كلمات وكلمات سبتمبر 2021
الهدى 1235 سبتمبر 2021
في محاولات لتعريف الإنسان هناك من عرّفه إيجابيًا وآخر عرّفه بطريقة سلبية، والتعريف بالسلب يقول: إن الإنسان ليس حيوانًا ولا طائرًا ولا حشرة ولا ملاكًا ولا شيطانًا… الخ
لكن التعريف الإيجابي هو إن الإنسان كائن عاقل ينمو بلا توقف خاصة من الجانب الفكري وهو كائن مستقبلي، فهو الكائن الوحيد الذي يُفكر في الغد ويتفاعل معه، أي إنسان له رؤيا. هنا نقف لنقول وما معنى الرؤيا؟ الرؤيا بالألف وليس بالتاء المربوطة، فالرؤيا هي الإجابة على سؤال ماذا يجب أن يكون عليه المستقبل؟ سواء مستقبل الفرد أو الجماعة، فالرؤيا ليست وصفًا للمستقبل القادم فقط، فوصف المستقبل يُطلق عليه التنبؤ بما سيأتي دون التدخل فيه، أما الرؤيا فهي ما يجب أن يكون عليه المستقبل، هنا يتدخل الإنسان في صنع المستقبل، فالرؤيا أمران لا ينفصلان: الأمر الأول استقراء المستقبل أي التنبؤ بما سيأتي به المستقبل، والثاني محاوله صنع المستقبل في ضوء استقراءه (التنبؤ به) فالإنسان أو صاحب الرؤيا هو ذلك الشخص الذي يرى ما لا يراه الآخرون، وبالطبع هناك فارق بين الرؤيا والأحلام وأحلام اليقظة، فأحلام اليقظة هي أن يستغرق الإنسان في أمور لا يمكن تحقيقها، وصاحبها لا يبذل أي مجهود في إمكانية تحقيقها، وهناك تعريف للرؤيا استرحت إليه من فترة طويله يقول، الرؤيا هي «فن صنع المستقبل» وهكذا فالرؤيا بهذا المعنى ليس مجرد تحقيق أهداف نضعها أمامنا بذاتها فقط، فالهدف هو ما نحدده ونسير نحوه لتحقيقه، لكن الرؤيا هي الصورة النهائية لمستقبلنا، فنحن لا نفهم الرؤيا بدون أهداف لكن لا يمكن اختصارها في مجرد أهداف، لذلك علينا ان نقّسم الرؤيا إلى أهداف متعددة في الزمان والمكان وكل هدف يحقق خطوة ما على الطريق ويشير إلى الخطوة التالية، وبترتيب هذه الأهداف جميعًا والتي تتكامل وتتعاضد معًا تتحقق الرؤيا التي وضعناها في جملة واحدة.
خبرة رعوية
قمت بالخدمة الرعوية منذ تخرجي من الكلية عام 1971م في قرية صغيرة كنت أول راعٍ لها ثم ضممت إليها كنيسة أخرى تبعد خمسة كيلومترات، وبعد 7 سنوات انتقلت إلى كنيسة مدينه. وقد أحسست في الكنيسة الأولى التي ذهبت إليها وأنا في بداية العشرينات من العمر بالرعاية المتبادلة، بمعنى إني كنت شابًا صغيرًا وليس لي أي خبرة رعوية فكنت كل ما أقوم به هو الزيارات للبيوت، والحكايات، والصلاة في نهاية الجلسة، بالطبع لم تكن تأتيني مشاكل أكبر من عمري، وكان الرجال والنساء يعتبرونني ابنهم فأحسست برعايتهم لي أكثر من رعايتي لهم، وشيئًا فشيئًا بدأت المشاكل تأتي أمامي وكان علىّ أن أجتهد في تقديم الحلول أو اقتراح الحلول، ومن الأمور التي جعلتني أنضج سريعًا في هذا الاتجاه إنه لم يكن هناك مدرسة رعويه لراعٍ سابق يقارنوني به، واكتشفت أن هذا الأمر أفضل كثيرًا لأنهم لم يقارنونني بأي أحد سابق علىّ.
كنت دائمًا أحاول إرضاء الأطراف دون أن أُغضب أحدًا، لكن اكتشفت إن هذا الأمر يعمق الاختلاف لأني أُوحي لكل طرف أن رأيه صحيح، ثم في النهاية أحكم لشخص ضد الآخر، من هنا تعلمت أن أكون واضحًا من البداية فلا أحكم إلا بعد أن أسمع كل طرف على حدة وعلى مهلٍ وبكل التفاصيل بل وأكثر من مرة ثم أقوم بوزن الأمور، بعدها أستدعى الأطراف، وأكون واضحًا جدًا في حُكمي، وشرحي لماذا اخترت حلاً أتصور أنه الأفضل من عدة حلول أمامي، مع شرحي لكل الحلول، وقد ساعدني في ذلك كبار الكنيسة والذين كان الفارق بيني وبنهم يزيد عن خمسين عامًا لكنهم جميعًا كانوا ينادوني «أبوي القسيس» لكن بدأت متاعبي الحقيقية في الرعاية عندما انتقلت للمدينة ثم العاصمة.
حكاية لاهوتية
وقف أستاذ اللاهوت في مدرسة بوذا في الهند وسأل تلاميذه كم شخص منكم ساورته الشكوك بعدم وجود بوذا الإله؟! لم يرفع أحد أصبعه أو يده. ابتسم الأستاذ قائلاً هل تعلمون أنه لا يوجد إيمان بدون شك؟! استمر صمت الطلبة وعاد الأستاذ ليقول الإيمان الذي لا يسبقه شك ليس إيمانًا، وأردف بالقول إن الله الذي نعبده بقدر ما لديه من مشاكل بقدر ما لديه من حلول، مثلاً الحياة بعد الموت لغز كبير، فبقدر حديث الكتب المقدسة عن الحياة نجد أيضًا هناك حديث عن الموت.
سأل الأستاذ تلاميذه من هو بوذا؟!
أجاب التلاميذ بوذا هو العقل والعقل هو بوذا.
في اليوم التالي سأل الاستاذ نفس السؤال: من هو بوذا؟ واستمر في الحديث قائلاً:
بحسب إجابتكم بالأمس إذا فرضنا أنه لم يكن هناك عقل إذن لم يكن هناك بوذا وبالتالي لا يوجد إله. اعترض التلاميذ قائلين: لكنك قلت بالأمس العقل هو بوذا والعكس صحيح.
قال الأستاذ: لقد قلت ذلك لكي يصمت الطفل فيكم ويتوقف عن البكاء، وعندما توقف الطفل عن البكاء قلت لا عقل إذن لا بوذا، وبما أن الطفل توقف عن البكاء اليوم إذن فهو الآن على استعداد أن يفهم معنى لا عقل لا بوذا ثم قال عندما بدأ الإنسان الحياة على الأرض بدأ بعبادة الشمس، لكن اكتشف الإنسان بعد قليل وبسبب تطور المعرفة أنه من المستحيل أن تكون الشمس إلهًا، فهي ليست كائنًا حيًا وهي ثابته لا تتحرك ولا تتكلم، لكن جاء فرنسيس الأسيسي بعد ذلك ودعى الشمس أختًا له وبدأ الحوار معها توقف الأستاذ قليلاً عن الكلام ثم وجه حديثه للتلاميذ: لا تتوقف عن البحث، لأنه من المستحيل أن تخسر إيمانك طالما أنت تبحث دائمًا عن الحق والحقيقة.
مختارات
نصل الآن لنهاية القصيدة التي كتبها الشيخ نعيم عاطف، في حفل تنصيبي في كنيسة شبرا النزهة عام ٢٠٠١م
آه ياكنيستى الحسناء
فاتنة أنت… مشرقه بوجهك المهيب
بهية الطلعه كالصباح… كنيسة النظام والترتيب
حضورك كالطل كالندى… وهجرك كالنار كاللهيب
وأنت السهاد وأنت الغنى… وأنت الدواء وأنت الطبيب
لكن هل غرك الثناء ياكنيستى… هل غرك المديح؟
هل غفلت عيناك عن أوجاعنا؟… هل غفلت عيناك عن جروحنا؟
وهل تعلمين؟
في حضنك الفسيح ياكنيستى… في حضنك الفسيح
انفرد الذابح بالذبيح… وأغتاله باسم المسيح!
ألا تعلمين… ألا تعلمين؟!
ـ عتابنا رقيق… لأننا نستنكر الصباح والزعيق
ونكره الخصام والتفريق!
ـ عتابنا تلميح .. لأننا نستنكر الإيذاء والتجريح… ونكره الإعلان والتصريح!
نعيم عاطف