بين الصليب والقيامة
الهدى 1242- 1243 أبريل ومايو 2022
إن النظرة الإنسانيّة المُجردة للصليب، لا ترى فيه سوى الألم والمذلة، والعار والمهانة، ولا يحمل الصليب في نهايته، إلَّا الموت؛ ذلك العدو الذي لم يقهره إنسانٌ واحدٌ في عالمنا، حتى أصبح يُقال في الأمثال عندما يتعرض إنسانًا لآلامٍ مزمنة، أو زواجٍ فاشلٍ ومؤلمٍ، أو لإساءة مستمرة من زميل أو مُديرٍ في العمل، أو قلقٍ من أمرٍ ما، «إنَّه صليبك»، وما عليك سوى أن تحمله برضىٍ كما حمل المسيح صليبه، خاضعًا حتى الموت. هذه النظرة تتنافى تمامًا مع الإيمان المسيحي، وهكذا رأى اليهود في الصليب والمصلوب عثرة، في حين يتنافى مفهوم الصليب مع الحكمة اليونانيّة، وإلى يومنا هذا يعتقد الكثير من البشر أنَّ الصليب يُعبِّر عن الضعف والهزيمة، ونهاية طريقة الحتميّة، هي الموت. إنَّه صورة من صور تخلي الله والمجتمع عن الإنسان، أّلم يتخل تلاميذ يسوع المُقربين عنه، وقد تركته الجماهير التي صنع معها المعجزات، أّلم هو نفسه وهو على الصليب، قائلًا: «إِيلِي إِيلِي لَمَا شَبَقْتَنِي» (أَيْ: إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)» (متى 27: 46).
لكنَّ الصليب في المفهوم المسيحي، لم يكن حدثًا عرضيًا فاجئ يسوع، لكنَّه لهذا الصليب جاء، وليُنهي بموت الصليب، الموت الذي ساد على البشرية جمعاء، فعلى الرغم من أنَّ يسوع صُلب «بأيدي رجالٍ آثمة»، إلَّا أنَّ موته كان «بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ» (أعمال الرسل 2: 23).
كان الموت قد ساد على البشريّة بالخطيئة، وأضحت الخليقة ترزح تحت عبوديّة الفساد، وأخُضعِت للبُطلِ، وجميعها تئن وتتمخض معًا، وأصبح الموت هو العدو اللدود للإنسان، ولا نجاة منه لأحدٍ؛ لكنَّ خطة الله كانت تقتضي تجسد الابن، وهزيمة الموت بصليب الموت، وفي صبيحة الأحد تأتي القيامة إعلانًا مؤكِدًا أن الصليب لم يَعُد طريقًا مُرعبًا للإنسان، ولم يكن تخليًا من الله الآب، عن ابنه يسوع، حتى أنَّ الرسول بولس عبَّر عن هذه الحقيقة قائلًا، لقد: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ».. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراًلِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1كورنثوس 15: 54-56).
أصبح صليبُ المسيح طريقًا للحياة، ويحمل الكثير من المعاني الروحيّة في الإيمان المسيحي، منها: البدليّة (1بطرس 3: 18)، الكفارة (1يوحنا 4: 10)، الفداء (مرقس 10: 45)، الغفران (أفسس 1: 7)، التبرير (رومية 4: 25؛ 5: 18)، المُصالحة (كولوسي 1: 19-20).
عندما مات المسيح فوق خشبة الصليب، فتح باب الموت بقوة قيامته، ذلك الباب الذي كان مغلقًا منذ موت آدم الأول. لقد التقى المسيح بملك الموت وحاربه وهزمه شرَّ هزيمة، لقد كان موته بدايةٌ جديدةٌ لخلقٍ جديد. لقد أثبتت قيامة المسيح أنَّ موته لم يكن هزيمة بل انتصارًا مجيدًا؛ أو كما لخَّص CS Lewis رسالة الكتاب المقدس في ضوء صلب المسيح وقيامته الظافرة، بقوله: «إنَّ رسالة الكتاب المقدس المجيدة هي أنَّ يسوع على قيد الحياة اليوم، وقد انتصر مجيدًا على الخطيئة والموت».
وعلى الرغم من أنَّ الانتصار على الخطيئة والموت الذي حققه المسيح في صليبه وقيامته لا يلغِ المعاناة اليوميّة من الحياة البشريّة، تبقى قيامة المسيح، بشرى سارة للإنسان، أنَّ الصليب أو الموت لم يعودا نهاية الطريق، لكنهما أصبحا بابًا لحياةٍ لا تعرف الهزيمة أو الضعف أو الموت، حتى أنَّ الرسول بولس كتب مُتغنيًا: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ» (فيلبي 3: 10-11).
إنَّ قيامة المسيح، تجعلنا لا نتطلع إلى الحياة الأبديّة بعد الموت فقط، لأنَّ هذه الحياة أصبحت واقعًا مُعاشًا، وعلاقة حيّة لكلِ مَن آمن بيسوع المسيح، فقد عرَّف يسوع الحياة الأبديّة قائلًا: «هَذهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3). وإذا كانت الحياة الأبديّة علاقة، فيمكن أن نعِيشها اليوم. حتى وسط ضغوط الحياة وآلامها، ومن خلال الصلاة، يمكننا أن ندخل في معرفة متزايدة عن الله، ومعرفته، ومشاركة ما نحياه معه كل يوم، من آلامٍ أو انتصار.