الهدى 1208 أبريل 2019
رأينا خلال الأيام الماضية هول الأحداث الجسام لقتل وإصابة عدد من المصليين في مسجدين بنيوزيلندا والعجيب للغاية أن المتهم كان لديه إحساس بالانتصار، والزهو.
لقد وجهّت السلطات في نيوزيلندا تهمة القتل إلى المتهم برينتون هاريسون تارانت، المشتبه به الرئيسي، في حادثة إطلاق النار على مسجدين، التي وقعت الجمعة الموافق 15 مارس وأسفرت عن مقتل 50 مصليًا وإصابة العشرات. فعالم اليوم يبدو وكأنّه على شفا حرب أبادة من نوع جديد، حرب ركيزتها الأساسية الكراهية حيث انتشر التطرف والإرهاب
أولًا: بين قبول وحب الآخَر
1) قبول الأخر: في مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي عقد بالإمارات مؤخرًا بحضور الإمام الأكبر د. أحمد الطيب والبابا فرنسيس الثاني بابا الفاتيكان .ذكر د. أحمد الطيب أن: «وثيقه الأخوة الإنسانية لهذا المؤتمر إنما تدعو لرفاهيه السلام بدلًا من الكراهية» كما ذكر البابا فرنسيس أننا: «نريد أن نكون عائلة واحدة. فلا يجب أن تستخدم الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب». و»المتعصب؟ هو ذلك الشخص الذي يضع العصابة (المنديل) علي عينيه فلايري أمامه. في الموعظة علي الجبل قال الرب يسوع في (متى 5: 46 -48).
«لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ».
لماذا نحن أحيانًا لا نقبل الآخر؟
ا-لأننا لا نرى فيه إمكانية التغيير: فقد نعامله بحدة لأن الفراغ الناشئ عن عدم المعرفة تملؤه الأوهام. كما فعل سمعان الفريسي اذ رفض المرأة الخاطئة التي قبلها المسيح فهي أتت إلى بيت سمعان حيث المسيح كان موجودًا فتكلم في نفسه قائلاً: «لَوْ كَانَ هَذَا نَبِيّاً لَعَلِمَ مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئِةٌ» (لوقا 7: 39)
ب- عدم تحقير الأخرين أو أدانتهم: «ومن هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه، لا لمحاكمة الأفكار. واحد يؤمن أن يأكل كل شيء، وأما الضعيف فيأكل بقولاً. لا يزدرِ من يأكل بمن لا يأكل. ولا يَدِن من لا يأكل من يأكل لأن الله قَبِلَهُ. من أنت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت أو يسقط ولكنه سيثبت لأن الله قادر أن يثبته» (رومية 14: 1- 4).
2) حب الأخر: كلمة «محبة» جاءت في الكتاب المقدس بمعاني مختلفة
agapy أجابي αγάπη : لكن النوع الفريد من المحبة هو وهي محبة لغير مستحقيها،،هي التي تعطى بلا مقابل كمحبة الله لنا: «المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء. وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدًا» (1كو 13: 4- 8)، هذه هي المحبة التي تريد الخير للجميع مهما كان معتقدهم الديني أو جنسهم.
كيف قدم المسيح الحب للجميع؟ ذهب المسيح إلى السامرة فارتقى بالمرأة ونقلها من السقوط إلى الرفعة والكرامة كما عمل ايضا علي كسر العداوة التي قد تفصل بين البشر إما بوازع ديني أو عقائدي كالتي تفصل بين اليهود والسامريين (يوحنا 4 : 4-42) أليس هو القائل :»سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (متى 5 :43-45)، فالمسيح قصد كسر جذور العداوة بين البشر من خلال مقابلة المظلوم للإساءة بروح هادئ واحتمال الألم مع محبة المسئ حتى إن كان عدوًا أو مختلفًا عنك والإحسان إليه والصلاة لأجله. ورفض ان يجعل المبادئ الدينية مقيده للإنسانية كما قاوم الفريسيين المتزمتين الذين قدسوا السبت شكليًا ولم يبالوا بالإنسان فقال: «السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ.» (مرقس 2: 27).
ثانيًا: خدمة الأخر كيف تكون؟
إن أروع نموذج يمكن أن يعبر بقوه عن خدمة الأخر المختلف تمامًا هو «مثل السامري الصالح» الذي سرده الرب يسوع علي مسامع ذلك الناموسي المجرب:
«وإذا ناموسي قام يجربه قائلًا يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ. فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك. فقال له بالصواب أجبت افعل هذا فتحيا. وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوع ومن هو قريبي؟»
فأجاب يسوع وقال إنسان كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض أن كاهنًا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي أيضًا إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا وأركبه على دابته وآتى به إلى فندق وأعتنى به. وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص. فقال الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا» (لوقا 10: 25-37)
ونستطيع أن نستخرج بعض المعاني الأساسية للمثل وهي:
1) أن قريبي هو كل إنسان يحتاج لمعونة: حتى لو كانت هناك عداوة بيني وبينه. ولاحظ أن كل خدمة نقدمها هي مقدره لنا في حسابات الأب السماوي المحب، فالله لا ينسى ابدا من يقدم كأس ماء بارد باسمه.
2) «اذهب أنت أيضًا وافعل هكذا»: فالتحرك لأغاثه المحتاج عاجلًا هو يجب ان يكون الشيء الواضح والاساسي وربما ما يدهشنا هنا انه عمل انساني بحت فهو ليس مصنف بالنسبة لنا انه عمل روحي مثل العمل الفردي او الافتقاد او غيره من الخدمات الكنسية المعتادة. لكن الرب يسوع لم يفصل العملين عن بعضهما البعض لأنه ببساطه كل عمل انساني يتم باسم المسيح هو لمسه روحيه لعالم جريح.
3) الاهتمام بالخدمة للمجتمع: أرهقتنا تصنيفات البشر فهناك مؤمن والخاطئ وهناك الفاجر والخاطئ القريب لعمل النعمة و… الخ فدخلنا في جدل كبير حول ما هيه النفوس المتعبة حولنا دون أن نمد يد العون الصادقة لانتشال الغريق ولنجده المتألم اليائس. يجب أن يستمر المسمى الصحيح آلا وهو «الكنيسة والمجتمع أو الكنيسة في خدمه المجتمع» بدلًا مما هو حادث كثيرًا اليوم مما يمكن أن نطلق عليه «الكنيسة المجتمع» حيث كل تحركنا يكون داخل أسوار الكنيسة فقط.
4) مساعدة الأخر مكلفة: ولكن هناك بعض الناس الذين لديهم تجارب موجعة في محاولة مساعدة الآخر فساعدوا أشخاصاً لكنهم لم يقدروا هذه الروح المسيحية في الحب والعطاء فلا تدع المرارة تأخذك إلى نقطة الإحجام عن مساعدة الآخر»… وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ (يُساعد الآخرين) أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ لكي يتمجد الله في كل شئ بيسوع المسيح …» (1بطرس 11:4)، فلا تدع الخوف، والشك، وعدم الإيمان، والغيظ، والمرارة تُعيقك عن خدمتك بأن تكون مُبارِكاً، وعطَّاءً ورافعاً للآخرين. وكُن فرحاً دائماً وممتلئاً بالإيمان، عالماً أن الله هو الذي يُكافئك عن تعب محبتك تجاه الآخر.
مع صلاتي أن يعطينا الرب حياة شاهده تقبل وتحب الأخر بل تخدم الأخر وتعتبره قريبًا وصديقًا لمجد المسيح أمين.