الهدى 1213- 1214 سبتمبر وأكتوبر 2019
سألوه هل تنوي أن تصبح مسيحيًا؟ فردّ بطريقة مذهلة.
سألتني اليوم أحدى الصحف هل تنوي أن تصبح مسيحيًا؟
فقلت كان يسوع معلمًا ولم يكن رجل عصابة، وكان الذين من حوله تلامذة ليس فيهم جنرال حرب واحد أو جنرال برتبة عميد أو لواء، كانوا على قلتهم متنورون وليسوا حربجيين أو أصحاب سكاكين، لذلك كل مثقف اليوم يجب أن يقرأ رسالة المعلم الأولى التي كتبها بخط يده لقد كان المعلم مثقفًا وكان مهندسًا للكبار وللصغار ولم يعش على أكتاف تلاميذه، كانت رسالة المعلم واضحة لا يحملها إلا المتعلمون والمتنورون، لقد كان يسوع معلمًا ولم يكن محاربًا، ونحن مثقفون نبحثُ عن المُعلم وهذا أوانه قد ظهر، ولم يمت المعلم المسيح في حادث سير مروع على طريق البصرة أو دمشق أو في طريق عودته من الناصرة إلى بيت لحم ولم يمت المعلم بنيران صديقة من أصدقائه ولا بنيران معادية من أعداءه،كانت رسالته مقروءة ومفهومة ولم يمت المسيح وهو يضع رأسه في أحضان امرأة لعوب أو شغوف أو هنوف كانت بجد رسالته واضحة للعيان، ولم يمت المسيح وهو ذاهبٌ إلى ملهى ليلي أو وهو ذاهب لشراء حاجة من الحانة التي خلف بيته كانت رسالته شفّافة.
لم تكن رسالة المعلم معنية بالاتفاقيات الدولية لعقد صفقة تجارية تكون فيها المسيحية أو دفع الجزية، ولم تكن ذات برامج في علم الفلك أو في الشمس وهي تدور حول محورها، لقد كانت رسالة المعلم إنسانية محضة، ولم يمت المسيح أثناء سقوط طائرة البيونغ فوق المحيط الأطلسي، ولم يمت المسيح وهو يحمل سيفه دفاعًا عن نشر دينه وتبليغ رسالته بالقوة لقد كانت رسالة المعلم ذات أهداف إنسانية نبيلة، ولم يكن بارعًا في حمل السلاح ولا حتى العصا، ولم يمت في معركة دموية ضد أقرباءه أو ضد الفريسيين أو الصدوقيين ولم يعش لينتقم من أعداءه، ولم يره أحد وهو يحمل بيده سيفًا أو رمحًا طويلًا ولم يكن مهتمًا بالحرب والقتال ولم يكن تلامذته من المحاربين الأشداء الأشاوس بل كانوا بريئين مثل الأطفال أمام معلمهم، ولم يبعثوا برسائل تهديد إلى ملوك العالم، وآمنت روما برسالة المعلم من غير أن يدخلها سيفٌ من سيوف المعلم أو رمح ٌ أو فارس ٌ على ظهر جواده آمنوا بتضحية المعلم التي كانت رسالته رسالة تضحية،ولم يشاهده أحدٌ وهو يضحك وشاهده الكثيرون يبكي كما جاء في الإنجيل، لقد بكى على ما سيحلُ بنا إن ظهر الدجال في كل عصر وكل شارع وكل مدينة وقرية، ولم يمت حبيبي المسيح وهو متكئ على جنبه اليمين وبجانبه الغلمان والطليان والبخور والند والروائح الكريهة للدماء وهي تسيل في بلاطه، ولم يمت حبيبي أليسوع وهو في بركة للسباحة مع أشهر عارضات الأزياء في العالم، ولم يكن سائحًا يجوب العالم ولا رحالة،كانت رسالة حبيبي قصيرة جدًا قرأتها ذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة فشعرتُ خلالها بالدفء التام.
ولم يكن يعملُ شاعرًا مادحًا ولا جلادًا ولا جابيًا للضرائب، ولم يكن يكتبُ رسائل عشق ولا رسائل غرام بل كانت رسالته رسالة فداء ألهمت الفنانين الكاثوليك في عصر النهضة، ولم أسمع عن حبيبي أليسوع وهو يهدم هيكلًا دينيًا ليقيم عليه كنيسة الرب، ولم يكن المسيح دجالًا ولا مغنيًا ولا مطربًا ولم يكن يعملُ في سوق النخاسة نخاسًا ولا في سوق الجواري قوادًا ولم يرقص لا مع الذئاب ولا الكلاب ولا مع العاهرات، ولم يكن يفسدُ ما أصلحه الدهر ولم يفرّق يومًا ما جمعه الرب، ولم يكن صاحب دعوة سياسية أو عنصرية أو إقليمية ولم يكن مزينًا ولا حشاشًا ولا قاطع طريق،ولم يكن صاحب كتاب بل صاحب رسالة، لقد كانت رسالة المعلم ذات معاني كثيرة وسامية، ولم يكن ممثلًا ولا مهرجًا ولا ماسح أحذية في بلاط الرومان، ولم يكن يشكي من ألم في معدته ولا في رأسه ولم يكن قلبه مريضًا ولم يمت وهو يحتسي الشاي أو القهوة أو وهو ينتقلُ من بيت صاحبةً إلى أخرى، ولم يكن ساحرًا يصنع التعويذات من السحر، ولم يدعي شيئًا ليس به، ولم يتاجر بأحلام الغلابة والمساكين ولم يطرد موظفًا من محل عمله ولم يأمر تلامذته بشن حرب شعواء على أهل المدن المجاورة،ولم يقاسم التجار تجارتهم، ولم يعط فرصة للتجار بأن يخلفوه من بعده، ولم يمنح أحدًا وسامًا من الدرجة الأولى أو رتبة في الجنة على قتله للناس وللأبرياء، ولم يجلس في مجلسه القتلة المأجورون ولا أصحاب الدكاكين الكبيرة والصغيرة، ولم يكن مهتمًا بالإعلام ولم يكن يقيم وزنًا للشكليات، كانت رسالة المعلم في جوهرها عميقة، وكان في حبه شريفًا وكان في عطاءه سخيًا وكان طوال حياته في كل يوم يبدو كيوم ولدته أمه.
ولم يكتب في رسالته التي قرأتها أنه مثلًا سيفتح جنة عرضها السماوات والأرض للذين يقتلون الأبرياء والمساكين، كان محبًا للناس ويباركهم في الطرقات، وكان يرى الله أبًا وهو ابن ٌ له ولم يكن يراه منتقمًا وهو لم يكن ليحب أن يرَ نفسه عبدًا لله بل ابنًا يرعاه أبوه الذي في السموات.وكان رحيمًا بهم ولم يبشر بدجالٍ يأت من بعده ولم يكن يومًا مداهنًا للشيطان ولم يدعي أنه قتله في معركة اشتركت فيها معه الملائكة،ولكن كل ما علمناه عنه أنه لم يسمح للشيطان بأن يعشش في رأسه فلم يجرب الله في الوادي ولم يبيع دنياه بوادٍ من الذهب، ولم ينظر للقذى في عين أخيه وكان لا يحبُ أن ينظر الناس للقذى بعيون إخوانهم وعيونهم ممتلئة بالأخشاب، ولم يكن بهلوانيًا في اللغة فلم يهتم بصنعة الإنجيل البلاغية ولم يدع أن إنجيله معجزة لغوية لذلك ضاعت لغتنا لغة السريان الأوائل لأنه اهتم بتقديس الإنسان قبل تقديس اللغة، ولم يكن شخصية خرافية ولا أسطورية، كان عاديًا جدًا، ولم يكن أصفر اللون ولا رماديًا ولم يكن وجهه مستطيلًا ولا مربعًا على عادة أصحاب الوجوه الإجرامية، ولم يكن وجهه عبوسًا، ولم يكن وجهه من الوجوه التي تصلح لأفلام الرعب والإثارة الجنسية،ولم يكن ظهره محنيًا ولم يكن مارقًا على القانون ولم يكن هاربًا من سجن القلعة، ولم يكن داهية من دهاة المال والصيارفة أو الدعاية الهدامة والبهرجة ولم يقل للناس أنتم كفار، ولم يكن مختار عشيرة ولا ملكًا ولا إنبراطورًا ولا جبارًا في الأرض، ولم يعتقل سياسيًا ولم يكن متخذا من اليهوديات ولا السريانيات ولا الكنعانيات أزواجًا متعددة، ولم يكن صاحب مصالح تجارية،، ولم يقبض عليه وفي خزانته ملايين الدراخمات ولم يسمعه أحد وهو يقول هذا رزق ساقه الله إليّ، ولم يكن عبدًا لأحد ولم يكن لديه عبيد ولا جواري ولا قيان، ولم يشاهده أحد وهو ينفذ جرائم حرب بحق أقرباءه ولم يسمح لأي زاني بأن يرجم امرأة زانية، ولم يسمح للصوص بأن يعاقبوا الناس على جرائم الرشاوى والسرقات، ولم يحمل على ظهره إلا النير، ولم يكفر أحدًا بل كفر بدمه القاني عن كل أعمالنا، ولم يأمر المرأة بأن تركع لزوجها ولم يأمر زوجها بأن يركع لها بل صلى من أجلنا جميعًا وهكذا أمرنا بالصلاة.
ولم يدع أنه سيفتح مشروع باب الجنة بالجملة بيديه ولم يقل أن مفتاح القفل معه ولم يبن للمجرمين في ملكوت الرب فنادق 5من خمسة نجوم أو قصور عالية.
ولم تسجد أوراق الشجر للمعلم وهو يمشي في الأسواق، ولم يأمر الناس أن يذكروه عدد أوراق الشجر وزبد البحر، ولم يكن له صولجان مثل صولجان الأباطرة، ولكن كل الأباطرة والقياصرة من بعده حكموا العالم لأنهم حملوا رسالته وليس سيفه.