رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات فبراير 2020

الهدى 1218                                                                                                                                   فبراير 2020

كلما تأملت في شخصية يسوع، أجد نفسي في موقف لا أُحسد عليه، ففي كل مرة أكتشف شيئًا جديدًا لم أكن أعرفه من قبل، فشخصية السيد المسيح شخصية غنية جدًا، ولديها أبعادًا لا يستطيع فكر الإنسان أن يستوعبها كلها مرة واحدة، ومن الغريب أن الإنسان البسيط يدرك شخصية المسيح ويستمتع بها بكل ما يشبعه ويجعله سعيدًا معتقدًا أنه ألم بكل نواحي وأبعاد شخصيته، في ذات الوقت الذى فيه يجد عالم اللاهوت أو الفلسفة أو المنطق أنه غير قادرٍ على الإلمام بكل شخصية يسوع، ففي كل مرة يكتشف بُعدًا جديدًا مخفيًا عليه، أو على الأقل كان صعبًا عليه استيعابه ومع الوقت بدأ يستوعبه شيئًا فشيئًا، لذلك نرى أن غنى شخصية يسوع وأبعادها الممتدة إلى ما لا نهاية تجعل أي إنسان مهما بلغ إيمانه أو فكره أو كم دراساته عن يسوع لا يستطيع أن يقدم خريطة لفكر المسيح، أو تحليلًا نهائيًا يصل به إلى نتائج مؤكدة غير قابلة للتعمق فيها وبحث أغوارها بل العكس هو الصحيح ففي كل مرة يظن أنه قد استطاع أن يٌلم ويدرك شخصية يسوع من كل نواحيها يٌفاجأ أن هناك أبعادًا أخرى ينبغي عليه أن يتعمق في دراستها، من هنا جاءت كلمات «ألبرت شويتزر» اللاهوتي المعروف تُعبر تمامًا عن حيرته في عدم القدرة على الإلمام بشخص المسيح، حيث قال في نهاية أبحاثه عن شخص يسوع «إنه الرجل الذى لا يتطابق مع أي صيغة» وهذه الصيغة ذكرتني ببحث أمريكي ميداني عن الملحدين وإذ بالباحث يٌفاجأ بأن الغالبية العظمى من الملحدين إنْ لم يكونوا كلهم لم يرفضوا شخص المسيح، لكنهم رفضوا المؤسسة الدينية، وهذا ليس بجديدٍ فالمؤسسة الدينية سَخْرت من المعمدان لفرط تقشفه، وفي ذات الوقت انتقدت يسوع لفرط «علمانيته» ـ إنْ صح التعبيرـ فمصطلح العلمانية ليس كما نفهمه أو نعرفه اليوم إنها ضد كل الأديان، لكن المقصود بعلمانيته هو أنَّه قدَّم تفسيرًا وفهمًا جديدًا للنص الديني لأجل الإنسان، ووضع الإنسان فوق الوصية، فلقد صرَّح مرة «إن السبت لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت»، وصرح لتلاميذه ألا يصوموا في موسم الصوم، وشجعهم على التعامل مع الله مباشرة لدرجة أن الناس العاديين كانوا يشكونهم ليسوع من تصرفاتهم فجاء قول يسوع المدهش «إن لم تصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات» فالمعنى هنا أن الطفل قابل للتعلم قابل للنمو المستمر لا يملك شيئًا، مستعدًا دائمًا لإعادة التشكيل للأفضل المختلف عما سبق. كل هذا يؤدى بنا إلى عدم إدراك الأبعاد الكاملة لشخص يسوع.
خبرة رعوية
تعلَّم الراعي من خبرته مع وفي الكنائس أن الكنائس مثل الأفراد أشكال وألوان، توجهات وثقافات، وكل كنيسة يتكون شكلها ولونها وثقافاتها من الذين خدموا فيها من علمانيين وقساوسة؛ واحدة من هذه الكنائس والتي كانت الأولى في حياة الراعي رغم مرور خدَّام علمانيين متفرغين عليها قبله لمدد معينة، حيث كان نظام المبشرين العلمانيين ساريًا في ذلك الوقت فاستقر أحدهم حوالى سنتين بالكنيسة، لكن الراعي بدأ الخدمة بها بحماس شديد وكانت الكنيسة في منتهى المرونة معه فصنع تاريخًا متميزًا تحولت فيه الكنيسة إلى رعوية، ثم امتدت وكبرت مع الأيام حتى بعد أن تركها الراعي، وهي تمثل الكنيسة البكر عندما ترتبط براعٍ متحمس ولديه طموح للنجاح في خدمته، ومن أهم إنجازات الراعي في كنيسته الأولى، افتتاحه لكنيسة قرية تبعد عنه حوالي 7 كليو مترات، وقد كانت كنيسة عريقة من أوائل كنائس مجمع ملوي لكنها أُغلقت بسبب أن الرجل الذي أسسها –كما هي العادة- كان أغنى رجل في القرية في ثلاثينيات القرن الماضي، وأسسها على جزء من حديقة فواكه كان يمتلكها، وكانت الدولة تقسم مياه الري بحسب جدول محدد، وفي أحد الأيام قام نزاع بين ابن الرجل الذي أسس الكنيسة ومزارع شاب بجواره فقام الأول عليه وقتله، وبالتالي ولكي يحافظ الرجل على حياة أولاده خرج ليلًا مع كل عائلته ولم يعد ثانية، فأغلق شعب القرية الكنيسة ونهبوا الحديقة، وكان ذلك عام 1946م، ظلت الكنيسة مغلقة حتى منتصف السبعينيات عندما جاء رجل من هناك وحكى القصة للراعي، فاتجه الراعي لشيخ البلد وكان صديقًا له، فنصحه بالتوجه لشيخ البلدة التي تحدث عنها لأنه هو مفتاح القصة، وعلينا أن نتواصل معه ونأخذ لك موعدًا معه ونذهب إليه، وعندما ذهبا إليه في الموعد المحدد رحب بهما وطلب الراعي منه فتح الكنيسة المغلقة فرحبَّ الرجل جدًا وحدد يوم من أيام الآحاد لفتح الكنيسة وبدء العبادة، وفي اليوم المحدد (تقريبًا في منتصف عام 1976)، ذهب الراعي وشيخ بلدته واثنان من كنيسته، وتقابلوا مع شيخ البلدة التي فيها الكنيسة المغلقة، وبعد الترحيب وشرب الشاي توجهوا جميعًا إلى الكنيسة وكان أمامها كومة من التراب، فطلب شيخ البلد فأسًا فأتوا به، لكن لم يتحرك أحدًا لاستخدام الفأس، فأخذ الراعي الفأس واتجه إلى كومة التراب فتشجع الناس وأخذوا منه الفأس لتمهيد الأرض، وبعد جهد دخل الجمع إلى الكنيسة وإذ بثعبانين يزحفان بين أقدامهم فقتلوهما وكانت الكنيسة مليئة بالتراب والعنكبوت فتوجه الراعي وكلَّم المسيحيين قائلًا: «سآتي يوم الأحد القادم للعبادة، وانتظر أن أجد هذا المكان مُهيئًا ونظيفًا» وخرج الراعي مع باقي الضيوف، وفي الأحد التالي ذهب الراعي ووجد الكنيسة نظيفة تمامًا ومهيأة للعبادة، فقدَّم الخدمة الصباحية ومن ثم ذهب لخدمة كنيسته وكان كل أسبوع يذهب الساعة الثامنة صباحًا للخدمة في تلك القرية ثم يركب حمارًا ليعود للخدمة في كنيسته الساعة العاشرة وظل هكذا حتى عام 1981، عندما ترك الكنيستين وقد أصبحت تلك الكنيسة المغلقة كنيسة رعوية وبها قسيس مثل كنيسته الأصليّة.
حكاية لاهوتية
كانت المحاضرة عن لاهوت المواهب الطبيعية والروحيّة التي يهبها الله للإنسان، استطرد الأستاذ في إعطاء أمثلة من الكتاب المقدس، عن أن المواهب تتوقف على من يستخدمها، وأن الموهبة يعطيها الرب لطالبها لكن المشكلة في المتلقي فهناك من ينجح نجاحًا باهرًا في استخدامها وهناك من يفشل فشلًا ذريعًا. بالطبع هنالك من له أكثر من موهبة وهنالك من له موهبة واحدة، وهنا يطلب صاحب الموهبة الواحدة أن يستزيد … إلخ
سأل تلميذ لماذا هناك فروق في المواهب هل هذا يتوقف على طلب السائل للموهبة، أم على درجة إيمانه؟ أم على استخدامه للموهبة قال الأستاذ سأحكي لكم قصة:
كان هناك رجل يعيش وحيدًا في الريف في منزل هادئ خارج حدود القرية، ففكر ذات مساء أن يذهب لمحل بيع الطيور يسأل صاحبه أن يعطيه طائرًا يملأ بيته بالموسيقى فأعطاه عصفورًا كناريًا أصفر في قفص وذلك لأنه مشهور بعدم التوقف عن الغناء، وأن أغنياته وموسيقاه في منتهى الإبداع بل وله عدة مواهب، في اليوم التالي عاد الرجل إلى بيته ليجده مليئًا بالموسيقى مما أضفي جوًا من المتعة والسحر على المنزل. شكر الرجل الرب وذهب مسرعًا ليطعم العصفور، ففوجئ به يقف على قدم واحدة والقدم الأخرى غير موجودة، ولاحظ أنه عيب خلقي منذ ولادة العصفور، وهنا أصيب بالغضب والإحباط وأحس أن صاحب محل الطيور قد خدعه، فذهب إليه مسرعًا وبنبرة غاضبة صاح في وجهه قائلًا إن العصفور الذي أعطيتني إياه بالأمس يقف على قدم واحدة بينما تبيع عصافير كاملة لغيرى … لماذا خدعتني؟ أجابه صاحب المحل بهدوء .. هل طلبت منى عصفورًا يغنى أم عصفورًا يرقص؟ لقد لبيت طلبك بالضبط فلماذا أنت غاضب ومحبط الآن؟
طلب الأستاذ تعليقات على القصة من تلاميذه وكانت أفضل أربع إجابات كالتالي:
1 – سؤال جيد يصلح أن نسأله لأنفسنا عندما تخيب توقعاتنا. فالرجل توقع عصفورًا. يغنى له قدمان (عدة مواهب).
2 – لماذا نلوم الله أو الآخرين على شيء لم نطلبه منهم؟
3 – لا تطلب من الله أن يفعل ما تريد (يعطيك الموهبة التي تريدها) بل أطلب منه أن يفعل ما يراه مناسبًا لك (يعطيك الموهبة المناسبة).
4 – هل تستطيع أن ترنم لو خُلقت بقدم واحدة؟ هل تستطيع أن تخدم بموهبة واحدة طول العمر؟
ما رأيك عزيزي القارئ في هذه التعليقات؟ وما هو تعليقك الشخصي؟
كتب الأستاذ هذه الأسئلة على السبورة، وأخذ حقيبته وتهيأ للخروج، صرخ تلميذ: نريد الإجابة النموذجية!!
قال الأستاذ: هل عودتكم على الإجابات الجاهزة؟؟
مختارات
إن الزمن المتاح لكي نبحث عن الله
هو الحياة
والزمن المتاح لكي نلتقي الرب. هو الموت
أما الزمن لكي نحصل على الله
فهو الأبدية
القديس فرنسيس السالى.

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى