كلمات وكلمات نوفمبر 2020
الهدى 1225 نوفمبر 2020
كنت أعيد ترتيب مكتبتي هذه الأيام، فوقع في يدى مجلة عنوانها «أفكار»، وكانت خاصة بالطلبة، وكانت هناك أيضًا مجلة «أوراق» هذه المجلة كانت متخصصة في الأبحاث اللاهوتية ولقاءات مع اللاهوتيين العالميين والذين كنت أحرص على دعوتهم للقاء الطلبة والأساتذة وتقديمهم كورس أو إثنين فيما تخصصوا فيه مثل كينيث بيلي وجون ستوت وغيرهما، هاتان المجلتان صدرتا في فترة إدارتي لكلية اللاهوت الإنجيلية، في الفترة من مارس ١٩٩١ وحتى مايو ٢٠٠١، كان كُتَّاب مجلة «أفكار» جميعًا من طلبة الكلية واللجنة الثقافية المسؤولة والتي تكونت من: ثروت سمير، باسم عدلي، عادل عبد المسيح، محروس عايد، وليم عبده، وهاني عياد، والذين أصبحوا الأن خدامًا يُشار إليهم بالبنان، ولأننا كنا في عام ٢٠٠٠م العام الأخير في القرن العشرين كانت المجلة في معظمها تتحدث عن ذلك الحدث، فكتب ثروت سمير «الألفية الثانية ونهاية العالم» وكتب ماهر مخلص «صناعة الرؤيا»، وقام باسم عدلي بعقد لقاء صحفي مع ق . مارك سوانسون أستاذ العهد الجديد بالكلية، وكتب صموئيل محروس «الكنيسة والقطاع العام»، وكتب مدحت غطاس «الكنيسة الإنجيلية في عام ٢٠٢٠م رؤيا مستقبلية» وكتب چورچ جابر «كنيستي في ألفية جديدة» وكتب عادل عبد المسيح «الكنيسة … إلى أين؟» وكتب يوسف عادل «حوار عن اللاهوتي كارل پارت» وأخيرًا كتب محروس عايد «الأسرة في زمن العولمة»، ثم قصيدة شعرية لمفيد سمير «قرة جيلي» وقد أردت أن أنقل لكم بداية مقال مدحت غطاس» الكنيسة الإنجيلية في عام ٢٠٢٠م لأننا قاربنا على نهاية العام الذي كتب عنه لنرى هل ما كتب عنه أو تنبأ به صحيح أم جانبه الصواب؛ يقول مدحت:
«في عام ١٨٨٣م قامت إحدى وكالات الأنباء الأمريكية باستقصاء فريد، إذ طلبت من ٧٤ شخصية بارزة أن يكتبوا مقالات قصيرة حول تصوراتهم لما سيكون عليه شكل الحياة بعد مائة عام، وظلت هذه التصورات حبيسة الأدراج حتى عُثر عليها بعد أكثر من مائة عام وتم نشرها ونختار منها ما يلي:
إن يوم العمل في عام ١٩٨٣ لن يمتد لأكثر من ثلاث ساعات، وإن نصوص القوانين ستصبح بسيطة بحيث لن يكون هناك حاجة لوظيفة المحامي، وإن السيارات ستسير بعصير القصب وستكون أسرع، وإن الجريمة ستنتهى، وستعم السعادة كل المتزوجين لأن الأزواج المزعجين سيكونون معرضين للتخلص منهم بالقتل .. إلخ.
وهكذا نرى أن بعض التصورات لاقى بعضها تحقيقًا على الأرض ونرى أيضًا تصورات شطحت بعيدًا عن الواقع. وعندما قرأت هذا الخبر تساءلت ترى كيف سيكون شكل الحياة في مصر عامة وفي كنيستنا الإنجيلية خاصة ليس بعد مائة سنة بل فقط في عام ٢٠٢٠؟ وذلك في ضوء التغيرات من حولنا وفي ضوء واقعنا الكنسي.
ترى ما شكل التصورات والتوقعات في الغد؟! وماذا عن رؤانا وأحلامنا في ألفية جديدة والواقع يقول بضعف الكنيسة. وهذا المقال محاولة لقراءة واقع الكنيسة بوعي وإدراك ومصارحة من خلال:
١ – الظاهرة والأسباب:
أ – في إحصاء ١٩٨٥ وصل عدد أعضاء الكنيسة المشيخية إلى مائة ألف عضو في ثلاثمائة وأربعة عشر كنيسة، ولقد نقص هذا العدد إلى خمسة وخمسين ألف في خلال إحدى عشر سنة فقط وذلك في عام ١٩٩٦. وهناك كنائس مهملة وشبه مغلقة وليس من يسأل عنها.
ب – لم يأخذ المثقفون والعلمانيون فرصتهم الحقيقية في المشاركة أي أنهم بمثابة طاقة مهملة في الكنيسة يمكن أن تتحول للهدم.
ج – ضعف الجانب الكرازي: فالكنيسة تركز على جانب واحد من الكرازة وهو الابن الضال وتنسى جوانب كرازية أخرى كالخروف والدرهم، فالوسيلة الكرازية مهملة ومازال الوعظ في كثير من الكنائس هو الأسلوب الواحد الأوحد للكرازة والتعليم. والبعض يقولون ولكنهم لا يعرفون كيف؟!
د – باختصار الكنيسة بحاجة إلى وسائل التخاطب العصرية فالعالم والمجتمع يتطور بشكل مذهل ففي وقت قصير أصبح يسير بسرعة السيارة والطائرة والصاروخ بينما الكنيسة مازالت تسير بسرعة السلحفاة.
ذلك بالإضافة إلى التجمد وعدم المرونة والملل والروتين وكلها قتلت روح العبادة في كثير من كنائسنا وأصبحنا في خوفنا من الانسياق وراء العاطفة نخشى التجديد والتغيير سواء في الترنيم أو الألحان أو البرامج. فهل من المستحيل أن نقدم عبادة عقلية واعية في جو من الإبداع والمرونة والتجديد. فالكنيسة في مرات كثيرة تقتل روح الإبداع والخلق وهكذا يموت الحكيم كالجاهل.
هـ – البطالة، والتعليم، الزواج، الأسرة، الصحة، والمستقبل، العمل، الجنس، كلها موضوعات يعيشها مجتمعنا وشبابنا ومازالت الكنيسة غير قادرة على اقتحامها والمساهمة فيها ولا حتى تناولها، وذلك بمنتهى البساطة لأننا مازلنا نحد الله بعقولنا وتصوراتنا وعلى حد تعبير الشيخ نعيم عاطف فإننا جعلنا من الله وزيرًا للأوقاف والشئون الدينية، أما باقي أمورنا الأخرى فلا شأن له بها، وأصبحنا نعيش في ازدواجية قاتلة.
و – انتشار الفردية والاستقلالية وكل واحد يفعل ما يحسن في عينيه، فلا رؤية بل انحصار وتقوقع، فلا وجود قوى لنا في المدن الجديدة مثل توشكى وغيرها هذا بجانب إيمان البعض بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
ز – أخيرًا مازالت الأصوات تتعالى بأننا في حاجة إلى لاهوت شرقي عربي مصري معاصر يناسب بيئتنا وثقافتنا ومجتمعنا.
٢ – تحديد المشكلة:
بناء على ما سبق فالكنيسة في عام ٢٠٢٠ م إذا ظلت بنفس الأوضاع سوف تكون مهددة بضياع رسالتها وانكماشها عدديًا وتأثير هذا معناه المزيد من الضعف والمرض والركود.
٣ – اقتراحات الحلول:
ونحن نفكر في الحلول لابد وأن ندرك أننا أمام تغيرات هائلة وأمام تحدى أكبر لهويتنا ورسالتنا ومستقبلنا فإن نجاح الأمس ليس ضمانًا للنجاح في المستقبل ولكي تبقى مكانك اليوم لابد وّأن تجرى لأن من لا يتقدم يتقادم. وبالإضافة إلى ما سبق ولتصحيح مسار الكنيسة نضيف ما يلي:
أ – عودة فعالة لدور العلمانيين والمثقفين، كذلك مشاركة الشباب لأن أي طاقة مهملة تتحول للهدم.
ب – اهتمام واعٍ لكل مجمع بالكنائس التابعة له وإصلاح أحوال الكنائس المهملة والشبه مغلقة والتي لا يسأل عنها أحد.
جـ – تجديد الفكر الكرازي من خلال الأساليب الكرازية الحديثة (مؤتمرات، إذاعة، قنوات فضائية، فيديو، تمثيل، موسيقى، رياضة .. )
د – تقديم منحة دراسية مرتين على الأقل كل سنة لقسوس الصعيد وذلك بهدف التجديد والمتابعة تشرف عليها كلية اللاهوت.
هـ – العمل بمبدأ محاسبة المقصر المخطئ وتشجيع العامل باجتهاد.
و – اختيار بعض الطلبة الراغبين في الخدمة في الريف وتقديم دراسات إضافية بعد التخرج في التنمية الريفية والإرشاد الزراعي وكل ما يؤهل للخدمة بفاعلية في الريف ليصبح من يخدم في الريف هو المتميز وليس المنفي (الدراسة تمتد لسنتين بدرجة ماجستير).
ز – العمل على تطوير كلية اللاهوت فرع إسكندرية وإنشاء فرع آخر بأسيوط وتشجيع الطلبة صباحي ومسائي للدراسة بكلية اللاهوت.
في الختام أقول إنها محاولة لمناقشة هذه القضية بل هي دعوة لك أنت أيضًا لتشارك في حلول أخرى عملية لمزيد من الخدمة والامتداد الفاعل في ملكوت المسيح ولمجده وحده.
انتهى الاقتباس.
خبرة رعوية
ما زلت أتحدث عن حقبة الريف والتي كانت بالنسبة لي رائعة ومتميزة لعدة أسباب الأول أنى كما قلت سابقًا ابن المدينة، ولم أزر الريف في حياتي فكانت بالنسبة لي اكتشافات مستمرة فلأول مرة مثلًا أكتشف أن هناك في الريف أناسًا في منتهى الذكاء فالذكاء والشطارة لا تقتصر على المدينة أو أهل المدينة، والذكاء أيضًا ليس قاصرًا على الذين تعلموا فقد ألتقيت بأناس لا يقرأون أو يكتبون لكنهم في منتهى الذكاء والقدرة على الإقناع في أي موضوع يريدون الحديث فيه، وأحيانًا في اجتماع «المفاوضة» وهو عبارة عن اختيار مقطع من الكتاب المقدس أو إحدى الآيات، كنت أحيانا أستمع لتفسير غير مسبوق من أشخاص أميين، فمثلًا مرة كنا نتفاوض أو نتناقش حول قصة المولود أعمى، كل شخص يقول رأيه، فوجئت بشخص أمي يقول أن هذه المعجزة أثبتت أن يسوع هو الابن وهو كان مع الآب الخالق أثناء الخلق، فانتبهت لما يقول لكى أصححه وإذ به يقول: «الكتاب بيجولنا» -يقول لنا- أن المولود أعمى يعنى عماه ليس بسبب مرض ما كما حدث مع طه حسين، وطه حسين أصيب بمرض في عينيه وهو طفل وفشل الأطباء في علاجه، وعندما سافر لأوروبا لم تنجح فرنسا في علاجه رغم أنه كانت عيناه مفتحة قبل المرض، ولما التهبت عالجوه أهله بطريقة بلدية فأصبح أعمى، لكن هذا الولد مولود أعمى، إذًا الرب يسوع لم يصنع معجزة بها عالج الأعمى أي شفاه، لكنه لاحظ أنه خُلق أعمى، أي في تكوينه من قبل أن يولد أعمى، إذن هو مخلوق ينقصه جزء لم يخلق من الأصل ولأنه ناقص في خلجته (خلقته) تفل يسوع على الأرض وصنع من التفل طينًا ووضع الطينة مكان العين، يعنى بصراحة هو خلق عين بها حياة وركبها له لجسد فيه حياة، هذا التفسير لاهوتي كتابي لم يتطرق أحد إليه .لقد قرأت كثيرًا في كتب التفاسير، لم أجد أحد تطرق لهذه الفكرة، لقد أراد الرجل أن يتحدث عن يسوع الذى لديه القدرة على الخلق، هنأته بعد الاجتماع على تفكيره الفطري الخطير والرائع، وسألته هل في حد جاء وزاركم في الكنيسة وقال الفكرة قال بغضب: لع محصلش يا ابونا، قلت له جبت الفكرة دي منين ؟ قال أنا باخلي ولدى أو حد من الكنيسة اللي بيعرفوا يقروا ويكتبوا يقرأ لي، وبعد ما يقرأ لي أفكر في الجزء الذى قرئ وعندي حاجات كثيرة من دي. الحقيقة انا ذهلت وقعدت طول الليل أفكر كيف يتعامل الله مع الإنسان، لا شيء يقف في وجه الروح القدس للوصول للناس حتى لو كانوا عميانا وفقراء وجهلاء ومرضى … إلخ
الحقيقة أنا مجدت ربنا، وهذه القصة كانت إحدى القصص التي جعلتني أصدق بالمعجزات، لأن تفسير عم ويصا للنص معجزة في حد ذاتها أعظم من شفاء الأعمى إنها الاستنارة الروحية.
حكاية لاهوتية
كان الدرس اللاهوتي عن ماذا بعد الموت؟ بدأ الأستاذ في طرح النظريات المختلفة والمتعددة، وهنا سأل طالب هل حقيقة توجد حياة بعد الموت؟! صمت الأستاذ قليلًا وقال سأحكي لكم قصة من الصين: ذهب راهب بوذي إلى رئيس الدير الذي يعيش فيه مكرسًا ذاته للإله بوذا، وسأل هل هناك حياة بعد الموت؟ هل يوجد مكان لراحة الأنفس أو حياة أبدية قبل اللقاء مع بوذا، أم نلتحق ببوذا مباشرة بعد الموت؟ لكن رئيس الدير بعد ما استمع له لم يجبه، في ثاني يوم سأل الطالب نفس السؤال ولم يجد إجابة بل صمتًا، وثالث ورابع وفي المرة الخامسة ولكي يجعل رئيس الدير يجاوبه بعد أن سأله ولم يجب قال بصوت خشن عالٍ إذا لم تُجبني عن سؤالي سوف أترك الدير لماذا أعيش في دير على رجاء أن نفسي ستخلص وأنت لا تريد أن تؤكد هذه الحقيقة؟ وأردف وإذا لم تجبني سأترك المكان.
هنا تكلم رئيس الدير قائلًا أنت تشبه إنسانًا وجه له شخص مجهول سهمًا مسمومًا انغرس في يده، وهرع عليه الناس أقرباءه وزملاءه وحملوه وذهبوا به إلى الطبيب، إلا أنه رفض إخراج السهم من جسده وعلاجه إلا إذا أجاب المحيطون به عن ثلاثة أسئلة أو يتركوه يموت:
١– الإنسان الذي ضربني بالسهم هل هو أبيض أم أسود؟
٢ – هل هو طويل أم قصير؟
٣ – هل هو يؤمن بالديانة البراهمية (البوذية) أم خارج الإيمان.
هنا سأل رئيس الدير الراهب:
ما رأيك في هذا الشخص ؟! قال الشاب مجنون
أجاب رئيس الدير من السهل جدًا إلقاء أسئلة تتحدث عن ماذا بعد الموت ويمكن أن نتناقش فيها شهور وسنين ونتفق ونختلف حوله، هذا السؤال يا ولدى لا إجابة عليه دون أن نبدأ السير في طريق الحياة الأبدية.
وجه الأستاذ سؤال إلى تلاميذه وهو يلملم أوراقه:
ترى ماذا كانت إجابة الأستاذ، هذا السؤال لا إجابة عليه فعلا أم ماذا أراد منهم؟!
قال واحد بالطبع توجد حياة أبدية قال آخر ليس شرطًا على الأقل ليس نارًا وجهنم قال ثالث لماذا نسأل مثل هذه الأسئلة؟
في تلك اللحظة كان الأستاذ وصل إلى نهاية القاعة وإذ به يسمع طالبًا يقول: هذا سؤال لا إجابة له الإجابة هي المسيرة الروحية في ذاتها، فنحن من السهل أن نتكلم عن الطريق دون أن نبدأ السير فيه أو كذلك يمكن أن نتحدث عن مكونات دواء دون أن نتعاطاه ما الفائدة؟ الحل هو أن نبدأ السير.
هنا توقف الأستاذ عن السير والتفت إلى التلميذ المتحدث وصفق له.
مختارات
«إذا أردت اختبار معدن رجل امنحه سلطة»
«خير لك أن تظل صامتًا ويظن الآخرون أنك أبله،
من أنك تتكلم فتتأكد الظنون»
إبراهام لنكولن