خدام وقادةعظماء خدموا الكنيسة

شخصيات لا تنسى .. الشيخ متري الدويري

الهدى 1252-1253                                                                                                          يناير وفبراير 2024

الشيخ مِتري صليب الدِّويري، مِصريٌّ صعيديٌّ من قرية الدِّوير، مركز صِدفا، محافظة أسيوط، كما يشي لقبه. كان كاتبًا ومُترجمًا وعَلمًا من أعلام الكنيسة الإنجيليّة في مِصر، ونصيبه كنصيب غالبيتهم من قِلّة التّدوين والتّأريخ لحياتهم وأعمالهم. المعلومات عن حياته الخاصّة شحيحة جدًا، كما أن التّدوين عنه ليس إلّا شذرات متفرِّقة أغلبها بين سطور كتاب تاريخ الكنيسة الإنجيليّة في مصر لكاتبه أديب نجيب سلامه. أحاول في هذه الورقة أن أنسج هذه الشذرات التي وجدتها -بصعوبة- معًا، في محاولة أوّليّة للتأريخ عن هذا الرّاحل الفاضل، علَّها تفتح الباب لاحقًا لعمل أوسع.

وُلِدَ الدَّويري في 17 ديسمبر 1871م،[1] لعائلة مسيحيّة قبطيّة في صعيد مصر، ويُقال أن والده كان كاهنًا قبطيًا في بلدته الدِّوير.[2] تلقى الدِّويري تعليمه في مدرسة الكنيسة الإنجيليّة في الدَّوير، ثُمَّ في مدرسة الأمريكان في أسيوط. حصل على دبلوم كلية أسيوط عام 1895، وعُيّن مُدرسًا في دمياط عام 1907، كما علَّم في ملوي ومشطا والمنيا والإسكندريّة، وفي مدرسة اللّاهوت أيضًا. وانضم عضوًا في الكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة، وانتُخب شيخًا في الفجّالة والإسكندريّة،[3] وانتُدب في عديدٍ من مجالس الكنائس منها: الملك الصالح، وشبرا، وشبرا الشرقيّة، وحلوان، وبنها. انتُخب عضوًا في المجلس الملي عام 1929، ونائبًا لوكيل الطائفة من عام 1937 حتَّى وفاته عام 1950، وقت أن كان الشيخ ألكسان أبسخيرون وكيلًا للطائفة (1911-1949)، وخلفه ألفريد جندي ويصا، الذي شغل هذا المنصب من عام 1950 حتَّى 1956. كان الدَّويري واعظًا أساسيًا في كل كنيسة علّم في مدرستها، وعقد أول اجتماع في الإسكندرية للمُصيّفين عام 1907 في جهة الرَّمل، وهي الجهة ذاتها التي أسس فيها لاحقًا كنيسة السّراي. كما امتدَّ نشاطه أيضًا خارج القُطر المِصريّ إلى السّودان.

  كان الدَّويري أحد أبرز مُعاوني المُرسَلين الأجانب الأوائل في مصر، كما كان أحد أعضاء المجلس الأوّل للكنيسة الإنجيليّة في العطّارين في الإسكندريّة، مع: الدكتور هوج، الدكتور فني، والدكتور جفن، والدكتور روي، والسيد ميخائيل إقلاديوس، والسيد إسكندر حموي. تأسست الكنيسة الإنجيليّة في العطّارين نحو 1867، داخل مدرسة الأمريكان، وانتقلت بعد فترة إلى مقر الكنيسة الأسكتلنديّة، وفي يناير 1902 دُشن المبنى الحالي لها.[4] كما كان الدِّويري حاضرًا وضع حجر أساس الكنيسة الإنجيليّة في ميت غمر عام 1926، مع القس فيرمان والدكتور القس غبريال الضّبع وآخرين.[5]

كما يذكر نجيب سلامه أيضًا، أن الدِّويري كان أحد الكُتّاب الأوائل في مجلّة النّشرة ثُمَّ تولى تحرير مجلة المُرشد عام 1908،[6] وقد قرَّر سنودس النّيل الإنجيليّ عام 1936 تعيين الشيخ متري صليب مُحرِّرًا مسؤولًا لدى الهيئات الرسميّة، إذ كان هو المحرر المسؤول عن مجلة الهُدى منذ عام 1911م، وحتى وفاته في 1950م.[7] شارك الدِّويري عام 1940 في افتتاحيّة العدد الأوّل من مجلّة الصحيفة، التي حلّت محل مجلّة صحيفة المساعي.[8]

