عرض كتاب

عرض كتاب: من دحرج الحجر؟

الهدى 1244-1245                                                                 يونيو ويوليو 2022

في الكتاب الشهير «مَن دَحرَج الحَجَر who moved the stone»، للمحامي فرانك موريسون، نقله للعربية حبيب جرجس، الطبعة الأولى ١٩٨٨. يعتبر فرانك موريسون مِن كبار رجال القانون في إنجلترا، وردًا على النزعة النقدية للكتاب المقدس في القرن التاسع عشر شرع يؤلف كتابًا عن السبعة أيام الأخيرة من حياة المسيح، باحثًا مُدققًا بخلفيته القانونية البحثية، وفي هذا الكتاب يبدأ بحثه من ليله القبض على يسوع إلى صباح القيامة.
ويقدم هذا المقال جانبين من الأدلة التي تؤكد بما لا يدع مجال للشك في تاريخية قيامة المسيح، وتعتبر هذه الأدلة نقطة في بحر أدلة التاريخ الكتابيّ بصورة خاصة وفي التاريخ المسيحي بصورة عامة.
أولًا: دليل مقدم من كبير الصيادين ويعقوب بن زبدي وشاول الطرسوسي.
ثانيًا: دليل يقدمه الحجر الأصم.
أولًا: دليل مقدم من كبير الصيادين ويعقوب بن زبدي وشاول الطرسوسي.
ثلاثة من تلاميذ المسيح كانت أدلتهم فاصلة، بطرس الصياد، يعقوب بن زبدي، شاول الطرسوسي. الأول: بطرس الرسول، مَن كان يتوقع بطرس في مقام الزعامة! فهو ليسَ يوحنا التلميذ المحبوب ولا متى الغيور، إنما هو رجل صياد كان يُدعى سِمعان. ونعرف عن بطرس أكثر من التلاميذ الآخرين، وما رُوي عنه من مواقف وأحداث لا يمكن أنّ يُروى من الراغبين في تزوير شيء تجاه شهادته أو شخصيته، لما في قصته من إحراج وضعفات وسقطات لهذا القائد الجَسور. مثال على ذلك، عنفَ المسيح بطرس عندما قال له: «اذهب عني يا شيطان، لأنكَ لا تهتم بما لله»؛ وهذه الذكرى لا يمكن أنّ تُشرف إنسان.
وهذا ما هو إلا إثبات على تدوين حقيقية تاريخية من ضمن مواقف بطرس العديدة. المثال الثاني، إنكار بطرس في الفناء الخارجي ليله المحاكمة! وما نراه من وجود هذه القصة بكل ما يتخللها من تفاصيل عن بطرس هو الصدق في تدوين الحق دون أيّ تزوير أو تجميل. فصورة بطرس المتسرع في الغضب وأيضًا المُعترف بالخطأ، ومهنته تشير إلى الوداعة والبساطة التي اتسم بها قرويو الجليل، فلا نجد عنه أيّ شيء يوحي بمكره. ففي قيادته للتلاميذ، كان صريحًا غيورًا. فهو الذي أذاع النبأ الصارخ في أورشليم بأن يسوع قد قام من القبر، وهذا ما نراه في وثيقة لوقا التاريخية فهو يلقي كلمات عن المسيح بشخصيته بلا تكلف ولا تصنع وخطابه يتشابه مع خطاب الكلام في المسيحية الأولى. فأعلن قيامة المسيح من الموت بالمعنى الكامل، وناصره فيها الجماعة كلها. وشهادة النسوة عند القبر لأنه لو كان غير ذلك لوجدنا منهم اعتراضًا، فشهادة بطرس عن قيامة المسيح دليل لا يمكن دحضه.
الثاني: يعقوب أخو الرب. بجانب مصادر الدين المسيحي فإن «يوسيفوس» المؤرخ اليهودي يذكره كما يذكر بيلاطس وغيره، وكذلك يذكره أبو التاريخ الكنسي «هجسبوس». فقال يوسيفوس عن موت يعقوب: «… كان قد مات فستوس، وكان ألبينوس في طريقه ليتقلد منصب الولاية في اليهودية، فاستدعى حنان رئيس الكهنة أعضاء مجلس السنهدريم، وأحضر أمامهم أخا يسوع الذي كان يدعى المسيح، واسمه يعقوب وآخرين غيره. وبعد أن أقام ضدهم تهمة الاعتداء على الشريعة، أسلمهم ليُرجموا.» والعبارة المأثورة عن يوسيفوس باختصار: أنّ يعقوب كان معروفًا بأخو يسوع، وكما قيل أنه ختم حياته بالاستشهاد في سبيل القضية الكبرى. فيروي عنه لوقا في (أعمال ٢١: ١٧-١٩) بأنه كان واحدًا من شهود العيان وهو كان الزعيم للحركة المسيحية في هذا الوقت (أعمال الرسل ١٥: ١٣- ١٥، ١٩ – ٢٠).
ويتضح من (أعمال ١٢: ١٧) أنّ يعقوب في غيبة بطرس مقدام الجماعة وزعيمها المختار. فماذا أنتَ قائل في موت يسوع بين أفراد متنوعين مختلفين! والاعتراف منهم بقيامته قادت كل مَن كان معه من إخوته إلى الاضطهاد والإذلال. فبعيدًا عن دائرة الرسل وأصدقائه هل ينخدع فيه أحد أفراد أسرته كيعقوب! فموقفه موقف شاهد محايد إلى الموت، ويقال إنّ المسيحيين نقشوا على قبره هذه الكلمات: «كان شاهدًا أمينًا صادقًا لليهود واليونان على أن يسوع هو المسيح».
الثالث: دليل يقدمه الرجل الطرسوسي. شاول عبراني محافظ، حريص على مراعاة الطقوس الدينية، وكان مُلمًا بثقافة العصر. فبدأ عنيفًا ضدّ المسيحية وحاول القضاء عليها؛ ولكنه في النهاية اهتدى وانضم إلى قائمة المُهتدين، فكيفَ تحول هذا الشاب المتحمس الذي كان يضطهد يسوع إلى مضطهد من أجل اسمه! ظهر شاول في فترة كان الحوار ملتهب بين اليهود والمسيحيين، وكانت الكنيسة نمت وامتدت من نواة صغيرة إلى جماعة كبيرة من الاتباع. وكان هذا الامتداد نتيجة الحوار والجدال، فعدم وجود الجسد والمناداة بالقيامة هو أمر يدعو للبحث والجدال من ناحية السُلطات اليهودية. وإنّ كان وقفوا عند هذا الأمر، أمَّا بولس وصل إلى نتيجة ما، أنّ اليهود لا يمتلكوا دليل أمام التلاميذ عن ما يدعونه عن يسوع المسيح. واتضحت شهادة بولس القوية في كتاباته وما ذكر عنه، ففي رسائله نرى أقوال صريحة تزيل كُلَّ شك حول القيامة (١كو١٥: ١٢). فكل ما نعرفه عن بولس يؤكد اعتقاده الراسخ في أنّ قبر المسيح كان خاليًا في أحد القيامة، لأن يسوع قام في فجر الأحد. فرأى بولس إنّ الاضطهاد لَم يمنع المسيحيين، إستفانوس رُجم ورجال ونساء كثيرينَ عانوا. فقد كان هو شخصيًا قبل اهتدائه ينفث غضبًا وخطرًا، وسعى للحصول على رسائل من السلطات في أورشليم تخول له سلطة في الاضطهاد والقتل. وهو في طريقه تقابل مع المسيح، وسرد اختباره بالكامل فكيفَ تغير تفكيره! كيف انتقل هذا الجبار إلى المسيح! وعند رجوعه للتلاميذ كان مُتشبعًا من جهة قيامة المسيح، ومن وجهة نظر اليهود أيضًا لأنه كان معهم. فعندما رأى المسيح المقام واقتنع، عرف إنّ التلاميذ لَم يكونوا مخادعين كما قال الكهنة! فهُم على حق فيما ادعوه، بقيامة المسيح.
ثانيًا: دليل يقدمه الحجر الأصم.
دليل يقدمه الحَجَر الأصم: بعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حُنوطًا ليأتينَ ويدهنه، فأتينَ إلى القبر باكرًا ويقلّن فيما بينهُن: مَن يدحَرج الحَجَر عند باب القبر، لأنه كان عظيمًا جدًا ؟ وعندما نظرنَ رأينَ الحَجر قد دحرج؛ وعندما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء فقال لهُن: لا تندهشن أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب، قد قام ليسَ هو ههنا. اذهبنَ وقلنَ لتلاميذه إنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكُم.
تعتبر هذه الرواية الأصلية التي خلدها التاريخ لنا، وهي موجودة في أقدم الوثائق فهي قصة تخلو من أيّ تصنع أو تجميل. فهي مشهد روائي وغير عادي، والقصة كلها غير عادية من القبض على يسوع إلى الصلب. فذلك الشاهد الصامت الذي لا يكذب، وحول هذا الحجر حقائق معينة تدعو إلى البحث. فالرواية لا تدع مجالًا للشك إنه كان كبيرًا وثقيلًا، وهذه حقيقة يؤيدها كل الكُتاب الذين أشاروا إليه. فمرقس يقول: كان عظيمًا جدًا. ويقول متى: حجرٌ كبيرٌ. ومن الأدلة الأخرى على كبر الحَجَر ما أبداه النسوة من حيرة، عندما تشاورنَ في مَن يدحرجه لهُن. فوجود الحَجَر مدحرجًا هو حقيقة تاريخية، وما لَم نتمسك بالقول إن الحَجر قد دحرجته قوة خارقة للطبيعة، أو انه قد دفع دفعًا من الداخل أو أنه أزيح عرضًا على أثر هزة أرضية.
يتحتم علينا أنّ نعرف مَن هو الشخص أو الأشخاص الذين اُتيحت لهم الفرصة لإزاحة الحجر من مكانة الأمر الذي لا نجده لا من الأعداء ولا الأقرباء. فإن كانت زيارة النسوة إلى القبر واقعة تاريخية، فإن إزاحة الحجر واقعة تاريخية أيضًا. فلا يمكن أنّ يكون يوسف مَن جاء ودحرج الحَجر! لكان أذيع الخبر في كل أورشليم في وقت المناداة بالقيامة، لكن لَم يذكر شيء عن ذلك. فقول النسوة بوجود شاب جالس هناك يؤكد مصداقية القصة التي سردهن. وبالنسبة للتلاميذ لا يمكن لهُم في موقفهم هذا الضعيف والذليل أنّ يقدموا على عمل مثل هذا، فلا يمكن لمثل شخصيات التلاميذ الذين عرفنهُم أنّ يفعلوا مثل هذا. فقصة الحراس على القبر مدونة في ثلاثة مصادر في كُتب التاريخ القديمة مرة في الإنجيل ومرتين في المصادر الأخرى الخارجية إنجيل بطرس وإنجيل نيقوديموس، وتتفق هذه الروايات اتفاقًا تامًا في نقطتين: أنّ المسئولين قد تقدموا إلى بيلاطس والتمسوا منه إقامة حراس على القبر. أنّ الحراس قاموا بمهمتهم في الليلة السابقة لمجيء النسوة إلى القبر. فالحَجَر الأصم وكل ما يدور حوله من أحداث وتساؤلات يخبر ويدل على قيامة المسيح الحقيقية التاريخية.
«…. تألم على عهد بيلاطس البنطي، وصلب، ومات، وقُبر، وقام أيضا في اليوم الثالث…» هذه عبارة قانون الإيمان القويم، وما من شك أنها تستند إلى أساس تاريخي متين، تأصلت جذوره في أعماق الحق والتاريخ.

مينا عبدالله أنس

حاصل على ليسانس كلية التربية العام، جامعة المنيا قسم اللغة الفرنسية 2016 - 2017.
حاصل على ICDL من جامعة المنيا.
حاصل على ماجستير اللاهوت والرعاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى