آراءخاطر

خاطر

الهدى 1215-1216                                                                                                     نوفمبر وديسمبر 2019

عندما يتردى الناس في مهاوي العنف والشر والرذيلة، فإن هذه هي النتيجة الطبيعية والحتمية لرفضهم دعوة الحب والإخاء والغفران.
والناس أحيانًا يحاولون أن يحلوا المشاكل مبتدئين بالنتيجة. وهذا وضع معكوس.
ولذلك سرعان ما تفشل حلولهم وتتعثر. بل أنهم بذلك يضيفون مشاكل جديدة إلى المشاكل القائمة فعلًا. وهم بذلك كمن يحرص على أن يضع العربة قدام الحصان، ويعجب من أنها لا تسير، ثم يبدأ في التماس كل الحلول، لكنها بدورها سرعان ما تثبت فشلها، إذ أنه لا مفر من الاعتراف بالخطأ اصلًا، فيصحح الوضع ويضع الحصان أمام العربة إذا أراد أن تسير.
ولو أن الإنسان أنصف الأخرين لكان قد اكتشف أن سر متاعبه ومتاعب الناس من حوله هو افتقاره وافتقارهم إلى معاني الحب والإخاء والخير والعطاء.
وهذا هو جوهر ولب رسالة الإنجيل الذي نكرز به. وقد يرفض الناس هذه الرسالة جهلًا بها، أو تعصًبا ضدها، أو حرصًا على مصالحهم الشخصية كما يتوهمونها لأنفسهم، أو لأنهم يخافون منها.
ولم يعد هناك عذر للجهل بهذه الرسالة، بعد أن أصبحت وسائل الإعلام تملأ الدنيا وتعبر كل الحواجز والمسافات. والذين يتعصبون ضدها مساكين لأنهم يستثيرون روح الكراهية والعداء لأنفسهم، وهم في الحقيقة جديرون بكل الرثاء والاشفاق، لأنهم ـ ببساطة ـ أعداء أنفسهم، فضلًا عن حماقتهم التي تشبه حماقة من يغمض عينيه وينكر وجود الشمس وهي تسطع في رابعة النهار.
أما الذين يحرصون على مصلحتهم الشخصية حقًا، فقد كان الأجدر بهم أن يقبلوا رسالة الإنجيل وأن يعملوا للطعام الباقي الحياة الأبدية، وليس فقط للطعام البائد الذي يذبل مع الأيام أو يتوارى إلى الفناء. فبذلك فقط تتحقق مصلحتهم الشخصية المنشودة.
وليس جديداً أن هناك من يخافوا من الإنجيل لأسباب مختلفة، فمن بداية الكرازة بالإنجيل كان هناك هيرودس وبيلاطس ورؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون، والقائمة من بعدهم طويلة، طويلة.
وهم يخافون منه لأن أعمالهم شريرة، ولذلك أحبوا الظلمة أكثر من النور ــ ظنًا منهم أن تسير شرورهم، وخشية أن يفضح النور أمرهم وهؤلاء سرعان ما يمتزج خوفهم بالكراهية والحقد، فتتحول مشاعرهم إلى التأمر والقتل؛ وهذا ما حدث عند الصليب.
لكن الحقيقة العظمى ستظل تتحدى كل الاجيال، بهدوء ومحبة، أن ذاك الذي علق على الصليب هو الطريق والحق والحياة، وأن رفض رسالته هو السبب الحقيقي لتعاسة الإنسان ومعاناته.
ولن يكون الطريق لإسعاد الإنسان هو أن نقدم له خدمات اجتماعية تعالج مشكلة الفقر أو الجهل أو المرض، أو ترفع من مستوى معيشة الناس وتخفف آلامهم، بالرغم من تقديرنا لكل ما يبذل في هذا المجال من خدمات، وتأكيدنا لأهميته.
ذلك لأن مشكلة الإنسان الحقيقية هي الخطية. وحاجة الإنسان الحقيقية هي إلى الخلاص والغفران. وهذا ما تحقق فوق الصليب. وهذا ــ مرة أخرى ــ هو مضمون الكرازة بالإنجيل.
وهذه هي الرسالة القديمة غير المتغيرة التي يحتاج إليها عالم متغير.
فترى، هل من وقفة مع نفوسنا؟ لندرك من جديد هدفنا ورسالتنا فإذا كان للجديد بريقه، فإن القديم أيضًا له أصالته؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى