رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات يوليو 2019

الهدى 1211                                                                                                                               يوليو 2019

لا شك أن الإنسان عندما ينظر إلى المرآة ويظن أن صورته هى ذاته، ويتعامل ويتفاعل معها على هذا الأساس، هو لا يدري أن هناك فارقًا ضخمًا بين الصورة التي يراها وبين الذات التي في الداخل والتي (تشوهها) صورة المرآة. إن الإنسان المسكين يعيش جُل حياته أسيرًا لصورته، ومع الوقت يتماهى معها تمامًا ويعيش في حدودها، فهو يرى وجهًا محددًا جميلًا أو مقبولًا، أو غير ذلك، وكل هذه أمور نسبية بحتة.
هذا فضلًا عن أن الصورة التي نراها في المرآة محدودة بزمان ومكان وحضارة وأسرة وعمل ودين وثقافة وعادات وتقاليد… إلخ، لذلك نجد الإنسان يبذل كل جهده ليحيا في إطار هذه الصورة، ويعمل دوما للحفاظ عليها. وبالتأمل في هذا الأمر جيدًا وبعمق نكتشف أن أكثر ما يعانيه الإنسان في العصر الحديث من إغتراب وقلق وضياع يدل على حال اعتقال. وهذا الاعتقال في الصورة ما هو إلا شكل من أشكال الانحراف المعرفي لأن الذات البشرية بكل إتساعها وعمقها وروعتها تستمد إحساسها بالوجود من الصورة وليس من الأصل، أى من المظهر وليس الجوهر، فالحرية الفكرية مثلًا أو السياسية أو الشخصية ليست وليدة الصورة الخارجية أومنحة منها بالدرجة الأولى بل العكس هو الصحيح، فكل هذه المبادئ الرائعة والتطلع إلى الإنطلاق والحلم بالقيادة والريادة والطموح والحرية هى في الذات، لكنها لا تتحقق لنا بسبب اعتقالها في الصورة، التي نراها في المرآه لذلك يعيش إنسان العصر الحديث يعانى من الإغتراب والقلق والضياع، وهذه المعاناة تدل على استمرار ذلك الاعتقال.
وأن نرضى بهذا الإعتقال ما هو إلا شكل من أشكال تشويه الذات الداخلية لأن الذات البشرية الداخلية في هذه الحالة خاضعة للصورة الخارجية.
إذن فالحرية وفقا لما تقدم، ليست هبة خارجية بالدرجة الأولى، فليس بإمكان القوانين والدساتير المطبوعة على ورق أو المحفورة على حجر أن تضمنها أو تقدمها وأيضًا ليس المسجد أو الكنيسة يمكنهما أن يعطيا الحرية لأحد أو يضمناها له بل ربما العكس، لذلك لا وجود للحرية من دون الفكاك من أسر ذلك الإعتقال، وأى حديث عنها بمعزل عن ذلك الفكاك ما هو إلا مجرد هذر أو دوران في حلقة مفرغة في أحسن الأحوال. والحاجة الآن أن تكون مرجعيتنا الذات بكل غناها وليس الصورة بكل فقرها.
خبرة رعوية
لا يعلم الراعي إن كان من حسن حظه أم سوئه أنه تعامل مع كنائس عدة، كل كنيسة منها تختلف عن الأخرى في طبيعتها ومكانها ومكانتها، بدءًا من كنيسة الريف إلى كنيسة المدينة فكنيسة أو كنائس العاصمة، وأيضًا العمل العام وقد مارسه متفرغا محترفًا ومارسه متطوعًا، وبعد هذه الخبرات كلها يقف الراعي وينظر إلى الوراء ويكتشف بعض الأمور على حقيقتها، وذلك بسبب البعد الزمنى الذى جعله أولًا ينضج في أسلوب تفكيره، والثاني في ترتيب أولوياته، والأخير ينضج في طريقة تقييمه للأماكن والأحداث والعلاقات، ومن الأمور التي تعَّجب لها الراعي ولفتت انتباهه مع مرور الزمن وتراكم الخبرات أن العلاقات أهم كثيرًا من الكفاءات التي تتكون عند الراعي ويتمتع بها وتميزه عن الرعاة الآخرين، فقد كان تركيز الراعي دائمًا أن يقدم فكرًا عميقًا ومدروسًا وجديدًا في كل مرة يتحدث إلى جمهور أو مجموعات صغيرة أو اجتماعات قليلة العدد. وكان يضع العلاقات في الدرجة الثانية، لكنه اكتشف أن حل المشكلات ليست بهذه البساطة، فقد تعود أنه بمجرد ظهور مشكلة ما وحسب تكوين الراعي يبدأ في تحليل المشكلة وأسبابها الأصلية ولماذا تضخمت بهذا الشكل، ويجلس الراعي في مكتبه ويكتب إجابات على أسئلة: لماذا نشأت المشكلة؟ من أين؟ ومن مَن؟ ولماذا تضخمت في هذه الفترة من الزمن بصورة مطردة؟ ما هي أبعاد المشكلة؟ وأخيرًا يقدم عدة حلول للمشكلة… إلخ ويسعد بحلها وقد حدث ذلك معه أكثر من مرة في أكثر من مكان، لكن بعد فترة قليلة من الزمن يكتشف أن المشكلة لم تحل جذريًا بهذه الصورة العلمية، فالطريقة العلمية تجعل الناس يتفقون، وهذا صحيح، وتجعل الناس يحللون، وهذا أيضًا صحيح.
والسؤال إذا كان هذا أو ذاك صحيحًا إذن لماذا لم تحل المشكلة بطريقة جذرية، كان هذا السؤال يلح على الراعي دائمًا، إلى أن بدأ اسمه يُعرف وأصبح إلى حد ما مشهورًا بسبب انتخابه في عمل عام هام متفرغًا، ثم انتخابه في عمل عام غير متفرغ، ومن تحليله لمعظم المواقف التي مر بها في كل هذه المواقع والتي فيها كان الفارق ضخمًا سواء في مستوى التعليم أو مستوى القيادات الكنيسة، أو مستوى الكنيسة نفسها إن كانت لديها مشاريع استثمارية من عدمه.
لاحظ الراعي بأن معظم المشاكل إن لم يكن كلها يبدو أنها تُحلّ بالعلاقات والحكايات والتربيطات والصداقات بغض النظر عن أهمية المشكلة، وطبعًا هذا الأسلوب أسهل كثيرًا من التحليل والتقنين، والمنطق والتفكير العلمي، لكن الإيجابي في الأمر أن الراعي لم يندم على تفكيره العلمى والتحليلى للمشكلات لأن هذا الأسلوب فيه ترويض للعقل وتدريب على التحليل ومقدمات تصل إلى نتائج… إلخ
الشيء الوحيد الذي ضايقه: أن رعاة كثيرين معروف عنهم أنهم ليسوا عميقي الفكر، إستطاعوا أن يحلوا مشاكلهم ومشاكل آخرين وفي أعلى المستويات بالعلاقات، واستمروا في عملهم عشرات السنين بدون تنغيص حقيقي… وكل ذلك ليس لأنهم عميقو الفكر أو لديهم منطقًا موضوعيًا لكن لأنهم أساتذة في العلاقات. ليس هذا فقط لكن في إحدى المشكلات التي كان الراعي يحاول حلها بالمنطق وبعد تحليل عميق للمشكلة من الراعي إذ به يفاجأ بصوت مرتفع من زميل يقول كل هذا لن يصل بنا إلى شيء، الأصل في الموضوع هو حبنا لبعضنا البعض دعونا نغفر لبعضنا البعض واعتبروا الموضوع منتهيًا. تعالوا بس يا جماعة نصلى، وبعد الصلاة إفترق الجمع وهو مقتنع تمامًا أن المشكلة قد حلّت أو انتهت. فهل هذا صحيح؟!
حكاية لاهوتية
دخل الأستاذ إلى قاعة المحاضرات كعادته وبدأ حديثه عن لاهوت التحرير وكيف كان ظهوره جاء نتيجة للقهر السياسى، ثم تحدث عن لاهوت الرفاهية وكيف كان ظهوره نتيجة تفشى الفقر، سأل تلميذ ما هو لاهوت الرفاهية؟ أجابه الأستاذ: لأن الله غني لذلك على كل مؤمن أن يكون غنيًا وصحيحًا وسعيدًا، فالفقر والألم والمرض ليس من إرادة الله، سأل رابع كيف؟ والتلاميذ والأنبياء معظمهم كانوا من الفقراء، ما العلاقة بين اللاهوت والمال أو الثروة؟
قال الأستاذ أحكى لكم حكاية :
كان أحد المؤمنين الفقراء يُدعى بطرس يُعانى من مشكلات في الدورة الدموية وقلبه بالتالى كان ضعيفًا وقد حذر طبيب عائلته من أى أخبار حزينة أو سعيدة تذكر أمامه، وبينما هو في هذه الحالة جاء خبر لعائلته أن جَده لأمه والذي كان رجلًا ثريًا جدًا مات بالخارج، وعند فتح المحامي لوصيته وجد أنه أوصى لبطرس منها بـ 2 مليون دولار، أشفق أهله أن يخبروه لئلا يقضي الخبر عليه بسبب ضعف قلبه، فجاءتهم فكرة أن يستدعوا راعي الكنيسة، ليجلس معه ويحكى له بطريق غير مباشر وبالتدريج عن الوصية.
حضر الراعي وجلس بجواره على الفراش، وبدأ حديثه وهو يبتسم بالقول لنفرض يا أخ بطرس يا حبيبى إن الرب أراد أن يعطيك 2 مليون دولار فما الذي ستفعله بها؟ قال بطرس بدون تردد سوف أعطي لك يا حضرة القسيس مليون دولار من الإثنين نصفها لك والنصف الآخر للكنيسة، وهنا سقط القسيس مصابًا بأزمة قلبية حادة.
هنا هتف التلاميذ بغضب ماذا تريد أن تقول يا أستاذ؟ أمسك الأستاذ حقيبته وإتجه إلى الباب قائلًا أجيبوا أنتم ألم تسألوا عن لاهوت الرفاهية؟
مختارات
«إن الغرور هو الذى يميت إحساسك بالغباء، فتتحرك بين الناس وكأنك الأذكى على الإطلاق ولا تدرك أن من حولك يرون أنك الأغبى»
أرسطو

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى