أنواع القلوب
الهدى 1220 أبريل 2020
يختلف البشر تبعًا لعوامل متعددة وكثيرة، منها ما هو طبيعي ومنها لأسباب جغرافية وتاريخية، لكن من الشائع القول أنَّ قلوب البشر تعني الكثير بالنسبة لقرارات الإنسان وتوجهاته.
في هذا المقال أضع أمامكم بعضًا من تلك القلوب، وكيف أثر كل منها في قرارات الإنسان.
القلب الأول: قلب الفتاة التي تحب الاعداء وتتمنى لهم الشفاء
«فَقَالَتْ لِمَوْلاَتِهَا: يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ.» (2ملوك 5: 3)؛ قدمت هذه الفتاة شهادة مع أنها كانت في أرض غريبة ومسبية وتعمل جارية، لكن كل هذه الظروف لم تمنعها من أن تشهد عن الرب، عملًا بكلمته، أنتم شهودي؛ وهكذا شهدت المرأة السامرية وقالت: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟» (يوحنا 4: 29).
القلب الثاني: قلب ملك آرام
قلب ملك آرام هذا القلب كان مُتكلًا على البشر ولا يعرف الله، ولا طرقه، فلم تقل الفتاة ياليت سيدي عند ملك إسرائيل كان يشفيه، لكنها قالت ياليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه كان يشفيه من برصه، لكن ملك آرام، الذي لا يعرف إلا طرق البشر، عندما فكَّر، كان تفكيره بشريًا، أرسل لملكٍ مثله، ومع رسوله، أرسل الذهب والفضة، إنَّ هذا القلب لم يكن يعرف أن يضع الأمور في مكانها الصحيح، ولم يكن مستمعًا جيدًا للرسالة.
القلب الثالث: قلب ملك اسرائيل
إن ملك اسرائيل، عندما سمع الرسالة الآتية له من ملك آرام، ضخَّم الأمر، يقول الكتاب: «فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: هَلْ أَنَا اللَّهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هَذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلاً مِنْ بَرَصِهِ؟ فَاعْلَمُوا وَانْظُرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِي!» (2ملوك 5: 7)،
كان من المفروض أنَّ ملك إسرائيل يلجأ إلى رجل الله، والذي كان معروفًا، وقد شهدت عنه الفتاة، لكن قلب هذا الملك لم يعرف رجل الله، ولم يفكر في أخذ رأيه.
القلب الرابع قلب عبيد نعمان
قلب يُشجِع الآخرين، ويأتي بهم إلى الله، وهذا القلب، نجده متمثلًا في مجموعة من عبيد نُعمان قائد جيوش آرام، هؤلاء كان لهم الفضل في التأثير على نعمان، لأنه عندما ذهب لنبي الله أليشع طلبًا للشفاء، طلب منه النبي أن يذهب ويغتسل سبع مرات في نهر الأردن، حينها سيبرأ من كل مرضٍ، لكن نعمان غضب واعتبر أن ما طلبه النبي نوعًا من السخرية به، لأن بلاده بها الأنهار الأفضل من الأردن، لذا استشاط غضبًا وقرر أن يعود أدراجه إلى بلاده بمرضه الذي جاء به، وهنا تدخل عبيده، قائلين له: « يَا أَبَانَا، لَوْ قَالَ لَكَ النَّبِيُّ أَمْراً عَظِيماً أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِذْ قَالَ لَكَ: اغْتَسِلْ وَاطْهُرْ؟. فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللَّهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ» (2ملوك 5: 13، 14).
وهذا يعلمنا أن نشجع الآخرين ونقودهم إلى الرب وهم في حالة غضب وضيق لابد أن تحملهم إلى الرب.
القلب الخامس قلب نعمان ــ قلب مطيع
القلب المُطيع، لا يتأثر بكون صاحبه قائدًا أو تابعًا، وعندما نتأمل في شخصية نعمان القائد، نرى أنَّه من الطبيعي أن القائد يأمر فيُطاع، لكن نُعمان، وهو قائد جيوش، سمِع لكلام عبيده، ولم يتعال، لكنه عندما استمع لهم بتواضع، عندما لم يحتقر أو يرذل مشورتهم، وأطاع، اختبر بركة الشفاء والتعافي من مرضه.
القلب السادس قلب جيحزى
هذا القلب مشغول بالعالم، وهذا ما نراه في شخصية جيحزي عبد نبي الله، إذ قال في نفسه: «هُوَذَا سَيِّدِي قَدِ امْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ نُعْمَانَ الأَرَامِيِّ هَذَا مَا أَحْضَرَهُ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئاً» (2ملوك 5: 20)، وعندما رآه نُعمان الآرامي، سأله: «أَسَلاَمٌ؟ فَقَالَ: سَلاَمٌ. إِنَّ سَيِّدِي قَدْ أَرْسَلَنِي قَائِلاً: هُوَذَا فِي هَذَا الْوَقْتِ قَدْ جَاءَ إِلَيَّ غُلاَمَانِ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ، فَأَعْطِهِمَا وَزْنَةَ فِضَّةٍ وَحُلَّتَيْ ثِيَابٍ. فَقَالَ نُعْمَانُ: اقْبَلْ وَخُذْ وَزْنَتَيْنِ. وَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَصَرَّ وَزْنَتَيْ فِضَّةٍ فِي كِيسَيْنِ وَحُلَّتَيِ الثِّيَابِ وَدَفَعَهَا لِغُلاَمَيْهِ فَحَمَلاَهَا قُدَّامَهُ» (2ملوك 5: 20: 23)، قام جيحزي بتأليف قصة فقال نعمان اقبل وخذ وزنتين والح عليه وصرّ وزنتى فضه في كيسين وحلى ودفعهما لغلامية، ولما وصل الأكمة آخذها من أيديهما وأودعها في البيت وأطلق الرجلين فانطلقا. أما هو فدخل ووقف أمام سيده فقال له أليشع «من أين ياجيحزى»، فقال «لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك ــ كذب جيحزى للمرة الثانية لم يعلم جيحزى أن رجل الله اليشع عنده شفافيه لدرجة أن الذي بفكر ملك آرام كان يعرفه رجل الله (2ملوك 6: 12– 13)، ليس من المنطق ياجيحزي أن تكذب على سيدك ولكن الإنسان المشغول بالعالم وجمع الأموال ومحبة المال يضر نفسه لأن محبة المال أصل لكل الشرور إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنو أنفسهم باوجاع كثيرة.
طعن جيحزي نفسه. فقال له: «أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي حِينَ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ لِلِقَائِكَ؟ أَهُوَ وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ وَلأَخْذِ ثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ فَبَرَصُ نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ! فَخَرَجَ مِنْ أَمَامِهِ أَبْرَصَ كَالثَّلْجِ» (2ملوك 5: 26، 27).
القلب السابع قلب اليشع
قلبٌ متكلٌ على الله، «وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ العارفون اسْمَكَ. لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ» (مزمور 9: 10)، يُخبرنا سفر الملوك الثاني عن قصة إمرأة صرخت إلى النبي أليشع، وكانت تلك المرأة من نساء بني الأنبياء وكانت صرختها قائلة: «إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ. فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ. فَقَالَتْ: لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ. فَقَالَ: اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ، أَوْعِيَةً فَارِغَةً. لاَ تُقَلِّلِي. ثُمَّ ادْخُلِي وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى نَفْسِكِ وَعَلَى بَنِيكِ، وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلَأَ انْقُلِيهِ. فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى بَنِيهَا. فَكَانُوا هُمْ يُقَدِّمُونَ لَهَا الأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ. وَلَمَّا امْتَلَأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لاِبْنِهَا: قَدِّمْ لِي أَيْضاً وِعَاءً. فَقَالَ لَهَا: لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ. فَوَقَفَ الزَّيْتُ. فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللَّهِ فَقَالَ: اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ» (2ملوك 4: 1-7). إن مَن يتكل على الله، فلن يتركه الله أو يرذله.
وختامًا، عزيزي القارئ، أي قلبٌ من هذه القلوب لديك؟ هل قلبك كقلب الفتاة التي تحب الأعداء وتتمنى لهم الشفاء؛ أم كقلب ملك آرام المتكل على سلطانه؛ أم كقلب ملك اسرائيل الذي يهول الأمور ولا يلجأ إلى رجل الله؛ أم كقلب عبيد نعمان الذين يحملون الآخرين إلى الله، أم كقلب نعمان الآرامي الذي أطاع رغم صعوبة الموقف؛ أم كقلب جيحزي المشغول بالأرضيات؛ أم كقلب أليشع رجل الله المتكل على الرب؟