رأي حر

الشعور بالغرور والتعالي على الأخرين

الهدى 1213- 1214                                                                                                          سبتمبر وأكتوبر 2019

يعبر الغرور عن سلوك الإنسان الذي يعكس في داخله الكبرياء في شكله المتضخم والمبالغة في الثقة بالنفس، حيث يتصرف الشخص المغرور بفخر كبير ويشعر بأنه الأفضل ويحاول التقليل دومًا من شأن الآخرين، كما يفخر بافتراضه مهمًا للغاية دون وجود مبرر حقيقي.
لذلك يعبر الغرور عن مشاعر داخلية لدى الشخص قد تكون في الحقيقة مغايرة لما يظهر على حاله في الظاهر، حيث يمثل ذلك ببساطة واجهة وقناع جيد لإخفاء الحقيقة ذلك، مما يدل على انعدام الأمان لديه بشكل عميق مما يدفعه للتمثيل وارتداء الأقنعة.
في هذا المقال أود أن أشير إلى مخاطر هذا الفكر مُدعمًا بالنصوص الكتابية المختلفة.
السمات المميزة للغرور والاعتداد بالذات:
1) أنا الافضل 2) الأخرون أقل 3) تبني بعض الأفكار الغريبة أو غير المالوفة
1) أنا الافضل:
يؤدي الغرور إلى تضخم الذات والشعور بالأفضلية مما قد يعد إلى حد كبير أمر شائع في مجتمعاتنا العربية لدرجة أنه قد لا يناقش على أنه سلوك مريض أو خاطئ.
إنه ينطوي على وضع الناس في خانة الجهل والفشل والدونية. وهناك أرخص وسيلة لتحوز بالشعور بالأفضلية على الأخرين هو إنك تسلك سلوكًا جامحًا كالتدين الظاهري، ولا مانع أن تلتزم ببعض الفروض، أو ترتبط بالمقدسات دون أن تتلامس بلقاءٍ حي مع القدوس نفسه، ولنا في الكتاب المقدس مثل شهير هو مثل الفريسي والعشار، (لوقا 18: 9 – 14)، حيث قال المسيح «لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ هذَا الْمَثَلَ: «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلًا: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ»؛ والمثل واضح جدًا بمن أراد أن يضع نفسه في مرتبة أعلى من الأخرين آلا وهو بالطبع الفريسي فلم ينل شيئًا من الله لأنه في الواقع لا يستحق. وذلك بالطبع على العكس تمامًا من العشار الذي شعر بصدق أنه «غير مستحق» وأنه يرغب قلبيًا قبول الله له فأخذ ما أراد.
2) الأخرون أقل:
إذا كان «أنا الأفضل»، هو فكر مدمر فإن أسهل أمر حينئذ سيكون التقليل من مكانه الأخرين واحتقارهم. ويعد هذا سلوك مدمر فهو يؤدي إلى غلق كل أبواب التقدم والنمو في وجه الأخرين. وقد يحدث هذا في مجال العمل أو في كنيسه الله فيؤدي إلى متاعب وآلام عميقة تنخر في عظام جسد المسيح.
إنَّ التعقل والتوجه الواعي يدعم الاستفادة الجادة ويؤدي إلى البناء الجمعي المتكامل وبمعنى أخر تزكية روح الفريق. دعونا نقرأ ما قاله المسيح في: إنجيل (لوقا 14: 7-9)، «وَقَالَ لِلْمَدْعُوِّينَ مَثَلاً وَهُوَ يُلاَحِظُ كَيْفَ اخْتَارُوا الْمُتَّكَآتِ الأُولَى: «مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ فَلاَ تَتَّكِئْ فِي الْمُتَّكَإِ الأَوَّلِ لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ يَكُونُ قَدْ دُعِيَ مِنْهُ. فَيَأْتِيَ الَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهَذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ تَأْخُذُ الْمَوْضِعَ الأَخِيرَ.»؛ وقد قال أيضًا: «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى 11: 29)، كما قيل «لأَنَّ اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (1بطرس 5: 5)، وقال الحكيم سليمان: «الْمُعَلِّي بَابَهُ (بيته) يَطْلُبُ الْكَسْرَ» (أمثال 17: 19).
