رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات يناير 2021

الهدى 1227                                                                                                            يناير 2021

كلما تأملنا في الميلاد العذراوي نمتلئ بالعجب والدهشة، فكثيرًا ما نسأل لماذا اختار الله هذا الأسلوب بالذات: أن يأتي من عذراء، عندما أراد أن يأتي إلى العالم؟!
هل هو مجرد إظهار لقوته؟! أو عمل معجزي بحت؟! إن كان الأمر كذلك فإن الله لم يُعدم وسيلة بها يظهر قوته أو إعجازه بين البشر. بل هو غير محتاج أصلًا إلى أن يقوم بمعجزة للمعجزة في ذاتها… وهل يمكن أن يكون قد أتى عن هذا الطريق ليبين أن المولود بهذه الطريقة العجيبة هو ابن الله؟ أقول أيضًا إنه لا يمكن أن يكون هذا هو هدفه لأن كثيرين يصدقون الميلاد العذراوي وينكرون في نفس الوقت بنوية يسوع لله. إذن لماذا اختار الله هذه الطريقة بالذات ليأتي بها إلى العالم؟
أقول إنَّ الله عندما فكر في الأزل قبل تأسيس العالم كيف يأتي متجسدًا إلى العالم الذي سوف يخلقه، أراد أن يكون الميلاد عذراويًا لأن هذا يتفق مع طبيعته وذلك للأسباب الآتية:
البكر
طبيعة الله تقتضي أن يأخذ البكر.
عندما نرجع إلى العهد القديم حيث يضع الله أسس تعامله مع البشر، نسمع الله يطلب الابن البكر، الابن الأول للعائلة حتى يوجه فكر وعمل الأسرة أولًا لله.
وليس البكر، الابن البشرى فقط بل البكر من البهائم أيضًا، ومن أبكار الغلات «وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي». (خروج ١٣: ١، ٢)، «وَمَتَى أَتَيْتَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا وَامْتَلَكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا، فَتَأْخُذُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ ثَمَرِ الأَرْضِ الَّذِي تُحَصِّلُ مِنْ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ وَتَضَعُهُ فِي سَلَّةٍ وَتَذْهَبُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِلَّ اسْمَهُ فِيهِ. « (تثنية ٢٦: ١، ٢)، «وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الْحَقْلِ. « (خروج ٢٣: ١٦).
إن طبيعة الله تقتضي دائمًا أن يأخذ البكر، ولذلك عندما أراد أن يتجسد لم يأت بطريقة عادية ولكنه جاء من عذراء «لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.» (رومية 8: 29».
إن ما يقَّوى الكنيسة اليوم هو أن يفهم أن الله يطلب أبكار أفكارنا وأبكار مجهوداتنا وأبكار أوقاتنا فلا نُقدم له أفكارًا اُستهلكت في أعمالنا الأرضية واهتماماتنا البشرية. ولذلك لا يقبلها. إن كنا نريد نهضة فعلية فلنقدم له ما يتفق مع طبيعته لنقدم الفكر البكر والجهد البكر والوقت البكر.
كمال الذبيحة
عندما نرجع إلى شروط الذبيحة التى يجب أن تُقدم لله نجد أنها ينبغي أن تكون ذبيحة كاملة صحيحة مهما كانت نوعية الذبيحة ذكرًا كانت أم أنثى بقرًا أم غنمًا أم حمامًا، ولكل أنواع الذبائح من سلامة أو محرقة أو خطية أو إثم « وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، فَإِنْ قَرَّبَ مِنَ الْبَقَرِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَصَحِيحًا يُقَرِّبُهُ أَمَامَ الرَّبِّ. « (لاويين ٣: ١) فيجب أن تكون الذبيحة كاملة وبلا عيب ولقد كانت مريم العذراء فريدة في طهارتها وإيمانها إذ كان إيمانها يفوق إيمان ذكريا الكاهن الذي لم يُصدق كلمات الملاك مع أن معجزته التي حدثه بها الملاك وقعت من قبل في تاريخ شعب الله مع إبراهيم وسارة. ولكن لم يسبق أن حبلت عذراء ومع ذلك فإن مريم وثقت وقالت بكل خضوع «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا ١: ٣٨).
إن الله ينظر ليرى مقدار ما لنا من الإيمان ثم يباركنا بمقدار هذا الإيمان. «بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. « (عبرانيين ١١: ٨).
فعندما أراد الله أن يبدأ علاقة مع شعبه اختار إبراهيم الذي امتلأ إيمانًا ومنه بدأ شعبًا له. وعندما أراد الله أن يُخلص شَّعبه من العبودية إختار موسى الذى « بِالإِيمَانِ تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ،لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى.» (عبرانيين ١١: ٢٧)، لقد رأى إبراهيم وموسى في الذبائح التي كانوا يقدمونها ظلًا للذبيحة الكاملة الرب يسوع، المجروح لأجل معاصينا والمسحوق لأجل آثامنا.
كمال الرسالة
لم يكن مجيء يسوع من عذراء مجرد معجزة أو شيء يشد الانتباه ولكنه كان في حد ذاته رسالة أزلية يريد الله أن يؤكدها ويثَّبتها، أنه ما جاء الميلاد العذراوي ألا ليُقَّرب السماء من الأرض، فقد أرسل الأب ابنَه لأجل «أَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ» (كولوسي ١: ٢٠).
إن أعظم مثل للتباعد الذي كان موجودًا بين فكر الأرض وفكر السماء هو الميلاد العذراوي ذاته، فعندما حملت مريم اضطربت الأرض كيف أن عذراء تحبل؟ ويوسف وهو رجل مؤمن لم يحاول أن يسألها، ولكنه لم يرد أن يشَّهر بها وأراد تخليتها سرًا، وكان يعتبر أن هذا عمل عظيم قد قام به، في ذلك الوقت والحزن يملأ الأرض كانت السماء في فرح وابتهاج لأن ابن العلى سوف يولد على الأرض.
ما أبعد الفارق بين الأرض والسماء، الحادثة واحدة لكن رد الفعل مختلف تمامًا، والسبب هو الخطية، فهي التي باعدت بين الأرض والسماء، بين فكر الله وفكر البشر. لقد صارت الخطية فاصلة بيننا وبين الله، ولقد جاء الرب يسوع لكي يقرب السماء من الأرض «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.» (يوحنا ١: ١٢).
ولم يكن الميلاد العذراوي حادثة تاريخية انتهت ولكنه رسالة كاملة، متكررة فما العذراء الحُبلى إلا مثالًا للكنيسة في كل عصر، فعندما تُقدِم الكنيسة المخطوبة ذاتها للرب يسوع بكرًا في فكرها وعملها وإرادتها، يعمل الروح القدس بها فتلد في كل جيل أخوة أصاغر للرب يسوع. وكلما تذكرنا الميلاد العذراوي، علينا أن ننظر إلى أنفسنا لإكمال الرسالة لأن طبيعة الله تقتضي أن تكون رسالته كاملة، فهل نفعل؟!
خبرة رعويَّة
نستكمل معًا خبرتي في الريف المصري في السبعينيات من القرن الماضي، وقصدت أن أكتب هذه الجملة الافتتاحية لأن الريف اختلف تمامًا، ففي حقبة السبعينيات من القرن الماضي لم يكن في هذه القرى كهرباء ولا ماء نقى وكانت الحياة بسيطة جدًا، والناس أيضًا كانوا بسطاء، أما الآن فالوضع اختلف تمامًا فكل منزل أصبح فيه تلفزيون وغسالة بالكهرباء وثلاجة… إلخ.
هذا غير أن مستوى التعليم ارتفع سواء في الكم أو الكيف، والذين عاصروني أصبحوا الآن في سن الشيخوخة نظيري، والذى يُسعدني ويبهجني جدًا أنه بقدر ما أنا كبرت ونضجت أثناء خدمتي معهم لأنهم كانوا سعداء جدًا بوجودي وكأني واحد منهم فتغير جميعهم سواء في موقفهم من الكنيسة أو من القسوس، وكما ذكرت من قبل أنه قبل وصولي القرية حدث انقسام في العائلة مؤسسة الكنيسة وتم بناء كنيسة لطائفة إنجيلية غير مشيخية وكان الجو في منتهى التوتر، لكنى وبطبيعتي تعاملت مع الجميع دون استثناء وهذا ما جعل القسم الذي انفصل عن الكنيسة قريبًا جدًا منى وأنا أيضًا قريب منهم ، وأدى كل ذلك إلى احترامهم وتبجيلهم واحترامهم ليس لي كشخص لكن لكل القسوس، من هنا كانت كل أسرة تتمنى أن تُرسل ابنها إلى كلية اللاهوت ليصبح راعيًا، وهذا أسعدني جدًا أن أرى من هذه القرية الصغيرة وقد تخرج ما لا يقل عن عشرة أو أكثر من القسوس، والجميل في الأمر أن جميعهم نجحوا كقسوس وهؤلاء القسوس الشباب الذي يُشار لهم بالبنان إما كانوا أطفالا يرضعون أو يحبون أو لم يكونوا قد ولدوا بعد، لكن ما شجع هؤلاء الأطفال والذين لم يعاصرونني أويرونني في معظمهم يدخلون كلية اللاهوت هي القصص والحكايات عن الوقت الذى قضيته معهم وكان والديهم عندما يرسلونهم للكلية إما أن يأتون لمقابلتي عندما كنت مديرًا للكلية أو أستاذًا بها يرددون دائمًا على مسامعي أنك أنت الذى أحببتنا في أن نتمنى أن نكون رعاة وكنت أسعد جدًا بهذه الكلمات، ومن الجميل جدًا أن هناك أكثر من واحد منهم كانوا من الكنيسة غير المشيخية وكان أول سؤال لهم لي: هل ستقبل أبنائنا يا قسيس في الكلية؟ نحن متأكدون من ذلك ولم نشك أنك ستفعل، وكنت أضحك وأقول لهم أنتم تعلمون أنى لم أفرق بينكم وبين المشيخيين، لكن كان هناك من الكنيسة المشيخية شخص واحد فقط من توقع أن أرفض دخول ابن الكنية غير المشيخية للكلية، وتحدث معي في هذا الشأن لكنى قلت له ببساطة هل تتذكر في أول عام لي عندكم بعد رسامتي عام 1972 م وكنا شبابًا قال نعم قلت أنت حكيت لي عن موضوع الانقسام ووجود كنيسة إنجيلية غير مشيخية قال أتذكر، قلت وهل تتذكر ما قلت لقد قلت لك سأقوم برعاية الكنيستين لتكون كنيسة واحدة سواء تركوا الكنيسة أو استمروا فيها لأن الكنيسة ليست مبنى إنما علاقات، لكن يبدو أنك فكرت بكلامي في هذا الوقت إني سوف أعيدهم لكنيستنا لكن الحقيقة أردت أن أكون راعيًا للكنيستين، والنتيجة أن عضوًا منهم غير مشيخي أحب الكنيسة المشيخية وأراد أن يكون خادمًا فيها.
حكاية لاهوتية
بدأ الأستاذ محاضرته عن لاهوت الحياة والموت بالقول: هناك مقولة نصها: «ما الحياة إلا زجاجة خمر معتقة» لكن البعض من البشر يكتفي بقراءة ماركتها المسجلة والبعض الآخر يتذوقها والبعض الأخير يدمنها.
سأل طالب هل لكي أقول رأيًا في الخمر علّى أن أختبرها في حياتي؟ هل لكي أتحدث عن الخمر برأي علّى أن أتذوقها؟
قال الأستاذ أحكي لكم قصة:
مرة أمسك بوذا وردة جميلة ورفعها بيده أمام تلاميذه ثم طلب من كل واحد منهم أن يعبر عن ماذا يرى؟
تقدم كل واحد صامتًا بهدوء شديد نحو الوردة وتأملها لثواني ورجع إلى مكانه.
الأول: قال فيها محاضرة فلسفية (فلسفة وجود الوردة).
الثاني: قال فيها قصيدة شعرية عن جمالها.
الثالث: استخدمها كمثل ليثبت فكرة لاهوتية، وكل واحد من هؤلاء كان يريد أن يقدم فكرًا أعمق من الآخر في الإدراك والعمق.
جاء دور بوذا أمسك بالوردة رفعها لأعلى تأملها شمها أعادها إلى مكانها ولم يقل شيئًا..
بدأ الأستاذ يجمع أدواته ومراجعه ويهم بالانصراف.
هتف تلميذ: لم تقل لنا من الأفضل في موقفه من الحياة من الذين أجابوا؟!
في طريقه للخارج سمع تلميذًا يقول بصوت عاٍل: الأستاذ يريد أن يقول لنا: نعم ليس حتمًا أن أقول شيئًا عن الحياة التي أحياها شعرًا كان أو لاهوتًا أو فلسفة يكفي أن أتذوقها وأتأملها، الأن أنا مشغول جدًا لأقرأ وأتعلم من الحياة وكل ما يدور من حولي، وفي النهاية أنتج شيئًا من كل ما رأيت يخصني أنا وحدي ويختلف عن كل ما رأيت وسمعت لأنها تجربتي الخاصة.
التفت الأستاذ للخلف ناظرًا للمتحدث قابضًا يده اليمنى مشيرًا بالإبهام لأعلى.
مختارات
يوم قلت آه سمعوني قالوا فسد
ده كان جدع قلبه حديد واتحسد
رديت على اللايمين أنا وقلت
آه.. لو تفهموا معنى زئير الأسد
عجبى
صلاح جاهين

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى