عام جديد وبدايات جديدة
الهدى 1239 يناير 2022
مع كل عامٍ جديد يحدونا الأمل في مستقبلٍ وظروفٍ أفضل، وتتجدد رغبتنا في تغيير بعضٍ من ظروف حياتنا، سواء الروحيّة، أو الجسديّة؛ المهنيّة، أو الشخصيّة، وهكذا تكون بداية العام، نقطة انطلاق لنفكر في بدايات جديدة لحياتنا، بيوتنا، عبادتنا، كما أنَّ البدايات الجديدة يمكن أن تعني وظيفةً جديدة، أو انتقال إلى مدينة جديدة، أو الدخول في علاقة جديدة، أو حتى مرحلة جديدة من الحياة. ومع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ ليس جميعنا يُسرِع نحو التغيير أو المغامرة بتجديد نمط حياته، بل والخوف أحيانًا من كل ما هو جديد وأتٍ، يمنع الكثير من البشر من اتخاذ الخطوة الأولى نحو بدايات جديدة قد تتجه بحياته نحو الأفضل.
يُخبرنا الكتاب المقدس أنَّ اللهَ يُريد لحياتنا أن تتغير، وأن ندخل في علاقةٍ جديدة معه، ويُشجعنا على أن نتغير في ظروف حياتنا المختلفة، ولا نبقى تحت ثقل الضغوط، بل نتمتع بخطته الرائعة ومقاصده لحياتنا، ولنا في بعض مقاطع الكتاب المقدس سبيلًا وتشجيعًا لنا لأن نُجدد حياتنا ونتجدد في مفاهيمنا ولا نخشى البدايات الجديدة:
1- الله يُشجعنا عبر البدايات الجديدة: يُخبرنا مراثي أرميا «إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ» (مراثي 3: 22-23)، ومع أنَّ هذا السفر يُعبر عن الحزن والضيق، إلَّا أنَّه يدعونا أن نرى إحسانات الرب، ورحمته وأمانته، وكيف هي جديدة في كل صباح، إنَّ الله يمنحنا مع كل صباحٍ جديد المزيد من عطاياه، وجوده ورحمته.
2- الله يدعونا عن التخلي عن عثرات وسقطات الماضي: وهو القائل بلسان نبيّه «لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. هَئَنَذَا صَانِعٌ أَمْراً جَدِيداً. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً فِي الْقَفْرِ أَنْهَاراً» (إشعياء 43: 18-19)، أنَّه يدعونا لعدم تذكر سقطاتنا وضعفاتنا وفشلنا الذي مرَّ بماضينا، ولا نقف كثيرًا أمام هذه السقطات ونُرثي لحالنا، فنسقط ونبتعد عنه، أنَّه يبعث فينا الأمل، قائلًا: هئنذا صانعٌ أمرًا جديدًا، أنَّه يُعطينا بداية جديدة، ويدعونا للتطلع إليها.
3- الله يدعونا لاختبار إرادته الصالحة عبر تغيُرنا، وتجديد أذهاننا، يُردد هذا الأمر رسول المسيحيّة بولس، قائلًا: «لاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رومية 12: 2)، إنَّ طريق اختبار إرادة الله الصالحة المرضيّة الكاملة، هو تجديد أذهاننا، وتغير أشكالنا، وربما نمط حياتنا، لكن يبقى المعيار الذي نحتاجه لتقييم كل تجديدٍ أو بداياتٍ في حياتنا، هل يتماشى مع الكتاب المقدس ويمجد الله بشكل صحيح كما هو مُعلنٌ في كلمته؟
4- هدف الله النهائي من تَغيُرنا وانطلاقتنا الجديدة، أن يُصبح مُتحدًا مع شعبه: يُسجِل يوحنا الرائي تلك الرؤية المُشجِعة، والتي تُمثل هدف الله النهائي من تغيير وتجديد حياتنا، فيقول: «ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ» (رؤيا 21: 1-3)، يُخبرنا سفر التكوين أنَّ الله صنع كل شيء جديدًا، وكانت جنة خلابة، لا مرض ولا حزن ولا موت، لكن خطيئة الإنسان جلبت عليه الانفصال عن الله (الموت الروحي)، ودبَّ بسببها كل آلام البشريّة، وقد أُخضِعت الخليقة للبُطلِ وهي تئن وتتمخض معًا، إلى أن تٌعتق، وهكذا الإنسان، لكن المسيح جاء ليمنح الإنسان طريقًا حديثًا كرَّسه بالحجاب أي جسده، ليُمكنه من العودة إلى الله، ولمن اختبر هذا الطريق، يدعوه ابنًا لله، ويخلقه خليقة جديدة، ويسير معه في كل منزلقات الحياة راعيًا صالحًا، إلى أن يصل به إلى بيت الآب، حيث السماء الجديدة، والأرض الجديدة، وسكنى الله وسط شعبه، حيث «وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». ويُكمِل الرائي كلمات الله له، حيث «قَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً».
إنَّ البدايات الجديدة مع الله ممكنة دائمًا ويجب أن تركز على هدف الله النهائي، ووساطته على الصليب، وعلى طاعة كلمة الله، إنَّ باب الله مفتوح ويدعوك للانطلاق نحو بداية جديدة.