وجهة نظر

الرؤية

الهدى 1212                                                                                                                              أغسطس 2019

قامت سنة ٢٠٠٤ كلية كولومبيا لإدارة الأعمال (جامعة كولومبيا) بأمريكا [وهي تحتل المركز الخامس على مستوى العالم فـي ترتيب أفضل الجامعات التي تمنح شهادة MBA]. بعمل استبيان لمجموعة من المديرين التنفيذيين يحضرون فيها حلقات دراسية حول الاستراتيجية والقيادة» ولقد أسفر هذا الاستبيان عن العديد من المؤشرات كان أبرزها:
(١) أقرَّ ٦١٪ من الحاضرين بأن الرؤية هي واحدة من أكثر ثلاث مهارات أهمية لقادة الأعمال فـي كل العالم مع مهارتي الاتصال، التعامل مع تنوع الحضارات.
(٢) أنه فقط الهيئات التي تستطيع أن تحدد رؤية واضحة وتضعها فـي إطار مؤسسي institutionalize هي التي ستحصل على ميزة تنافسية وتكتسب ولاء العاملين بها.
(٣) أن أصحاب الرؤى منشغلون بإيقاظ وتوجيه القوة الكامنة فـي العاملين معهم والأخذ بيدهم إلى أعلى وذلك بأفضل استخدام للإمكانات المتاحة.
مؤسسات العالم من حولنا تسعى للربح والنجاح ولقد اكتشفوا أن وجود رؤية واضحة محددة هو أفضل السبل لذلك .. وماذا عنا نحن «أبناء النور» هل سنترك الساحة لأبناء العالم ليكونوا أحكم منا؟ أم نمسك بالخيط ونتحرك فـي اتجاه بناء رؤية شاملة، متكاملة، واضحة، محددة لكنيستنا بمصر تكون المنطلق الوحيد الصحيح لقفزات نحو المستقبل.
أثق عزيزي القارئ أن العديد من الأسئلة قفزت إلى ذهنك تتصل بالتقدم إلى مزيد من العمق والتفصيل لهذا المفهوم الرائع، ونحو ذلك -وبكل اختصار- سأشرح فـي ثلاث نقاط:
(١) تعاريف توضيحية. (٢) مبادئ عامة حاكمة. (٣) القائد الرؤوى.
أولاً: تعاريف توضيحية:
«الرؤية» Vision تختلف عن «الرؤيا» Revelation والتي تعني الإعلان الإلهي أو الشريعة الإلهية (أمثال ٢٩: ١٨)
أما الرؤية فهي تصور ذهني مرغوب وواضح المعالم يرتبط بالمستقبل ويمكن ترجمته فـي أهداف محددة، فهي ليست مجرد محاولة لاستقراء المستقبل بقدر ما هي صنعًا له لذا فهي العملية التي تحرك المستقبل نحو الحاضر، وبذلك أيضًا تكون تجاوز لما هو قائم فعلاً من خلال إدراك واعي لانتظارات الله منا فـي المستقبل، فهي بذلك تكون بمثابة عملية خلق لمستقبل مرغوب عن طريق مزج حقائق الحاضر مع أمال وطموحات وأحلام المستقبل مع المخاطر المحتملة مع الفرص المتاحة. ومن هنا ندرك أن الرؤية يُشَكِل المستقبل مركزها ومحورها، والماضي والحاضر نقطة انطلاقها، والتحرك المدروس والمحدد والواضح منهجها وتحقيق أهداف واضحة غايتها.
ثانيًا: مبادئ عامة حاكمة:
بالطبع يوجد العديد من المبادئ العامة التي تحكم صنع وتحقيق رؤية، لكن ووفق المساحة المتاحة سألخصها فـي نقاط مختصرة محددة:
(١) ترتبط الرؤية عادة بمكان [البيئة التي تعيش فيها الجماعة صاحبة الرؤية] وزمان [اختبارات وخبرات الماضي والحاضر لنفس الجماعة] وفلسفة [قادرة أن تمزج المكان والزمان فـي تحرك للمستقبل].
(٢) لابد من وجود ارتباط دائم بين .. أشخاص أصحاب رؤية، فكر لاهوتي واضح ينطلقون منه، منظومة قيم راقية مصدرها الكلمة المقدسة يتمسكون بها، تصميم لا يتراجع لتحويل أفكار الرؤية إلى واقع معاش.
(٣) لا تفكر فـي إمكانية تحقيق رؤية دون استعداد لتحمل التكلفة [صراعات، مخاطر، مقاومة..] .. فكر فـي نحميا نموذجًا.
(٤) لتحقيق رؤية لابد من بناء فريق عمل متعاون وإعطاء أهمية خاصة للبشر قبل الحجر، الحفاظ الدائم على توجه إيجابي للجماعة.
(٥) يوجد بعض العناصر الهامة والمؤثرة. فـي تحقيق الرؤية مثل ضرورة بناء هيكل تنظيمي يحقق سلامة تحقيق الرؤية، تحديد واضح للأولويات يحمي جهد ووقت الجماعة من الإهدار، اكتشاف مبكر للمشاكل ووجود ألية للتعامل السريع معها، قدرة على اكتشاف الفرص الجديدة المتاحة وتطوير المهارات الشخصية للعاملين للتعامل معها، وأخيرًا بصيرة القيادة القادرة على اكتشاف المواهب الطبيعية لدى العاملين بما يفسح المجال لتنميتها واستخدامها بحيث تتوافق الموهبة مع نوع الخدمة التي يقوم بها الشخص.
ثالثًا: القائد الرؤوي:
إذا تصدى قائد غير رؤوى لتحقيق رؤية يكون الفشل والإخفاق والصراع نتائج طبيعية ومتوقعة، ومن هنا يلزم توفر سمات معينة ليكون القائد رؤويًا قادرًا على قيادة فريق عمل يحقق رؤية. ومن أمثلة هذه السمات القدرة على أن يرى دائمًا إمكانية أخرى غير ما هو قائم أو سائد أو شائع أو معتاد فهو يكتشف الجديد ويرى إمكانية تحقيقه، القدرة على زرع بذور رؤيته في نفوس من حوله، لديه إمكانية أن يكون القناة التي تربط بين عالم الفكر المحلق والإلهام وعالم الواقع الحي والنتائج الملموسة، هو القادر على التحرر من المفاهيم المتوارثة والسائدة ليتمكن من خلق مفاهيم جديدة تناسب الرؤى الجديدة أو تكشف عن رؤى جديدة. وعادة ما يلتف حول هؤلاء القادة الرؤيين الأشخاص الراغبين في الإنجاز والقادرين عليه لأن هؤلاء القادة بطبيعة تكوينهم الرؤوية يرحبون بالمرؤوسين الأكثر كفاءة حتى من أنفسهم لأنّ أولويتهم الأولى هي إتمام العمل واكتمال الخدمة، هذا على خلاف القادة الراغبين في الهيمنة والتسلط الطاردين للمرؤوسين الموهوبين المُنجزين الذين لا يعنيهم مجرد البقاء كموظفين فإما أن يتركوا حقول الخدمة المسؤولون عنها تلك القيادات أو تتوالى محاولات استبعادهم وتهميشهم.
وختامًا، عزيزي القارئ، علينا جميعًا كعاملين في حقول الخدمة المختلفة في كنيستنا أن ندرك أن التحرك الآن وفق رؤية أصبح ضرورة ملزمة وليس نوعًا من الترف لأن وجود رؤية هو الأمر الوحيد القادر أن يوقظ ويحرك ويشعل الجماعة بالحركة المُهدفة ويبعث الحيوية والنشاط فيها.

ليتنا جميعًا، كل في موقع خدمته نتبنى ضرورة التحرك بناءًا على رؤية واضحة المعالم محددة الخطوات، وانتهز هذه الفرصة لأعبر عن حُلم لدى .. متى يكون لسنودسنا الموقر رؤية شاملة متكاملة واضحة محددة تتحقق عبر الكنائس المحلية والمجامع والمجالس ونصب جميعها في تحقيق أهداف الكيان الأكبر؟؟ ومتى يتصدى لهذه الرؤية نوعية القيادات الرؤوية التي تكون في مواقعها أداة طيعة لتحقيق الرؤى وليس هؤلاء الذين يوظفون المواقع لمصالحهم الذاتية؟؟

القس محسن منير

قس إنجيلي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية الراعي الأسبق للكنيسة الإنجيلية الأولى في أسيوط الأمين العام الأسبق لمجلس المؤسسات التعليمية في سنودس النيل باحث وكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى