كلمات وكلمات .. يونيو ويوليو 2022
الهدى 1244-1245 يونيو ويوليو 2022
في أحيان كثيرة نحكم على البشر بطريقة متعجلة وخاطئة، ويحدث ذلك عندما نحكم عليهم بحسب الظاهر وليس بحسب الواقع المُعاش، فهناك كثيرون يبدون شكلًا غير مقبولين، لكن عندما يتحدثون تتغير النظرة إليهم حيث نكتشف مدى علمهم وفهمهم ولباقة الحديث لديهم، هنا أنقل لكم رأى بطرس بطرس غالى المصري الوحيد بل العربي الوحيد الذى اختير أمينًا عامًا للأمم المتحدة، وأنقل لكم كيف تعَّرف على أنور السادات، وماذا كان رأيه فيه يقول: تعَّرفت على أنور السادات في خمسينيات القرن الماضي، أثناء برنامج إذاعي بمناسبة يوم الأمم المتحدة، كان رفاقه ينظرون إليه على أنه العجلة الاحتياطية في العربة، كان المجتمع الراقي في القاهرة يهزأ من الفلاح أنور، الذى كان يؤخذ عليه مزاجه المتقلب، ووصوليته، فهو حينًا مع الإخوان المسلمين وحينًا أخر مع الماسونيين، أو حتى مؤيدًا للنازية الألمانية (هتلر)، ومع ذلك كان الأكثر ثقافة ضمن المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب يوليو(١٩٥٢م) هو الذى كان يحب أن يحيط نفسه بالفنانين والمثقفين والصحافيين، لم يكشف أحد هذا الرجل على حقيقته إلا بعد زيارته للقدس في نوفمبر عام ١٩٧٧م، يومها ولد رجل جديد، نجم جديد، سار نحو الهدف الذى حدده، دون أن يساوره أدنى شك أو أدنى تردد، توقيع السلم مع إسرائيل. قائد يستحق هذا اللقب «رجل دولة» مقتنع بصواب ما يفعل، غير مهتم بإرضاء الجماهير، يرفض الانصياع لديكتاتورية الرأي العام، ويعرف كيف يتخطى تردد أقرب مستشاريه يقول بطرس بطرس غالى – في مذكراته – يجب أن أعترف بأني كنت من بين مجموعة «المحذرين» التي كانت تخشى فشل مبادرة الرئيس السادات، والتي كانت تُفكر سرًا بالاحتمالات البديلة، إلَّا أنَّ الفرق بين السياسي ورجل الدولة، هو أن الأول يفكر في الشعبية اليوم، والثاني يفكر في الجيل الثاني القادم.
نوعان من القادة في الكنائس: قائد يُفكر في الشعبية والانتشار الحالي، بينما الآخر يفكر في الجيل القادم لكنيسته.
عزيزي القارئ: تُرى من أي نوعية أنت؟!
خبرة رعويَّة
كان أول مجمع يتم تعييني فيه هو مجمع ملوي، وأول كنيسة هي كنيسة عزبة أيوب، وهى كنيسة لم تكن رعوية فقد تبادل عليها من كانوا يُطلق عليهم المبشرون والمبشرات وهؤلاء كانوا علمانيين لم يدرسوا اللاهوت، كانوا يَحضرون محاضرات وتدريبات عملية على الخدمة، ويوزعونهم على الكنائس غير القادرة على طلب راعى للكنيسة بكل متطلباته، وكذلك كانت هناك المبشرات اللاتي تساعدن الفتيات وتعلمهن مهن مثل الخياطة ومحو الأمية .. إلخ، وهكذا ذهبت إلى كنيسة عزبة أيوب كأول راعٍ لها، ولأنهم كان لديهم مبشرٌ قبلي يقوم معهم بالذهاب إلى المدينة في حالة الزواج مع أهل العريس والعروس لشراء الشبكة مثلًا، ثم لشراء مستلزمات الحجرة التي سيتزوج فيها الشاب: سرير وكرسيان، لأنَّ غالبية الشباب كانوا يتزوجون في حجرة واحدة من البيت الذى يعيش فيه مع أبيه وغالبًا يبنون هذه الحجرة على السطح لزواجه فيها، وكذلك الحال عند شراء مستلزمات المتوفي «الصندوق – الكفن.. إلخ»، وبما أنى من أبناء المدينة، كانت هذه الأمور غريبة جدًا بالنسبة لي، وفي أول مرة فيها زفاف أو جنازة ذهبت مع الأسرة، وبدأوا يأخذون رأيي فيما يشترونه، لكنهم اكتشفوا إني لا أعلم وليس لدى خبرة لا في شبكة العروس أو صندوق الميت، وليس لي خبرة في الفصال على الأسعار، كنت أقف بعيدًا عنهم وهم يشترون من الدكان، ينادون علىَّ فأذهب إليهم، يسألونني مثلًا ما رأيك في الشبكة؟ أقول «ما ليش خبرة في الحاجات دي»، وفي الجنازة يقولون لي ما رأيك في صندوق الميت أقول «الحقيقة أنا آسف ما ليش خبرة»، وبعد مرتين أو ثلاث رأوا إنني صرت ثقلًا عليهم في الذهاب والعودة، خاصة وأنا كنت أعتبر هذا تضييع لوقتي وجهدي، بالطبع لم أكن أصرح بذلك، لكن كان واضحًا الإحساس بالضيق على وجهى، وعندما يسألونني رأيي في الشبكة أو الكفن والصندوق، كانت إجاباتي بالسلب فوجدوا أنى لست ذات فائدة لهم فتركونني في حالي، شكرتهم في سرى طبعًا وبدأت أستثمر وقتي فيما هو أفضل بالنسبة لي وهو القراءة والدرس والمذاكرة… إلخ.
حكاية لاهوتية
كانت المحاضرة عن الوحي المقدس والإنسان، وكيف على الإنسان أن يتبع الكلمة المقدسة وأن يغير سلوكه وفكره حتى لو كان جيدًا لكي يتسق مع الكتب المقدسة.
وهنا سأل أحد التلاميذ: هل الكتاب المقدس لأجل الإنسان أم الإنسان لأجل الكتاب المقدس؟
قال الأستاذ: أحكى لكم قصة عن الحكيم بوذا وكتابه المقدس، جاء تلميذ لبوذا قائلًا: ما تُعَلم به يا سيدى جميل ومقبول لاهوتيًا لكنه ليس منصوصًا عليه في الكتب المقدسة، قال بوذا إذن ضع تعليمي داخل الكتاب المقدس. قال التلميذ لكن إذا كان ما تُعلم به متناقضًا مع ما هو موجود في الكتاب المقدس ماذا أفعل؟! قال بوذا دعنا نتحاور حوله، فسوف تجده في مكان ما من الكلمة المقدسة إن لم يكن نصًا يكن معنى. قال الأستاذ: حدث حوار حول هذا الأمر في الأمم المتحدة عن (كلام الحكمة المكتوب خارج الكتب المقدسة)، وبعد حوار طويل خرج إعلان يقول : مفروض أن كل ما هو في الكتب المقدسة للأديان جميعًا في كل العالم مقدس ومقبول عند المؤمنين به، فإن كان المكتوب يقود إلى ما هو ضد الإنسانية والروحانية والشرف والأخلاق لا تتبنوه ولا تعتبروه مقدسًا، ثم سأل الأستاذ تلاميذه وهو يجمع أوراقه وكتبه ويضعها في الحقيبة ماذا قال السيد المسيح عندما سؤل هل الشفاء يوم السبت يكسر وصية «أذكر يوم السبت لتقدسه»؟ وبدأ يتحرك، أجابوا ما يطبق على الكتب المقدسة يطبق على يوم السبت «السبت لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت» وبالتالي الكتاب المقدس لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل الكتاب المقدس، والتفتوا بحثًا عن أستاذهم وجدوا سيارته تتحرك بموازاة نافذة الفصل.
مختارات
أفنيَت عُمرك والذنوبُ تزيد
والكاتب الُمحصي عليك شهيد
كم قَلت لستَ بعائٍّد في ذٍّلة
ونذرَت فيها ثم صِرتَ تعودُ
حتى متى لا َترعوى عن لذة
وحسابها يوم الحساب شديد.
من شعر أبى النواس