اهتم الدِّويري بتنشئة الأطفال المسيحيين تنشئة قويمة، فكان له السّبق في أن الطائفة الإنجيليّة عام 1893 كانت أوّل من أدخل مدارس الأحد على يده، ومن بعدها الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة على يد حبيب جرجس عام 1902، حسب ما أفاد به القس ويلسن نجيب راعي الكنيسة الإنجيليّة في دندرة–قنا. وفي هذا الصَّدد أيضًا، أسس الدِّويري عام 1900 مجلة نجم المشرق، وهي مجلة اهتمت بالطّفل،[9] ونظرًا لجهوده في مجال خدمة الطّفل تولى الدِّويري عام 1914 منصب سكرتير عام اتحاد مدارس الأحد في مصر والسودان والشرق الأدنى حتَّى عام 1937.[10]

إلى جانب اهتمامه بتنشئة الطّفل، اهتم الدِّويري أيضًا بالعلمانيين والشيوخ، فانتُخب سكرتيرًا لجمعية نهضة الشيوخ والعلمانيين التي أسسها ألكسان باشا أبسخيرون، عام 1917، وألقى الدِّويري خطابًا في احتفالها الأول عام 1918 بعنوان أعمال وآمال. عام 1928، كانت أوّل مُشاركة رسميّة للخُدَّام المصريين في اجتماعات المحفل العام للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة المتحدة في أمريكا، في سانت لويس، هذا الانعقاد الذي اُختير الدِّويري لحضوره مُمثلًا عن الكنيسة المصريّة، وقد حضره بالفعل وألقى خطابًا أمام أعضاء المحفل قدَّم فيه تقريرًا شاملًا عن خدمة الكنيسة الإنجيليّة في مصر وتطورها التّاريخيّ، نشرت الهُدى هذا الخطاب على جزئين في عدديها الصادرين في 25 يناير و8 فبراير 1929.[11]

ولنقف على قدر هذا الرّجل، دعنا نسمع ما يقوله توفيق حبيب في كتابه الفجّالة قديمًا وحديثًا، في نشرة مؤسسة هنداوي، عام 2017، ص51، تحت عنوان نهضة العِلمانيين ومدارس الأحد:

إلى جانب مدرسة البنات الأمريكيّة شقة صغيرة مؤلّفة من قاعة وغرفتين يُقيم فيها الشيخ متري صليب الدِّويريّ مُحرِّر جريدة الهُدى، وصاحب مشروع نهضة العلمانيين، ومُدير حركة مدارس الأحد. ﻫﺬا الرجل يقوم بمُفرده بعملٍ ﻻ يقوى عليه أكثر من واحد، وسيكون للنهضة -السّاعي في إتمامها، أثرًا في حياة طائفة الأقباط الإنجيليين إن لم يُدركه أبناء الجيل الحاضر، فسيجني أبناؤهم فوائده.

كتب الرجل عددًا من المقالات في مجلّة الهُدى، وترجم عددًا من الكتب منها: الولد ومدرسة الأحد، وكتاب مدرسة التّوراة الصيفيّة 1935عام ، المُعلّم في التعليم عام 1921، الأستاذ الجليل بين مُرسلي وادي النيل عام 1917، مقام المسيح المكين في إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الغزالي، صراخ المستغيثين من أبناء الشرقيين،[12] نقطة الاتصال في تعليم الأطفال، رسالة تيطس عام 1935، وغيرها. اشترك الشيخ مِتري الدِّويري مع د. القس غبريال الضبع وآخرون عام 1930 -تبعًا لقرار سنودس النّيل الإنجيليّ- في لجنة انتخبت عددًا من الترانيم لتكون ملحقة بترانيم نظم المزامير، وقد انتخبت اللّجنة نحو 150 ترنيمةً. وعام 1932 قرّر السنودس أن تختار اللّجنة 75 ترنيمة من نظم المزامير و75 ترنيمة من غيرها مع النوتة الموسيقيّة، وتُضم جميعها في مجلد واحد يُطبع 10 آلاف نسخة، وهو الكتاب المعروف بـ مُنتخبات المزامير والترانيم (1932). في عام 1937، في الثالث والرابع من مارس، ألقى الدِّويري كلمة عن القس يوحنّا هوج في الاحتفال بالعيد الماسي، في الجامعة الأمريكيّة في مصر.[13]

في حفل وداع الدِّويريّ (سبتمبر 1950) قال القس لبيب مشرقي من ضمن كلمته: «…ولكَ أن تمُدَ بصرك في طائفتنا في أيَّة جهة، هناك سترى الشيخ متري…» [14] كان الدِّويريّ عضوًا بارزًا في السنودس، وصاحب رأي ومشورة، ما من قضيّة إلّا وكان له فيها رأي وصوت. ناضل كثيرًا من أجل مكان للشيوخ في المجامع والسنودس.

يذكر القس لبيب مشرقي أنَّه: «جاء [الشيخ متري] في أحد الأيام مُستندًا إلى عكازين، لأنَّه لم يستطع أن يضطجع وهو مريض في الوقت الذي يتطلّب العمل وجوده. وقلت له يومذاك: ’أتظن أن العمل لا يقوم بغير وجودك؟‘ فضحك وقال: ’أعلم أنَّه يقوم بغيري أفضل مني، ولكنني أعتقد أنني لا أستطيع أن أقوم بغير العمل.[15]‘«  تشي سيرة الرجل بأنَّه لم يهدأ عن العمل ما كان زفير في صدره، حتَّى في أشد لحظات ألمه. يحكي القس لبيب مشرقي أيضًا هذه الذكرى قائلًا: «…صُدم الشيخ متري في أحب أبنائه إليه، ماتت ابنته العزيزة لورا، وكانت تجربة قاسية مرَّة. وقد جلس يحدثني عنها وزفراته تقطع نياط القلوب، حتَّى خُيِّل إليّ أنَّه لن يكف عن البكاء، لكنَّه غداة واراها التُّراب، رأيته جالسًا بين المُصلّين في احتفال الصّلاة، ثم رأيته -وما أعجب ما رأيت- يقف ويصلّي!»[16]

يبدو أنّنا أمام عملاقٍ متوارٍ علينا أن نكشف عنه، علَّنا نقتفي أثره، ونجني ثمار ما غرس.

[1]     عزرا مرجان، سحابة من الشهود، (مصر: لجنة الإعلام في مجمع الدلتا، د.ت)، ص20.

[2]     نقلًا عن صفحة الكنيسة الإنجيليّة في سوهاج على موقع التّواصل الاجتماعي. اُطلع عليه بتاريخ 9 ديسمبر 2023.

https://www.facebook.com/SohagEvangelicalChurch20/posts/pfbid0Wbj2eZXcN6bJ3ZJSCqjBpMaNyArgeo5hLt9wLpxR1axpjCupPZZQAT39CYbH3cXSl

[3]     عزرا مرجان، مرجع سابق، ص20.

[4] سلامة، تاريخ الكنيسة الإنجيليّة في مصر، ص81.

[5] المرجع السابق، ص87.

[6]     المرجع السابق، ص266.

[7]     المرجع السابق، ص267.

[8]     المرجع السابق، ص230.

[9]     المرجع السابق، ص218.

[10] المرجع السابق، ص215.

[11] المرجع السابق، ص285.

[12] يذكر الأب لويس شيخو هذا الكتاب في كتابه، تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، بيروت: دار المشرق، 1991، ج1، ص481. كما يذكره أيضًا: سيد بن حسين العفّاني، أعلام وأقزام في ميزان الإسلام، السعوديّة: دار ماجد عيري للنّشر والتوزيع، 2004، ط1، ص242. لكنّه يذكره خطأً باسم الشيخ متري حبيب الدِّويري.

[13] سلامة، مرجع السابق، ص342.

      ملحوظة: يذكر سلامة أن الخطاب نُشر في عدد 25 يناير والعدد الذي تلاه، غير أنَّه بالرجوع إلى أرشيف الهُدى وجدنا عددًا فاصلًا بينهما هو عدد 1فبراير 1929، حيث كانت الهُدى تصدر أسبوعيًا آنذاك.

[14] عزرا مرجان، مرجع سابق، ص20.

[15] المرجع السابق، ص 22.

[16] المرجع السابق، ص 22.

مهندس جورج إسحق

* مهندسٌ معماريٌّ، وباحثٌ في التراثِ العَربيِّ المَسيحيِّ؛
* كاتبٌ ومُحرِّرٌ؛ مديرُ تحريرٍ،
* عضو عددٍ من هيئات تحرير مجلات ودوريَّات مصرِيَّة.
* طالب ماچستير في كليَّة لاهوت Puritan Reformed Theological Seminary ميتشجان - الولايات المتحدة الأمريكيّة.
* عضو سابق في مجلس الإعلام والنشر في سنودس النيل الإنجيلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى