معمودية المسيح
الهدى 1240-1241 فبراير ومارس 2022
ما معنى كلمة معمودية؟ ما الكلمات التي تعبِّر عنها في الكلمة المقدَّسة؟ كلمة تعني الاغتسال وكانت للتطهير الطقسي وكانت تمارس عند اليهود قبل الدخول الي خيمة الاجتماع وأيضًا كان اليهود يمارسونها في مناسبات أخرى التكريس للكهنوت. والكلمات المعبِّرة عنها هي كلمات معمودية، غسل، صبغة، رش.
أنواع المعموديات في الكتاب المقدَّس
1. معمودية الدخلاء وهي إجراء طقسي يُمارس للدخلاء الأمميين لكي يدخلوا اليهودية وذلك علامة تطهير مِنْ نجاسات وأرجاس الأمم وكانوا يُسمون اليهود الدخلاء.
2. معمودية يوحنا وهي دعوة للتوبة والاعتراف بالخطايا وهي علامة الغفران والاستعداد للدخول في ملكوت المسيا والسلوك القويم الذي يصنع أثمار تؤكد هذا التغيير والاستعداد.
3. المعمودية المسيحية. هي علامة الدخول في العهد مع الله واتحادنا به والشركة معًا ومعه والاختباء في المسيح لنوال الخلاص والتعهد بسلوك مسيحي صالح. فهي بداية حياة مع المسيح وحياة القداسة والخدمة.
4. معمودية الروح القدس. هي اختبار قبول الرب يسوع والاتحاد بموته وقيامته والانضمام والاندماج في جسده في العالم وهو اختبار لجميع المؤمنين وقت قبولهم الخلاص.
5. معمودية الألم وطريق الصليب وهي الألم والصليب والموت الذي جاز فيه المسيح وتحدث به كمستقبل لابني زبدي يعقوب ويوحنا ردًا على طلبهما وهي حياة التكريس والأمانة وحمل الصليب والاستعداد لدفع الثمن.
معمودية يوحنا المعنى والدلالة
التركيز هنا على معمودية يوحنا لأنَّها المعمودية التي تعمد بها المسيح. فقد وردت معمودية يوحنا في ثلاثة أناجيل وكل واحد يعطي لها بعدًا خاصًا.
مرقس يقول أنَّها معمودية التوبة لمغفرة الخطايا كان يدعوهم لكي يتوبوا عن خطاياهم والمعمودية علامة الغفران المبني على هذه التوبة (مرقس ١ : ٤) «كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا».
متَّى يضيف لها الاستعداد لملكوت السموات واقترابه أنَّ الملكوت الذي سيؤسسه المسيا وشيك جدًا وقد لاح في الأفق لأنَّ المسيح جاء وقريبًا جدًا سيُتاح الملكوت للجميع والمعمودية علامة الاستعداد لهذا الملكوت (متي ٣ : ١ – ٢) «وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ».
لوقا يضيف فكرة الحياة الصالحة والأخلاقية وعمل ثمار تليق بالتوبة أي أنَّ المعمودية تفرض التزامًا بحياة أخلاقية وثمار صالحة تؤكد مصداقية التوبة والاستعداد للملكوت (لوقا ٣ : ٨) «فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ».
وهنا تصبح معمودية يوحنا هي دعوة للتوبة والاعتراف بالخطايا لنوال الغفران والاستعداد للدخول في ملكوت المسيا والسلوك القويم الذي يصنع أثمار تؤكد هذا التغيير والاستعداد.
وهي كانت دعوة لكل يهودي وكانت بمثابة تحذير نهضة يهودية البعض أستثمر هذه الفرصة والآخرين استهانوا بها وآخرون أيضًا أقبلوا عليها خوفًا وهربًا دون حياة حقيقية وقد واجههم يوحنا بذلك.
لماذا أعتمد يسوع مِنْ يوحنا هل كان المسيح في احتياج لهذه المعمودية؟ وهل كانت لازمة ؟
الإجابة: لا؛ ونعم.
لا: الإجابة السريعة التي تعلن أنَّ المسيح غير محتاج لها لأنَّه ببساطة بلا خطية وهذه معمودية للتوبة ومغفرة الخطايا.
نعم: هي الإجابة المتأنية والصحيحة وذلك للأسباب الآتية:
المسيح قال أنَّه ينبغي أنْ يكمِّل كل بر وهذا معناه أنَّ يسوع بالفعل بلا خطية لكنه لكي يخلص الخطاة كان لابد أنْ يأخذ مكانه معهم ليكون الممثل الحقيقي للبشرية الخاطئة ويقف بجوار كل خاطيء لكي يقدِّم نفسه نائبًا عن الخطاة وكلمة نكمِّل تعني نحقق، ونتمم كل بر تعني كل صلاح ونقاء شرعي وتتميم مقاصد الله مِنْ جهته بالكامل دون نقص. في (2كورنثوس ٥: ٢١) «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيه» و في (إشعياء ٥٣: ٣- ٥) «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. ٤لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا علىهِ، وَبِحُبُرهِ شُفِينَا» وفي (عبرانيين ٢: ١٤، ١٧- ١٨) «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أيضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إبليس، مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. ١٨لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ‘‘.
أحداث المعمودية
(لوقا ٣: ٢١ – ٢٢) ’’وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أيضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، ٢٢وَنَزَلَ عليهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: أَنْتَ ابني الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ‘‘.
لقد ظهر الثالوث بطريقة ملموسة في معمودية المسيح بهذا الشكل:
* الآب: صوت مِنْ السماء قائلًا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
* الابن: متجسِّدًا في ابن الإنسان الواقف في المشهد يعتمد.
* الروح القدس: ظهر بهيئة جسمية مثل حمامة واستقر على المسيح.
أهمية هذه المعمودية
١. إعلان مسحة الروح القدس للمسيح ليكون الفادي والمسيا والملك. ’’َلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عليهِ‘‘
٢. تأكيد بنوة المسيح كابن الله ’’وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هذَا هُوَ إبني الْحَبِيبُ الذي به سررت‘‘
٣. تأكيد طريق الألم والصليب وهو اقتباس مِنْ (إشعياء ٤٢: ١) «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عليهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ». وهذا عن عبد الرب المتألم الذي يحمل صليبه.
٤. إعلان أنَّه هو الذي يأتي لكي يعمد بالروح القدس ومؤسس الملكوت ليوحنا المعمدان والمعمدان يعلنه للشعب تمهيدًا للطريق. (يوحنا ١ : ٣٣) «وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عليهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ».
٥. كانت المعمودية هي علامة بدء رحلة الخدمة للمسيح حيث قد أكمل السن القانوني للخدمة آنذاك ٣٠ سنة وبعدها بدأ الخدمة الرسمية بالتجربة ثم اختيار التلاميذ. (لوقا ٣ : ٢٣) «وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابن يُوسُفَ، بْنِ هَالِي‘‘
٦. هذا بالإضافة إلى أنَّه فيها ظهر الثالوث بشكل واضح وأيضًا بهذه المعمودية يكمِّل كل بر كما تم الشرح سابقا.
هل كان المسيح يُعمِد؟
(يوحنا ٣ : ٢٦) «فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ».
(يوحنا ٣ : ٢٢) «وَبَعْدَ هذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ».
(متى ٣ : ١١) «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ».
(يوحنا ٤: ١- ٣) «فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلاَمِيذهُ، تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أيضًا إِلَى الْجَلِيلِ».
المسيح لم يكن يعمِّد هكذا يقول يوحنا بل تلاميذه وقد نسب الفعل له لأنَّ تلاميذه هم مَنْ يقومون بالمعمودية ويبدو أنّها كانت مثل معموديات العهد القديم كالتي كان يقوم بها يوحنا المعمدان. أما المسيح فهو الذي يعمِّد بالروح القدس ولم تكن ممارسة مادية ملموسة ولكن كان يقصد بها ما يقدِّمه المسيح للإنسان الخاطئ لنوال الخلاص وقبول الملكوت. معمودية الروح أي الروح القدس الذي يقدِّس ويخصص ويجدد الحياة والنار التي كانت تخرب وتدمر كدينونة للقش والأعمال الظلامية وكانت تطهر المعادن فكانت تحوي دينونة ورحمة.
معمودية أخرى أعتمد بها المسيح
(لوقا ١٢ : ٥٠) «وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ الصبغة تعني معمودية وهذه المعمودية هي الموت على صليب الجلجثة وهي ما ذكرها لابني زبدي» (مرقس ١٠ : ٣٨) «فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟»
علاقة معمودية يوحنا بمعمودية المسيح
المسيح رأى يوحنا أتيًا ليعد الطريق للمسيا وأنَّ معمودية يوحنا مِنْ السماء وهي إعداد للقلوب والعقول لرسالة المسيح. وبالتالي معمودية ماء يوحنا تأهيل وإعداد لمعمودية الروح القدس والنار الذي يعمد بهما المسيح.