واحد أم ثلاثة؟
الهدى 1233 يوليو 2021
نؤمن نحن المسيحيين بالله الواحد، ونعترف في صميم عقيدتنا بأنَّه «لا إله إلا الله»، ونعتمد في ذلك على الكتاب المقدس، الذي يُعلن دائمًا وأبدًا «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ» (1تيموثاوس 2: 5). كما تذكر التوراة أنّ: «الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية 6: 4). وتأتي الوصية بفم الله قائلاً: «أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ … لا يَكُنْ لكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (تثنية 5: 6، 7). (راجع أيضاً تثنية 32: 39، إشعياء 43 : 10، 11، 44: 6، 45: 5، 21، 22).
وقد أعلن المسيح أن: «هَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3)، وهذا ما ردده الرسول بولس حين قال: «نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ وَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً» (1كورنثوس 8: 4).».. وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ» (غلاطية 3: 20).
وهكذا يشهد تاريخ المسيحيّة، والمجامع المسكونية، كيف قاومت الكنيسة، وبشدة كل من نادى بوجود أكثر من إله، إيماناً بهذه العقيدة الجوهريّة في الإيمان المسيحي، عقيدة وحدانيّة الله، فالله هو واحد، وهو خالق العالمين بكلمة قدرته، وهو سيد التاريخ، وإليه يرجع مصير الإنسان.
لكننا نؤمن أيضًا بأنَّ هذا الإله الواحد إنما هو ثالوث، وهذا ليس معناه أن الله ثالث ثلاثة، أو أنه ثلاثة آلهة، أو أنه إله واحد ظهر في ثلاث هيئات أو تجلَّيات، فقد سجَّل الوحي أنَّه «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (تكوين 1: 1)، وبشَّر الملاك القديسة العذراء بميلاد المسيح قائلًا لها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا 1: 34، 35). وهذا ما أعلنّه أيضًا المسيح عندما أوصى تلاميذه بالإرساليّة العظمى، قائلًا: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلىَ الأَرْضِ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ –الله الواحد- الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متى 28: 18 – 19)؛ كما أنَّ الكتاب المقدس ملئ بالشواهد الكتابيّة التي تؤكد إيماننا بالله الواحد، (تثنيّة 6: 4، 5: 6-7، يوحنا 17: 3، 1كورنثوس 8: 4).
وفي إيماننا المسيحي لا نقصد بوحدانيّة الله، الوحدانيّة الحسابيّة العدديّة، لأنَّ الله لا يُعد؛ ولا الوحدانيّة المجردة، التي لا صفات فيها، لكننا نؤمن بالوحدانيّة الجامعة المانعة، أي الشاملة والجامعة لكل ما هو لازم من صفات الله بالفعل، بصرف النظر عن وجود الكائنات أو عدم وجودها، لأنه بذلك يكون منذ الأزل الذي لا بدء له، عالماً ومعلوماً، عاقلاً ومعقولاً، محباً ومحبوباً، دون أن يكون هناك تركيب في ذاته أو شريك معه، الأمر الذي يتوافق كل التوافق مع كماله، واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود.
إنها وحدانيّة تتصف بكل الصفات الإيجابيّة اللائقة بها، وحدانيّة لها مميزات خاصة بها. تنشأ بسببها بينها وبين ذاتها علاقات خاصة منذ الأزل وإلى الأبد.
إنَّ الإيمان بالله الواحد الثالوث، يحلّ الكثير من المشكلات، مثل مشكلة وجود الصفات في الله، أو وجود الواحد الفرد، أو الواحد المُطلق، ويقودنا لفهم سر التجسد الإلهي، وعمليّة الخلق والفداء والتقديس، كما أنّ الثالوث محور الكرازة والإيمان المسيحي.
يا الله أشكرك لأنك أعلنت لنا عن نفسك، فلستَ الإله المتعالٍ، الذي يمنعك علوك من الارتباط بنا، لكنك مَن سعيت نحونا وخلصتنا ومنحتنا أن نكون أبناء لك.