رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات مارس 2020

الهدى 1219                                                                                                                               مارس 2020

كثيرًا ما فكَّرت في العبادة الكنسية كأساس للحياة المسيحية والتي أسسها الرب يسوع ومارسها وهو على الأرض سواء بصورة فردية أو بصورة جماعية، ولفظة ليتورجيا في اللغة اليونانية Leturgia تعنى عملًا عموميًا، خدمة من الشعب وللشعب المستهدف على عمومة، وفي التقليد المسيحي، كلمة ليتورجيا تعنى أن شعب الله يقوم بالاشتراك في عمل الله. وأهم احتفال ليتورجي (عبادي) في الكنيسة منذ تأسيسها هو الاحتفال بالإفخارستيا أي (العشاء الرباني) أما باقي الاحتفالات الليتورجية فهي متصلة اتصالًا وثيقًا بالإفخارستيا واجتماع الجماعة معًا ليس مجرد جماعة تجتمع للاحتفال معًا منفصلة عن باقي الاجتماعات التي تقوم بنفس العمل. لكن أي جماعة تقوم بذلك في أي زمان ومكان إنما هي تشارك في جماعة الرب (الكنيسة) حول العالم ومع القديسين، وهي بطريقة ما عين الليتورجية السماوية، فالاحتفال بالأسرار المسيحية على الأرض هو اللقاء بالمسيح يسوع في إطار الزمان والمكان. فهو حاضر في كنيسته (جسد الرب على الأرض) حتى نهاية الأزمنة، وأعمق لقاء معه على الأرض هو «خدمة الله» (الليتورجيا)، وهنا علينا أن نؤكد أنه لا يجب أن يعلو أي شيء على الليتورجيا فالليتورجيا هي خدمة الكنيسة الرسمية لألهها وسيدها. إن الليتورجيا ليست حدثًا تحييه العظات والترانيم الجيدة والأناشيد الرائعة وهذا مطلوب في زمن انحدر فيه كل هذه الممارسات إلى الأسوأ، بل هو في الأساس نهج خدمة حي نما بقوة الإيمان، منذ ألفي عام. إذن الليتورجيا هي حدث مقدس جدير بالاحترام، وهي تشغفنا بمقدار ما نشعر أن الله ذاته هو الحاضر من خلال علاماتها المقدسة وصلواتها العذبة، وأروعها ما يستعاد من القدم أي من القرون الأولى للكنيسة والقرون الوسطى والقرون الحديثة والزمن المعاصر لماذا؟ لأن عظمة الكنيسة تتلخص في عراقتها في التاريخ وفي القدم. علينا أن نشم رائحة التاريخ ونحن نعبد في عصرنا الحديث بموسيقى ولغة وفكر معاصر. فالليتورجيا في لاهوتها هي الينبوع الذي تستمد منه الكنيسة كل قوتها وهي في نفس الوقت الذروة (القمة) التي يصبو إليها عمل الكنيسة أو خدمتها، ولذلك فعبادتنا يجب أن تشع جمالًا وقوًة: إنها أعياد الآب الذي خلقنا حيث تؤدى ثمار الأرض (الخبز – الخمر، النور، الموسيقى المقدسة والألوان الزاهية، الحركات العبادية المستخدمة) والاهتمام بكل عامل من هذه العوامل حيث أن له دور كبير في العبادة الجماعية، وهكذا نحصل وبفضل تجمعاتنا المقدسة على التعزية والمعرفة والشجاعة والقوة والبركة.
خبرة رعوية
ذكرت في الخبرة الرعوية السابقة، أنَّ الكنائس مثل الأفراد، أشكال وألوان، توجهات وثقافات، وكل كنيسة يتكون شكلها ولونها وثقافتها من الذين خدموا فيها من قسوس وعلمانيين، وتحدثت عن أول كنيسة خدم فيها الراعي، وكانت كنيسة الريف، ولأنها كانت أول تجربة للراعي فكان متحمسًا جدًا لها، وتحولت الكنيسة من جهة تبشيرية «كرازية» إلى كنيسة رعوية، ولأنها كانت الابنة البكر له، فقد أحبها بكل قلبه وكيانه، فكبرت كنيسة صحيحة لاهوتيًا وفكريًا ورعويًا، وقام الراعي بالتوسط لافتتاح كنيسة أغلقت في قرية بتعد 7 كم عن كنيسته الأصلية، وقد أصبحت أيضًا كميسة رعوية قبل أن يترك خدمة الريف، وهكذا تحرك راعينا إلى الكنيسة التالية التي أراد الرب له أن يخدم فيها.
وكانت كنيسة المركز التابع لها القرية التي كان الراعي يقوم براعيتها وقد قام برعاية كنيسة المركز بجوار القرية لمدة عام ثم تفرغ لها لمدة عامين وكانت أيضًا خبرة متميزة لأن هذه الكنيسة كانت من أوائل الكنائس التى بُنيت في تاريخ الكنيسة الإنجيلية في مصر، وأعتقد أنها بُنيت في أوائل القرن العشرين فكعادة ذلك الزمان كان باشا القريه عندما يعتنق الفكر الإنجيلي، وكان هذا من الأمور العادية، يبني الكنيسة والمدرسة الإنجيلية، وقد توالى على الكنيسة عدة قسوس حتى وصل الراعى لها.
حيث قام برسامة أربعة شيوخ بالكنيسة غير الشمامسة، وهذه ثانى مرة يرسم فيها شيوخًا في حياته حيث رسم في القريه أربعة شيوخ كان أحدهم مدرس ثانوي وهو الأكثر اهتمامًا بالكنيسة وثلاثة آخرين واحد منهم كان خياطًا للجلاليب وأثنان مزارعان واحد منهما أمي، وبالطبع كانت هذه التوليفة رائعة بالنسبة للقرية والعائلات، أما في رسامه شيوخ كنيسة المركز كان بينهم أستاذ للغة الإنجليزية وكان ضليعًا في اللغة العربية والموسيقى خاصة ترانيم نظم المزامير، وكان هذا الشيخ يعتبر عميد الكنيسة ودائمًا كان يلفت نظر الراعي للأخطاء اللغوية مما دعى الراعي للأهتمام باللغة العربية والإنجليزية وقد استفاد كثيرًا من الشيخ وزوجته، التي كانت نموذجًا للسيدة الخادمة المثقفة وكانت محبوبة جدًا من شعب الكنيسة والبلد، أكثر جدًا من زوجها الشيخ، وكذلك كانوا أولاده وبناته نموذجًا رائعًا وراقيًا في التعامل مع الراعي، وبعد ترك الراعي للكنيسة استمرت علاقته بهذه الأسرة لسنوات عده، تقدمت الكنيسة بقوة لكن جاءت فرصه انتقال الراعي للقاهرة، وعندما أعلن الراعي الفكرة في مجلس الكنيسة، كان رأى الشيخ استاذ اللغة أن هذا مستقبلى وأنه لا يجب أن نقف في وجه الراعي، وقد اندهش الراعي لهذا الموقف المتحضر وعندما اعترض الشيوخ قال لهم لو كانت هذه الفرصة جاءت لواحد من أبنائك ألم تكن ستفرح به. وهكذا كان انتقال الراعي هادئًا سواء من القرية أو من المدينة إلى القاهرة.
حكاية لاهوتية
في محاضرة الوعظ التفسيري أكد الأستاذ على أهمية أن العظة يجب أن تتناسق مع النص الكتابي ولا تخرج عنه، وألا تترك المستمع يتساءل وهناك أكثر من نوعية للخاتمة. هل تقترحون نماذجًا من خواتم العظات؟
قال تلميذ أن تجميع وتلخيص العظة في النهاية تعتبر خاتمة نموذجية رائعة لأنها تذكر المستمع بمحتويات العظة كاملة في دقيقتين أو ثلاثة على الأكثر. قال آخر يمكن أن تكون الخاتمة إجابات لأسئلة أثرناها في العظة مازالت إجاباتها عالقة ،ومازال المستمع ينتظرها بعد أن حاول الإجابة عليها منفردًا، قال ثالث يمكن أن تكون الخاتمة اقتراحات بإجابات لتصورات نتصور أنها أثيرت في ذهن المستمع من خلال العظة. قال أخير أو يمكن أن ننهى عظتنا بأبيات شعر مشهورة أو لشاعر معروف أو أبيات من تأليفي تكون مناسبة لتوجهاتي في العظة أو مثل شعبي أو يمكن أن تنتهى بعدد ترنيم.
قال الأستاذ: هناك جملة قالتها السامرية وهي تبشر قريتها تصلح لأن تكون خاتمة رائعة وأنتم لم تذكرونها.
قالوا: ما هي؟ وماذا تقصد؟ وهل السامرية قدمت عظة؟
قال الأستاذ: نعم كانت أقصر وأعمق عظة في التاريخ ومن أكثرها تأثيرًا، وبالمناسبة تعتبر خاتمتها نوعية متفردة ومن أقوى ما يمكن، وأنتم لم تتطرقوا لها.
قالوا بعد فترة صمت: لم تقل السامرية سوى: «تعالوا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟»
قال تلميذ ما الذي في خاتمة مثل هذه العظة لم نذكره؟
قال الأستاذ وهو يغلق حقيبته نازلًا من على المنصة: عليكم أنتم أن تبحثوا عن سر عبقرية السامرية في عظتها، وخاصة خاتمتها التي جعلت الناس يخرجون من المدينة ويأتون إليه.
فقد عودتكم على البحث عن الإجابة.
وابتسم ومضى في طريقه خارجًا.
مختارات
أيذكرني وأنساه،
وليس الحب إلا هو
وهل للقلب من أحد إذا ما الذنب أضناه
بصمت الليل يحفظني ويرعاني بعيناه
وأدعوه فيسمعني وتغرقني عطاياه
رحيم ليس يتركني إذا ما قلت أهواه
قريب لست أدركه ولا تدرك خفاياه
وفي سمعي وفي بصري دليل أنه الله
وأناجيه على خجل وأرجوه وأخشاه
وأدعوه ليرحمني فيدركني برحماه
لطيف لا يؤاخذنا وإن نحن عصيناه
رؤوف لا يقاطعنا وإن نحن قطعناه
هو الله .. هو الله .. ويا للروح إلا هو ..
«ابن القيم».

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى