فنون

قفص الطير .. مواجهة مخاوفنا العميقة

الهدى 1207                                                                                                                                 مارس 2019

صدر هذا الفيلم عن موقع الأفلام «نيتفليكس» Netflix، (شركة للميديا تعرض الأفلام على موقعها) وقد شاهد هذا الفيلم الذي صدر في ديسمبر عام ٢٠١٨؛ ما يقرب من ٢٦ مليون شخص من مشتركي موقع «نيتفليكس».
يعتبر من أفلام الرعب حيث تحدث في وقت إذا نظرت فقط من النافذة يمكن أن تقتل وتموت.
الفيلم من إخراج سوزان بيير Susanne Bier والقصة من تأليف «جوش ماليرمان Josh Malerman» بالرغم من أنه مصنف من أفلام الرعب، لكنه يحتوي على معنى عميق. تفترض قصة الفيلم حدوث هجوم من كائنات غريبة لا نعرف كنهها، ينتج عن دخولها إلى عالمنا موت ملايين من الناس. هذه الكائنات غير الأرضية تجذب الناس للنظر إليها، وعندما ينظر الناس إليهم نجدهم يقتلون أنفسهم بانتحار عنيف. إذا قوة هذه الكائنات في التأثير العقلي على الناس، الذي يؤدي إلى أن يقتل الناس أنفسهم. من سياق الفيلم نعلم أن هذه الكائنات توثر تأثيراً مختلفاً لمن هم ذوي اعاقة عقلية، حيث تأسرهم ليكونوا كخدام لها، يجذبون الأصحاء للنظر إليهم فيقتلون أنفسهم.
تقدم النجمة الشهيرة «ساندرا بولوك Sandra Bullock» دور «ميلوري»، وهي امرأة تحاول إبقاء طفليها الذين تناديهم ببساطة ليس بأسماء، لكن بـ (ولد، وبنت). معهم قفص به بعض الطيور، التي تشعر بسهولة بوجود الكائنات. لذلك ترافق الطيور العائلة طوال الفيلم، وتراهم في أغلب المشاهد، فاسم الفيلم (قفص الطيور).
هذه السيدة وأولادها يظلون على قيد الحياة لمدة خمس سنوات، بعد أن مات كل شخص على وجه الأرض تقريباً بعد وصول هذه الكائنات.
يبدأ الفيلم بعد انتشار المعلومات عن موت عدد كبير من الناس؛ تجد ميلوري نفسها في بيت آمن مع مجموعة من الناجين، هذه المجموعة تدبر أمرها بكمية مناسبة من الطعام والشراب. لكن الأزمة تضرب الجميع فيموتون، لتبقى ميلوري وحدها مع طفلين، الولد الذي كانت حُبلى به، والبنت أنجبتها امرأة آخري تدعى «أوليمبيا» في نفس الوقت تقريباً مع ولادة «ميلوري» لأبنها. هذه المرأة تموت بسبب عدم اتخاذها للحذر، فتَقتِل نفسها بسبب نظرها للكائنات، وفي آخر لحظة قبل وفاتها تسلم ابنتها الرضيعة «لميلوري»؛ فيصير الطفلان في عهدة «ميلوري»، ولد وبنت. ومعهم شخص يدعى توم، مهتماً ومعجباً «بميلوري».
نلاحظ أن الفيلم يتنقل ما بين مرحلتين، الأولي فيها تحاول «ميلوري» أن تبقى على قيد الحياة مع مجموعة من الناجين بعد أن انفجرت مأساة موت عدد كبير من البشر، أما المرحلة الأخرى من الفيلم فتحدث بعد خمس سنوات من البداية، وفيها تحاول «ميلوري» أن تنقذ نفسها وأولادها بقيادة مركب في نهر قاصدة مكان آمن، وعيونهم معصوبة، فمن يفتح عينيه ليشاهد، سيموت.
هنا يقفز فيلم قفص الطيور خمس سنوات إلى الأمام؛ حيث ينجو «توم» و «ميلوري» ويدبران غذائهما معاً ويرعيان الأطفال معاً، كأب وأم، خلال الرحلة في الغابة التي أُخبروا أن يسيروا فيها حتى يصلوا إلى النهر، الذي إذا سافروا فيه لمدة يومان فسيصلون لمأوى آمن.
يفقد «توم» حياته وهو يدافع عن «ميلوري» والأطفال بينما كان يقاتل بعض ممن تستخدمهم الكائنات للإيقاع بالضحايا، ينجح توم في قتلهم جميعاً، إلا أنه ينظر لهذه الكائنات التي توثر عليه فيقتل نفسه أيضاً.
تحبط ميلوري، لأنها رأت توم يضحي بحياته لأجلهم، لكنها تزداد تصميما على إنهاء الرحلة. تستمر في رحلة القارب ويأتون لأصعب جزء في النهر حيث ينقلب بهم القارب، وينجون جميعهم بمعجزة إلى البر الذي هو غابة يسيرون فيها راجين أن يصلوا الى المأوى الآمن الذي سمعوا عنه.
المشهد الختامي: تسير «ميلوري» والأطفال معصوبي العينين في الغابة، بعد رحلة النهر الخطيرة، يتلمسون الطريق، فتنزلق «ميلوري» بعيداً وتفقد الوعي، وينفصل الجميع بعضهم عن بعض، ويسير الأطفال في اتجاهات مختلفة، وتهمس الكائنات في آذانهم بصوت «ميلوري» ليزيلوا العصابات عن أعينهم. يجتمع الثلاثة عن طريق جرس العجلة الذي مع «ولد»، وبعد ذلك تلتقي بهم «بنت»، ويتجهون جميعاً للملاذ الآمن.
عند باب الملجأ المقفول، يقرعون بكل قواهم راجين من بالداخل أن يفتحوا لهم فأصوات الكائنات ورائهم. يُفتح الباب، ويذهبون إلى مكان بالداخل حيث تفحص عيونهم، وتكون المفاجأة أن سكان الملجأ كلهم عميان، فهم لديهم مناعة من الكائنات لانعدام نظرهم، ثم يطلق الأطفال الطيور من القفص لتطير بحرية.
تقابل ميلوري طبيبتها التي نجت أيضاً وتسألها عن أسماء الأطفال، فيقولون لها ان أسمائهم ولد، وبنت. تطلق ميلودي اسم أوليمبيا على البنت على اسم أمها، والولد تسميه توم، على اسم أبيه بالتبني.
من هم الكائنات في فيلم قفص الطيور: لا يُقدم الفيلم أي شرح عن ماهية الكائنات، ولا من أين جاءوا؟ هل هم كائنات فضائية خارقة القوة؟ وبنهاية الفيلم لا يكون لدينا كمشاهدين فكرة عن كيفية عمل هذه الكائنات.
ما نعلمه أخيراً عن هذه الكائنات هو أنها لا ترى عندما لا ينظر إليها أحد، لكننا نشعر بوجودهم عن طريق تأثيرهم على الجاذبية، فهم يأتون في صورة رياح توثر على حركة الأشجار وتؤثر على أوراق الشجر فتطير من على الأرض. هذه الكائنات ليست قوية بدنياً فهي لا تستطيع كسر النوافذ أو فتح الأبواب، لكنها تستخدم بعض الناس الذين تأسرهم، ليجعلوا آخرين ينظرون إليهم، وقد وضح من الفيلم أن هؤلاء الذين تأسرهم الكائنات، هم مرضى عقلياً، لذا يكون تأثيرهم عليهم مختلفاً عن تأثيرهم في الأشخاص العاديين.
لكن ما الذي ينظره الناس عندما يشاهدون هذه الكائنات، لا يقول الفيلم أي شيء عن ذلك. لكن يبدو أن النظر اليها يؤثر علي العقل ويجعل الإنسان راغباً في قتل نفسه. انها وحوش قوية، يستطيع الإنسان مقاومتها بعدم النظر تجاهها، كذلك تشعر بحضورها الطيور.
ما هو المعنى في فيلم قفص الطيور: علينا أن نتعلم أن يكون لدينا أمل، ونواجه أعمق مخاوفنا. فهذه الكائنات هي مخاوفنا العميقة التي تصيبنا بالأمراض النفسية والعقلية بالتركيز فيها. وعند النظر لهذه الكائنات بعمق والانغماس فيها، تصير أمراضاً عقلية تقود الكثيرين من المكتئبين للانتحار. يبدو أن الفيلم يعالج مشاكل الاكتئاب عند المرأة، بل كل إنسان. هل يأتي الاكتئاب من التسليم لمخاوفنا العميقة؟ هل يمكن أن ننجو منها بمواجهتها؟ واحد من العناصر الفعالة هو الحب، الذي أنكرته «ميلوري» في البداية، فهي تريد إنقاذ نفسها والطفلين بدون مشاعر الحب التي تعطي أمل ورجاء. لم تعطِ «ولد»، و»بنت» أسماء، إلا في النهاية.
كذلك يعالج الفيلم طبائع الناس، «فأوليمبيا» الفتاة المدللة الناعمة لا تستطيع مواجهة الظروف بل تتسبب في قتل آخرين أيضاً، على عكس شخصية «ميلوري» التي تربت عن طريق أب قاس، استطاعت أن تنقذ نفسها والطفلين بالرغم من قسوتها عليهم وعدم إعطائهم أسماء؛ حتى لا تعطيهم أمل زائف.
الملجأ الآمن يمثل الرجاء، لكنه يقدم معضلة في نفس الوقت فيجب على الإنسان أن ينفتح، وقد يصطدم بالخيانة. لكن الانفتاح على مخاوفنا العميقة يقود إلى الملجأ الآمن.
يوجد معنى عميق للملجأ الآمن الذي يسكنه العميان، فهو يشير إلى الإيمان الذي «لا يرى»، الذي دفع «ميلوري» أن تبحر في نهر هائج خطير بلا ضمان وهي مع الأطفال معصوبين العينين، هذا القرار وضع الجميع في خطر، لكنهم في النهاية ينجون جميعاً.
فيلم قفص الطيور، يفسر لنا ما الذي يجعلنا ضعفاء أو أقوياء. ظنت ميلوري أن كونها تنفتح على الحب هو ضعف، لكن الحب هو الذي أنقذ الطفلان. ثم العمى، فهو أكثر شيء حمى الناس من الكائنات المتوحشة، لكن العمى أيضاً يجعلنا مستعدين أن نعمل في العالم بدون نظر، ليكون هذا هو مفتاح النجاة.
آخر عمل تقوم به ميلوري، هو أن تطلق أسماء أوليمبيا وتوم علي الولد والبنت، وتسمح لهم باللعب مع باقي الأطفال، كذلك تجعلهم يطلقون الطيور للحرية، كأنها تسقط كل الأسوار التي شيدتها حول نفسها. فالطيور داخل القفص تصور كيف حبست ميلوري مشاعرها في القفص. لذلك تكون آخر لقطة في الفيلم، هي صورة للأمل، والانفتاح، والإيمان، فالأشياء ستصير بلا شك للأفضل.
التطبيق:
يمكن أن يسير في اتجاهين حسب الظرف والحاجة
• كيف تتعامل السيدات مع الاكتئاب، كيف يمكن أن يشعرن بالأمل من جديد ويسعون للعودة للاتصال بالناس مرة أخرى.
• كيف نتعامل مع مخاوفنا العميقة، لننطلق إلى عالم الحرية والإيمان والفرح؟
درس كتاب:
توجد شخصيات كثيرة في الكتاب المقدس تعاملت مع مخاوفها العميقة بالانفتاح على المخاوف، والإيمان، والثقة في الله والتواصل مع الناس.
1) إبراهيم: كان خوفه العميق أن يموت عاقراً بلا وريث ليرث كل ماله خادمه العاذر الدمشقي. (تكوين 15: 1، 2). كيف واجه إبراهيم مخاوفه العميقة بانفتاحه علي الله. يمكن دراسة هذا الأمر في سفر التكوين 12، 15، 16.
2) حنَّة: كان خوف حنَّة العميق أن تكون عقيمة وليست لها أولاد كضرتها. ادرس كيف انفتحت على خوفها العميق في (1صموئيل 1، 2).
3) أَلِيشَعُ: كان خوف أَلِيشَعُ العميق أن يصير وحيداً بمسئولية كبيرة فصرخ عندما أخذ الرب إيليا: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». (2صموئيل 2: 12). ما دلالة تكرار أَلِيشَعُ هذه العبارة ثلاث مرات. «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». أعداد 2، 4، 6. كيف تغلب أَلِيشَعُ على خوفه العميق؟
4) بطرس: كان خوفه العميق من الإحساس بالذنب القاتل بعد أن أنكر سيده ثلاث مرات (يوحنا 21). كيف أعاده الرب يسوع الى مركزه في قيادة التلاميذ.
5) يسوع قبل الصلب: هل كان له خوف عميق؟ آلام حمل الخطية والانفصال عن الآب، ما دلالة صلاته: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ… (لوقا 22: 42)؟
كيف تغلب يسوع علي خوفه العميق؟ وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». عدد 42 ب
6) بولس: كان لدى بولس عدة مخاوف عميقة قرب نهاية حياته وهو في السجن:
– السجن وتقييد الحرية، والحياة الخشنة
– انتهاز المتهودين الفرصة لينالوا منه ويعتلوا هم المسرح
– ماذا سيحدث للكنيسة في المستقبل وهو سجين ومقيد الحرية
– قرب نهاية حياته، واستقباله للموت
• كيف واجه الرسول بولس مخاوفه العميقة؟ (دراسة في فِيلِبِّي 1)
– كان له تمييز أثناء السجن، كيف نرى الله وهو مازال يعمل بالرغم من الصعوبات: (فِيلِبِّي 1: 12 – 14).
– كان له اختبار الفرح في الصعاب حتى ما يكون غير متأثر بالذين ينتقدوه (فيلبي 1: 15 – 18)
– كان له وجهة نظر طويلة الأمد عن عمل الله في بناء ملكوته (فِيلِبِّي 1: 18-24).
– كان له وجهة نظر عميقة عن آلام الحياة (فِيلِبِّي ١: ٢٧- ٣٠)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى