دراساتدراسات كتابية

البناء والبنيان في ضوء كتابنا المقدس

الهدى 1232                                                                                                                               يونيو 2021

البناء والبنيان مصطلحان متقاربان في المعنى ولهما معنا ايجابيًا لكل من يستمع اليهما، فهما يحملان معنا عكس الهدم، ومما لا شك فيه أن معظم الناس، إن لم يكن جميعهم، يحبون البناء ويكرهون الهدم، إلا إذا كان هناك من له مصلحة خاصة من وراء الهدم.
وعلى الرغم من تقارب المصطلحان في المعنى إلا أنَّ مصطلح البنيان يشير إلى الاستمراية والتراكمية، وهما كأسماء يشيران إلى الشئ الذى تم بناؤه، وكأسماء فاعل يشيران إلى نشاط البناء. والبناء قد يشير إلى البناء المادى (أو الجسدي)، وقد يشير إلى البناء الروحي، وهنا سوف نتحدث عن البناء الروحي من خلال كتابنا العظيم: الكتاب المقدس.
أولًا: معنى ووصف البنيان:
كما ذكرنا في المقدمة أن البناء والبنيان هما عكس الهدم، إلا أن الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس يقدم لنا معانى جميلة وعميقة من خلال الآيات المذكورة في الاصحاح الرابع والأعداد من 13 إلى 15 «إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ. 14 كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالًا مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. 15 بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ،» التى منها يتضح ان البنيان هو :
– تكامل وكمال (أفسس 4: 13 ) ننمو «إلى إنسان كامل»
– وحدة واتحاد (أفسس 4: 13 ) ننمو «إلى وحدانية الإيمان.»
– ثبات في الإيمان (أفسس 4 : 14) ننمو «كى لا نكون أطفالًا مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس، بمكر إلى مكيدة الضلال».
– نمو في المسيح (أفسس 4: 15) بل صادقين في المحبة ننمو في كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس: المسيح.
ثانيًا: من هم المعنيين بالبنيان؟
1. الرعاة: فالبنيان هو غاية الوظيفة الرعوية، إذ يؤكد كلام الرب على لسان الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس على أن الرب له المجد أعطى لكل شخص وظيفة معينة، ولكن الجميع يعملون من أجل هدف واحد هو تكميل عمل القديسين لبنيان جسد المسيح؛ إذ يقول: «وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ» (أفسس 4: 11-12)
2. أصحاب المواهب الروحية: يمنح الرب المواهب الروحية لبعض المؤمنين مثل موهبة الشفاء أو موهبة التنبؤ أو موهبة التسبيح أو موهبة التكلم بألسنة أو موهبة الكرازة والشهادة، الخ، ليس لهدف التظاهر أو التفاخر أو المتاجرة بها، ولكن كما تؤكد كلمة الرب، لهدف بناء الكنيسة، والمقصود بالكنيسة ليس مجرد المبنى، بل جماعة المؤمنين. «وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، وَلكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ، إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ، حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَانًا. (1كورنثوس 14: 3-5)، هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا.
3. أصحاب السلطة الروحية: منح الرب ومازال يمنح بعض المؤمنين الحقيقيين السلطة الروحية المصحوبة بالحكمة والمعرفة الروحية للحكم في الأمور الروحية التى قد يختلف أو يتساءل حولها من يتقابلون مع المسيح، هؤلاء أيضًا يجب ان يكون استخدامهم لهذه السلطة من أجل البنيان وليس الهدم. فبولس الرسول يقرر قائلًا: «فَإِنِّي وَإِنِ افْتَخَرْتُ شَيْئًا أَكْثَرَ بِسُلْطَانِنَا الَّذِي أَعْطَانَا إِيَّاهُ الرَّبُّ لِبُنْيَانِكُمْ لاَ لِهَدْمِكُمْ، لاَ أُخْجَلُ. (2كورنثوس 10: 8)، لِذلِكَ أَكْتُبُ بِهذَا وَأَنَا غَائِبٌ، لِكَيْ لاَ أَسْتَعْمِلَ جَزْمًا وَأَنَا حَاضِرٌ، حَسَبَ السُّلْطَانِ الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهُ الرَّبُّ لِلْبُنْيَانِ لاَ لِلْهَدْمِ.( 2كورنثوس 13: 10)
4. هو غاية اتحاد الكنيسة : الكنيسة هم أعضاء لكل منهم وظيفته وخدمته ومسؤوليته، ولكن في نفس الوقت يجب أن يمثلوا اتحادًا واحدًا أى أعضاء كثيرون متحدون في جسد واحد هو جسد المسيح، الهدف منه هو البنيان. يقرر الرسول بولس ذلك قائلا: «الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ. (أفسس 4 : 16).
ثالثًا: كيف يتحقق البنيان؟
من خلال كلام الله نرى أن البنيان كما يريده الله له المجد يمكن ان يتحقق بالمحبة : فـ «الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي». (1كورنثوس 8: 1) «لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ.كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا. (1كورنثوس 10: 33)، وبسلام الكنيسة: «وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَر» (أعمال 9: 31)، وبالابتعاد عن المجادلات، إذ يوصى بولس تيموثاوس أن يوصى أهل أفسس قائلًا: «وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَهَا، تُسَبِّبُ مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ اللهِ الَّذِي فِي الإِيمَانِ» (1تيموثاوس 1: 4)، وبالخضوع لأمر الله به «فَلْنَعْكُفْ إِذًا عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ، وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ» (رومية 14: 19)، و بجعله الهدف من كل عمل: «أَتَظُنُّونَ أَيْضًا أَنَّنَا نَحْتَجُّ لَكُمْ؟ أَمَامَ اللهِ فِي الْمَسِيحِ نَتَكَلَّمُ. وَلكِنَّ الْكُلَّ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لأَجْلِ بُنْيَانِكُمْ» (2كورنثوس 12: 19).
رابعًا: ماذا نبنى وايهما اهم؟
هل نبني أنفسنا أم بيوتنا وأسرنا أم مجتمعنا الداخلي (الكنيسة) أم مجتمعنا الخارجى (الوطن) أم في ملكوت الله؟ أن الرب له المجد ليس ضد أن الإنسان يبني نفسه وأسرته ووطنه، فبدون أن يبنى الإنسان نفسه (عن طريق التعليم والعمل وجلب الرزق)، لن يستطيع أن يبني أسرة، وإذا لم يستطيع أن يبني أسرة، لن يكون هناك مجتمعًا كنسيًا أو وطنيًا، فالكنيسة أو الوطن ليسوا إلا عدة أسر يجمعهم هدف واحد ومكان واحد.
ولكن السؤال الأهم هو أيهما أهم: البناء في كل هذا أم البناء في ملكوت الله؟ المشكلة أن الغالبية يعيشون معظم حياتهم أن لم يكن كلها من أجل البناء في العالم، وأثناء ذلك يؤجلون البناء في الملكوت وقد تضيع عليهم فرصة البناء في ملكوت الله إذا انتهت حياتهم فجأة.
أنهم لا يدركون أن كل ما يحققوه في العالم باطل الأباطيل، وفي هذا يقول سليمان الحكيم في سفر الجامعة 1: 2-3 : «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ. مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟.» كما أنهم لا يدركون أن كل ما حققوه في العالم هو شئ مؤقت وزائل، أما ما هو باق إلى الأبد هو ما نبنيه في ملكوت الله، ولهذا يوصينا الرب يسوع له المجد في متى 6: 19- 20 قائلًا: «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ».
خامسًا: هل البناء يكون ماديًا أم روحيًا؟ وأيهما أهم؟
مرة أخرى نؤكد أن الله ليس ضد أن يبنى الإنسان نفسه وأسرته ماديًا، فكلمة الرب تقول لنا: «من لا يريد أن يعمل فلا يأكل أيضًا»، كما أمر الله آدم أن يعمل الأرض التي أخذ منها، ويقول له «بعرق جبينك تأكل خبزك». ولكن نعود ونؤكد أن العمل الروحي أكثر أهمية لأن مكافآته ستكون أبدية، بولس الرسول كان يصنع خيامًا من أجل تسديد الاحتياجات المادية ولكن العمل الروحي (الكرازة والتبشير والشهادة ليسوع المسيح ) كانت هى الأمور الأكثر أهمية في حياته، لذا يقرر قائلا في 1كورنثوس 9 : 16: «لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ».
وعلينا أن نتذكر أن البناء الروحي له عوامله وهى: كلمة الرب والإيمان والصلاة والصوم والقدوة الحسنة، وله مواده وهى: الكرازة والشهادة وخدمة الآخرين والزيارات والوعظ.
سادسًا: ما هى مواصفات البناء المطلوب؟
هل هو بناءً هشًا أم بناءً صامدًا؟ علينا أن نتذكر مثل الرجل الحكيم الذي بنى بيته على الصخر فأتت الرياح وقامت العواصف ولكن البيت صمد أمامهما ولم يسقط، والرجل الجاهل الذي بنى بيته على الرمل فأتت الريح وقامت العواصف، فسقط البيت وكان سقوطه عظيمًا. (وعلى هذا نحن نريد بناءً صامدًا، والبناء الصامد هو الذى يكون له رؤية واضحة وأهداف محددة وخطط مدروسة، ويتصف بالاستمرارية والتكامل). ولذ يتطلب البناء المراحل الآتية:
أولًا: وضع رؤية قابلة للتحقيق، أي تصور مستقبلي لما نريده أن يكون على أرض الواقع.
ثانيًا: وضع الأهداف ذات المواصفات الآتية: مستمرة – نافعة – جذابة – قوية – واقعية (ليست خيالية وقابلة للتحقيق) – قابلة للقياس – محددة الوقت.
ثالثًا: يجب أن تشمل الأهدف: هدف عام بعيد المدى مثل هدف الله (له المجد) الذى هو «بناء الملكوت». وأهداف ثانوية فرعية مثل أهداف الله له العظمة وهى تعريف الإنسان به واظهار القدوة في السلوك وخلاص الإنسان وحث الإنسان على خلاص نفسه.
رابعًا: وضع الخطة لتحقيق الأهداف: مثال: شملت خطط الله له الأكرام :- التجسد ومخالطة الناس – الصلب والقيامة – ارسال الروح القدس
خامسًا: توزيع العمل/ الأدوار على المشتركين في العمل: مثال : الثالوث القدوس (الآب والأبن والروح القدس):- الله الآب يرعى ويدبر – الله الابن يعلم و يظهر سلطان الله ويخلص ويفدى – الله الروح القدس يبكت ويرشد ويعزى ويقوى وينير الطريق ويعطى السلام.
سادسًا: التعاون على أداء العمل: كل من هو مشترك في العمل يعمل في اتجاه هدف محدد، وفي نفس الوقت الجميع يتلاقون معًا لتحقيق الهدف المشترك، ولا يوجد هدف ذاتي لمجد ذاتى أو مصلحة شخصية، مثال: الأقانيم الثلاثة جميعهم يعملون من أجل هدف واحد عام هو بناء ملكوت الله.
وهذا على عكس الملاك الساقط الذي أراد أن يعمل لذاته وتمرد على الله له القدرة والسلطان فسقط سقوطًا عظيمًا إلى الهاوية. نقرأ في إشعياء 14: 12_ 15 «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَال أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ».
– وعلى عكس أهل بابل الذين أرادوا أن يبنوا مجدًا لأنفسهم ففشلوا فشلا ذريعًا: «وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْمًا لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ». فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ». فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ، (تكوين 11: 4 )
نماذج مشرفة للبناء
1. بناء أسوار أورشليم: ماذا فعل نحميا من أجل ورفع العار عن شعب اسرائيل؟
– سأل على أحوال الذين نجوا من السبي وعلى أورشليم (رغم أنه كان في السبي وظروفه النفسية لا تسمح بأن يسأل عن أحد)- تأثر بشدة بما سمع – جلس وبكى وناح أيامًا – وصام وصلى أمام إله السماء – أظهر حزنه امام الملك ارتحشتا – صلي وطلب الأذن للعودة لديار أهله للبناء – تفقد المدينة – جمع الناس الإيجابيين للعمل – رد بحكمة على السلبيين – وزع العمل على المشاركين – واجه الحاسدين للعمل بالصلاة والاصرار على مواصلة البناء. أنه اتبع خطوات روحية حكيمة فتحقق له النجاح بمعونة الرب.
2. فلك نوح
إذا سألنا من الذي بنى الفلك؟ ستكون الإجابة بالطبع هو «نوح» ولكن من المهندس العظيم الذى وضع التصميمات؟ أنه الله له المجد. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا «ما العجيب في هذا البناء؟» والإجابة ستكون أنه كان بناءً هندسيًا متكاملًا مبنيًا على رؤية واضحة للمستقبل إذ يلبي كل الاحتاجات لجميع المخلوقات للمدة من بداية دخول الفلك وسقوط الأمطار حتى جفاف الأرض وظهور اليابسة وخروجهم من الفلك، والتى وصلت إلى 370 يوم، أي عام كامل وخمسة أيام.
3. بناء العالم (الخليقة)
قد يوجد من يتساءل عن سبب قيام الله له المجد بخلق كل هذا العالم المهول بنظامه المعقد والمتداخل ومكوناته وتركيباته وعلاقاته العجيبة سواء للناظر بعينه المجردة أو للباحث والدارس بتعمق، والإجابة هي أن الهدف الأوحد والجوهرى كان خلق إنسان تكون له علاقة بالله له المجد، فالله (شخص) اجتماعي علاقاتي، ومع أن الهدف كان خلق الإنسان، إلا أن الله لم يبدأ بخلق الإنسان، إذ أن الله له المجد، كان قد وضع تصور للإنسان أن يكون كائن حي، وهذا الكائن يحتاج إلى نور وظلام متعاقبان للعمل والراحة، ومياه للشرب، وطعام مصدره النبات والحيوان والطيور والأسماك، وهؤلاء يحتاجوا مياه وأمطار واختلاف الظروف الجوية على مدار فصول العام واختلاف الظروف المناخيّة باختلاف المكان، ….الخ، لذا نجد أن الله له المجد لم يبدأ بخلق الإنسان ثم بقية مخلوقات العالم، بل خلق كل هذا العالم أولًا ليكون جاهزًا لاستقبال الإنسان ليتمكن من الحياة ككائن حي، وكان هذا بناء على رؤية واضحة وعجيبة لدى الرب.
والعجيب في هذا النموذج من البناء كما يبدو للدارس لقصة الخلق في مطلع سفر التكوين يجد أن الله نفذه بترتيب منطقي عجيب حسب طبيعة المخلوط واحتياجاته إذ بدأ بخلق النور وفصله عن الظلمة فصار النهار والليل، ثم خلق الجلد (السماء) لفصل مياه تحت الجلد ومياه فوق الجلد، ثم اليابسة (الارض) ومجتمع المياه (البحار)، ثم النورين العظيمين لحكم النهار والليل ولكي تكون لآيات وأوقات وأيام وسنين، ثم النجوم، ثم الحيوانات والطيور والأسماك لتجد البيئة والظروف معدة لها لكي تعيش وتتكائر، ثم أخيرًا: الإنسان (ذكرًا وأنثى)، ليجد كل ما يحتاجه للحياة، مُعد ومهيئ له في أحسن صورة.
أن البناء في ملكوت الله عمل عظيم والرب يسنده ويدعمه وله مكافآت سماوية دائمة ولكنه يحتاج إلى إيمان بالفكرة وتصميم، ثم وضع رؤية واضحة، ثم وضع اهداف مححدة، ثم تخطيط وتنفيذ، ثم تقييم، ويتخلل كل هذا الصوم والصلاة طلبًا لمعونة الرب له المجد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى