ليكن عندنا شكر
الهدى 1229 مارس 2021
لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. (عبرانيين 12: 28 ).
أعتدنا أن نشكر الله لأجل الصحة ولكننا نختبر في هذه الأيام كثيراً من الأمراض والأوبئة، نشكره لأجل المال لكن هناك كثيرون فقراء ومحتاجون للقوت الضروري، ونشكر الله لأجل الحياة لكن كم من أخبار انتقال أحباء للمجد ويفارقون الحياة، ونشكر الله لأجل الأبناء وكم من الناس لم يعطهم الرب أو أعطاهم وأخذهم مرة اخرى. ويقول لنا الكتاب في هذا النص ليكن عندنا شكر؟ هل المؤمن لديه شيء مختلف يمكن أن يشكر الرب لأجله؟ وهل هذا الشيء متميز عن باقى الأشياء التي تذهب وتتغير؟ ماذا لدينا يمكن أن نشكر لأجله في كل وقت؟ فأنه إذا كان شكرنا مبنياً علي بركات مثل الصحة والمال والأولاد والبقاء على قيد الحياة سنجد أنفسنا في أزمة. لأن كل هذه الأشياء قابلة للزعزعة فالعالم أمام وباء كورونا يتزعزع ويهتز لكن كاتب العبرانيين -في نصنا المُشار إليه- يتحدث عن أمر لا يتزعزع.
يقارن النص بين جبلين الجبل الأول جبل سيناء الذي أعطيت فيه الشريعة والوصايا والذي وقف فيه موسى لكي يعلن للشعب مطالب الناموس لكي يكون الناموس هو العلاقة التي تربط الإنسان بالله. وقدَّم لهم وصايا افعل ولا تفعل وإن فعلت هذه تحيا وإن لم تفعل هذه تموت وإن فعلت كل هذه الوصايا وأخطات فى واحدة فأنت مجرم فى الكل فما يربط الإنسان بالرب وفق الناموس هى مجموعة من الأوامر. وهنا يخبرنا كاتب العبرانيين أننا قبلنا ليس ملكوت جبل سيناء لكن ملكوت الجبل الأخر «22بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، 23وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، 24وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عبرانيين 12: 22- 24)، وهو جبل صهيون ويحذرنا من التهاون في هذا الأمر أو الإستهانة به والإنصراف عنه
أولاً: مميزات هذا الملكوت موضوع الشكر.
1. هو ملكوت روحى وليس ملكوتًا ماديًا. فالملكوت المادي الذي كان فى جبل سيناء رافقته ظواهر حسية مادية، نار، وظلام، وهبوب ريح، وزوبعة، أما فى الملكوت الجديد فكانت أمور وبركات روحية، ولم ترتبط بأشياء لكنها أرتبطت بشخص الله، لم ترتبط بناموس ولا تابوت عهد ولا بعصا موسى ولا بجبل لكنها أرتبطت بعلاقة روحية، وملك روحي، يملك به الرب يسوع على قلوب المؤمنين ولم تصبح علاقتنا بأشياء بل بشخص المسيح. يحاول البعض في هذه الأيام أن يحول الملكوت الروحى إلى ملكوت مادي وأبتدأ يقصر علاقتها بالله في علاقتها بأشياء، يلمسونها أو يشمتموها أو يأكلونها أو يرونها ويتبركون بها. لكن مثل هذا الملكوت هو ملكوت جبل الناموس، أما الملكوت الذى لا يتزعزع هو ملكوت روحي لأنه مرتبط بشخص المسيح ونحن قابلون هذا الملكوت
2. هو ملكوت سلام لا خوف. عندما وقف الشعب أمام جبل سيناء كانوا خائفين جداً وكانت هناك تحذيرات وتنبيهات على الكل لكي لا يقترب أي شخص من هذا الجبل حتى إذا أرتطمت بهيمة بهذا الجبل ترجم وتموت، فخاف الشعب جدًا لذلك قالوا لموسى كلمنا أنت لكي نقدر أن نسمع، فموسى أيضًا الذي كانت له علاقة قوية بالله وقف وقال: «أنا خائف ومرتعب». فكان ملكوت جبل سيناء ملكوت خوف لأنه كان دائم التركيز على الأشياء التى فيها قتل ورجم وإعلان دينونة على الشعب. لكن الملكوت الذي قبلناه في العهد الجديد هو ملكوت سلام لا حرب ملكوت إعلان العهد وإعلان الصفح والغفران ودم أفضل من دم هابيل فدم هابيل يصرخ ويطلب الدينونة فى العهد الجديد والملكوت الذي قبلناه دم رش أفضل وهو دم المسيح الذي لا يعلن دينونة وعقاب لكن يعلن الغفران والصفح للجميع. لأجل ذلك هو ملكوت سلام لا ملكوت خوف. قديماً كان الشعب يقف بعيداً لكن الأن لنا الثقة أن نتقدم مباشرة إلى عرش النعمة وندخل نتلامس ونتكلم معه. كانوا فى القديم يقولون نموت لأننا رأينا وجه الرب ولكننا الأن نقترب منه ويقترب منا. لا يزال هناك من يحاول أن يجعل العلاقة بينك وبين إلهك مبنية على التحذيرات والإنذارات والخوف والإبتعاد في حين أننا الآن نحن قابلون ملكوت سلام وصفح وغفران وليس خوف ودينونة وترهيب.
3. هو ملكوت حياة وليس ملكوت موت الناموس كان لخدمة الموت كان يشرح لك كيف أنك خاطئ وميت وحالتك المريضة البعيدة وكان الناموس يكتفي فقط بتشخيص المرض والموت فكان الناموس يقدم خدمة الموت لكن الإعلان الذي جاء به الرب يسوع في الملكوت الروحى يعلن حياة . فق قال: «أتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» لم يأت المسيح ليقول لك أنك ميت بالخطية لكنه جاء لكي يعطينا الملكوت الذى يعطي لنا الحياة. كان الاقتراب من الله فى جبل سيناء يعني الموت، لكن فى جبل صهيون فالاقتراب من الله يعني الحياة.
4. هو ملكوت أبدي ليس ملكوتًا مؤقتًا. فى جبل سيناء كانت الأمور كلها مؤقتة، طقوس وفرائض وعبادات وذبائح ستنتهي لأنها كانت ظلاً للحقيقة. وقد جاء الرب يسوع لكي يحققها وينهيها وأصبح الملكوت الذي ننتمى إليه ليس ملكوتًا مؤقتًا كما أعطى فى جبل سيناء لكنه ملكوت أبدي أعطى فى جبل صهيون لأجل ذلك فالملكوت لا ينتهي ولا يضعف بالموت ولا بالمرض ولا بكورونا ولأن الملكوت هو علاقة بين الإنسان وإلهه. إذاً ليس موت ولا اضطهاد ولا ضيق ولا عري ولا خطر. لكن علاقتنا مع الله ستستمر سواء أحياء أو أموات سواء مرضي أو أصحاء سواء أغنياء أو فقراء. إن ما يربطني بالرب أكبر من الحدود المؤقتة اللى نعيشها. الملكوت أبدي ليس مؤقتًا. لا تزال هناك أفكار مسيحية تحاول أن ترجع الإنسان من الأبدي إلى المؤقت تحاول أن تربطنا بطقوس وفرائض وعبادات وأمور كانت ظل وانتهت.
5. ملكوت ثابت غير متزعزع. «إِنِّي مَرَّةً أَيْضاً أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضاً. فَقَوْلُهُ مَرَّةً أَيْضاً يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ.» (عبرانيين 12: 27)، فالعالم ملئ بأمور متزعزعة متغيرة، ومشكلة الإنسان أنه يتمسك بالأمور المتزعزعة يتمسك بالصحة لكنها غير دائمة، وهكذا كل الأشياء التي يتمسك بها الإنسان، منمال أو حتى فرائض ستتهاوى عندما يزعزع الله الأرض والسماء. العالم ملئ بالكثير من الأشياء غير المستقرة، والمتغيرة، لكن علاقتنا بالرب والملكوت الذي أصبحنا أعضاء فيه هو ملكوت لا يتزعزع. لن تتأثر عضويتك فى الملكوت بكونك مريض أو سليم، غني أو فقير. نحن أعضاء فى ملكوت لا يتزعزع لذبك نشكر لأننا في ملكوت أبدي وثابت غير متزعزع.
ثانياً: مسؤوليتنا تجاه هذا الملكوت.
1. عندما قبلنا عمل المسيح فى حياتنا أصبح كل واحد فينا عضوًا فى ملكوت لا يتزعزع وبالتالي «ليكن عندنا شكر»، وهذا هو سر الشكر الدائم الشعور بنعمة الرب وإحسانه، حتي في أصعب الظروف. يجب أن يكون مصدر شكري إحساسى بالجميل وإدراكي للنعمة والفضل والرحمة والغفران الذي قدم لي مجاناً وبلا استحقاق بل كل الفضل للرب يسوع الذي منحني أياه.
2. هذا الشكر لا يتوقف عند الإحساس أو الكلمات لكن يجب أن يتجسد في خدمة للرب وهذا الشكر نخدم به الرب خدمة مرضية. عندما نشكر عندما نتجاوب مع هذه النعمة بالشكر فنحن نخدم الله الخدمة المرضية فيمكن أن أخدم الرب بأن أعيش حياة شاكرة على النعمة التي وهبني أياها فقد أعتدنا على أشكال نمطية من الخدمة وعظ أو ترنيم أو أفتقاد أو خدمة اجتماعية لكن هناك شكل أخر من الخدمة وهو «ليكن عندنا شكر». هذا الشكر وهذا الشعور وهذه الحياة الشاكرة بها نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى. على الجانب الأخر يجب أن يتحول الموقف الشاكر إلى حياة عملية وخدمة فعلية أي أخدم هذا الملكوت، أساعد فى إنتشاره هذا الشكر يتحول من مجرد كلمات ومشاعر إلى خدمة جادة وأمينة . ليكن عندنا شكر به نخدم الرب خدمة مضحية وخدمة أمينة وبالتالى يصبح الشكر هو أساس خدمتنا.
3. «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ، فَبِالأَوْلَى جِدّاً لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ» (عبرانيين 12: 25)، الأمر الذي يشدد عليه الكاتب هنا هو «أن هذا الملكوت الذي أعلن بواسطة المسيح لا يجب أن نتهاون في قبوله فإن كان الإستعفاء من المتكلم الأرضي كان له عقاباً شديداً فكم يكون إذا إستعفينا من المتكلم السماوي. إن هذا الملكوت في جماله ومميزاته لا يعفي من مسؤولية التعامل الجاد معه وعدم رفضه وإلا سيكون العقاب أشد «لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً، فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا» عب 2: 2-3
في عيد الشكر «ليكن عندنا شكر» لأننا أعضاء فى ملكوت لا يتزعزع والعالم كله متزعزع وخائف ومرتعب لكن نحن غير خائفين ليس لأننا لن نمرض أو نحتاج أونضعف أو نتألم أونموت لكن لأننا قبلنا ملكوت لا يتزعزع حتي لو حدثت لنا كل هذه الظروف. كما أننا مدعوين للشكر الدائم والتعبير عنه بخدمة مرضية للرب.