رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات مايو 2021

الهدى 1231                                                                                                                                    مايو 2021

تعود البشر على تقييم بعضهم بعضًا من الناحية الإنسانية ويكون السؤال عن الإنسان المستهدف هل هو يتمتع بالعقلانية كإنسان أم لا؟ وما هي درجات العقلانية لمن نصفه بالعقلانية؟ هل هو أخلاقي في قراراته وما هي درجة أخلاقياته؟ هل هو متدين وما هي درجة تدينه ثم هل هو له رسالة في الحياة أم لا ؟!
بمراجعة تعاليم السيد المسيح نستطيع أن نلاحظ أنه تحدث كثيرًا مع تلاميذه عن أهمية أن تكون لكل واحد منهم رسالة في الحياة وأن تحقيق هذه الرسالة يتوقف على مدى مصداقية حاملها واقتناعه بها وقدراته على تحقيقها، كان الرب يسوع عندما يريد أن يعلن رسالة له يقوم بعمل معجزي ثم يوضح الرسالة من خلف هذا العمل، فمثلًا عندما شفي المفلوج الذي كان له ٣٨ عام كانت رسالته «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ» (يوحنا ٥ : ١٤)، فالذي أراد يسوع قوله أن المرض نتيجة الخطية، أيضًا المرأة التي أمسكت وهي تزنى كانت الرسالة «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا». (يوحنا ٨: ١١).
مات المسيح مصلوبًا وماتت الرسائل التي يبعثها للبشر، وهكذا ماتت الحياة في قلب لعازر، وماتت الحرية في جسد المفلوج ومات النور في عيني بارتيماوس، وماتت الطهارة في عيني الزانية وطرب الفريسيون لأن الرسالة التي طالما حاربوها قد انتهت واضمحلت ومات صاحبها وهناك حجر كبير على القبر، لكن في اليوم الثالث قام المسيح من بين الأموات فماذا كانت رسالة هذه القيامة والتي حملها الملاكان لتلاميذ المسيح، كانت الرسالة الأولى رسالة طمأنينة «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا» (متى ٢٨ : ٥ )، لقد مات المسيح مصدر الأمان ورأوه يحاكم ويصلب وتم تحنيطه ودفنه ودخل إلى القبر، وهنا انتهى لديهم الإحساس بالأمان الذي كان يوفره المسيح لهم بحياته، كان مصدر الأمن والأمان مات وهو مازال في القبر لثلاثة أيام، ذهبت المريمات للقبر قابلهم الملاك وكانت الرسالة في إصحاح (متى ٢٨: ٥) «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا» اطمئنوا، وبعد أن طمأنهم قدَّم لهم الرسالة الثانية: رسالة الإيمان «قَامَ كَمَا قَالَ!» ع ٦ لقد حقق ما وعد به، هنا لابد وأن تكون لنا وقفة مع الذات، نسأل فيها أنفسنا إلى أي مدى نؤمن بكلمات السيد المسيح التي يقولها لنا «كَمَا قَالَ» تُرى ماذا قال يسوع في مواقع أخرى؟ لقد قال «لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا» (يوحنا ١٠: ١٨).
أما الرسالة الثالثة فكانت رسالة المشاركة «اذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ… إلخ « (متى ٢٨: ٧)؛ على الكنيسة أن تشارك البشرية المرعوبة من المرض والجوع بأنّ يسوع قد قام، لنشارك-عزيزي القارئ- البشرية الخائفة المريضة وكذلك الحزينة والمحبطة … إلخ .
إن القيامة تنزع كل هذه الأحاسيس المحبطة والقاتلة.
أما الرسالة الرابعة فقد كانت لقد عاد القائد ليقود جيشه «هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ….» (28: ٧)، مازال القائد حيا وفعالا وقادرا حتى على هزيمة الموت اطمئنوا وانتظموا خلفه، وحاربوا حروبه وقودوا الآخرين بروح (القيامة).
كم تحتاج الكنيسة في هذه الأيام وكم يحتاج المؤمنون في عصر الكورونا القاتلة، والفزع والموت والصراع، إلى رسالة القيامة.
وفي النهاية أصحبكم معي إلى القبر الفارغ، فالقبر الفارغ رسالة غير مباشرة، فبعد انتصار الموت واستسلام البشر له، وفي كل حادثة موت نقول: «البقاء لله»، هنا يحكي لنا القبر الفارغ خبرته في هذا الأمر ويقول: لا يوجد في التاريخ ميت دفن وتمرد على قبره، أو انتصر عليه، لقد ضممت ملوكًا وقياصرة وفلاسفة وفنانون وزعماء وقادة جيوش، كل هؤلاء لم تعطهم انجازاتهم قدة التمرد على القبر الذي ضمهم، لكن على مرّ التاريخ، لم يهزمني سوى الناصري، الفقير الذي كان نجارًا، وقد دعا إلى الحب والغفران، لكنه صُلِب ووضعوه داخلي وختموا الباب بختم قيصر، ووقف الحرَّاس عليه، هذا النجا هو الوحيد الذي هزمني.
خبرة رعوية
عيد القيامة أقل شهرة من عيد الميلاد، ذلك لأنّ عيد الميلاد يشاركنا فيه المسلمون في العالم الإسلامي والبوذيون في الصين والشنتو في اليابان … إلخ فكل هؤلاء يعلمون أن يسوع الإنسان النبي القائد … إلخ ولد لذلك يقومون بتهنئة جيرانهم من المسيحيين وأيضًا أهل بلدانهم وكذلك الدولة التي بها مسيحيون تقوم بتقديم التهاني لهم بل وقد صار يوم الميلاد عيدًا رسميًا تعطى الدولة فيه إجازة من هنا تذكرت خدمتي في الريف وفي المدينة؛ في الصعيد أتذكر في عيد القيامة أثناء خدمتي في الصعيد جاء شخص مهم في الجوار، وكان من الرجال الأقوياء الذين يحلون المشاكل أي له حيثية في البلد، وعادة كان يأتي في أعياد الميلاد فقط ويختفي في القيامة، وهذا طبيعي كما أسلفنا القول، في هذه المرة دخل هذا الشخص إلى الكنيسة في عيد القيامة في نهاية الاجتماع، فوضح على وجهي الاستغراب والدهشة وكنت أختم اجتماعي، وبقولي كلمة آمين في نهاية البركة الرسولية، فوجئت به يقول بصوت عال يا قسيس أنا مش جاي أعيد أنا عندي مشكلة مع واحد مسيحي تبعك، وهذا لكى يبعد شبهة اعترافه بقيامة المسيح، فقلت له بصوت عال أهلًا بك في أي وقت وأي مناسبة ، لكنى أعلم أننا وأنتم نؤمن بقيامة الأموات، قال في اليوم الآخر، قلت وهذه هي معجزة المسيح أنه قام بما سيحدث لنا كلنا في اليوم الآخر، لكن قبل اليوم الآخر وهذا ليس غريبًا عليه فولادته كانت معجزة ولماذا لا تكون قيامته أيضًا معجزة فضحك بصوت عاٍل قائلًا غلبتني يا قسيس كعادتك وضحكنا جميعًا بعد التوتر الذي بسبب الحوار الذي سببه بقوله (أنا لم أحضر لكي أهنئ بالعيد)، وجلسنا في الشارع نشرب الشاي ونحكى في المشكلة التي جاء بها ولم يتركه أعضاء الكنيسة إلا بعد الغذاء وحل المشكلة.
حكاية لاهوتية
كانت المحاضرة عن الكلمة والجسد «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا» (يوحنا ١: ١٤)
«كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، (المقصود هنا شخص المسيح) وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.» (يوحنا ١: ٣ – 5).
قال الأستاذ لقد لاحظ المؤرخون أنه كلما مرت السنوات والقرون على الرسالة المسيحية، تركز الكنيسة على الكلمة المكتوبة أكثر من الكلمة المتجسد الذي يعيش حيًا في وسطها، فما رأيكم في هذا الأمر ؟! هل صحيح ما يقوله المؤرخون؟؟
قال أحد التلاميذ، العلاقة بين الكلمة والنور كانت تاريخيًا قصيرة فقبل المسيح كان الاعتماد على الكلمة المكتوبة وتفسيرها وهذه الحقبة انتهت عندما تجسد الكلمة في المسيح «وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا».
قال تلميذ آخر أن المسيح النور منذ الأزل لكن الإعلان عنه كنور هو الذي أخذ وقتًا وتحقق بتجسد المسيح.
قال ثالث عندي سؤال: لماذا التركيز على الكلمة المكتوبة أكثر من الكلمة المتجسد طالما أن الكلمة المتجسد حلّ بيننا؟!
قال تلميذ رابع تُرى على مَن مِن اللاهوتيين مسؤولية التوازن بين الكلمة والجسد؟ وإلى أي مدى في التفسير نُسب للكلمة المتجسد أنباء لم يكن يقصدها أو يكتبها، وكم مرة كان الحسم في القضايا اللاهوتية للكلام المكتوب أكثر من الكلمة المتجسد؟
قال الأستاذ وهو يحمل حقيبته خارجًا هذا سؤال الأجيال والذي يجب أن نقف عنده كثيرًا.

مختارات
أنت حر حين تطالعك شمس يومك
وحر حين تظللك نجوم الليل..
وأنت حر حين لا شمس ولا قمر ولا نجوم
بل أنت حر حين تغمض عينك عن كل ما هو موجود
ولكنك عبد لمن أحببت لأنك تحبه وعبد لمن أحبك لأنه يحبك
جبران خليل جبران: رمل وزبد

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى