رئيس التحرير

الإرادة القوية طريقك إلى النجاح والتميز

الهدى 1260 – 1263                                                                                                    سبتمبر – ديسمبر 2024

يومًا ما جمع هنري فورد مهندسيه وطلب منهم صناعة محرك سيارة يضم ثماني أسطوانات، لكن المهندسين أجمعوا على استحالة صنع مثل هذا المحرك، ولكن فورد أصرّ على رأيه، وجعل ثمن استمرارهم في وظائفهم هو صناعة هذا المحرك! أمضى المهندسون ستة أشهر ولم يتمكنوا من صنع المحرك. عادوا إلى فورد وقد تملكهم اليأس وأبلغوه فشلهم. ردّ عليهم: «ستصنعون المحرك، فلا خيار أمامكم.. ارجعوا إلى المصنع وحاولوا.» أمضوا ستة أشهر أخرى وقد أعيتهم الحيلة ونال منهم الإحباط وأبلغوا فورد بهذا، فاجتمع بهم وقال لهم: «هي فرصتكم الأخيرة. عودوا إلى مصانعكم فورًا، وستصنعون المحرك.» كان المهندسون لا يرون بارقة أمل، وفي لحظة اليأس أشرقت الفكرة، ووجدوا الحل، ونجحوا في صناعة المحرك الأسطورة. لم يكن فورد أكاديميًا ولا مثقفًا، بل كان رجلًا يحمل إصرارًا وإرادة جعلت منه أسطورة السيارات الأولى في العالم. إن الإرادة واحدةٌ من أجمل النِّعَمِ التي أنعم اللهُ بها على الإنسان. تلك القوةُ الخفيةُ التي تفصِلُ في مصيرِ المرء إزاء عديدٍ من القضايا الحسّاسةِ الّتي تنفعُهُ أو تضرّه[1].

للإرادة تعريفات عدّة، لكن المفهوم الشائع لها والذي يتداوله الناس بشكلٍ عام، أنّها الجهد الذي يجب بذله من أجل تحقيق أو إنجاز عمل ما، وهي الطاقة التي تدفع الأشخاص نحو الإنجاز. وتعد الإرادة قوة من أعظم قوى الإنسان. فهو من دونها لا يمكنه أن يقبل على عمل ما أو يُحجم عنه، وهي الطاقة التي تجعل الفعل يخرج من حيّز المخيلة أو التّصوّر إلى التحقيق الفعلي، وإذ إنّ الإقدام على الفعل يتطلب تخيله أولًا، ومن ثم العزم على تحقيقه، ومن ثم بذل الجهد للقيام به وإنجازه فإن مكونات الإرادة هي التخيّل، يليه العزم والجهد، ثم الإقدام[2].

احترام السيد المسيح للإرادة الإنسانية

أعطى السيد المسيح تقديرًا كبيرًا واحترامًا متناهيًا للإرادة الإنسانية فقد كان يردد هذه الكلمات عندما يطلب من أى شخص أن يتبعه أو يطبّق تعاليمه فكان يبدأ بعبارة «إن أراد أحد» (مت 16: 24، 25) أو «إن أردت»  كقوله للشاب الغنى  (مت 19: 17) أو «إن سمع أحد لصوتي كما قيل لملاك كنيسة لاودكية» (رؤ 3: 20). ، فقد كانت كلماته تعبّر عن احترامه لإرادة كل إنسانٍ يتقابل معه فى تقرير مصيره، وإدراكا ًمنه أن الإرادة الصالحة والمستقيمة والهادفة هى سر النجاح فى الحياة، وبها تحلّى عظماء العالم من مختلف الفئات على مر العصور، والذى يخلو منها لن يُحقق أى نجاح، وبمقدار قوة الإرادة يرقى الإنسان ويسمو فى طريق الازدهار. وجميعنا الآن بحاجةٍ إلى هذه الإرادة فى عالم مشحون بأزمات الحياة لكي نعبرها ونتغلّب عليها بسلامٍ وأمان، حتى لا تدهسنا عجلة الزمان.

الإرادة القوية حجر الأساس لكل نجاح

لا يعرف النجاح من لا إرادة له، ولا يعرف الإرادة من لا ضمير حى له، ولا يعرف الضمير من لا عقل له، ولا فائدة في عقل لم تعمل فيه يد المعرفة. الإرادة القوية لا تكون خلقًا محمودًا إلا إذا كانت مقرونة بالعلم والعقل والحكمة في التصرف، وإلا كانت سلاحًا خطيرًا تدفع صاحبها إلى التهلكة، وتحمّله ومن حوله من المشاق ما لا طاقة لهم به. وليست الإرادة أن يستبد الإنسان بسلطته إن كان من ذوي النفوذ، أو يتمسك بكل شيء دون أن يقدره أو يفهم طبيعته، فإن هذا يسمى جهلًا لا إرادة، لأنه إذا قيل: فلان له إرادة قوية، كأنه قيل: فلان هذا له عقل مهذب، وضمير سليم؛ لأنه عرف كيف يستفيد منهما.

والإرادة القوية تعني الاستعلاء على كل مظاهر الإغراء والمتع اللحظية بغية الوصول إلى الهدف المرسوم. وتعني التحلي بالصبر على معوقات العمل التي تقابلنا في الطريق، وإيجاد الحلول المناسبة لها حتى نحقق مرادنا، ونصل إلى أهدافنا. تعني القدرة على تحمل الأذى، وتجاوز الأزمات حتى يتحقق المأمول ونصل إلى الهدف المنشود. وتعني التصدي لكل عوامل الضعف التي تبث اليأس والإحباط في قلوب أصحابها. تعني الحرمان والمشقة أثناء السير في الطريق، وهو ما لا يقدر عليه إلا كبار النفوس.

إن الإرادة القوية هي الصفة التي تميز صفوة البشر وتعطي الأفضلية لبعضهم دون الآخرين، فهى ليست كلمة ننطقها أو شعارًا نزين به صدورنا، بل هى الرغبة والقدرة على إكمال الطريق وتخطي الحواجز ومواجهة الصعاب وكسر القيود النفسية والمادية كافة لتحقيق الإنجازات والوصول إلى أهدافنا السامية وغايتنا النبيلة[3].

لذا عزيزي علِّ همتك؛ قوِّ إرادتك؛ اشحذ عزيمتك؛ لا تتوانَ ولا تتكاسل؛ فجِّر ينبوع الطاقة الذي بداخلك، فإن عمرك لا يحتمل كل هذا الخمول. يقول الكاتب الشهير والمدرب المتميز (زيج زيجلار): «كنت أظن أن أكثر الأحداث مأساوية للإنسان هو أن يكتشف بئر نفط أو منجم ذهب في أرضه بينما يرقد على فراش الموت، ولكن عرفت ما هو أسوأ من هذا بكثير، وهو عدم اكتشاف القدرة الهائلة والثروة العظيمة داخله!»

بالإرادة القوية نحقق كل أهدافنا السامية

تحقيق أهدافك في الحياة يحتاج إلى مزيد من العزيمة، وقوة الإرادة والثقة بالنفس، والقوة النفسية، ومن أجل خلق إرادة فعّالة وقوية التأثير. يجب أن تنوي وتصمم على فعل المهام التي ظننت أنك لا تستطيعها. حاول البدء بالأشياء السهلة أولًا، وكلما ازددت ثقة وقوة وأصبحت إرادتك أكثر فاعلية حاول إنجاز أشياء أكثر صعوبة وتحديًا، وعليك دوما أن تجعل إرادتك في خدمة وعيك! وليس في خدمة أحاسيسك النابعة عن هواك! فالإحساس النابع عن الهوى غالبًا ما يكون غير صادق!

بالإرادة القوية نصنع المعجزات

بالإرادة القوية حقق مارتن لوثر الراهب الألماني في القرن السادس عشر أعظم إصلاح ديني في التاريخ. بالإرادة القوية حقق كوبرينكوس فى القرن السادس عشر أعظم اكتشاف علمي في التاريخ، من خلال نظريته فى مركزية الشمس وحركة دوران الأرض والأفلاك السماوية التى استفادت منها كل البشرية. بالإرادة القوية حقق نيلسون مانديلا أعظم نجاح فى تحقيق الحريات وصناعة مجتمع ديمقراطي حر يتمتع أفراده بالمساواة والفرص المتكافئة لشعب جنوب أفريقيا. بالإرادة القوية حقق توماس كليف أعظم نجاح فى مجال التبريد لتصدير اللحوم من أستراليا إلى بريطانيا فى وقت قصير جدًا، وانعكس ذلك على تحسن الأقتصاد. بالإرادة القوية حقق نحميا أحد أبطال العهد القديم برؤيته الثاقبة وكفاحه المتواصل أعظم رسالة إصلاح لأورشليم فى عصره وبناء سورها المنهدم. بالإرادة القوية حقق بولس أعظم نجاح فى العمل الكرازي وتوصيل رسالة الرب للمحتاجين إليها. إذ تعرض للحر والبرد والأمطار والأتعاب والجوع والعطش. وفى جولاته التبشيرية ومعاملاته مع الحكام تعرض للشدائد والضربات والضيقات والسجون والاضطرابات والاتعاب الكثيرة التى واجهها بصبر واحتمال وقوة وعزيمة وعدم تراجع عن تحقيق رؤياه. بالتحلي بالإرادة القوية يمكنك أن تكون شخصًا قويًا مصلحًا عظيمًا أعظم من كل هؤلاء.

بالإرادة القوية نستطيع مواجهة التحديات الصعبة المعاصرة

يواجه جيلنا الحالي تحديات صعبة جدًا لم تواجه نظيرها الأجيال السابقة. وتحتاج منا إلى إرادة قوية وإيمان قوي وعلاقة حقيقية عميقة مع الرب، فالإرادة الضعيفة الرخوة لا تقوى على المواجهة. كذلك الإيمان الهش الضعيف لا يقوى على الصمود أمام تيارات الحياة المختلفة وتجاربها الصعبة والمتعددة الاتجاهات. نشير إلى بعضها باختصار. مثلا فى المجال الدينى أصبح التيار الإلحادي وإنكار وجود الله فكرًا يُحارب كثيرين من الشباب، ناهيك عن الإلحاد السلوكي وهو أن يكون الشخص مؤمنًا بوجود الله ويتمتع بالخلاص ومقتنع بالحقائق الإيمانية ويحضر الاجتماعات الروحية، ومع ذلك فإن سلوكه لا يفرق عن غير المؤمنين، هذا بخلاف السطحية التي أصبحت السمة الغالبة، رغم توافر المعلومات الروحية بطريقة مذهلة، لكن لا يوجد عمق في الجذور، فأصبحت الشكليات هي الطابع العام لأغلب المؤمنين. أضف إلى ذلك الصراعات الكنسية وغياب القدوة، فأكثر ما يُعثر أنك تجد الصراعات ذاتها الموجودة في العالم، موجودة داخل الكنائس المحلية وفي مجالات الخدمة، وهذا يسبب صدمة أو عثرة أمام الشباب[4].

أضف الى ذلك التحديات الأقتصادية الصعبة التى يواجهها الجميع كغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار الشديد، وارتفاع نسبة البطالة، وتأخر سن الزواج للشباب بسبب زيادة التكاليف بنسبة عالية. وهناك تحديات اجتماعية وأسرية، فقد أصبحت العلاقات متصدعة حتى في أقرب الدوائر. وأصبحت الأنانية تسيطر على الكثيرين، وسيادة الإباحية وانتشارها فى هذا العصر العجيب عن طريق وسائل التكنولوجيا المتقدمة التى أصبحت في يد الجميع. والسرعة غير العادية في رتم الحياة حتى إن البعض يُضحي بوقت الأسرة ووقت الرب ووقت راحته الشخصية ويستهلك وقته الثمين في أمور تافهة، بل وربما تكون مضرة. نعم هنا تظهر ضرورة التحلي بقوة الإرادة فى مواجهة كل هذه التحديات المختلفة.

عزيزي تعوّد على أداء الواجبات اليومية بكل صدق وأمانة وإتقان وإخلاص. تحلّى بالصبر مهما واجهت من صعوبات ومشقّات أو شدائد، واِسّعْ لمجابهتها بشجاعة. أتبع طريق الخير والحق والعدل ولا تحيد عنه مهما كلّفك الأمر. نفّذ وطبق ماتراه صوابًا وخيرًا في الحال دون تردد وبكل شجاعة وإصرار.

الحواشي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] خالد سعد النجار،

https://www. islamweb.net/ar/article

[2] https://mawdoo3.com/

[3] خالد سعد النجار،

https://www. islamweb.net/ar/article

[4] بتصرف

 http://www.rshabab.org/article.

د. القس صموئيل زكي

* ماجستير في علم اللاهوت الرعوي.
* دكتوراه في اللاهوت والمشورة.
* راعي الكنيسة الانجيلية المشيخية بعزبة النخل القاهرة.
* رئيس مجلس الإعلام والنشر في سنودس النيل الإنجيلي.
* له عديد من المؤلفات مثل المسيحية والوظائف الكنسية رسالة إلهية إليك، الإصلاح في الكنيسة، مكانة المرأة في الكتاب المقدس الرجوع إلى الله، المرأة في المسيحية، علم الوعظ الكرازي، وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى