الفالنتين الحقيقي
الهدى 1218 فبراير 2020
«من طبيعة المحبة انها تفتش عمن تشاركه» من المناسبات الشبابية التي دخلت الى مجتمعنا الشرقي، مناسبة يوم فالنتين أو «عيد القديس فالنتين» في 14 فبراير. فمن هو القديس فالنتين؟ يخبرنا التاريخ أن هناك قديسين أو ثلاثة باسم فالنتين، أحدهم كان أسقفًا، وأخر كان كاهناً استشهد عام 269 ميلاديًا.
لكن لا شيء معروف عن فالنتين سوى الاسم الذي لم يرتبط في التاريخ القديم بالتعبير عن مشاعر المحبة والرومنسية كما هو اليوم. كثرت الاساطير حول هذا القديس، ومن هذه الأساطير، أن الامبراطور كلوديوس الثاني وكيما يحافظ على قوة وبسالة جيشه أصدر أمراً منع فيه زواج الجنود كي يبقي على اهتمامهم بمتطلبات الجيش وليس متطلبات العائلة، إلا أنَّ الكاهن فالنتين رفض الامتثال لهذا القرار وأصرّ على اقامة مراسيم الزواج سراً للشباب، إلى أن اكتشف الامبراطور الأمر وقبض عليه وأودعه السجن. إن الارتباط، ربما الأول لاسم فالنتين بمشاعر الحب والرومنسية، ابتدأ في القرن الرابع عشر مع الشاعر والكاتب الإنجليزي جيفري تشوسر إذ ألّف عام 1382 قصيدة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لخطوبة الملك الانكليزي ريتشارد الثاني على خطيبته آن، واللذان تزوجا عن عمر 15 سنة، فكانت القصيدة بعنوان «في يوم فالنتين، يختار العصفور صديقته». وأيضاً ربط بين الاسم فالنتين ومشاعر الحب، الكاتب وليم شكسبير والكاتب الانكليزي جان دان، وغيرهما. استنادًا الى هذه الخلفية الممتزجة بعوامل تاريخية واسطورية وأدبية، يحتفل الشباب والشابات وبعض العائلات بعيد فالنتين، فيتبادلون الورود الحمراء وبطاقات المعايدة للتعبير عن مشاعر الحب والاهتمام ببعضهم البعض. وهو لا شك، أمر جميل جدًا أن يعبّر الانسان عن حبه للأخر.
إن مناسبة الحب هذه فتحت باب أفكاري للتأمل في أسمى وأعظم حب في الوجود، أشار اليه الرب يسوع المسيح بقوله: «ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يوحنا 15: 13). يقول اللاهوتي بول تيليش: «من طبيعة المحبة انها تفتش عن من تشاركه، لتعبّر عن حقيقة نفسها له» . وهذا القول يلخّص كل مفهوم الايمان المسيحي حول محبة الله. ومفاده، لأن الله أحبنا، فهو أرسل ابنه يسوع المسيح ليشاركنا محبته ويعبّر عن حقيقة محبته لنا، في وضع يسوع المسيح نفسه على الصليب لأجل أحباءه البشر. تختلف محبتنا الفالنتية لبعضنا البعض، عن محبة الله لنا، في كون محبة الله لنا، مجرّدة عن أي استحقاق أو غاية أو مصلحة شخصية، إذ لا تنتظر من المحبوب أي شيء سوى تبادل المحبة. وبالتالي عندما نحب بتجرّد ودون مصلحة، فإننا نقترب من الله أكثر فأكثر. يقول القديس كليمندس الاسكندري «عندما نحب، نصير شركاء مع الله».
في رسالته إلى أهل كورنثوس الاصحاح الثالث عشر، يصف الرسول بولس بكلمات لم تنطق من قبل ولن تنطق من بعد، طبيعة محبة الله التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس. ونحن بحاجة للامتلاء من روح الله كيما نمارسها في حياتنا. يذكر الرسول بولس لائحة مؤلفة من (15) ميزة سامية، تتميز بها المحبة الصادقة التي يسكبها الله بالروح القدس في قلوبنا، وهي تشكّل الإطار الصحيح لعلاقات المحبة التي يجب ان تسود في عائلاتنا وتميز شهادتنا وسلوكنا المسيحي في مجتمعنا الذي نعيش به. 7 من هذه الميزات هي، لاءات ترفض المحبة ممارستها، لكي تعبّر عن نفسها بصدق. وباقي الميزات تمارسها، كيما تحافظ المحبة على طبيعتها كمحبة.
اللاءات السبعة التي تتجنّبها المحبة، لتعبّر عن نفسها بصدق:
الحسد «المحبة لا تحسد» (عدد 4). التفاخر والانتفاخ والكبرياء «المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ» (عدد 4). التقبيح والاحتقار «المحبة لا تقبّح» (عدد 5). الأنانية والطلب ما للنفس «المحبة لا تطلب ما لنفسها» (عدد5). الحدّة والغضب الذي لا يصنع بر الله «المحبة لا تحتدّ (عدد 5). ظن السوء «المحبة لا تظن السوء»(عدد 5). والمعنى الاساسي في الاصل اليوناني لعبارة «المحبة لا تظن السوء»، هو المحبة لا تحفظ سجلاً بالأخطاء. الفرح بالإثم «المحبة لا تفرح بالإثم» (عدد 6) .
اما الميزات الباقية التي تمارسها المحبة، لتحافظ على حقيقة نفسها هي:
التأني والرفق والاحتمال والصبر «المحبة تتأنى وترفق» (عدد 4)، «المحبة تحتمل كل شيء، تصبر على كل شيء» (عدد 7). الفرح بالحق: «المحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق» (عدد 6). الصدق: «المحبة تصدّق كل شيء» (عدد 7). الرجاء: المحبة ترجو كل شيء» (عدد 7).
أعزائي القراء، في الوقت الذي يحتفل به الكثير من الشباب والصبايا «بفالنتين» عيد الحب، دعونا نأخذ من محبة الله، مثالًا لنوعية المحبة التي نحتاجها في حياتنا. فمحبة الله، هي بالحقيقة الفالنتين الحقيقي لكل الذي يريدون ان يتعلّموا ويعرفوا كيف يكون الحب الحقيقي، الذي يصنع فرقًا في حياتنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا التي هي بأشد الحاجة إلى المحبة الحقيقية.
كل فالنتين مسيحي وأنتم في خير.