رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات يناير 2022

الهدى 1239                                                                                              يناير 2022

في عيد الميلاد وُلِدَ المُخلِّص، وتعبير المُخلِّص تعبير قديم جديد، فالمُخلِّص هو من ينتظره الإنسان الذى حوكم ُظلمًا وسجن وينتظر من ينصفه أو الذى اعتدى اليه بعض الخارجين على القانون، وينتظره المريض المعدم غير القادر على العمل لكى يأتي إليه ويرفعه من على الأرض ويذهب به إلى المستشفى ويعالجه، وينتظره المسجون السياسي الذى حاول تحرير بلاده من الطغيان والظلم والديكتاتورية، فقُبض عليه وألقيَّ به في غياهب السجون بدون محاكمة لسنين هذا عددها، وينتظره كل من كان له أمل أو رجاء في المستقبل، لكن لم يستطع تحقيقه، وعاش الأسف والضيق والألم وانعدام الرجاء، في ليلة الميلاد جاء المُخلِّص، المخلص من الحزن والضيق والألم، ومن الضياع والفشل والحيرة. هناك ترنيمة تعلمناها من زمن طويل مطلعها: «جاء يسوع وتم الخلاص»، جاء يسوع الذى حرر أرواحنا من الضيق والحزن والفشل والضياع، بحث عنّا ووجدنا وأمسك بيميننا وأقامنا، ووضع في أفواهنا نغمة حب وسلام بخلاصه، لقد أتى لينير لنا الطريق إلى المجد، ذلك الطريق الذى يبدأ من الأرض ويستمر معنا طول الحياة محطمًا كل صخور اليأس، والقنوط والحزن والألم والفشل وواهبًا لنا رجاءً، لقد ولد الرجاء من العذراء المحبطة بسؤالها للملاك «كيف يكون هذا؟!»، وبدأ بالملاك الذى ظهر ليوسف النجار حتى لا يتردد تجاه هذه الظاهرة العجيبة ولادة طفل من عذراء، هذا الطريق في التاريخ الإنساني لم يبدأ من نقطة ما على الأرض لكنه بدأ من السماء بملائكة يبشرون العذراء والرعاة والمجوس ويوحنا المعمدان … إلخ ثم أخذ هؤلاء الذين تلقوا الرسالة وصدقوها وتألموا لأجلها ولأجل غرابتها، أخذوا على عاتقهم أن يُذيعوها (ميلاد عذراوي)، وساروا في طريق الصليب وانتصروا في القيامة، وها نحن نعيد القصة سنة بعد الأخرى نعلن أن الخلاص جاء في الطفل يسوع في ملء الزمان الذى عاش وعلم وحوكم وصلب وقام وها نحن نعيد معه هذه القصة «تم الخلاص هللويا رنموا».
خبرة رعويَّة
اعتدت في كتابتي للخبرة الرعوية أن تكون تاريخية، أي مرَّ عليها عدة سنوات، كثرت أو قلَّت، حتى أرى الحدث في تفاصيله وتداعياته، لكن للأسف اجتزت في خبرة رعوية حديثة قاسية ومؤلمة، لزميل وصديق وأخ قريب من نفسي، عانى طويلًا مع زوجته التي أصيبت وهي في شبابها بمرض السرطان، وبدأت رحلة طويلة مع المرض إلى أن انتقلت، تاركة له ابنًا في سن الصبا، وبنتًا أكبر من الصبي، وأخرى أصغر، وكان الصبي هو الأمل وهو الحب وهو السند عندما يشيخ الأب، ولكن ما حدث كان مأسويًا بكل المقاييس، فعندما يجتاحنا الحزن لفقدان صديق نتألم، وعندما نفقد أحد الوالدين أو كلاهما يكون الألم أقسى، لكن أن يحدث العكس، فبدلًا من انتقال أحد الوالدين ينتقل الصبي الذي لم يعش حياته بعد، هنا يكون الألم قاسيًا والتجربة في منتهى الصعوبة، وهنا نجد يد الرب وروحه تمتد وترفعنا بقوة، وعادة يظن من يسمعنا ونحن نتحدث عن يد الرب ترفعنا أنَّه يُنسينا الألم، ألم الفراق أو الحزن .. الخ، لكن مصطلح «يد الرب، أو حضور الرب»، يعني غير ذلك تمامًا، فحضور الرب يسوع معنا في مثل هذه الأحداث نشعر به ونراه باكيًا معنا، وحزينًا لحزننا، كما فعل أكثر من مرة عند فقدان أحبائه أثناء تجسده على الأرض، لا شك أنَّ ما فقده القس منسى ناجي، عظيم وكبير، وألمه رهيب، لكن ما يُعزينا أن يسوع يتألم معنا، ويبكي لبكائنا، ولا شك أن مدرسة الألم قاسية جدًا، فلنقبلها كما هي، لأن كل إنسان على الأرض سوف يعاني بطريقة أو بأخرى وإن اختلفت الدرجات، فلنقبل الحياة والموت لأنهما لا يفترقان إلا قليلًا، ولنقبل الموت حتى لو جاء –كما نظن في غير موعده- وحتى لو لم نُدرِك لماذا؟!
حكاية لاهوتية
في آخر محاضرة قبل عيد القيامة مباشرة، أثار أحد التلاميذ سؤالًا هامًا: لماذا يهتم الغرب بالميلاد أكثر من القيامة والعكس صحيح مع الكنيسة الشرقية فالكنيسة الشرقية تهتم أكثر بالقيامة، قال أحد التلاميذ الغرب أفضل لأنّه لولا الميلاد لما كانت القيامة والقيامة نتيجة للميلاد وليس العكس، قال تلميذ آخر لكن لو لم يقم المسيح من بين الأموات لما كان هناك معنى للميلاد ويكون يسوع مجرد واحدًا من أنبياء العهد القديم، ولأن زمن أنبياء العهد القديم قد انتهى منذ ٤٠٠ عام فربما كان عدم الاعتراف بنبوءة المسيح أقرب من الاعتراف بها. قال ثالث لذلك سؤال ما هو الحدث الأهم الميلاد أم القيامة سؤال لا معنى له لأن الإثنين مرتبطان معًا بلا انفصام.
بدأ الأستاذ يجمع أوراقه ويقول لقد كان في عصر المسيح والتلاميذ فلاسفة رواقيين ويونانيين وأبيقوريين وغير ذلك، وكانوا يٌعرَفون بمناقشة مثل هذه الأسئلة التي لا تقدم ولا تؤخر. السؤال الحقيقي كيف نحيا القيامة في المنزل والمدرسة والكنيسة … إلخ.
مختارات
هَزَمَتَك يا موت الفنون جميعًا
هَزَمَتَك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
ومسلة المصري، مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد هَزمتك
وانتَصرت، وأفلت من مكائدك الخلود.
محمود درويش

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى