متنوعات

يوسف الصديق بين الفن القصصي والشعري

الهدى 1244-1245                                                                 يونيو ويوليو 2022

من منطلق أدبي. تجتمع في قصة يوسف الصديق محاور فنية درامية. الهمت الادباء والشعراء. لينهلوا من نبعها زوايا ابداعية تفوق الحصر. فالقصة تضم تيمات مدهشة يصعب ان تتكرر في حكاية واحدة.
من ذلك رمزية الاحلام وتفسيراتها. وواقعية الحب والتمييز والغيرة بين الاخوة. الخيانة والانتقام والغدر. الغربة والظلم. الصعود من القاع للقمة. الصفح والمغفرة وجمع الشمل. وكلها اركان متكاملة. تبرز روعة في السرد ونسج لمشاعر انسانية متناقضة. وخيوط متعاكسة فعندما يحلم يوسف يغار اخواته. وتبدأ معاناته. وعندما يحلم فرعون تبدأ نجاته ويبزغ نجمه. فالأداة واحدة وهي «الحلم «لكن التبعات مختلفة. وعندما يرفض اخوة يوسف محبته لهم. يباع عبد. وعندما يرفض يوسف محبة زوجة فوطيفار الشهوانية يصبح ملكا بعد حين. وهكذا تتضافر في القصة ثنايا باهرة من الخيوط التي لا يمل قارئ من التأمل فيها والتمتع بها.
الأدب الشعبي
ومبكرًا جدًا استوحي الادب الشعبي امثال من قصة يوسف منها المثل السائر «براءة الذئب من دم ابن يعقوب» حيث ادعى أخوة يوسف ان ذئبا اكله. وهو المثل الوحيد الذي يبرى حيوان متوحش من القتل. وهناك ايضا مثل «قميص يوسف» الذي أصبح رمزًا دال على التمييز في الحب والغيرة ومبرر للحقد.
الشعر
تناول عدد كبير من الشعراء قصة يوسف من زوايا متعددة.
وقديما قال أبو الطيب المتنبي:
«يَحِطَّ كُلَّ طَويلِ الرُمحِ حامِلُهُ مِن سَرجِ كُلِّ طَويلِ الباعِ يَعبوبِ
كَأَنَّ كُلَّ سُؤالٍ في مَسامِعِهِ قَميصُ يوسُفَ في أَجفانِ يَعقوبِ «
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد استحضر قمة الحسن التي ليوسف فقال
«الحسنُ حلفت بيوسفه والصورة أنك مفردُهُ»
ومن أشهر قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدة انا يوسف يا أبي والتي كما خان الاشقاء يوسف خان العرب القضية الفلسطينية ومما جاء فيها
«أَنَا يُوسُفٌ يَا أَبِي. يَا أَبِي، إِخْوَتِي لَا يُحِبُّونَنِي، لاَ يُريدُونَنِي بَيْنَهُم يَا
أَبِي. يَعتدُونَ عَلَيَّ وَيرْمُونَنِي بِالحَصَى وَالكَلَامِ يُرِيدُونَنِي أَنْ أَمُوتَ لِكَيْ
يَمْدَحُونِي. وَهُمْ أَوْصَدُوا بَابَ بَيْتِك دُونِي. وَهُمْ طرَدُونِي مِنَ الحَقْلِ. هُمْ
سَمَّمُوا عِنَبِي يَا أَبِي. وَهُمْ حَطَّمُوا لُعَبِي يَا أَبِي. حِينَ مَرَّ النَّسِيمُ وَلَاعَبَ
شَعْرِيَ غَارُوا وَثَارُوا عَلَيَّ وَثَارُوا عَلَيْكَ، فَمَاذَا صَنَعْتُ لَهُمْ يَا أَبِي؟
الفَرَاشَاتُ حَطَّتْ عَلَى كَتِفَيَّ، وَمَالَتْ عَلَيَّ السَّنَابِلُ، وَالطَّيْرُ حَطَّتْ على
راحتيَّ. فَمَاذَا فَعَلْتُ أَنَا يَا أَبِي؟ وَلِمَاذَا أنَا؟ أَنْتَ سَمَّيْتنِي يُوسُفًاً، وَهُمُو
أَوْقعُونِيَ فِي الجُبِّ، وَاتَّهمُوا الذِّئْبَ؛ وَالذِّئْبُ أَرْحَمُ مِنْ إِخْوَتِي. . أُبَتِ!
هَلْ جَنَيْتُ عَلَى أَحَدٍ عِنْدَمَا قُلْتُ إنِّي رَأَيْتُ أَحدَ عَشَرَ كَوْكبًا، والشَّمْسَ
والقَمَرَ، رَأَيتُهُم لِي سَاجِدِينْ.»
وحول ثوب يوسف كتب البابا شنودة الثالث قصيدة شهيرة بعنوان «هوذا الثوب خذيه» مما جاء فيها
هوذا الثوب خذيه. . إن قلبي ليس فيه
أنا لا أملك هذا الثوب. . بل لا أدعيه
هو من مالك أنت. . لك أن تسترجعيه
فانزعي الثوب إذا. . شئت و إن شئت اتركيه
إنما قلبي لقد. . أقسمت ألا تدخليه
أنا لا أملك قلبي . . و كذا لن تملكيه
القصص
وفي عالم الروايات والقصص نجد تميزًا خاصًا في استلهام الادب الفارسي تحديدًا لقصة يوسف الصديق. وبشكل ظاهر في توظيف الحلم فالقصة تعتمد على مادة حلمية منذ البداية.
والحلم ـ كما هو واضح ـ يشكل في القصة المعاصرة بخاصة مادة فنية غنية في التقنية القصصية. وأهمية الحلم تنبثق من كون الحلم، واحدا من أهم فعاليات السلوك البشري: في الجانب اللاشعوري من الشخصية. ولذلك، فإن استخدام مادة الحلم ـ في أعمال قصصية -إنما تعد ذات أهمية كبيرة، نظرا لأهمية الجانب اللاشعوري من نشاط الانسان. والقصة في الادب الفارسي مختلفة عن القصة المعروفة في الكتاب المقدس بدا من تحديد اسم زوجة فوطيفار أو العزيز ب « زليخا « وهو اسم يعبر عما كان يذكره بعض العرب من اسماء للفراعنة – بدون اساس تاريخي – قبل التعرف على الهيروغليفية علي يد شامبليون. وسوف تجد في كتب التراث العربي العديد من الاسماء الغرائبية التي تم أطلقها على قدماء المصريين والقصة الفارسية التي كتبها الشاعر «عبد الرحمن جامی» تبدأ من الحلم ايضا حين رأت زليخا يوسف في منامها قبل أن تلقاه في الواقع وبقيت تتعذب هائمة بطيف الذي أتاها في المنام عاما كاملا حتى حبسها أهلوها لظنهم أنها جُنت. . . قد أهلكتها أحلامها ونغصت حياتها. . . ثم شاهدته بمنام آخر بعد عام وهو يخبرها أنه عزيز مصر «فرعون»، فطلبت من والدها الملك أن يزوجها به فأرسل لعزيز مصر يعرضها للزواج عليه، وحين عقد الزواج دون أن تراه وأتت مصر وعندما اكتشفت أنه لم يكن هو فصدمت بشدة. . . ثم حين رأت يوسف مرة كعبد يُباع كادت تفقد عقلها. . .
وكم كانت تحترق وكادت تحرق يوسف الصديّق. . . والقارئ يحترق معهما. . .
ثم دارت الأيام وفي الوقت المناسب وحين صار يوسف عزيز مصر، ومات زوج زليخا أذن رب العباد ليوسف بالزواج منها والتقيا أخيرًا وسكنت روحها بالاقتران من يوسفها. . . وبعدة مدة تسامت روحها وصارت تطمح لصاحب الجمال المطلق والحب الأعلى والأكمل، وعاشت ويوسف بسعادة وصلاح إلى حين. . . حتى أتاهما اليقين. . وكما هو واضح فالقصة هنا مختلفة تمامًا.

روبير الفارس

* كاتب صحفي وروائي.
* صدر له أكثر من أربعين كتابًا بعضها في اللغة الإنجليزيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى