات إنجيلية:بيروت، دار منشورات النفير، 2001،ط1ن ص 82.

[4] مفيد إبراهيم سعيد، كهنوت ملوكي: القاهرة، دار الثقافة، ص 18.

[5] Handbook of Christian theology: Meridian Books, INC. New York, 1958.P.281

[6] فريد عودة، إبراهيم مطر، التراث الإنجيليّ: مكتبة المشعل، بيروت 1955م، ص

[7] المرجع السابق ص. ص 45- 46.

[8] المرجع السابق ص 45.

[9] المرجع السابق ص 48

[10] مكرم نجيب، مرجع سابق ص 26.

[11] فريد عودة، مرجع سبق ذكره ص 51.

[12] القس كيرلس كيرلس، أي زي نقصد؟ جريدة الأخبار 22/7/2001م.

[13] مفيد إبراهيم سعيد، كهنوت ملوكي: القاهرة، دار الثقافة، سلسلة الأغصان 2، 1979م ص 22.

[14] مكرم نجيب، مرجع سبق ذكره ص27.

[15] Walter A. Elwell (ed.), Evangelical Dictionary of theology: Baker reference Library Grand Rapids, Michigan, 1996 P.876

[16] أحمد زايد، المصري المعاصر مقاربة نظرية وأمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية: القاهرة مكتبة الأسرة، سلسلة العوم الاجتماعية 2005 ص118.

[17] طارق حجي، بين القبيلة والدولة: جريدة وطني 13/5/2007 ص5

[18] جابر عصفور، عن التخلف، جريدة الأهرام11/6/2007 ص 12.

[19] كان أول من استخدم هذا المصطلح هو “توماس مور” ومعناه “شيء ليس موجوداً في أي مكان (ضرب من الخيال)”.

[20] نبيل عمر، تعساء ومتعصبون، جريدة الأهرام 27/6/2007 ص 12.

[21] سيد عويس، قراءة في موسوعة المجتمع المصري: القاهرة، مهرجان القراءة للجميع مكتبة الأسرة، الأعمال الفكرية 2001م ص 34.

[22] رفعت فتحي، كهنوت جميع المؤمنين، دراسة غير منشورة

[23] مكرم نجيب، مرجع سبق ذكرهن ص 28- 29.

[24] صمؤيل ذكي، دعوة للإصلاح، د. ن. ص13.

[25] مفيد إبراهيم سعيد، مرجع سبق ذكره ص 30.

[26] فايز فارس، الراعي والكنيسة ..من هو الراعي في الكنيسة الإنجيليَّة؟: القاهرة، دار الثقافة، 2004م، ط1، ص30.

القس عيد صلاح

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
راعي الكنيسة الإنجيلية في عين شمس القاهرة
باحث غير متفرغ في التراث العربي المسيحي له العديد من المؤلفات والأبحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى