مقالات

كم سنة يعيش الإنسان؟

الهدى 1233                                                                                                                               يوليو 2021

احتسب أحد المهتمين بكيفية إنفاق الإنسان الذي يعيش 60 سنة باحتساب الوقت الذي يصرفه في: النوم، والعمل، والأكل، ومشاهدة التلفاز، فخرج بالنتيجة التالية:
إذا صرف الإنسان 8 ساعات يوميًا في النوم، ومثلهم في العمل، يعني أنه يصرف 122 يومًا في النوم، و122 يومًا في العمل خلال السنة.
وإذا صرف الإنسان ساعتين يوميًا في الطعام، ومثلهم في مشاهدة التلفاز، فهذا يعني أنه يصرف 31 يومًا في الطعام، و 31 يومًا في مشاهدة التلفاز في السنة.
وإذا ما جمعنا هذه الأيام، التي نصرفها في النوم والعمل والأكل ومشاهدة التلفاز، تكون النتيجة 306 أيام في السنة، وبالتالي، يتبقى 59 يوم لنا من السنة.
وإذا ما احتسبنا السنين التي يصرفها الإنسان الذي يعيش 60 سنة، كم يصرف من وقته في النوم والعمل والأكل ومشاهدة التلفاز، فتكون النتيجة كالتالي:20 سنة في النوم، 20 سنة في العمل، 5 سنوات في الأكل، 5 سنوات في مشاهدة التلفاز، وهو ما مجموعه 50 سنة. وبالتالي يبقى للإنسان 10 سنوات ليصرفها في أمور أخرى. وبالتالي، عشر سنوات هي عدد السنين الفعلية التي يعيشها الإنسان الذي يبلغ ال 60 من عمره.
إن سؤال كم سنة يعيش الإنسان، أجاب عليه الكثير من رجالات الله في الكتاب المقدس كل على طريقته: وقد قال النبي أيوب: «اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْراً» (أيوب 7:7). النبي موسى قال: «أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ» (مزمور 90: 9). النبي داود قال: «هُوَذَا جَعَلْتَ أَيَّامِي أَشْبَاراً وَعُمْرِي كَلاَ شَيْءَ قُدَّامَكَ. إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ» (مزمور 39: 5). كما قال أيضًا «أَيَّامِي كَظِلٍّ مَائِلٍ وَأَنَا مِثْلُ الْعُشْبِ يَبِسْتُ» (مزمور 102: 11). الرسول يعقوب يقول: «مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ.» (يعقوب 4: 14).
وبجمع الإجابات التي أجابها رجالات الله عن كم سنة يعيش الإنسان، قدّم رجالات الله عدة تشابيه تشير إلى قصر وهشاشة ومحدودية الحياة، هي: بخار، ريح، نفخة، ظل، أشبار، قصة. أفادت دراسة احصائية، أن متوسط عمر الرجال هو 75 سنة، ومتوسط عمر النساء هو 80 سنة. هذه الحقيقة الاحصائية يؤكدها كاتب المزمور التسعين الذي رأى أن العمر التقريبي الذي يصرفه الإنسان في النوم، والعمل، والأكل، هو بين الـ70 والـ80 سنة، « أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعاً فَنَطِيرُ.» (مز 90: 10).
ولشدة قصر حياة الإنسان ومحدوديتها، صلّى النبي داود قائلًا: «عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ فَأَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ» (مز 39: 4). أما النبي موسى فقد رأى في قصر الحياة، دعوة من الله لنا، كيما نصرف عدد سنين أيامنا القصيرة بحكمة وتبصر، في محبة الله وخدمته. فصلّى النبي موسى قائلًا: «إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ.» (مزمور 90: 12). هذه الدعوة لصرف أيامنا القليلة بحكمة، أيضًا أطلقها الرسول بولس لأعضاء كنيسة أفسس، قائلًا لهم: «فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أف 5: 15-18). في دعوته لأعضاء الكنيسة ولنا، لصرف أيامنا والتصرف بحكمة، يستخدم الرسول بولس عبارة «مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ»، افتداء الوقت. وهذه عبارة تصبح مهمة جدًا، عندما نفهم المغزى الذي وردت فيه.
لكلمة «وقت» معنيان في اللغة اليونانية، المعنى الأول، «كرونوس»، وهو الوقت العادي، وقت تسلسل الأيام والسنين «كرونولجي». والمعنى الثاني «كايروس» والذي يعني الوقت الثمين، وقت الفرص الذهبية. فالرسول بولس يستخدم في عبارته باليونانية معنى الكايروس للوقت، ليقول على أعضاء الكنيسة وعلينا واجب، افتداء بل تخليص بل اقتناص وقت الكايروس، وقت الفرص الذهبية الثمينة، من الأيام الشريرة التي نعيش فيها، فنسلك: لا كجهلاء، ولا كأغبياء، ولا نسكر بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل نسلك كحكماء، بالتدقيق، فاهمين ما هي مشيئة الرب، وممتلئين من روحه القدوس.
إنَّ الخبر السار الذي يعلنه الكتاب المقدس للمؤمنين والمؤمنات بالمسيح هو أن هذه الحياة القصيرة جدًا لا تنتهي هنا على الأرض بالموت، بل تستمر إلى الحياة الأبدية مع المسيح. يقول البشير يوحنا «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.» (يوحنا 3: 16).

القس سهيل سعود

* لبناني الجنسيّة، وهو راع للكنيسة الانجيلية المشيخية الوطنية في بيروت،
* مسؤول رعوي لكنيستيّ الجميلية ومجدلونا المشيخيّة في الشوف.
* حاز على شهادتي: البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، والدبلوم في التعليم من جامعة هايكازيان في بيروت عام 1986. وشهادة الماجستير في العلوم الإلهيّة من كليّة اللاهوت الانجيليةّ في الشرق الأدنى عام 1989.
* تولى العديد من المناصب فس سينودس سوريا ولبنان،
* كاتب لأكثر من ستة عشر كتابًا يدور معظمها عن تاريخ الإصلاح الإنجيلي،
* كاتب صحفي في جريدة النهار اللبنانيّة. والعديد من المجلات المسيحيّة الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى