الإصلاح الإنجيليقضايا وملفات

مجلس الكنيسة الدور الروحي والإداري

الهدى 1236                                                                                                                                    أكتوبر 2021

عبرت الكنيسة المشيخية منذ بداياتها عن هويتها اللاهوتية والروحية، الكنيسة حسب المفهوم الكتابي، هي جسد المسيح المكون أعضاء كثيرة، لها رأس واحد هو شخص المسيح، والروح القدس يقودها ويعمل فيها ويرشدها. وهذا الجسد يدار من خلال هيكل رسمي مكون من محفل عام، وشيوخ وشمامسة «إِلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي (الجمعية العمومية)، مَعَ أَسَاقِفَةٍ (شيوخ presbyteros πρεσβυτέρας) وَشَمَامِسَةٍ» (فيلبي 1: 1). وفي خضوع الكنائس إلى الهيكل الرسمي يوحدها تحت الرأس، المسيح».
الهيكل الرسمي للكنيسة (مجلس الكنيسة) هو المسؤول عن تحقيق غرض الله من الكنيسة، وقيادة شعب الرب طبقًا لتعاليم الكتاب المقدس، أيضًا استثمار الطاقات والثروات البشرية والمادية المتاحة في نمو الكنيسة من أجل نموها روحيًا وعدديًا وانتشارها وتحقيق إرسالية الله العظمى من إعلان الخبر السار لكل العالم.
إن الله في القديم تعامل مع شعبه من خلال الشرائع والدساتير والوصايا، فنرى موسى عين شيوخًا، ونرى قضاة حكموا الشعب في سفر القضاة، وعين الله ملوكًا بداية من شاول، هذا بالطبع بجانب السلطات الدينية، من الكهنة واللاويين والأنبياء.
وفي العهد الجديد بدأ التنظيم الكنسي بعد يوم الخمسين مباشرة، حين انتُخب شمامسة للاهتمام بالخدمات المعاونة، فنقرأ في أعمال 6: 2-6 “دَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: «لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، …. (أعمال الرسل 15) أحد مظاهر مناقشة أمور الكنيسة في شكل ديمقراطي.
أيضًا تم إنشاء وظائف جديدة للعمل الكنسي، الأسقف أو الشيخ (في 1: 1؛ 1 تي 3: 1-7؛ تي 1: 5-10) والشماس (في 1: 1؛ 1 تي 3: 8-13) والجمعية العمومية، المتمثلة في أعضاء الكنيسة. وبالطبع لا ننسى أن الوظائف الكنسية مترتب جزء كبير منها على مواهب وعطايا منحها الله للمؤمنين، فنقرأ في رسالة أفسس: (وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.” (أف 4: 11-13).
النظام المشيخي يقوم في الأساس على عمل المجمع. وقوة المحفل العام والسنودس والمجامع الثمانية تقود الكنيسة المحلية المشيخية إلى تحقيق غرضها. فالكنيسة ليست هدفها السيادة ولا تحقيق أهداف وأفكار وطموح رجال الدين كما حدث في العصور المظلمة.
نرى في العهد القديم أول هرم إداري فيه تنظيم لشعب الله، عندما كان يأتي الشعب إلى موسى ليحكم بينهم، ولينظر إلى شؤونهم، وكان الشعب وقتها في البرية يواجه محنًا وأزمات ومشكلات التنقل، والتموين والصحة، والعلاقات الأسرية ومشكلة توفر الأكل والشرب، ولم يكن هناك أية شريعة أو قانون يُحكَم به. وقد جاء في سفر الخروج:
حَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ. فَوَقَفَ الشَّعْبُ عِنْدَ مُوسَى مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ. فَلَمَّا رَأَى حَمُو مُوسَى كُلَّ مَا هُوَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ، قَالَ: «مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ ……… (الخروج 18: 13-26).
لقد نتج عن هذا الحوار بين موسى وحميه أول هيكل رسمي إداري في التنظيم بين الجماعات في الكتاب المقدس، وكان كالتالي، رئيس لكل خمسين ورئيس لكل مائة ثم رئيس لكل ألف، ثم موسى، وكان رئيس الخمسين والمائة والألف وموسى شركاء في الخدمة والعمل، وهذه تتطلب من موسى مهارة في اختياره للقادة.
بعد ذلك في العهد القديم تغيرت أشكال الهياكل الرسمية، ففي عصر القضاة لعب القضاة دورًا هامًا، بين كونهم يقودون الشعب في الحروب، والفصل في النزاعات، هذا بالطبع بجوار دور المؤسسة الدينية الممثلة في الكهنة واللاويين، إلى أن انتهى عصر القضاة بصموئيل، الذي لعب دورين؛ إذ قضى لإسرائيل (1صموئيل 7: 17)، ولعب دور النبي، وهو الذي مسح أول ملك على إسرائيل- شاول.
وفي عصر الملوك تغير الحال، إذ كعادة أي نظام ملكي، كان الملك هو الكل في الكل، لكن بشكل موازٍ كان هناك دور للأنبياء، الذين سعوا لتقويم سلوك الملوك والشعب على حدٍّ سواء، وأذكر صموئيل حين وبخ شاول وإخباره بأن الله رفضه من الملك (1صموئيل 15: 24-30)، وناثان النبي الذي وبخ داود حين أخطأ مع بثشبع (2صموئيل 12)، ولا ننسى إيليا وأخآب، ودور إليشع النبي، وغيرهما.
في العهد الجديد بدأت صياغة الهيكل الرسمي في الكنيسة في أعمال 6 -كما ذكرنا- عندما جاء الإصلاح كانت السلطة الكنسية قد فسدت بسبب انشغال رجال الدين بالعالم والمال، وكان اعتراض لوثر الأساسي على فساد السلطة الديني، وبيع صكوك الغفران. بعد ذلك أسس كالفن -وهو في الأساس رجل قانون- النظام المشيخي في الكنيسة الذي يختار الشعب من بينهم الشمامسة لخدمة أمور الكنيسة الزمنية، وجمع التقدمات والعناية بخدمة الفقراء، والشيوخ المدبرين الذي يدبرون أمور إدارية ويزورون ويفتقدون اعضاء الكنيسة، والقس الذي يعظ بالكلمة ويرأس مجلس الكنيسة
قدم كالفن دستورًا جديدًا وطالب كالفن في هذا الدستور بتأليف مجمع الخدام حيث كان يجتمع الخدام كل يوم جمعة لدراسة الكتاب هذا الدستور قُدِّم عام 1541 يعرض أيضًا مشاكل كثيرة مثل العماد والعشاء الرباني ومن لهم الحق التقدم لمائدة الرب، ونبر أيضًا على حرية اختيار شريك الحياة، وأيضًا تطرق إلى أسباب الطلاق.
وكلف كالفن مجموعة من الشيوخ بالإشراف على تطبيق الدستور، وعلى كل شيخ أن يقوم بمتابعة سكان الحي الذي يسكن فيه، ويساعدهم ويرشدهم بلطف ومحبة، فالكنيسة لم تستعمل السيف لمقاومة الذين يحاربونها، بل استعملت كلمة الله، ونشأ صراع بين مجلس المدينة والكنيسة على السلطة ومن له الكلمة الأخيرة والأولى، من يحكم، المجمع أم مجلس المدينة.
يرجع كالفن إلى (أفسس 4) «وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، …»، لكي يبين أن الله قد أرسل روحه إلى كنيسته، فأقام بها أناسًا منا ومثلنا ويكونوا مسؤولين عن الخدمة المقدسة، وهم:
القسوس: تقديم النصائح والعمل على نمو الحياة الروحية وحفظ الإيمان والنظام والذين يُنسب لهم التعليم والسهر على سلامة العقيدة،
الشيوخ: وهم بجانب الراعي وهم علمانيون.
الشمامسة: الأشراف المادي في الكنيسة وتسديد احتياجات الفقراء والمحتاجين والأرامل، وزيارة المرضي.
ميَّز المصلحون الإنجيليون بين مرحلتين: الأولى مرحلة الرسل في الكتاب المقدس، والثانية من خلف الرسل بعد موتهم، اعتقد المصلحون الأوائل أن الرسل لعبوا دورًا مميزًا فكانوا أدوات الروح القدس في تأسيس وبنيان الهيكل الكنسي، يقول جون ستوت: إن تعاليم الرسل المحفوظة في الإنجيل هي التي تنظم المعتقدات والممارسات المسيحية لكل جيل، يجب التمييز بين التقليد الرسولي والكنسي ويجب إخضاع التقليد الكنسي للرسولي.
في الكنيسة القديمة كان هناك مجلس مؤلف من شيوخ يتعلمون مع الرسل اختيروا من الكنيسة باجتهاد، كما كان قبلهم مجلس السنهدرين، رأي كالفن نظامًا متماسكًا كاملًا لإدارة الكنيسة من خلال الشيوخ، ولم يكن هناك أية هرمية في الرتب والأدوار، وإنما ظهرت الهرمية من خلال تاريخ الكنيسة، ومسؤولية الأسقف في الإشراف كانت على عدة كنائس، وظهرت رتب لم تكن موجودة في الكتاب المقدس مثل الكرادلة وغيرهم.
تلخصت خدمة القسوس في الكرازة بالإنجيل باستقامة، والمعمودية والعشاء الرباني بشكل صحيح، ومشاركة الشيوخ في إدارة الحياة الروحية في الكنيسة ورعاية جماعة المؤمنين بالكنيسة، وتشمل التأديب والتلمذة وتعليم الإنجيل. وكانت خدمة الشمامسة هي اظهار محبة الله للناس المحتاجين.
الكنيسة الإنجيلية المشيخية هي كنيسة شعب، فالشعب هو القاعدة الاساسية لها، فالشعب هو الذي يختار القسوس، ومن الشعب يُنتخب الشيوخ والشمامسة.
الكنيسة الإنجيلية المشيخية لها تأثيرها الواضح وقد اعتُبرت سنة 1863م. بدء الكنيسة الإنجيليّة في مصر، رسم المجمع 4 شيوخ، 3 شمامسة لأول كنيسة في مصر كنيسة الأزبكيّة بالقاهرة. وكان هذا المجمع وهو أول مجمع مصريّ في يوم 23 مايو سنة 1860م. وفي 5 يناير 1863 تم افتتاح مدرسة لاهوت لتدريب الطلبة وتأهيل العمال المصريين وقد بدأ بستة طلبة.
كلمة سنودس مشتقة من كلمة يونانيّة تعني جماعة المسافرين معًا على الطريق، وبينهم شركة محبة ولهم رؤى وأشواق نحو الكنيسة ويقودهم الحق الكتابي، وهذا الكلام خاص بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر. فالسنودس هو الهيئة الكنسية التي تعلو المجمع والذي يتكون من جميع قسوس الكنيسة بالإضافة لشيخ منتدب من كل مجلس من مجالس الكنيسة في نطاقه.
وتم تأسيس سنودس النيل الإنجيلي وهو يعبر عن هوية العقيدة الإنجيلية، وفي مصر عام 1898 بدء تقسيم السنودس إلى أربعة مجامع (مجمع الوجه البحري – مجمع مشيخة الأقاليم الوسطي – مجمعي أسيوط وملوي – مجمع سوهاج ومجمع الأقاليم العليا ومجمع شمال وجنوب السودان). وتم تشكيل المجامع الأربعة في فبربر 1899 وكان السنودس برئاسة الدكتور وطسن.
النظام المشيخي يعلم أن الشيوخ المعلمين والمدبرين هم وحدهم الموظفين ذوي السلطة الروحية في الكنيسة. فالكنيسة مسؤولة أمام الله، وأمام المجتمع أيضًا، وبذلك تصبح الكنيسة مسؤولية وتكليف من الله ومن المجتمع أيضًا.
يتكون مجلس الكنيسة عن طريق الانتخاب من خلال الجمعية العمومية (جميع أعضاء الكنيسة المسجلين)، والمجلس مسؤول مسؤولية كاملة عن الكنيسة المحلية، دور الهيكل الرسمي للكنيسة في القيادة والخدمة: الناس يعيشون جماعات، ويسكنون جماعات، ويعملون جماعات، ويخدمون جماعات، لذلك فإن الهيكل الرسمي للكنيسة هو عملية جماعية وقيادية، ويجب على هذا الفريق أو الهيكل التخطيط المسبق ومتابعة هذا التخطيط بوضع أهداف طويلة الأمد وأهداف أخرى صغيرة الأمد.
غاية وهدف الهيكل الرسمي للكنيسة
تتألف الكنيسة المنظورة من عدة كنائس محلية، كل منها مكون من جماعة من المسيحيين المعترفين بإيمانهم، مجتمعين في مكان لأجل العبادة والتعليم والشركة والعمل، مع الخضوع لنظام كنسي معلوم»، كذلك غاية الكنيسة هي العبادة والمناداة بالإنجيل لأجل خلاص البشرية، الكنيسة ليست المبنى ولكن المبنى مهم، فهو يشكل الحضور المسيحي ويعطي شرعية لدى الدولة مع خضوع أعضاء الكنيسة لسيادة أو خدمة المجلس المكلف بإدارة هذه الكنيسة.
الهيكل الرسمي هو عجلة قيادة السفينة وهو وكيل الله في تأدية الرسالة وقيادة السفينة بتوجيهات من الرب يسوع، والدور الأهم في الهيكل الرسمي هو هيمنة الروح القدس في إرشاد العاملين في الكنيسة، لكي يحققوا الأهداف التي دعاهم الله إليها.
إنَّ الكنيسة غير المنظورة، وهي الكنيسة الجامعة أو العامة تتألّف من جميع الذين اختارهم الله للخلاص، وافتداهم الرب يسوع.
وحبًا في عقيدتنا وكنيستنا وشوقا في نموها وتقدمها وكمالها وتكاملها نتمنى قيادة الروح القدس في عودة المجمع لإتمام دوره والقيادة الرائدة، كذلك في تجويد أداء المجالس المحلية لكل كنيسة، وفي وجود دور ريادي ورقابي للجان التنفيذية للمجمع والتركيز على الدور الإداري والروحي والتعليمي والفكري كتابيًا ولاهوتًيا.
وبهذا نتمنى نمو وتقدم كنيستنا المشيخية ورجوع المجمع إلى دوره الفعال، وهو الرعاية الدائمة للكنيسة المحلية من حيث الأفكار اللاهوتية والتعاليم المستحدثة وتجويد اداء المجالس المتخصصة وتفعيل دور جميع اللجان التركيز على الدور الروحي والتعليمي والفكري كتابيا ولاهوتيًا.
واشتراك المرأة والشباب في المجلس وتفعيل دور الشيوخ وتحديد مده خدمتهم مع استمرار خدمتهم كرعاه غير متفرغين.
ومن هنا يظهر بوضوح ضرورة إرشاد الروح القدس للعاملين في الهيكل الرسمي للكنيسة، لكي يحققوا الأهداف التي دعاهم لها صاحب الإرسالية.
الهيكل الرسمي للكنيسة المشيخية غير قابل للانقسام وإن النظام يحكم الأمور، لأجل نمو وثبات واستقرار خدمة الكرازة ونمو زرع الكنائس في كل مكان، بل والنمو الفكري وزيادة عدد طلاب وخريجي كلية اللاهوت سواء كانوا علمانيين أو طلبة وجميع الهيئات والروابط تخضع خضوعًا كاملًا للسنودس السلطة العليا في الكنيسة المشيخية.
كنيستنا الإنجيلية المشيخية روحية إدارية تنظيمية لها دور روحي ودور إداري وان الهيكل الرسمي للكنيسة يسهم في قوتها وانتشارها وقوة رسالتها، لقد كانت قيادة السيد المسيح قيادة رائدة سجلتها البشائر الأربع، وأشارت إليها الرسائل المتعددة، كما أن تعاليم السيد هي الإرشاد والدليل على طريق العمل والخدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى