التعليم الإنجيلي، بين الواقع والمأمول
الهدى 1260 – 1263 سبتمبر – ديسمبر 2024
تمتلك الكنيسة الإنجيليَّة المشيخيَّة إرثًا متميِّزًا يستحقّ التَّقدير. وأحد أهمّ صور هذا التُّراث هو إعلاء مجد الرَّبّ فوق أيّ اعتبار (لمجد الله وحده)، والرَّغبة الصَّادقة في تنفيذ مشيئته، حتَّى لو تعارض ذلك مع رغبات أو مصالح بعضٌ. إنَّ الصُّورة الأساسيَّة المهمَّة لتراثنا الإنجيلي هي أنَّه مبني على قاعدة راسخة تمَّت صياغتها ببراعة في أساسيَّات الإصلاح الإنجيلي بعبارة (سولا سكربتورا-الكتاب وحده). التي تؤكِّد المرجعيَّة الكتابيَّة لما تؤمن به كنيستنا المشيخيَّة.
وعليه، فإنَّ العقيدة الإنجيليَّة المشيخيَّة، المبنيَّة على كلمة الله، والمتوافقة معها، تستحقّ التَّقدير. وهي جديرة بالثِّقة بقدر توافقها مع المكتوب. وبالتَّأكيد يشمل ذلك إقرارات الإيمان، التي تُعبِّر عن العقيدة الإنجيليَّة. كما تمتلك كنيستنا المشيخيَّة إرثًا عظيمًا من رجال الله الأمناء، الذين تركوا لنا دُررَا نفيسة من كتاباتهم وتعاليمهم. كما تمتلك الكنيسة الإنجيليَّة تقديرًا مهمًّا ومتميِّزًا للاختبار المسيحي/ الولادة الجديدة. ذلك الاختبار الذي به يصير الإنسان ابنًا لله، بقبول المسيح مخلِّصًا شخصيًّا له.
لذلك، ينبغي على من يتصدَّر للتَّعليم في كنيستنا الإنجيليَّة أن يكون له تقدير عظيم ل هذه المبادئ: سُلطان الله ومشيئته؛ كلمة الله المكتوبة؛ العقيدة الإنجيليَّة الصَّحيحة؛ رجال الله الأمناء وتراثهم؛ والاختبار المسيحي. في اعتقادي أنَّ عدم التَّقدير الكافي لتلك المبادئ الخمسة يؤدِّي إلى مشاكل عديدة في التَّعليم الذي يُقدَّم، بل ويؤدي إلى فوضي تعليميَّة. مَن يراجع أيّ تعليم خاطئ قُدِّم على منبر إنجيلي سيجد إنَّه يصطدم مع التَّقدير المطلوب لمعظم، إن لم يكُن لكلِّ تلك الخمسة.
أعرض لكم بعض الانحرافات التَّعليميَّة (بحسب رأيي الشَّخصي، وعلى مسؤوليَّتي الشَّخصيَّة)، ولنحاول معرفة كيفيَّة تصادمها مع التَّقدير الكافي للتل المبادئ:
١ـ القول عن كرامات قدِّيسين منتقلين وأنَّهم مصدر بركة؛ والقول بظهورات معجزيَّة؛ وقصص أسطوريَّة، بل ودعوة للتَّوبة و طلب الغفران عن أمور ادِّعى صاحبها أنَّنا أسأنا كإنجيليِّين في القيام بها، بينما الواقع غير ذلك. حدثت كلّ تلك التَّجاوزات من خلال منبر كنيسة إنجيليَّة مشيخيَّة. ربَّما كان الهدف هو التَّقارب! لكن بتحليل الموقف نجد أنَّه يحتوي على عدم التَّقدير للمبادئ المُشار إليها. من الواضح أنَّه يتعارض مع العقيدة الإنجيليَّة الصَّحيحة، وبديهي أنَّه يتعارض مع الفكر الكتابي الصَّحيح. لكنَّه يحمل أيضًا عدم تقدير لجهود رجال أمناء، فنَّدوا وقاوموا تلك التَّعاليم الدَّخيلة على الإيمان المسيحي. كما أنَّها تحمل انتهاكًا واضحًا لحياة ملايين تركوا تلك الخرافات المصنَّعة، ووجدوا شبعهم في شخص الرَّبّ وحده.
الأغرب أنَّها لا تحمل تقديرًا كافيًا للرَّبّ ولمشيئته، رغم زعم أو تصوُّر أصحابها أنَّهم يقدِّمون خدمةً لله، أو زعمهم أنَّهم يقدِّمون محبة للآخر المختلِف، ويتَّهمون منتقديهم بافتقادهم لتل المحبَّة !!! فهم يتكلَّمون بكلمات يزعمون أنَّها كلمات الرَّبّ وتعبِّر عن فكره، بينما الواقع ينفي ذلك، بدليل تعارض ذلك مع كلمة الله. عندما تتكلَّم باسم الرَّبّ بكلمات تتعارض مع ما أعلنه في كلمته، فإنَّ ذلك استهانة بمشيئة الرَّب ذاته.
٢ـ الدَّعوة لما يسمى بـ «الصُّوفيَّة المسيحيَّة»، وانتشار ذلك على جبهات مختلفة، يمكننا تقييمها بالمقياس نفسه:
فهي تتعارض مع الفكر الإنجيلي الواضح عن «يسوع وحده؛ وبالنِّعمة وحدها» وبالطبع تتعارض مع المكتوب. كما أنَّها تحمل انتهاكًا واضحًا لمن تركوا ديانات وطرق مختلفة لم تنجح في منحهم الخلاص، حتَّى نالوا الخلاص بالإيمان بالمسيح المُخلِّص. وبالطَّبع يحمل هذا التَّوجُّه عدم تقدير للرَّبّ نفسه، بل وأزعم أنَّه يحمل ازدراءً له بتجاهل ما أعلنه في كلمته عن فساد الإنسان وطبيعته وطرقه وعدم وجود طريق آخر للخلاص سوي بالإيمان بالرَّبّ يسوع.
يعوزني الوقت للحديث عن تعاليم أخرى سبق تقديمها أو تسريبها من خلال منابر إنجيليَّة، انظر مثلًا الدعوات الليبراليَّة؛ والتَّشكيك في كلمة الله؛ والزَّعم باحتوائها على أساطير؛ والتَّشكيك في حقيقة الميلاد العذراوي للمسيح. انظر لترجمات فاسدة لكلمة الله تمَّ دعمها والتَّرويج لها من خلال منابر إنجيليَّة. انظر إلى (ترانيم مسيحيَّة) تعمَّد مؤلِّفها إخفاء اسم المسيح ليتقبَّلها الآخر. بل وصل الأمر إلى تغيير كلمات ترانيم قديمة، وتغيير اسم المسيح أو يسوع إلى الرَّبّ أو الإله!! انظر لأيِّ تعليم منحرف وستجده يحمل في طيَّاته عدم تقدير لتلك الخماسيَّة: «سلطان الله ومشيئته؛ كلمة الله المكتوبة؛ العقيدة الإنجيليَّة الصَّحيحة؛ رجال الله الأمناء وتراثهم؛ والاختبار المسيحي».
لذلك أري أنَّه ينبغي على من يتصدَّر المشهد الإنجيلي، أو يقوم بدور تعليمي، أن يحمل كلَّ التَّقدير الكامل والمطلق لتلك المبادئ. وسوف يرافق ذل التَّقدير قيادة بالرُّوح القدس، واجتهاد في دراسة كلمة الله، والإعداد للخدمة، وسوف نصل إلى تعليم جيِّد بحسب فكر الرَّبّ. عندئذ لن تكون مضطرًّا لمجاملات مخالِفة لما تُقدِّره جيِّدًا، سواء مجاملات أديان أخرى، أو طوائف أخرى، أو مجاملة جمهور مستمع تقدِّم له ما يطلبه المستمعون. لن تحتاج إلى مجاملات سياسيَّة، ولا لجوء لأساليب نفسيَّة، بل إعلان كلمة الله ومشيئته، وفيهما كلّ الكفاية. أخيرًا أودُّ أن أقدِّم دعوة حارَّة للاهتمام بدرس الكتاب في كنائسنا المحليَّة، لكافَّة المراحل العمريَّة.