ولنقرأ في (فيلبي 2 :2و 3) «.. مُفْتَكِرِينَ شَيْئاً وَاحِداً، لاَ شَيْئاً بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
لا شيء بتحزب أو بعجب: قد يعجب الإنسان بذاته فيفرض نفسه على الأخرين لأنه (كما يرى) أفضل منهم. حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم: هذه قد تُترجم هكذا «فليحسب كل واحد الأخر أفضل منه». نحن نعلم أن كل انشقاق في كنيسه الله سببه وجود مفهوم مغاير لنمو الكنيسة ونهضتها
3) تبني بعض الأفكار الغريبة أو غير المألوفة:
هذا هو أصعب سلوك إلا وهو الاستبعاد الكامل لمن هو مختلف عنهم. أنه ينطوي على سيادة ثقافة «من لم يكن معي فهو ضدي» فمن هذا الشعور ينشأ العجب والغرور. إن هذا السلوك إنما نوع من الفريسية العمياء. لنرجع إلى الشاهد الكتابي التالي ونقرأ ماذا وصف المسيح أصحاب الأفكار الغريبة
(متى 23: 23-24)، «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! “هم يظهرون كمدققين للغاية فيعشرون النعناع والشبث والكمون، فالتدقيق هنا في وصية العشور ليس هدفه مجد الله بل مصالحهم الشخصية. فهم توسعوا في تنفيذ وصية موسى عن العشور وجعلوها تشمل الأشياء التافهة كالنباتات الصغيرة. ولم يوصوا الشعب بالرحمة تجاه الأرامل والأيتام والفقراء «طوبى للرحماء لأنهم يرحمون».
تعملوا هذه= تدفعون العشور في كل شيء. ولا تتركوا تلك= الرحمة. إذًا ليس معنى كلام المسيح عدم دفع العشور بل الاهتمام بالرحمة. يصفون عن البعوضة= يُصَفون مشروباتهم في مصفاة لئلا يكون بها بعوضة تنجسها، والبعوضة هي أصغر الحشرات النجسة أي التدقيق في الأمور الصغيرة. ويبلعون الجمل= هم رأوا البعوضة ولكنهم لم يروا الجمل. فلأنهم أصحاب النظرة القاصرة لم يروا المسيح الذي أمامهم كابن لله ولا عرفوه بل صلبوه، لقد أظلم الرياء وحرفية العبادة عيون قلوبهم.
أخيرًا
علينا أن نعي ونلاحظ جيدًا مخاطر الشعور بالغرور والتعالي على الأخرين .. فقد يبدأ بمجرد فكر عن هذا الأمر ثم سرعان ما يتحول إلى سلوك وبعد ذلك قد يتجه إلى منحنى خطير في استبعاد تام للمختلف عني
أصلي أن كنيسه الله تخلو من أصحاب هذا الفكر والسلوك تمامًا من أجل إعلان مجد المسيح في وسطها.

القس رأفت رؤوف الجاولي

* تخرج في كليّة التجارة جامعة أسيوط 1988م،
* ثم تخرج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 1995م،
* خدم في الكنيسة الإنجيليّة في بنها،
* سِيمَ راعيًا للكنيسة الإنجيليّة الثانيّة بالطيبة، سمالوط، المنيا عام 1997م،
* نُصِّبَ راعيًّا للكنيسة الإنجيلية في سيدي بشر قبلي-الإسكندريّة عام 2000م،
* أصبح قسًا مرسليًّا (Missionary Pastor) وسط اللاجئين العرب في لوس أنجلوس 2011،
* يخدم مع عدد من الكنائس المشيخيّة الأمريكيّة في مجال الكرازة والتدريب، له عدد من الكتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى