كريستولوجيا .. ميلاد المسيح
الهدى 1239 يناير 2022
لم يبدأ الأمر في العهد الجديد ولكنه متأصِل منذ البدء حيث نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية في (تكوين ٣) وأيضًا الطفل الذي سيولد مِنْ عذراء في (إشعياء ٧).
أما في العهد الجديد فنجد لوقا يهتم أنْ يذكر البشارة التي جاءت لمريم مِنْ خلال الملاك جبرائيل وكان لابد مِنْ إعلان خاص لتوصيل الرسالة لأنَّها كانت خطيرة وعجيبة وهامة. وقد كانت في الشهر السادس مِنْ حبل أليصابات بيوحنا وكانت مريم مخطوبة ليوسف. واهتم الملاك أنَّ يقول السلام لكِ – المنعم عليها – الرب معكِ – لا تخافي – وجدت نعمة في عيني الرب – بالإضافة إلى الرسالة عن يسوع وكان رد فعل مريم أولًا اضطربت وخافت ثم تحيرت وسألت ثم خضعت وقبلت المسؤولية.
لوقا يركز على البشارة مِنْ جانب يوسف وتأثيراتها عليه وشراكة يوسف في مسئولية الطفل المخلِّص فيظهر ملاك الرب له في حُلم ونعرف الرسالة التي أخذتها مريم وتفاصيلها مِنْ البشارة ليوسف وتوجيهاته له فقد كلَّمه في حُلم أربع مرات بينما ظهر الملاك لمريم مرة واحدة وبالتالي فالرسالة والمسئولية والتكليف كانوا لأسرة وليس لفرد وتحمُل المسئولية وتكلفة المسئولية كانت مشتركة بينهما.
الميلاد من عذراء
يسوع تشكل وأصبح جنيًنا في رحم أم وصار جسدًا لحمًا ودمًا مثلنا وقد كانت ولادته طبيعية جدا كباقي الولادات، ولكنه لم يكن نتاج علاقة جسدية بين رجل وامرأة. لكن نقف عند عدة أمور في معني الميلاد العذراوي.
• أولًا هل لان العلاقة الجنسية خطية؟ لا. فليس ما يجعل الإنسان خاطئاً هو ولادته عن طريق هذه العلاقة وعندما يقول داود في مز ٥١ : ٥ هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي. لا يقصد إدانة العلاقة الجنسية بل يقصد أنه خاطئ بالطبيعة قبل أن يعمل شيئًا.
• ثانيًا هل الميلاد العذراوي لكي لا يرث المسيح الخطية الأصلية من أدم؟ لا. فالذي جعل المسيح بلا خطية ليس الميلاد العذراوي ولكن هو أنه الله الظاهر في الجسد وليس طريقة الولادة فالميلاد العذراوي لا يعفي من وراثة الخطية ولكن كسر هذا القانون لأن الله هو الذي تجسد «كما يقول كارل بارت» ولأنه قُدِسَ من الروح القدس «كما يقول جون كالفن» باختصار الميلاد العذراوي ليس السبب في كونه بلا خطية ولكنه علامة على ذلك.
• ثالثاً هل الميلاد العذراوي سبباً في أن المسيح صار أدم الثاني او الجديد؟ لا. فالميلاد العذراوي ليس السبب في ذلك ولكنه علامة على ذلك.
• رابعاً هل الميلاد العذراوي جعل المسيح له جسد خيالي أي غير حقيقي؟ لم يكن المسيح جسدا خياليا كما يدعي بعض الذين يقولون أن المادة شر ولا يمكن أن يتحد بها الله. لكن المسيح كان له جسدا حقيقياً من لحم ودم وله كل الصفات البشرية الحقيقية وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية.
• خامساً هل معني الميلاد العذراوي أن الله تزوج بمريم وأنجب منها المسيح؟ لا. فهذه فكرة وثنية مرفوضة. فالله يقدم نفسه كخالق وليس كعشيق أو زوج
• سادساً هل هناك عوامل بيولوجية أو كيميائية حدثت لتخصيب البويضة وبالتالي حدث الحمل؟ لا فالأمر ببساطة معجزة إلهية وعمل الهي وليس حدثاً كيمائيا أو مثل هذه التفسيرات وهذا الأمر المعجزي كان روح الله هو العامل فيه بطريقة معجزيه وليست عادية فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أيضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ». (لوقا ١ : ٣٥).
معنى ودلالة مفهوم ملء الزمان
كلمة ملء مِنْ الفعل اليوناني بليرو يعني يملأ والبليروما هي الملء وكانت تُستخدَم لتحديد الوقت الأنسب لحدث معين مثل الوقت المناسب للحصاد. وأيضًا المرأة في البليروما أي في وقت الولادة وأنسب وقت لذلك لا يصح التأخير أو التعجيل. وكانت أيضًا بمعنى الوصول لمرحلة النضج والبلوغ وصل إلى البليروما ليترك الطفولة وقد استخدمه بولس ليعلن أنَّ ملء الزمان أي وصل العالم إلى اللحظة المناسبة جدًا.
المسيح وُلِد في ملء الزمان وملء الزمان يعني كمال الزمان الذي تتم فيه نبوات العهد القديم الخاصة بميلاد يسوع مِنْ عذراء وبميلاده في بيت لحم. وأيضًا في الوقت المعد له مِنْ الله وقد هيأ له كل الظروف والأحداث التاريخية والجغرافية والثقافية الإمبراطورية الرومانية واللغة اليونانية التي أصبحت عالمية ومعروفة لمعظم المسكونة وهي لغة دقيقة التعبير فصارت اللغة التي استُخدمت في كتابة أسفار العهد الجديد، وعددت روما الطرق لتربط بين الأمم التي تحت سيطرتها، الأمر الذي جعل مِنْ السهل على رسل المسيح أنْ يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وكافة المجالات في ذلك الوقت تهيأت بحيث يكون هو الوقت الأفضل والأنسب الذي لا تاريخ آخر أفضل وأنسب مِنْ ذلك لميلاده.
تاريخ ميلاد المسيح
الذي ابتكر هذا التقويم الميلادي هو راهب روماني يُسمَّى ديونيسيوس الصغير في منتصف القرن السادس وقد نادى بأنْ يكون ميلاد السيد المسيح هو بداية التقويم بدلًا مِنْ التقويم الروماني الذي بدأ بتأسيس مدينة روما، وقد نجح هذا الراهب في دعوته فبدأ العالم المسيحي منذ سنة ٥٣٢ ميلادية يستخدم التقويم الميلادي. ولأنَّه بدأ بعد وقت طويل فقد أخطأ ديونسيوس في هذا الحساب في عدة سنوات جعلت التاريخ الحقيقي لميلاد المسيح هو قبل التقويم ب ٤-٦ سنوات تقريبًا.
لا يقدِّم الكتاب المقدَّس تاريخًا محددًا، أو سنة محددة لميلاد المسيح في بيت لحم. توجد تفاصيل ميلاد المسيح في الأناجيل. يقول (متَّى٢: ١) أنَّ المسيح وُلد في أيام الملك هيرودس. وبما أنَّ هيرودس مات عام ٤ ق. م. فلدينا حدود زمنية يمكن استخدامها فإنَّه بعد هروب يوسف ومريم مِنْ بيت لحم مع الطفل يسوع، أمر هيرودس بقتل جميع الأطفال أقل مِنْ عمر سنتين في تلك الناحية. وهذا يشير أنَّه ربما كان المسيح في الثانية مِنْ عمره قبل موت هيرودس. وهذا يجعل تاريخ ميلاده ما بين عامي 6 و 4 ق. م. والاكتتاب هو الذي يذكره لوقا في بيت لحم هو ما بين ٦ – ٥ ق. م.
أما عن يوم ميلاد المسيح فهو غير معروف. ولذلك فقد اجتمع قادة الكنيسة واختاروا هذا التاريخ على الأرجح كي يتزامن مع العيد الروماني الوثني الذي يُسمّى مولد الشمس التي لا تُقهر ويعتقد علماء كثيرون أنَّ الهدف مِنْ ذلك كان إستمالة المهتدين الوثنيين إلى المسيحية.
استخدم الله وسائل متنوعة لكي ينشر خبر ميلاد المسيح لكل الناس:
١. نبوات العهد القديم التي لم تكن صعبة على المعلمين اليهود بل توصلوا لها بسهولة عندما كلَّفهم هيرودس بالتفتيش لمعرفة أين يولد المسيح. وأيضًا طريقة الميلاد من عذراء حسب إشعياء ٧.
٢. اختيار التوقيت الهام والمحوري والجاهزية كما وضح في ’’ملء الزمان‘‘.
٣. إعلان الملاك جبرائيل لمريم وإعلان الأمر ليوسف في حلم وإعلان أليصابات عند زيارة مريم لها وارتكاض الجنين داخلها.
٤. أعلن الله لمجموعة متواضعة مهمشة بملاك وجمهور مِن الجُند المهلل للرعاة المتبدين الذين يحرسون حراسات الليل.
٥. نجم المشرق الذي ظهر للمجوس الحكماء وعالِمي الفلك الذين أتوا مِنْ المشرق ليسجدوا للملك.
٦. إرشاد الروح لسمعان الشيخ وحنة النبية للإعلان عن المسيح داخل الهيكل.
٧. مذبحة الأطفال التي أبكت كل البلدة ومعرفة السبب وراءها ولماذا قام هيرودس بهذا الفعل الشنيع.
لقد كان الميلاد البسيط «في مذود» لأسرة مغمورة في بلدة صغرى حدثًا عظيمًا أعلن عنه الله بأنواع وطرق كثيرة لفئات متنوعة تشمل اليهود والأمم والملوك والعبيد والمتعلمين والأميين.
الاكتتاب (التعداد) الذي حدث في ذلك الوقت:
قبل ولادة يسوع بوقت قصير، أصدر القيصر أوغسطس مرسومًا بأنْ يُكتتب كل المسكونة. فسافر الجميع ليُكتتبوا، كل واحد إلى مدينته وهي رحلة توازي سفر أسبوع أو أكثر في حالة يوسف ومريم. وهذا الاكتتاب أو الإحصاء، الذي ربما كان هدفه جمع معلومات تسهِّل جباية الضرائب والتجنيد الإلزامي، ما كان ليلقى استحسان الشعب أيًّا كان وقت إجرائه خلال السنة. ومِنْ غير المحتمل أن يمعن أوغسطس في استفزاز رعاياه بإجبار كثيرين منهم على القيام برحلات طويلة في فصل الشتاء البارد. لذا ربما يكون قد حدث بعيدًا عن الشتاء.
الاحتفال بعيد الميلاد
أدخل عيد الميلاد كأحد أعياد الكنيسة في تاريخ متأخر. وربما ذلك بسبب أنَّ الكتاب المقدَّس لم ينص على تاريخ وأيضًا لأن الكنيسة كانت تهتم أكثر بموت وقيامة المسيح وركّزت في ذلك على تعبدها الأسبوعي يوم الأحد. وبعد ذلك ركزت الكنيسة على الميلاد كحجر أساس في الإيمان المسيحي فبدأت الاحتفال به وبدأ الاحتفال به في أواخر القرن الثاني وذُكر في قصة اضطهاد دقلديانوس الذي أغلق الباب على جماعة مِنْ المحتفلين بعيد الميلاد وأحرقهم داخل الكنيسة. وقد تم تحديد أيام مِنْ ٦ إلى ١٤ يناير للاحتفال به. واختار المصريون لهم ٢٠ مايو للاحتفال به. ثم تعددت المواعيد التي تم الاحتفال فيها بعيد الميلاد حتى لم يتبق شهر لم يُحتفل فيه بعيد الميلاد.
في سنة ٣٨٦م قصد يوحنا فم الذهب أن يوفق بين المختلفين فحدد ٢٥ ديسمبر. وأيد ذلك دراسة قام بها القديس كيرلس بتكليف مِنْ البابا يوليانوس لوضع حد للأمر وأصدر البابا منشورًا يؤيد هذا التاريخ. وكان ينسب عيد إله الشمس عند الرومان. بينما أصرَّ الشرق على يوم 7يناير للاحتفال به. وهناك مَنْ ألغوا الاحتفال به كالبيوريتان.