القيامة والصعودقضايا وملفاتملفات دينية

يقين كالفجر

الهدى 1242- 1243                                                                 أبريل ومايو 2022

في حقيقةٍ لا تقبل الشك أو المماطلة لكل قاريء للأحداث حول العالم، أصبح الموت يُطل برأسه ويلقي بظلاله المُخيفة على كل بقعة من بقاع الكوكب بأسره. هذا الأمر الذي جعل الكثير من البشر يهرعون ويهرولون في محاولة بائسة ويائسة للحصول على ملاذًا أمنًا من ضجيج هذا العدو الغاشم.
وبينما تحاول البشرية الاستشفاء من براثن فيروس كورونا ومتحوراته (COVID-19) الذي أطاح بالملايين في كل بلدان العالم بلا رحمة أو هوادة. نجد العالم في حالة من الاستنفار العام، والأستعداد والترقب لحرب عالمية نووية ثالثة سوف تعيد العالم إلى العصور الغابرة، وتأكل الأخضر واليابس. هذا الأمر الذي أعاد أذهاننا إلى صور ومشاهد من أصعب وأبشع الصور التي أجتازت فيها البشرية على مر العصور وكر الأجيال وهى صور، الحربين العالمية الأولى والثانية في القرن العشرين والتي أكتوى من أثارهما الملايين من الأبرياء.
وفي غمار كل هذا الشطط الوجودي، نجد هناك جزء قابع داخل النفس الإنسانية يبحث عن الأمل والرجاء من رحم المعاناة. صوت يدعوه ويصرخ داخله ليذكره بأن هناك قصة حدثت من ما يربو على الفين عام، وهى قصة القيامة. هذه القصة التي أصبحت مجرد ذكرى نكتفي بتواترها داخل أروقة الكنائس كل عام وحسب. وذلك على الرغم من أحتياج البشرية العميق للتمسك ببصيص من أمل حقيقي للنصرة على هذا العدو «الموت» الذي طالما ما أرق فكر الإنسان وهدد كيانه وكينونته. فهناك شخص واحد قد أطاح بهذا العدو الغاشم وكسر شوكته، وأنار لنا الحياة والخلود. هذا الشخص هو «يسوع المسيح»؛ الله الظاهر في الجسد.
فلو كنت تبحث أيها القاريء الكريم بشغف عن رجاء حقيقي لمخاوفك، وتنتظر وتتطلع إلى نصرة حقيقية على التحديات الوجودية والنفسية والفكرية التي تواجهك في هذا العالم. فدعنا نذهب في رحلة قصيرة ونستحضر مشهد مهيب من مشاهد القيامة. هذا المشهد الذي فيه تلاقت السماء مع الأرض في أبهى صورها. وسطر فيه شخص الرب يسوع ملحمة رائعة في حياة تلاميذه وحواريه. فقد حول خوفهم من الموت إلى رجاء حقيقي، وجعلهم يمتلكون اليقين الكامل بأن قيامتهم «يقينًا كالفجر» سوف تحدث بالرغم من مخاوفهم في هذه الحياة و ما بعدها «الحياة الأبدية».
لقد سطر لنا الرسول يوحنا في الإصحاح العشرين مسوقًا من الروح القدس، مشهد دخول المسيح للتلاميذ المرتعدين والمرتعبين من قيادات اليهود أنذاك. هذا الدخول الذي حدث والأبواب مُغلقة. فقد كانت رائحة الموت تفوح من حولهم في كل مكان، وفي أنتظار الفرصة السانحة لإقتناصهم بلا هوادة أو رحمة. وفي وسط هذا الزخم العاصف بالكيان الإنساني المحدود، نجد الرب يسوع قد أقتحم المشهد برمته ليقول لهم «سلام لكم». هذا السلام الذي كان ربما بمثابة حلم من أحلام اليقظة بالنسبة إليهم.
والجدير بالذكر، بأن الكثير من المفسرين يقولون، بأن السلام الممنوح في هذا المشهد هو أعظم من السلام الذي ذكره يوحنا في نفس الأنجيل والإصحاح الرابع عشر: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ». وذلك لأنه سلام بعد عمل «المصالحة» الذي أحدثه الرب يسوع على الصليب بين الله الأب وبين الخليقة من جديد.
ومن ثم، قد تبدل مشهد التلاميذ بالكامل، وأنقلب رأسًا على عقب. فقد تحول الخوف الرهيب من الموت إلى سلام عجيب، والإرتياب المقيت إلى يقين كالفجر بأن السيد والمعلم قد قهر الموت، وفتح أمامهم باب الحياة والخلود.
ومن بين الكثير من مشاهد الإنتصار المختلفة التي أحدثها مشهد قيامة الرب يسوع ووجوده في وسطهم، ثلاثة مشاهد رئيسية أود الحديث عنها. وذلك لأنها سوف تحقق نفس كيفية الإنتصار في حياتنا اليوم وواقعنا، بل وتجعل من أنتصارنا حتمي وحدوثه يقينًا كالفجر، كما كان الحال عند التلاميذ، وهذه المشاهد، كالتالي:
أولاً، نصرة على النفس Self
يقول الفيلسوف والفيزيائي الفرنسي بليز باسكال (Blaise Pascal)، بأن مشكلة الإنسان الأساسية هى أنه جعل من ذاته المحور، وأصبح يتمحور حول ذاته «الذات المركز». وهنا ربما نجد ثمة تطبيق لهذه المقولة في مشهد التلاميذ المرتعبين. فمن غير شك نجد بعضًا منهم كان يلوم نفسه على إنكاره لسيده، أو تركه للتبعية أمام مشهد الموت الرهيب. وأزيد من الشعر بيتًا وأقول، بأن تلك الطريقة المخزية التي تعاملوا بها مع المحنة لا تعبر سوى عن «مركزية الذات».
لقد أعطى الرب يسوع للتلاميذ نصرة حقيقية على مشاعر الخزي والتخلي والترك الذي أحدثه مشهد الصليب. وأستعاد سلام نفوسهم من جديد، بعد ما أفسده واقع الخطية العميق. وجعل ثقتهم فيه، وفي أنفسهم من جديد حقيقة واقعة لا محالة.
وهو الأمر الجدير، بأن يجعلنا نثق ونتيقن بأن نصرتنا على خطيتنا، وذاتيتنا، ونفوسنا المشوهة أمر حتمي في شخص الرب يسوع. هذا ما أعلنه لنا مشهد القيامة داخل الغرفة المُغلقة. فنصرتنا على نفوسنا حدثت في شخص يسوع، وتتحقق في حياتنا اليوم وكل يوم كاليقين ببزوغ الفجر عندما نُسلم كياننا، ونُخضع ذواتنا أمام السيد من جديد.
أنني على كامل اليقين بأنه لا توجد خطية أو أنانية أكبر وأعظم من قوة نصرة القيامة في حياتي أو حياتك. فلا تيأس من نفسك، لأن الرب يسوع هو أمس واليوم وإلى الأبد. وهو فقط من يمنحك النصرة الحقيقية على ذاتك العصية.
ثانيًا، نصرة على الواقع Reality
يُدعم الأصل اليوناني للنص الكتابي الذي جاء في إنجيل يوحنا 19: 20-21، بأن الأبواب كانت موصدة ومُغلقة بإحكام بسبب الخوف من اليهود والرومان. فبما أن السلطات كانت قد قتلت القائد والمُعلم والسيد، فمن المنطقي أن تبطش بتابعيه لا محالة. ربما كان يفصل التلاميذ لحظات من حدوث هذا الواقع المُخيف، كما كانوا يعتقدون.
والحقيقة ظهرت جلية وواضحة، بأن مشهد القيامة من جديد غير واقع التلاميذ، ومنحهم نصرة على واقعهم المرير. فنجد هذه الجماعة المتحيرة، والتي كانت تعاني من ويلات واقعها، إذ بهم يذهبون بكل قوة إلى العالم أجمع. ونجدهم يكرزون بموت وقيامة الرب يسوع بكل قوة وجسارة منقطعة النظير. ويقدمون أرواحهم بكل تضحية في سبيل تحقيق ونشر بشارة الإنجيل إلى كل المسكونة. من أحدث هذا التغيير في الواقع؟
وفي هذا الإطار، لا يسعني سوى أن أقول، بأنه مهما بلغت ضراوة واقعك، وقسوة ظروفك، وحتمية وجودك بين المطرقة والسندان. فالخبر المُفرح، بأن الرب يسوع قام من الأموات، وغير واقع التلاميذ بشكل حقيقي وعميق. وقد أستطاعوا أن يحققوا دعوتهم، وهدف وجودهم في هذه الحياة.
لذلك، دعونا نثق ونتيقن بأن، «اَللهُ لَنَا إِلهُ خَلاَصٍ، وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ.» فالرب يسوع صنع واقعًا جديدًا في حياة التلاميذ. وجعلهم يعيشون هذا الواقع بشكل يقيني. وهى نفس الدعوة المُقدمة لنا في القرن الحادي والعشرين، وفي ظل زمن ما بعد الحداثة الذي نحيا في غماره. فقيامة يسوع هى ضمانتنا الحقيقية للحصول على واقعٌ جديدٌ. واقع نلمس فيه حضور ومعية السيد بنفسه. واقع يُحقق سيرورة وجودنا، ويتحقق فيه وينمو كياننا يوم بعد يوم.
ثالثًا، نصرة أبدية Eternity
في الحقيقة، لم يتوقف أو يقتصر وجود يسوع في مشهد الغرفة المُغلقة مع التلاميذ بعد القيامة على إعطائهم نصرة على النفس، ونصرة على واقعهم وحسب. لقد أمتد بهم الأمر لما بعد هذه الحياة. لقد تأكدوا أن الشخص الذي أستطاع إماتة الموت يستطيع أن يمنحهم حياة أبدية وخالدة. وهذا الأمر الذي ربما كان شرارة البداية نحو حياة منطلقة نحو الهدف.
فبينما نجد أصحاب الديانات الشرقية يعتقدون في وجود أكثر من واقع قصي «إله». وذلك لكي يبرروا أسباب وجود الموت والشر والألم والمعاناة في العالم.وكذلك، يحاولون أن يعطوا أنفسهم رجاء في حياة مستقبلية أبدية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أصحاب الديانة الهندوسية يؤمنون بثلاثة الهة البَرهمن (الإله الذي يصنع الخير)، والفيشنو (الإله الحافظ)، وشيفا (الإله الذي يسبب الشر). ونجد الديانة الزرادشتية تعتقد في الثنائية Dualism، الأله الخير، والإله الشرير. وغيرهم الذين يؤمنون بتناسخ الأرواح أو التقمص.
نجد قيامة الرب يسوع تمنح وتعطي رجاءًا حقيقيًا في حياة أبدية وواقعية بعد هذه الحياة. وهو الأمر المؤسس عليه إيماننا المسيحي. فبدون القيامة لا يوجد ما يسمى بالمسيحية. فكما يقول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 14:15، «وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ.»
لذلك، يجب أن نتيقن في رجائنا الأكيد في الحياة الأبدية، وننتظر هذا الرجاء بثقة كتلك الثقة التي ننتظر بها فجرًا كل يوم جديد. فقيامة الرب يسوع وحدها هى من تضمن تحقيق هذا الوعد الذي جاء في سفر الرؤيا 4:21، «وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ».
ومن ثم، كما أعطت قيامة الرب يسوع نصرة أبدية للتلاميذ منذ أكثر من الفي عام. فكيف لا تحدث النصرة الأبدية بنفس الكيفية لكل من قبل وأمن بعمل المسيح الكفاري على الصليب، وأمن بقيامته وسرمديته وأبديته. تيقن أنك مدعو هذه الدعوة التي هى كافية لتمنحك سلام ونصرة على كل موت في حياتك، أو عبودية قاسية من هذا العدو الذي سُلبت قوته وضعف عنفوانه على الصليب، وفي فجر يوم الأحد تلاشى وجوده تمامًا. فكلمات الروح القدس على فم كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الإصحاح الثاني لا زالت، وسوف تظل تتردد فحواها في كل زمان ومكان، «وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.»
في النهاية، لو كنت لازلت تتعامل مع حدث القيامة على أنه مجرد ذكرى سنوية، أو أسطورة وهمية، أو رجاء بائس لمحدودي العقول. فأنت أمام دعوة حقيقية من الله لكي تعيد تفكيرك، وتستعيد إنسانيتك والصورة التي خُلقت لكي تكون عليها، وتنعم بسلام الله الذي يفوق كل عقل وقلب ووجدان وضمير. أنت مدعو لنصرة حقيقية على نفسك «ذاتك»، وواقعك «مخاوفك»، ولكي تحصل على نصرة أبدية «الخلود».
فقيامة الرب يسوع وحدها، هى من تضمن لك النصرة والغلبة النهائية على الموت، وعلى كل صور التشوه الكائنة في هذه الخليقة الساقطة، وتجعل من نصرتك «يقينًا كالفجر».
«إذا دعاك الله للمجد فلا ترضَ بما هو أقل منه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى