ملفات سنودسية

صياغة القرار مصلحة فردية أم مسؤولية جماعية؟

الهدى 1102                                                                       يونيو 2009

الكاتب القس سامح موسى

هناك العديد من المصطلحات التي تدعم الفرد والمجتمع للتقدم للأمام مثل (التجديد، التغيير، إتاحة الفرص، مبدأ تداول السلطة، التنوع، العمل الجماعي،….. الخ)
وعلي النقيض يوجد العديد من المصطلحات التي تكون، عادة، دعائم وركائز الرجوع للخلف مثل (الاستثناء، الثبات، الديكتاتورية، سوء استخدام السلطة،…..الخ)
وكل من هذه المصطلحات والأفكار له مبرراته ودعائمه الأساسية التي يرتكز عليها، فالذي ينادي بالتجديد يرى في مبدأ تداول السلطة فرصة للقضاء علي الفردية والديكتاتورية والطغيان، فيؤدي ذلك إلى تجديد الفكر والإبداع تجاه العمل الذي تؤديه المؤسسة بدلا من وجود قائد واحد بفكر واحد على مدار تاريخ المؤسسة!
والذي ينادي بالثبات في السلطة يرى أن الاستثناء هو المصطلح الذي يخدم مصالحه الشخصية ليصبح القائد «الديكتاتوري»، وهو في ذات الوقت يستخدم مصطلحات أخرى مثل الاستقرار، وحكمة الأيام، وقوة العلاقات التي تعتمد علي شخص واحد، وغيرها من الأفكار والمصطلحات التي تخدم المصالح الشخصية!!
وهناك العديد من نماذج القيادة ولكنني، هنا، أستعرض ثلاثة منها أكثر انتشارًا في مجتمعاتنا:-
1- القيادة الفرديّة:-
يصبح فيها القائد أو المسؤول هو الأوحد والوحيد القادر على اتخاذ القرار، ويرى في نفسه كل المؤهلات والإمكانيات التي يتميز بها وحده دون الآخرين، بل أنه لا يرى في الآخرين ما يؤهلهم ليحلوا محله، كما أنه يرى أنه صاحب الانجازات والنجاح بينما الفشل هو سمة الآخرين فقط، فينسب النجاح لنفسه والفشل لغيره، وهذا تعبير منه على عدم الثقة في قدرات وإمكانيات الآخرين وهذا نوع من ممارسة الحكم المستبد بدافع الحق الإلهي المفوض. وذلك على نقيض العقد الإجتماعي الذي نادى به روسو! وتظل المؤسسة الخاضعة للقيادة الفردية بذات الفكر ولا تدعو إلى التجديد بل إنها ترى أن النجاح الذي تحققه هو قمة النجاح ولا تتطلع إلى نجاحات أخرى.
2- القيادة الديمقراطية في خدمة الفردية:-
في مرات أخرى تصبح القيادة الديمقراطية شكلية فقط وفي جوهرها خادمة للقيادة الفردية، ولاسيما عندما يغيب التنوع عن معظم أفراد المؤسسة ويصبحوا منقادين تابعين للقائد وليس للمؤسسة! فعندما يكون شيوخ مجلس الكنيسة، مثلاً، من عائلة واحدة أو من فئة عمرية أو اجتماعية واحدة، أو أعضاء مجلس إدارة مؤسسة معينة من كنيسة واحدة، ملتفين حول قائد معين، فهنا تفقد الديمقراطية فكرها الأساسي بل وتصبح خادمة للفردية، فالذي يستطيع أن يضمن أغلبية الأصوات يستطيع أن يحكم باستبداد وطغيان!
3-القيادة الجماعية:-
أثبتت القيادة الجماعية نجاحها في معظم المؤسسات التي تتخذ منها وسيلة لإداراتها، فالقائد يهدف لخدمة المؤسسة وليس لخدمة مصالحه الشخصية، ويتعامل مع الآخرين، كعضو من أفراد المؤسسة وليس كرئيس. لذلك فهو يقبل الآخر ليكون قائداً للمجموعة. فيقبل التجديد والتغيير ويبني قيادات أخرى، ويرى أن نجاح العمل ينسب للمجموعة ككل وليس لشخص بمفرده. ويؤمن كل فرد في المجموعة بمحدودية إمكانياته. لذلك فالتغيير ينبع من المجموعة لبناء أفكار جديدة تخدم المؤسسة، ودائماً تتطلع المجموعة إلى أهداف ونجاحات أخرى فلا تقف عند حد معين من النجاح على عكس الفردية.
إن الكنيسة هي جزء من نظام المجتمع وأفرادها مواطنون به لذلك نحن نتغير ونتشكل حسب التغير المجتمعي. وإن كان العكس واجب الحدوث، فالكنيسة يجب – لكي تكون رائدة – أن تكون مغيِّرة في المجتمع. لذلك سوف نعرض بعض النماذج للفشل والنجاح في المجتمع والكنيسة:-
1-نماذج الفشل:-
ا-المجتمع:-
عانى المجتمع المصري أزمنة عديدة من فكرة الطاغية أو القائد الأوحد الذي يملك سلطة إتخاذ القرار، والذي لا يتغير ولا يوجد منافس له، وسواء اختلفنا او اتفقنا حول القائد أو الزعيم. إلا أن رغبة وغاية الشعب المصري بأكمله كانت إرساء مبدأ التجديد والتغيير وتداول السلطة، لإتاحة الفرص لخلق قيادات جديدة وإبداع أفكار متجددة. لقد ظل الشعب المصري يعاني طوال الفترة الماضية من السلطة الأحادية، وواضح تقهقر المجتمع في ظل القيادة الفردية إلى الوراء حبيساً لهذه القيادة.
ب- الكنيسة:-
وكما عانى المجتمع عانت الكنيسة أيضاً العديد من الأزمات في رفض فكرة تداول السلطة وانحصرت القيادة من عدد معين من القيادات إلى أن تم -في عهد قريب- تغيير اللائحة وصار رئيس أي مجلس يرأس فترة رئاسة تجدد مرة واحدة فقط. وفي ذلك الحين عندما كان لا يوجد مدة معينة لرئاسة المجالس تم قتل العديد من القيادات ودُمرت مواهب وإمكانيات كان بالإمكان الاستفادة منها إلا أن سياسة السلطة الوحيدة سياسة مدمرة، ولم يتغير ولم يتجدد في تلك الفترة فكر كنيستنا وقمعنا أنفسنا داخل القالب الواحد. كذلك في مجالس كنائسنا حينما كانت منذ وقت قريب مجالس كنائسنا مجالس دائمة مكونة من شيوخ أدركوا أن السلطة لا تنتهي إلا بالموت، قُتِلَت أيضا العديد من القيادات الشابة في كنائسنا بسبب ذلك القهر الذي عاشه جيل، بل أجيال بأكملها.
ومن هنا أثبتت فكرة السلطة الأحادية المستمرة فشلها، رغم حالة الاستقرار التي عاشتها تلك المجالس إلا أنها لم تثمر بجديد، إذ أن نفس الفكر كان يتكرر ونفس الرؤية لا تتجدد.
2- نماذج النجاح:-
ا- المجتمع:-
على الصعيد الدولي أثبتت فكرتا العمل الجماعي وتداول السلطة نجاحهما، ولاسيما في المجتمعات الغربية الأكثر نجاحاً حتى في أسوأ الظروف، ففي المجتمع الأمريكي حتى إن إختلفت الأفكار بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أصولية كانت أو ليبرالية، إلا أن سياسة العمل الجماعي وتداول السلطة أثبتت نجاحها واجتيازها للعديد من الأزمات. فمثلاً، سياسة اتخاذ القرار تتعلق بالكونجرس وليس الرئيس، والرئيس يعلم أن أمامه فترة رئاسة يجب أن يتغلب فيها على كل التحديات التي تواجهه، ومن ثم قد يتمتع بفترة رئاسة أخرى متى اجتاز انتخابات أخرى يكمل فيها طموح الجماعة.
هل المجتمع الأمريكي يعاني من عدم الاستقرار؟!! أبداً!!
بينما على الصعيد المحلي، كما ذكرنا آنفاً، فإن معاناة الشعب المصري في ظل القيادة الفردية وعدم تداول السلطة واضحة ولا جدال. إلي أن ظهرت بداية الخروج من القالب الواحد، الانفتاح على الآخرين، وتنوع وتعدد القيادات-بعد تجربة الانتخابات الأخيرة- وهذا جزء من تحقيق نجاح مجتمعنا.
ب- الكنيسة:-
كانت بداية انفراج الأزمة عندما تم إقرار مبدأ تداول السلطة حين اتخذ السنودس قراراً بأن يكون التجديد لمرة واحدة فقط لأي رئيس من رؤساء مجالسنا، واتسع فكر السنودس وتجددت دماؤه وشبابه، فخلق قيادات عديدة تستطيع التغيير والتجديد. هذا النجاح استمر عندما رفض السنودس الاستثناءات في ظل مطالبة البعض بها، وطبق القرار على الجميع، الكبير والصغير. وتبع ذلك القرار قرار آخريحدد مدة عمل مجلس الكنيسة، وكذلك تدعيم مجالس الكنائس بقيادات مختلفة، كقيادات المرأة والشباب لإحداث مزيد من التنوع وخلق أفكار جديدة تحيي كنائسنا.
إن التجديد والتغيير يتطلب إنكار الذات، وتخلي الفرد عن «الأنا» في سبيل نهوض الجماعة، يجب أن يتغلغل فينا الفكر الجديد الذي خلق قيادات جديدة في الدورات الأخيرة للسنودس داخل المجالس والوظائف السنودسية، وألا يصبح التغيير ظاهرياً وليس جوهرياً، فالتغيير الظاهري الذي يهمل الجوهر يزول سريعاً.
لذلك أقترح بعض الأفكار التي تساعدنا على استمرار البناء، وتتلخص في الآتي:
1- أن تفعَّل المادة 212 من دستور الكنيسة والخاصة بعدم جواز ترك كنيسة بدون مجلس. فإذا لم يوجد قسيس أو شيوخ بالكنيسة فيتولى المجمع تعيين مجلس مؤقت يدير الكنيسة، بدلاً من ترك أحد الأعضاء ليقوم بمهام مجلس بأكمله.
2- أن يفعَّل دور اللجان المجمعية بشكل أكبر، فعلى كل مجلس إرسال المقترحات إلى اللجان المجمعية لإبداء الرأي فيها، بدلاً من أن يقتصر الرأي على رئيس اللجنة «ممثل المجلس»، لضمان فاعلية القرار والتمثيل الفعلي للجان المجمع.
3- أن يعاد صياغة بعض اللوائح والخاصة بالتجديد المستمر لمسؤولي الوظائف الإدارية السنودسية، والهيئات التابعة للسنودس، وقادة اللجان العامة وغيرها، لتكون أربع سنوات تجدّد مرة واحدة فقط -أسوة بالمجالس السنودسية- وحسب الاقتراح الوارد من مجلس إدارة كلية اللاهوت في تقريره لعام 2006.
فهل تكون لدينا الإرادة لتغيير اللوائح والقوانين إلى الأفضل؟ أم نتراجع عن قراراتنا ونرجع إلى الوراء؟ هل يكون التغيير جوهرياً، أم أن التغيير ظاهري فقط؟
لننظر إلى الماضي ولنتعلم من الأخطاء حتى نقول مع الشاعر أمل دنقل في قصيدته «كلمات سبارتكوس الأخيرة»:
يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الإسكندر الأكبر
لا تخجلوا.. ولترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي.. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما.. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
يبتسم الفناء داخلي.. لأنّكم رفعتم رأسكم.. مرّة!
«سيزيف» لم تعد على أكتافه الصّخرة
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
والبحر.. كالصحراء.. لا يروى العطش
لأنّ من يقول «لا» لا يرتوي إلاّ من الدموع!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى