الإصلاح الإنجيلي والجيل الآتي .. دور الكنيسة في إصلاح الجيل المقبل
الهدى 1260 – 1263 سبتمبر – ديسمبر 2024
ظللنا لفترة طويلة نلقي باللَّوم في تمرُّد شبابنا على أوضاع مثل؛ نظامنا المدرسي؛ الأسَر المحطَّمة؛ وتأثير وسائل الإعلام. وبصفتي قسًّا أعمل مع الشَّباب، أرفض توجيه أصابع الاتِّهام إلى المجتمع فقط بعد الآن. ولا أقول إنَّ تدهور الأخلاق في مجتمعنا وانهيار بنية الأسرة لم يؤثِّر على أطفالنا، بالتَّأكيد له تأثير كبير. لقد حان الوقت للتَّوقُّف عن توجيه أصابع الاتِّهام إلى العالم والمجتمع فقط، وتوجيهها مباشرة إلى الكنيسة.
كتب ج. آي. باكر، لاهوتي إنجليزي–كندي «إذا تجاهلتَ دراسة الله، فإنَّك تحكم على نفسك بالتَّعثُّر والتَّخبُّط في الحياة معصوب العينَين، كما هو الحال، من دون إحساس بالاتِّجاه، ومن دون فهم لما يحيط بك. وبهذه الطَّريقة يمكنك إهدار حياتك وخسارة روحك».
ومن دون فهم صحيح لله، فإنَّ شبابنا سوف «يتعثَّرون ويتخبَّطون» في طريقهم إلى الجحيم. إذًا، ما هي الحقائق التي نريد أن نغرسها في أطفالنا وشبابنا عندما يحضرون مجموعات الشَّباب في كنائسنا؟
عندما نتكلَّم عن الأطفال والشَّباب سيكون تعريفنا لتلك المراحل على النَّحو الآتي: الطُّفولة من الميلاد وحتَّى البلوغ (مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت سنّ البلوغ حاليًّا بين طفل وآخر)، أيضًا الشَّباب سيكون تعريفهم منقسم إلى قسمَين، هما المراهقة ما بين سنّ الثانية عشر والتَّاسعة عشر (أيضًا مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت سنّ المراهقة طالت أو قصرت)، والمرحلة الثَّالثة التي سنتحدَّث عنها هي الشَّباب ما قبل الزَّواج. هذه المراحل الثَّلاث هي التي يتكوَّن فيها فكر وعقيدة وشخصيَّة الفرد بناءً على المنظومة العالميَّة واللاهوتيَّة التي تحيط به ويستقي منها خبراته العمليَّة والفكريَّة.
إنَّ الجنس والمخدرات والضُّغوط الاجتماعيَّة والمواعدة وغيرها من المواضيع التي يجب التَّواجه معها وشرحها بالطَّريقة الكتابيَّة السَّليمة في المجتمع الكنسي، الذي من المفترض أن يكون آمنًا. ولكن، هل نلبِّي احتياجات أطفالنا وشبابنا حقًّا، أم نضع ضمادة على جرح غائر؟ إذا لم تحاول مجموعة القادة في كنائسنا تعليم أطفالنا وشبابنا صفات وأفعال الله أبينا، فإنَّنا نحن المذنبون في أعمال التَّمرُّد التي يقومون بها.
يذكِّرنا بولس الرَّسول «ليس بارٌ ولا واحد. ليس من يفهم ولا من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد» (رومية 3: 10ب-12). هذا هو المبدأ الأوَّل من مبادئ الإصلاح التي يجب علينا مواجهة الجيل المقبل بها، كلٌّ بحسب قدرة استيعابه، وتوصيل فكرة العلاقة الشَّخصيَّة مع الله وأهمِّيَّتها وعدم الاعتماد على الطُّقوس أو التَّقاليد الكنسيَّة فقط، للبحث عن الخلاص أو الطَّريق لمغفرة الخطايا. يجب أن يفهموا أنَّ ما لم يغيِّر الله قلوبهم، فلن يكون هناك تغيير خارجي حقيقي. لذلك، يجب أن نكون أمناء في الكرازة والتَّعليم عن الله والعلاقة الشَّخصيَّة معه لمغفرة الخطايا.
تأكَّد أنَّ الرُّوح القدس سيساعد الجيل المقبل على فهم أصعب المقاطع، فيجب أن نكون أمناء في دراسة وتقديم الحقائق المعقَّدة لكلمة الله والسَّماح للرُّوح القدس باستخدامها وتطبيقها على حياتهم. يجب أن نكون أمناء لكلِّ كلمة من كلام الله على مستواهم.
لقد حان الوقت لتعليم الجيل المقبل قلب كلمة الله. أنا لا أتحدَّث عن الدِّيانة المسيحيَّة أو عن عقيدة معيَّنة بحدِّ ذاتها، بل عن النَّهج الذي لا يعرف أيَّة قيود للحقيقة. يعلِّم الإصلاح الإنجيلي مبدأ هامًّا ألا وهو الكتاب المقدَّس وحده هو المرجع الذي يساعد الجيل المقبل في اكتشاف الحقّ والعيش بموجبه، لقد حان الوقت لمجموعات الشَّباب لدينا لمعالجة قضايا مثل: قداسة الله، والفساد الكامل للإنسان، والسِّيادة الإلهيَّة، والتَّبرير والتَّقديس. يشعر بعض النَّاس أنَّ هذه القضايا فوق مستوى الاستيعاب بالنِّسبة لشبابنا، لكنَّني أعتقد أنَّها العلاج الذي بدأنا في البحث عنه. فإنه الوقت الآن لتطوير مهارات التَّفكير النَّقدي واتِّخاذ قرارات مستنيرة في حياتهم الشَّخصيَّة اليوميَّة.
أستطيع أن أسمع بالفعل صرخة مئات من قساوسة الشَّباب، «لن يجلس أحد من الجيل المقبل أبدًا خلال هذا، سأفقدهم». صحيح جدًّا أنَّنا سنفقد بعضًا، ولكن إلى أي مدى سيزداد قوة أولئك الذين يبقون؟ كتب بولس إلى تيموثاوس قائلًا، «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكَّى، عاملًا لا يخزى، مُفَصِّلًا كلمة الحقّ باستقامة» (2تيموثاوس 2: 15). كيف يمكن لشبابنا أن يتعلَّموا «الاستقامة في كلمة الحقّ» ما لم نعلّمهم أعماق كلمة الله المقدسة؟ ما الفائدة إذا خلقنا جيلًا من الشَّباب «المتحمِّسين» إذا حكمنا عليهم بحياة من الرَّداءة واللَّاهوت الضَّعيف.
نتذكَّر من المزامير أنَّ كلمة الله أحلى من العسل (مزمور 119: 103). إذا كان لأطفالنا أن يتمتَّعوا بحلاوة كلمة الله، فيجب أن نتأكَّد من تعليمها لهم. لا تحجبوا لحم كلمة الله لئلَّا نموت أطفالنا جوعًا. اسمحوا لي أن أقترح أهداف يجب علينا جميعًا أن نطرحها في مجموعاتنا:
لا تخافوا من تعليم عقائد الإيمان
إنَّ الجيل المقبل في مرحلة من حياتهم يريدون فيها «التَّساؤل» عن الحياة. ولقد أكَّد الإصلاح على أهمِّيَّة الحرِّيَّة في الإيمان، ممَّا يُعلِّم الجيل الجديد قيمة المسؤوليَّة الفرديَّة. يمكن أن ينمو الأطفال والشَّباب وهم يعلمون أنَّ لهم دور فعال في قراراتهم وأنَّهم مسؤولون أمام الله عن اختياراتهم.
فلنعطهم الحقائق الكتابيَّة للتَّعامل معها. ولندعهم يتصارعون ويبحثون في الكتب المقدسة عن إجابات لأسئلتهم. يجب أن نتأكَّد جميعًا من أنَّنا نجهز أولئك في خدمتنا بشكل صحيح. إنَّ مؤمنينا الشَّباب يتوقون إلى غذاء كلمة الله حتَّى يتمكَّنوا من النُّموّ (1بط 2: 2). أعطهم إيَّاها! يقول بولس «ويل لي إن لم أكرز بالإنجيل!» (1كورنثوس 9: 16)
تعامل مع البشارة والكتاب المقدس بتميُّز معاصر
إنَّنا نتعامل مع أطفال تتأثَّر عقولهم بالمسلسلات الهزلية والسّوشيال ميديا وألعاب الفيديو. كثيرًا ما نحاول التَّنافس مع الثَّقافة الحاليَّة «لإبهار» أطفالنا. ليس لدي ما يكفي من المال في ميزانيَّتي للتَّنافس مع كلّ هذا العالم المبهر البرَّاق. حتَّى لو كان لديك المال، فإنَّ دعوتنا هي أن نكون «متميِّزين»، مختلفين عن عالمنا. الشيء الوحيد الذي لدينا والذي سيجذب انتباه طلَّابنا هو رجاء كلمة الله. تقول كلمة الله: «لأن كلمة الصَّليب عند الهالكين جهالة، وأمَّا عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله» (1كو 1: 18).
يمكن استخدام طرق تعليميَّة تفاعليَّة مثل مجموعات الدِّراسة والمناقشات الجماعيَّة لمساعدة الشَّباب على فهم مبادئ الإصلاح. من خلال التَّعلُّم الجماعي، يمكن للشَّباب تبادل الأفكار وبناء معرفة جماعيَّة.
أيضًا يجب التَّعليم عبر استخدام التّكنولوجيا، فمع تطوُّر التكنولوجيا وظهور الذّكاء الاصطناعي يمكن أن يُقدَّم التَّعليم الدِّيني عبر الإنترنت بوسائل أكثر فاعليَّة وجاذبيَّة وترابط مع فكر الجيل الجديد. استخدام هذه الوسائل يمكن أن يجعل الكتاب المقدس أكثر سهولة وجاذبية للجيل الجديد.
ارتق بمقياس اختيار قادة الشباب.
في كثير من الأحيان، يكون الشرط الوحيد للخدمة في خدمة الشباب هو «القلب» للأطفال او الاتاحة في الوقت. هذا الامر مقبول لكنه غير كاف، فكل أولئك الذين يعملون كقادة شباب هم رعاة، لا أقل من ذلك! إذا كنت مسؤولاً عن خدمتك للشباب، فأنت بكل معنى الكلمة راعيهم ويجب أن تفي بجميع المؤهلات الكتابية لكونك راعيًا. يجب أن يكون أولئك الذين يعملون كقادة شباب ومتطوعون أيضًا قدوة صالحة في كل مجال. لا تنس ما يذكرنا به يعقوب، ان من يُعلم سيطلب منه كثير وسيُدان أكثر. يجب أن يكون أولئك الذين يعملون كمعلمين ومتطوعين في مجموعات الشباب دائمًا قدوة ويظهروا كيف ان مبادئ الإصلاح تؤثر على حياتهم اليومية وكيف يعيشون بناء على هذه المبادئ.
لا تبالغ في الأنشطة.
في كثير من الأحيان يصبح قادة الشباب مديري أنشطة أكثر من اللازم. الألعاب والأحداث هي أدوات ممتازة في خدمة الشباب والاطفال، ولكن لا تدعهم يديرون خدمتك ويسيطروا على الوقت الاغلب من الخدمة. استخدم وقتك بحكمة! لقد عهد الله إليك بأولاده، فلا تضيع وقتهم في الكثير من الألعاب. لقد انخرط الفريسيون ومعلمو الشريعة في العديد من الأنشطة الدينية وقاموا بالكثير من الرحلات لكسب السامعين، لكن يسوع انتهرهم على ذلك (متى 23: 15).
عندما نفرض التوازن في الخدمة بين النشاطات والتعليم الكتابي سيكون علينا ان نوجه النظر الى تشجيع الخدمة والمساهمة في المجتمع فالإصلاح يُعلِّم أن لكل فرد دورًا في تحقيق مقاصد الله في العالم. يمكن للشباب أن يتعلموا أهمية الخدمة المجتمعية، والعمل من أجل تحسين العالم من حولهم، سواء عبر الأعمال الخيرية أو المناصرة للعدالة الاجتماعية.
أيضا يُلهم الإصلاح الجيل الجديد على التغيير الإيجابي. من خلال تطبيق المبادئ الكتابية، يمكن للشباب والأطفال أن يعملوا على تطوير مجتمعاتهم والتأثير في العالم من حولهم بطريقة تعكس نور المسيح.
اغرس العادات التقية في الجيل المقبل.
يعلم الإصلاح الإنجيلي الشباب والأطفال تطوير القيم الأخلاقية. قيمًا أساسية مثل الصدق، والنزاهة، والمحبة، وهذه القيم يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على تطوير شخصياتهم وتعاملاتهم مع الآخرين.
شجع الجيل المقبل لبدأ حياة من العادات التقية في سن مبكر من خلال التأكيد على الحياة المسيحية المنضبطة. اجعل أطفالك مسؤولين عن أوقات منتظمة لقراءة وحفظ الكتاب المقدس وقراءة الأدب المسيحي وخدمة المسيح. من خلال المساءلة القوية وبواسطة مثال القادة الأتقياء، سيبدأ طلابك عادات جيدة ستستمر مدى الحياة.
الخاتمة
الإصلاح الإنجيلي ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو حركة دائمة تحمل تأثيرًا عميقًا على الأجيال القادمة. من خلال التركيز على الكتاب المقدس، الحرية الشخصية، والتبرير بالإيمان، يمكن للشباب والأطفال أن يتعلموا دروسًا ثمينة تساعدهم على تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم. إن فهم مبادئ الإصلاح والعمل بها يمكن أن يساهم في بناء جيل جديد يعيش إيمانًا حيًا ويؤثر بشكل إيجابي في العالم.