رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات نوفمبر وديسمبر 2019


الهدى 1215-1216                                                                                                     نوفمبر وديسمبر 2019

تعرفت على القس مكرم نجيب لأول مرة عام 1981م عندما تم إختياره راعيًا لكنيسة مصر الجديدة بعد إنتقال العملاق إلياس مقار رئيس الطائفة ومدير كلية اللاهوت وراعى الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، إلى المجد؛ وقد إستأذن من كنيسة مصر الجديدة أن يبقى في كنيسة الشرابية والتي كان راعيًا لها حتى تختار من يقودها، وقد فوجئت بخطاب من د.عزت يونان الذي كان سكرتيرًا لمجلس إدارة كنيسة الشرابية حينذاك يخبرنى فيه بأني أحد المرشحين لقيادة كنيسة الشرابية مع ثلاثة آخرين ويريدنى أن أقبل مبدئيًا، والحقيقة ترددت كثيرًا في اتخاذ مثل هذه الخطوة حيث كنت أخدم في كنيسة مركز ديرمواس وقرية عزبة أيوب، بمجمع ملوي، وقد تزوجت وعندي شقة منفصلة في منزل والدي ومعي سيارتي الصغيرة ورتبت حياتى على البقاء ما بقيَّ لي من عمر في مدينتي المحبوبة ملوي خاصة كنت الابن الوحيد لوالدىَّ لذلك لم يكن لي أي نشاط عام سواء في حضور السنودس بانتظام أو حضور مؤتمرات الصيف … إلخ وكذلك الأنشطة العامة، فجاءت هذه الدعوة لتهزني من الداخل، ماذا يريد الرب مني؟ بعد عدة شهور إلتقيت بمكرم وأعجبت بشخصه من أول لقاء، فهو جاد في شخصه وفكره وقيادته، بعد حديث قصير أخذت عظة الأحد مساء ثم جلست مع المجلس الموسع شيوخ وشمامسة وقيادات وبعد ساعتين إستأذنت، بعدها بإسبوع تلقيت رسالة من سكرتير المجلس بأن المجلس الموسع قد إختارني كالمرشح الوحيد لرعاية الكنيسة، ولهذا يطلب مني الموافقة النهائية على التحرك، كان القرار صعبًا، لكن ما شجعني أكثر هو الإدارة الحازمة والحاسمة للأمر من القس مكرم نجيب لاختيار راع، لقد انبهرت أمام إدارته للكنيسة. بعد قبولي رعاية الكنيسة ووصولى القاهرة صرنا أقرب صديقين لبعضنا، وخاصة عندما ضمني د. القس صموئيل حبيب إلى مجموعة في مرحلة تكوينها لتلتقي من وقت لأخر للتحاور حول ما يخص الكنيسة والمجتمع بصفة عامة. بدأنا نلتقي معًا ثلاث أو أربع مرات سنوياً لكن لقاءاتى مع القس مكرم كانت أكثر كثيرًا من ذلك، خاصة بعد أن انضممت لهيئة التدريس بكلية اللاهوت عام 1984م، وكان يدعوني لخدمات كثيرة بكنيسة مصر الجديدة، ثم دعاني لمشاركته في الوعظ التدريبي لطلبة الكلية. توطدت صداقتنا معًا، وكان شعب الشرابية دائم المقارنة بيننا في طريقة إدارة الكنيسة ورعايتها حيث أننا ننتمي لمدرسة واحدة في عمق دراسة الكتاب والإهتمام الشديد بالتعليم وتنمية الحس الرعوي لشعب الكنيسة التى نرعاها. في عام 1986م سافرنا معًا والقس أنور زكى إلى سان فرانسيسكو لدراسة درجة الدكتوراة لفترة 4 شهور سنويًا لمدة 4سنوات وهكذا أصبحنا كأخوة نأكل ونشرب وندرس طوال اليوم، في عام 1991 انتخبت مديرًا متفرغًا لكلية اللاهوت وكان د.مكرم في ذلك الوقت مديرًا غير متفرغ لكلية اللاهوت فتسلمت منه الإدارة، وهكذا صرنا مدرسة واحدة بل عائلة واحدة بقيادة د. صموئيل حبيب مع د. القس فايز فارس والقس باقى صدقة ود. القس منيس عبد النور ود. عماد رمزي ود. رؤوف وهبه وجوزيف صابر. وفي عام 1997 انتقل إلى المجد، فجأة، د. القس صموئيل حبيب، وكان انتقاله صدمة مروعة فقد كان شخصية استثنائية في تاريخ الكنيسة وتاريخ مصر وهكذا انفك عقد الجماعة. في عام 1999 تركت الكلية وعدت إلى الرعاية ثانية بكنيسة شبرا النزهة، فتباعدنا، وبعد تركى للكنيسة عام 2011 واكتفائي بالنشاط العام كأستاذ بكليات اللاهوت الإنجيلية والكاثوليكية وجامعة الزقازيق مع الأنشطة الثقافية العامة الأخرى إزدادت فرص لقاءنا معًا، خاصة بعد ما تخلى عن رعاية الكنيسة. وجاء خبر إنتقاله صدمة مروعة على الجميع.
لا شك أنه في كل جماعة أو هيئة كنسية عامة يبرز فيها أشخاص يُعدَّون على أصابع اليد الواحدة في كل جيل، يصنعون تاريخًا ويضيفون أفكارًا جديدة لم تكن من قبل، يزرعون الأرض، ويحطمون الأحجار ويمهدون الطرق للقادمين من الخلف، ويعطون أملًا للشباب والأطفال في مستقبل أفضل.
ومكرم نجيب كان واحدًا من هؤلاء.
خبرة رعوية
لأسباب اجتماعية ,اقتصادية ودينية، وغيرها، ازداد في الكنيسة أعداد الفتيات غير المتزوجات رغم ضغط الأسر عليهن، وهذه النوعية من الفتيات تبدين أكثر نضجًا من الشباب في جيلهن، لذلك يرفضن الارتباط بهم بالرغم من كل الضغوطات التي تُمارس عليهن للزواج لكنهن لا يردن الزواج لفارق النضج أو لفارق السن، استمر معظمهن للنهاية ولم يندمن لأنهن حققن ذواتهن في دراسة الماجستير والدكتوراه وانشغلن في الأبحاث أو التدريس أو في مشاريع تجارية وانتهت قصتهن على ذلك، لكن هناك فريقًا ثالثًا من الفتيات اللواتي مع مرور السنين والإحساس بالملل وتهديد الوحدة تزوجن من أشخاص ليس بينهن تكافؤًا، لكنهن أنجبن أولادًا وتحملن تعب السنين.
لكن كانت هناك فتاة تبدو ناضجة ورافضة للزواج وقد حاول الراعي أكثر من مرة أن يقنعها أن تتنازل عن بعض الشروط التي وضعتها للزواج لكنها رفضت، والغريب عندما وصلت سن الأربعين التقت مع شاب مثقف أعجبها لأنه كان مهاجرًا إلى أستراليا وطلب أن يتزوجا ويسافر هو أولًا ثم يرسل أوراق الهجرة، عندها سألت الراعي فنصح بعدم الزواج لأنه كيف يمكنها أن تضمن عودته أو حتى تجاوز ظروفه القهرية، أو تعقيدات الأوراق، لكنها لم تسترح لما قاله الراعي لأنها أحبت ذلك الشاب، وقد تزوجته وصرفت معه أسبوعًا، سافر بعدها إلى أستراليا، ووسرعان ما تلقت منه خطابًا، ففرحت جدًا وفتحت الخطاب، وإذ هو إعلان عن بدء إجراءات الطلاق في السفارة المصرية؛ هرعت للراعي باكية تصرخ وتتوعد أنها سوف تطارده بكل الوسائل القانونية وأن هناك خطأ ما … إلخ، وقد اكتشفت أن العناوين كل العناوين التي أعطاها لها عنه في أستراليا كانت وهمية وكذلك أرقام التليفونات. نصحها الراعي أن تنسى الأمر لأنه لن يعود وسيستمر الجرح ينزف طالما هي في صراع مع نفسها ومعه، وعليها أن تبدأ حياة جديدة مختلفة.
حكاية لاهوتية
كانت المحاضرة عن العبادة، بعد انتهاء المحاضرة سأل الأستاذ سؤالًا: ما هو لب العبادة؟ أو أساس العبادة؟
نحن نعلم أن العبادة تكتمل بتوفر الإنسان والله والمكان كنيسة – معبد – هيكل ـ البرنامج .. إلخ سأل الأستاذ
ما هي النقطة الأساسية التي تتوفر العبادة في وجودها وتنتفي بغيابها؟
قال أحدهم: «الحضور الإلهي».
قال أخر: «الحضور الإنساني».
قال ثالث: «المكان توفر مكان اللقاء».
قال رابع: «توفر لوترجيه».
عندها الأستاذ سأحكي لكم قصة كالعادة.
كان أصدقاء جحا في طريق عودتهم مساء فوجدوه يبحث عن شيء ما، سألوه عما تبحث يا جحا؟
قال: «أبحث عن مفتاح المنزل»، ابحثوا معي، بدأوا البحث وانضم إليهم أخرون بعد فترة سألوه أين سقط المفتاح؟
أشار نحو مكان بعيد، قالوا له ولماذا لا تبحث هناك وتبحث هنا؟
قال: «لأن هنا نور وهناك ظلام!»
سأل الأستاذ: ماذا فهمتم؟؟
قال تلميذ مجرد النور لا يعنى الحق.
سأل الأستاذ: ماذا تعنى بالنور؟
قال التلميذ: المبنى (الكنيسة)، الشعب…..الخ
كنائس كل عبادتها: البحث عن المفتاح وهي لا تدري أين هو؟ تغازل الأرثوذكس أحيانًا، والكنيسة الرسولية أحيانًا أخرى، وثالثة كنيسة الأخوة.
سأل الأستاذ: ما المقصود بالمفتاح في العبادة؟
صمت التلاميذ وكأن طيرًا على رؤوسهم.
فأجاب الأستاذ: «كما اتفقنا ابحثوا عن المفتاح في المكان الصحيح ثم أجيبوا على السؤال».
مختارات
ربي وإلهي،
انزع مني كل ما يبعدني عنك
ربي وإلهي
هبني كل ما يقربني منك.
ربي وإلهي
جردني من ذاتي لكي أكون كلي لك.
القديس نقولاي فلو
(1417-1487) متصوف وناسك سويسري.

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى